عن -محمود عزت- القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين..أحكى


رياض حسن محرم
2020 / 8 / 30 - 04:49     

ولد "محمود عزت" لأب ميسور الحال يعمل مقاولا، وحين بلغ الرابعة ذهب للإقامة مع جده لأمه بحى السكاكينى، وعاش طفولة مختلطة ما بين جده الذى كان يتلو القرآن بصوت رخيم، وبين اللعب مع أقرانه فى المعبد اليهودى القريب، وما بين جيران من المسيحيين واليهود يتزاورون ويتهادون فى سلام ودعة وتسامح، وفى شارع محمد رفعت بالعباسية كان اول تماس له مع شعبة الإخوان المسلمين التى دخلها وانتمى الى فريق الأشبال بها، وعقب حظر الجماعة عاام 1954 تم اغلاق الشعبة، وانصرف الفتى الى حاله، لكن الى حين، بعدها انتقلت الأسرة للإقامة بحى "مصر الجديدة" عام 1960، حيث اشترى الجد بيتا هناك، فى تلك الأثناء كان الفتى ينتقل الى مرحلة الشباب، وقد كان منغلقا انطوائيا ينظر الى النساء بتقزز، وبعد حصوله على الثانوية العامة بمجموع ضعيف، عاد الى البيت القديم واعاد الثانوية مرة اخرى، واستطاع تحقيق مجموع مكنه من الإلتحاق بكلية الطب.
فى المسجد الصغير للكلية تعرف على العناصر الإخوانية الذين التقطوه بسهولة وجندوه فى تنظيم الإخوان، وعلى رأس هؤلاء كان الطالب الإخوانى "صلاح عبد الحق"، وفى عام 1962 تعرف بالمسجد على الشاب السورى الإخوانى المتحمس "مروان حديد" الذى أمده برسائل البنا وكتب "سيد قطب" التى صارت دليله ومهجه الى الفكر الإخوانى، وقد كوّن منهم حديد خلية اخوانية سلمها قبل ان يغادر مصر الى تاجر الغلال الدمياطى "عبد الفتاح اسماعيل" (الذى اعدم مع سيد قطب)، وكان دليل اتهام ضد محمود عزت فى قضية 1965، حيث حكم عليه بالسجن لعشر سنوات.
وفى السجن التقى "مصطفى مشهور" عضو التنظيم السرى، وقد نشط الحاج مصطفى واستطاع أن يجمع مجموعة كبيرة تجاوزت الـ50 فرداً من الإخوان كتنظيم خاص ، وقد كان عزت من كبار هذه المجموعة، فقد أحبه مشهور، وأُعجب هو بمشهوروبتضحياته و"جهاده" ، وخرج الاثنان معاً من السجن فى 1974، وقبيل تولي مشهور في العام 1996 منصب المرشد العام تمدد عزت داخل التنظيم، واستطاع الفوز في انتخابات مجلس الشورى العام 1995
يتسم عزت بدرجة عالية من الغموض المبالغ فيه، فهناك أجزاء مهمة فى حياته مظللة ومحجوبة، فما نعرفه أنه تعرف على الجماعة وهو لم يتجاوز التاسعة، وقيل أنه انتمى اليها فى هذا السن، ولكنه انضم للإخوان رسميا سنة 1962فى بداية العشرينات من عمره بعد التحاقه بكلية طب القاهرة، وظل نشطا فى إطار الجماعة، وفى العام 1965 تم القبض عليه فى اطار قضية "سيد قطب" واتهم مع محمد بديع " المعيد بكلية طب بيطرى أسيوط" حيث تم توجيه الإتهام لهما بالإنضمام الى تنظيم سيد قطب، وفى محاضر التحقيق اعترف "بديع" بكل ما يعرفه من معلومات عن زملائه، بينما لم يعترف عزت على أى فرد فى التنظيم، ولكن ذلك لم يمنع من الحكم على عزت بالسجن عشرة سنوات، قضى منها تسعا بالسجن، وأفرج عنه الرئيس السادات مع كل المحبوسين من الإخوان عام 1974.
تكررت حبسات محمود عزت كثيرا، منها تلك الحبسة فى القضية الشهيرة "سلسبيل" عام 1993، وهى القضية التى داهمت فيها أحهزة الأمن شركة للكمبيوتر تابعة للمهندس خيرت الشاطر وحسن مالك ليجدوا كنزا من المعلومات فى أحد الكمبيوتيرات عبارة عن سجل كامل باعضاء الجماعة ولائحتها وتقسيماتها الإدارية، ووجدوا وثيقة "التمكين" التى تشتمل خطط الإخوان فى السيطرة على المجال العام فى مصر (النقابات والإتحادات والجمعيات)، وتذكرنا تلك الواقعة بما عرف فى تاريخ الجماعة بحادث "السيارة الجيب" سنة 1948.
فى عام 2009 فى نهاية ولاية "مهدى عاكف" كمرشد عام للجماعة، جرت انتخابات عامة للتنظيم، لإختيار مكتب ارشاد ومجلس شورى جديدين، بالإضافة الى انتخاب مرشد عام جديد، وهى الإنتخابات التى هندسها ورتّب نتائجها "محمود عزت" بمعاونة خيرت الشاطر، وتم فيها الإجهاز على مجموعة المعارضين فيما أشبه ب"مذبحة القلعة" الإخوانية، وفى تلك الإنتخابات تم التخلص من مجموعة من القيادات على رأسها "محمد حبيب، النائب الأول للمرشد"، و"عبد المنعم أبو الفتوح" الوجه الأبرز فى الجماعة، وابراهيم الزغفرانى من قيادات الأسكندرية والبحيرة، والمحامى الأشهر "مختار نوح" وغيرهم الكثير، فى مقابل تصعيد عناصر غير معروفة الى مكتب الارشاد والشورى، مع ترشيح "محمد بديع" لمنصب المرشد العام، كل ذلك تم تحت توجيه وسيطرة "محمود عزت" المعروف بأنه صانع مرشدى الجماعة، واللذى يشغل عضو مكتب الإرشاد منذ عام 1981، وقد اختفى عزت بعد ثورة 30 (يونيو) 2013 في مصر التي أطاحت بحكم الإخوان، فلم يعرف أين هو، هل هو في داخل مصر أم خارجها؟ هل هو من يدير التنظيم أم هناك غيره؟ هل هو حقاً مسؤول عن كل تلك العمليات الإرهابية التي حدثت أم غيره؟
جاء تولية محمود عزت منصب المرشد فى عام 2013 عقب الإطاحة بمحمد مرسى والقبض على "محمد بديع" مرشد الجماعة، وعلى "خيرت الشاطر" النائب الأول، فجاء الدور تلقائيا على الثعلب محمود عزت ليشغل دور القائم بعمل المرشد، ولم يظهر عزت للعلن منذ ذلك التاريخ.
كان عزت قد برز دوره فى الجماعة منذ تولى "مصطفى مشهور" ذلك القطبى القح، وعضو التنظيم السرى "الذى أسسه حسن البنا وأوكل قيادته الى عبد الرحمن السندى"، والمتهم الأول فى حادث السيارة الجيب 1948، ومنئذ بدأ اعتماد مشهور على العناصر المتشددة وأوكل اليهم المفاصل الحساسة للتنظيم، أصبح عزت من العناصر الموثوقة ومعه بديع، وبعد أن تولى عزت مسؤولية القائم بعمل المرشد عام 2013 بدأت العمليات الإرهابية فى التصاعد متخذة من شمال سيناء مركزا لها، (وسواء تم ذلك بترتيب من عزت أو لم يكن)، فقد كان الرجل بتاريخه المتطرف، وبواقع وجوده على رأس التنظيم، هو المسؤول الأول عن تلك الأحداث، ورغم وجود عناصر أكثر دموية منافسة له، على رأسها الدكتور/ محمد كمال " مؤسس الجماعات النوعية كتنظيم (حسم) ومجموعة حلوان وغيرها"، الاّ أن عزت ظل ممسكا بشدة بقيادة التنظيم، ولم يغادر مصر اطلاقا رغم الكثير من الشائعات التى روّجها المقربيين منه عن سفره خارج البلاد كجزء من التمويه على أجهزة الأمن، وليس أدّل من قوة عزت وقدرته على المناورة من حسمه النزاع داخل الجماعة، واستعادة القيادة من الجبهة الشبابية التى قادها الدكتور/ محمد كمال قبل تصفيته على يد قوات الأمن، ومن هنا لا يمكن انكار بيان الداخلية الذى تضمن، (إن "عزت" هو "المسؤول الأول عن تأسيس الجناح المسلح بجماعة الإخوان، والمشرف على إدارة العمليات الإرهابية والتخريبية التي ارتكبها التنظيم بالبلاد").
في يونيو عام 2016، وجه عزت رسالة صوتية إلى أبناء (الجماعة" وأنصارها في مصر، مؤكدا أن الجماعة "تمثل النواة الصلبة للمشروع الإسلامي الحضاري العالمي في مواجهة نظام عالمي مادي لا إنساني، ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية تنفرد بقيادته وتحالفت معهما القوى الاستعمارية الشرقية والغربية، مستغلين الطائفية المهلكة والعرقية المنتنة لتمزيق الأمة ونهب ثرواتها)، وقيل وقتها أن صدور هذا البيان بصوته، هو للدلالة فقط على أنه على قيد الحياة، وأنه القائد والممسك بزمام القيادة.
الخلاصة:
ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على محمود عزت يوم 28 أغسطس 2020 بإحدى الشقق السكنية بمنطقة التجمع الخامس، شرق القاهرة