ظاهرة شعراء الكيس* - ثورة التجديد الشعري- مع الشاعر والصحفي مكي النزال - الحلقة التاسعة من – لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا- في بؤرة ضوء


فاطمة الفلاحي
2020 / 8 / 29 - 20:15     

أفهم الفن، أي فن، على أنه نظام جمالي يمتاز بالانضباط، ويكون العمل الفني مدهشا بقدر ما يستطيع أن يجد تراكيب جديدة ومدهشة رغم ذلك الانضباط الصارم للقوانين الفنية. غير أن ثمة عاملان مهمان أديا الى ظهور ظاهرة خطيرة سأسميها ظاهرة شعراء الكيس؛ أما الأول فهو الاتجاه الى كتابة النصوص النثرية بلغة شعرية بما يعرف بقصيدة النثر أو النص المفتوح، الذي صور للبعض أن الشعر مركب سهل كل ما يحتاج اليه أن تكون عارفا بالقراءة والكتابة والهذيان، وأما الثاني فهو النشر الألكتروني المتاح للجميع من غير ضوابط أو مسؤولية، وقد أسهم هذان العاملان في إحداث نقلة نوعية في الأدب العربي، ولكنهما في الوقت نفسه أنتجا موجة عارمة من التشويش، وطوفان من شعراء الكيس.
د. ثار العذاري

14.ما رأيك في الكاتبات والكُتَّاب العراقيين وقدراتهم اللغوية في فن الكتابة ومامدى عمقها في مرامحهم؟ وهل بقيت صفحات بعضهم عارية لايسترها إلا غلاف مجموعاتهم الشعرية؟

في كل شيء تكون الكثرة للغث والندرة للسمين وهكذا هو حال الشعر والأدب، لكن العراق أنجب وينجب مبدعين ومبدعات في جميع ألوان الأدب وفي أقسى الظروف التي مر ويمر بها العراق. وسائل التواصل الاجتماعي فسحت المجال للمُجيدين ليوصلوا أدبهم، لكنها أيضًا فتحت الأبواب لمن يحاول دون جدوى. هنا يأتي دور القارئ للتمييز بين الجيد والرديء.
للسّلاطين دور كبير في رفع الرصيد الجماهيري للأديب، فهم يحتضنون مَن يمتدحهم ويُغدقون عليه الأموال والمناصب، ولأن السلاطين لا يفقهون من الإبداع شيئًا فهُم يرفعون الرَّديء ويُبعدون المُجيد إلا في حالات نادرة توافق فيها الإبداع مع الوصول فكانت حالة ارتفاع نجم يستحق المدار.
لقد هجرتُ منابر الشعر والأدب وابتعدت في كتاباتي الصحفية حدّ التخفِّي لمدَّة طويلة لكي أتفادى الوقوع في فخّ التكسُّب ومصيدة المعارضة غير الشرعية، مع أنِّي لا أنفي أن غيري لم يبيعوا ضمائرهم فكان بعضهم وطنيًّا واشتُهر وآخر في معارضة حقيقيَّة لم يبع ضميره. لنقل إني آثرتُ السلامة في واقع مرير لا يصلح لما أقول من الشعر وما أكتب من رواية أو مقالة.
لاحظوا معي أني لم أفصِّل وأُسهب في جزئيَّة المزيَّفين – أو إن شئتم أن تقولوا المُزيِّفين – مع أن بعضهم يحتلُّ مساحة واسعة من السّاحة الأدبية ويرتقي المنابر مكابرًا ومفاخرًا كطاووس أبهره ذيله! هؤلاء سيلفظهم الإبداع ويمحوهم التّاريخ من صفحاته؛ أو ربما يذكرهم تحت فصل: الرَّديء من الشعر في عقود!

أَلا أَيُّها الشِّعرُ ماذا أَرى؟ = أَراكَ تُباعُ وَلا تُشتَرى
رَديئُكَ في حَفلِ رَقصٍ طَغى = وَسادَ المِنَصَّةَ والمِنبَرا
وَما كانَ غَثًّا عَلا صَوتُهُ = وَحَظُّ سَمينِكَ أَن بُعثِرا
تَمادى بِكَ الصبيَةُ التّافِهونَ = وَمَنْ جِئنَ مُبتَذَلًا مُنكَرا
وَلَوْ أَنَّ عَنتَرَةً بَيْنَنا = لَقالَ ادفِنوني بِعُمقِ الثَّرى
أَيُعقَلُ أَنَّ امرئَ القَيسِ لمْ = يُرَحَّبْ بِهِ فانزَوى مُجبَرا؟
وأَنَّ ابنَ كُلثومَ لَمْ يُنتَخَبْ = أَميرًا، وَمَجهولهُم أُمِّرا؟
وَيا وَيْلَهُم إن أَفاقَ لَهُم = جَريرُ، لأَفحَشَ إن جَرْجَرا
أَمَحضُ غَباءٍ يَدورُ بِنا؟ = أَم الأَمْرُ في ظُلْمَةٍ دُبِّرا؟
يَقولونَ: أَقصِرْ وَلا تَلْتَفِتْ = وَغَيْرُكَ عَن هَجْوِنا أَقصَرا
أَفِدْ مِن قَصيدِكَ ما تَشتَهي = فَلَسْتَ نَبِيًّا بِنا مُنذِرا
وَعَبِّئ سِلالَكَ مِن خَيْرِنا = وَإِلّا فَعِشْ بائِسًا مُعسِرا
لَنا البَحْرُ فاختَرْ ضفافًا عَفَت = أَو امضِ على كَفِّنا مُبحِرا
وَقُلْتُ بَلِ البَحرُ لي مَوْجُهُ = سَيُغرِقُ مَن خانَ إن زَمْجَرا
أُسَيِّرُ أَشرِعَتي في المَدى = وَأُلجِمُ ريحَكُمُ الصَّرصَرا
وَأَحمِلُ مَنْ حَلَّقوا أَنجُمًا = وَمَن كابَدوا لِبُلوغِ الذُّرى
أَنا كاهِنُ الشِّعْرِ، أَسمو بِهِ = وَنَسمو مَعًا لا نَذوقُ الكَرى
أَمامي وَخَلْفي لَهُ فِتْيَةٌ = يُراعي كَبيرُهُمُ الأَصْغَرا
إِذا جَرَّدوا فيهِ أَقلامَهُم = تَزَلزَلَ فِرعَوْنُ واستَنفَرا
وَإِن نَسَجوا حَرفَهُم رايَةً = أَحاطَتْ بِحَقِّ الوَرى مِئْزَرا

• شعراء الكيس : عنوان مقالة الدكتور ثائر العذاري ، المنشورة في الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24