نظرية الإعتمادية “Dependency Theory” (2/2)


فؤاد النمري
2020 / 8 / 30 - 20:00     

نظرية الإعتمادية “Dependency Theory” (2/2)

أفتتحت محادثات مؤتمر يالطا في فبراير 45 بونستون تشيرتشل يبشر ستالين بأن شعوب بريطانيا مالت إلى اليسار وهي لذلك لن تجدد له . ويبادر روزفلت إلى التعليق بعد أن لاحظ أن ستالين لم يستبشر خيراً متسائلاً .. ألا يعجبك أن تميل شعوب بريطانيا إلى اليسار يا صديقنا ستالين !؟
بتقديري أن هذه المحادثة الأولية لمؤتمر يالطا تشير إلى أمرين أولهما أن ستالين لم يستبشر خيراً بانتصار حزب العمال في الانتخايات لأنه يعلم تماماً أن قيادة حزب العمال تخترقها المخابرات الأميركية فإرنست بيفن (Ernest Bevin) وزير خارجية حزب العمال كان عميلاً مأجورا للمخابرات الأميركية وهو حال تسلمه الوزارة أنشأ مكتباً في الوزارة مختصاً بمقاومة الشيوعية هو (MI6) وتعاون مع مجرم الحرب ترومان في تشكيل حلف شمال الأطلسي العسكري في العام 49 في حين كان تشيرتشل يدعو لتشكيل تحالف حضاري للشعوب الناطقة بالإنجليزية بوجه الحضارة السلافية الشيوعية . أما الأمر الثاني والمفاجئ للجميع فهو أن روزفلت الذي أنقذ النظام الرأسمالي من الموت الزؤام قد أمسى في نهاية الحرب يسارياً لا بل ستالينياً كما عير عن ذلك في مفكرته اليومية قبل أن يموت في 12 ابريل 45، وفي مؤتمر طهران ديسمبر 43 رفض أن يستضاف في غير السفارة السوفياتية وينام في غرفة قريبة من غرفة نوم ستالين كاسراً بذلك كل قواعد البروتوكول الرسمية .
نحن نستذكر هذه المحادثة الإفتتاحية لمؤتمر يالطا للتدليل على أن شعوب العالم كانت قد أدركت في العام 43 بعد معركتي موسكو وستالينجراد الفاصلتين أن النظام الإشتراكي هو النظام الأقوى والأفضل للإنسان وإلا لما كانت شعوب الاتحاد السوفياتي لتستبسل كل ذلك الاستبسال في مقاومة النازي وتحقق أولى الانتصارات على هتلر في موسكو وستالينجراد في حين لم تصمد فرنسا الإمبراطورية الإمبريالية، ربّة الديموقراطية البورجوازية لم تصمد أمام الغازي النازي أكثر من خمسة أسابيع قبل أن تستسلم .
في مايو 43 والجيوش السوفياتية تستعد لمعركة كورسك (Kursk) التي قصمت العمود الفقري للعسكرية الهتلرية تأكد لقائد الثورة الإشتراكية العالمية يوسف ستالين أن الحرب العالمية الثانية قررت نهاية النظام الرأسمالي العالمي وقد غدا إنتقال العالم إلى النظام الاشتراكي ليس إلا مسألة خواتيم وقد عبر عن ذلك فيما بعد في مؤتمر الحزب 1952 وبناءً علية قرر ستالين أن الأممية الشيوعية لم يعد لها وظيفة تقوم بها فقرر حلها . يُساء تفسير الحل كونه استرضاء لقادة الغرب في حين أن زعماء الغرب كانوا في العام 43 بحاجة لاسترضاء ستالين وليس العكس .

إنعكس ميزان القوى لصالح الغرب في الستنينيات وبدأت سياسات ترومان في مقاومة الشيوعية تحقق نجاحات ملموسة . عشرات الإنقلابات العسكرية الدموية الرجعية نجحت في العديد من الدول المستقلة حديثاً وانهزمت مصر هزيمة فاضحة وقتل لومومبا وأخذت موسكو تواجة تمردات اجتماعية في الدول الاشتراكية نفسها ووصل حدود الإستكانة لدولة خروشتشوف "دولة الشعب كله" وليس دولة دكتاتورية البروليتاريا للسماح للمارينز الأمريكان إعتلاء السفن السوفياتية المتجهة إلى كوبا للتفتيش ,

في مثل تلك الأجواء، أجواء وفاة الاتحاد السوفياتي قائد الثورة الاشتراكية العالمية وجدت الدول التي نهضت تتحرر وتستقل في حماية الاتحاد السوفياتي الجبار، وجدت نفسها وقد تيتمت كما الأيتام في مأدبة اللئام حيث ليس هناك من يمد يد المساعدة لبناء الإقتصاد المستقل . في تلك المواجهة المصيرية الصعبة قفز بعض قادة هذه الدول مثل أنور السادات في مصر إلى حضن الفاشية الأمريكية . أما عامة الذين ناضلوا طويلاً من أجل التحرر ولإستقلال رفضوا الإستكانة والتخلي عما كانوا قد حققوه، فرأوا أن بإمكان الدول المستقلة حديثاً أن تتطور ذاتياً أي بالإعتماد على الذات، وما كان ذلك ممكناً بغير نظرية الإعتمادية (Dependency Theory) ، هذه النظرية شكلت الإطار الذي رسم امير أمين داخله كل تنظبراته .
نظرية الإعتمادية تسيء فهم النظام الرأسمالي إذ تقول أن النظام الرـسمالي يتشكل من عالمين : عالم الجنوب الفقير وعالم الشمال الغني وما ذلك إلا لأن ثروات دول الجنوب تفيض إلى دول الشمال فتغنيها ويظل الجموب فقيراً على فقره.
مثل هذا التنظير الفج يجانب الحقيقة فدول الشمال تدفع أثمان المواد الخام التي تستجلبها من الجنوب . في الحقبقة أن دول الشمال عملت على إغناء دول الجنوب . فالمواد الخام لا قيمة لها إن لم تشترها دول الشمال ؛ وبالإضافة إلى ذلك فقد أوجد الاستعمار أعمالاً مختلفة في المستعمرات وزادت من قوى الإنتاج وتطوير المجتمع مادياً وثقافياً . الاستعمار الأنجلو فرنسي أقام في شرق المتوسط عشرين عاماً فقط عرفت شعوبه خلالها كل أشكال الحياة المدنية، حتى الجنسية الوطنية لم تعرفها شعوب شرق المتوسط قبل الإستعمار . ولولا الاستعمار ما كان لدينا طبقة بورجوازية تقود الثورة ضد الإستعمار، وطبقة عمالية تنادي بالإشتراكية، بل وما كان لدينا مفكرون من مثل سمير أمين وأمثاله .
العيب الرئيسي لدى أصحاب نظرية الإعتمادية هو أنهم يبنون كل تنظيراتهم عبى اعتيار أن التناقض بين الدول الرأسمالية وشعوب دول العالم الثالث هو التناقض الرئيس وليس التناقض بين الرأسماليين والعمال . منظرو الاعتمادية لا يتجاوزون ماركس فقط الذي بنى نظريته بناءً على وحدة النظام الرأسمالي بل استولدوا نظيرتهم بعد انهيار العوالم الثلاث فيا بعد الحرب العالمية الثانية واختفاء كل التناقضات التي رافقتها فبن تلمس تنظيراتهم الأرض بل ظلت معلقة في الهواء .

نظرية الإعتمادية التي افترضت التنمية الاجتماعية بدون الاعتماد على المركز الإشتراكي أو الرأسمالي فلم تجد وسيلة للتنمية في دول العالم الثالث المتخلفة سوى الفلاحة !! يبدو أن السيد سمير أمين لم يعتبر من إدارة بول بوت الهمجية في كمبوديا الذي خطط لبناء الشيوعية عن طريق الفلاحة .
الفلاحة وسيلة إنتاج بورجوازي ولا تنتج فائض القيمة ولا تراكم الأموال , الفلاحة كانت وسيلة الإنتاج الوحيدة للنظام الإقطاعي . تكامل بناء النظام الإقطاعي قبل القرن العاشر وانتهى مع نهاية القرن الثامن عشر، أي أنه استمر ثمانية قرون دون أن يتطور من داخله قيد أنملة . ليس الأقنان هم الذين أطاحوا بالنظام الإقطاعي بل هم الأقنان الذين هجروا الفلاحة ليعملوا في الصناعات البورجوازية الصغيرة .
الخطأ الفاحش الذي انطوت عليه نظرية الإعتمادية القاضي بتطور الأطراف (Peripheries) بالإعتماد على الذات جرّ سمير أمين لاقتراف خطأ أكثر فحشاً كدعوته الأطراف المتطورة حسب تصوره للقيام بثورة اشتراكية عالمية تحاصر المراكزالتي رفضت التحول إلى الإشتراكية – تنتفخ ذات سمير أمين لحدودها القصوى عندما يتراءى له نجاحه في مغالبة ماركس ؛ من يتعاطى الأفيون يستشعر قمة السعادة وأنه صاحب السطوة العليا في محيطه .

معارضتنا لمشروع سمير أمين الخنفشاري تنطلق من حقيقتين ..
الأولى وهي أن سمير أمين لا يعلم ما الذي اعتور مشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية بعد أن حقق نجاحات ما زالت محل إعجاب العالم ؛ ولا يجوز لكائن من كان أن يقترح مشروعا اشتراكياً مختلفاً عن المشروع اللينيني قبل أن يعرف أسباب انهيار الإشتراكية السوفياتية وسمير أمين لم يعرف قط .
الثانية وهي أن سمير أمين لم يتعرف نهائياً على النظام الدولي في ثمانينيات القرن الماضي وما يعدها فتنظيراته ظلت تعالج عالم العوالم الثلاث التي انهارت تماما خلال النصف الثاني من القرن العشرين فبات العالم عالماً مسطحاً وقد حلت البورجوازية الوضيعة محل كل الطبقات الغابرة والبورجوازية الوضيعة ليست طبقة إذ لا تنتج سبباً من أسباب الحياة . سمير أمين الذي يحمل درجة الدكتور في الإقتصاد لم يتعرض يوماً لاستبدال الذهب غطاء لمختلف نقود العالم بالدولار المكشوف من كل قيمة . ولماذا يعتبر الولايات المتحدة قلعة الرأسمالية الإمبريالية بالرغم من أنها اليوم أكبر مستورد في العالم للبضائع ورؤوس الأموال وتستدين كل دقيقة مليون دولار كما أكدت مولولة نانسي بيلوزي رئيسة الكونجرس . ألا يدل هذا على أن الدكتور سمير أمين ليس أميناً على علمه خليك عن الماركسية !؟
المشرق العربي مبتلى بأدعياء الماركسية الذين لا يعلمون لماذا انهار الإتحاد السوفياتي بدءاً بياسين الحافظ والياس مرقص في سوريا وحسن حمدان في لبنان وسمير أمين في مصر .