الإمارات – تطبيع أم فرض سياسات الهيمنة الامبريالية الصهيونية على المنطقة


خليل اندراوس
2020 / 8 / 29 - 11:27     


من بين كل مناطق العالم الكبرى المنتجة للنفط فان منطقة الخليج العربي بل الامريكي، هي الاكثر احتمالا لأن تشهد صراعات وحروب على الموارد وفرض سياسات الهيمنة والسيطرة الامبريالية – الصهيونية على المنطقة وذلك لأن الخليج العربي لا بل الامريكي واقول ذلك لان انظمة الاستبداد والديكتاتورية العائلية القبلية تعمل في "سرير" واحد مع الامبريالية العالمية وكلاهما متولهين بالدبر "المؤخرة" اليهودية – الصهيونية، يمتلك حوالي ثلثي مخزونات النفط العالمي وكلما ارتفع الطلب على النفط والطاقة تزداد سياسات فرض الهيمنة الامبريالية – الصهيونية على المنطقة شراسة وعدوان وحصار وتسلح يخدم شركات صناعة السلاح في العالم الامبريالي ضد مصالح وحاضر ومستقبل شعوب المنطقة.

فمثلا منذ اندلاع الحرب العدوانية الاجرامية للتحالف السعودي – الاماراتي ضد الشعب اليمني ابرمت الولايات المتحدة الامريكية صفقات مع المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة بل الامارات التخريبية، لا تقل قيمتها عن 68.2 مليار دولار شملت انواع الاسلحة المتطورة المختلفة والتدريب العسكري. وكل هذا يشير الى تورط الولايات المتحدة وقاعدتها الامامية في المنطقة اسرائيل، في الحرب الاجرامية الكارثية على اليمن ونفقات الاسلحة الامريكية هذه تتجاوز المبلغ المخصص لتمويل خطة الامم المتحدة للاستجابة الانسانية لليمن لسنة 2019 الذي لا يتجاوز 4 مليارات دولار بـ 17 ضعفا.



فهذا الثالوث الدنس الامبريالي الصهيوني الرجعي العربي يعمل بكل الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية والاستراتيجية من اجل تعميق الصراعات والانشقاقات الدينية والاثنية في منطقة غرب آسيا من ايران واليمن والعراق وسوريا وليبيا وحتى لبنان، خدمة لمصالح طبقة رأس المال العالمي خاصة الامريكي الصهيوني العالمي وشركات صناعة السلاح، تجار دم الشعوب فمثلا عندما كان يحكم ايران عميل امريكا واسرائيل – شاه ايران، والذي قام بقتل اكثر من 350 الف رفيق من حزب تودا وبمساعدة الموساد الاسرائيلي ارتبطت السعودية بعلاقات صداقة مع ايران، واليوم السعودية ودول الخليج العربي – الامريكي ادخلت كل منطقة الشرق الاوسط في صراعات ليس فقط على اساس صراع بين دول بل الى صراع ديني بين سنّة وشيعة.

وهكذا اصبحت الدول العربية الرجعية التي تدعي بأنها انظمة عربية اسلامية حليفة لاسرائيل والصهيونية، وتعمل على التطبيع بل الخيانة مع دولة الاحتلال والاستيطان والحصار والتمييز العنصري الصهيوني الاسرائيلي من خلال رؤية ايران عدو مشترك لهذا الثالوث الدنس، ورؤية اسرائيل بالحليف، حيث يخطط هذا الثالوث الى اقامة حلف "ناتو" اسرائيلي – عربي في الشرق الاوسط ضد محور المقاومة.



ولكن نقول لهؤلاء بدون حل عادل للقضية الفلسطينية من خلال اقامة الدولة الفلسطينية بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين من كل اماكن تواجدهم لن يكون هناك سلام ولا تطبيع مع شعوب المنطقة ليس فقط في منطقة الشرق الاوسط بل في العالم. فالقضية الفلسطينية قضية كونية انسانية عادلة.

سياسات الثالوث الدنس في منطقة الشرق الاوسط خلقت صراعات بين دول المنطقة بل وداخل بعض الدول ومثل على ذلك سوريا واليمن والعراق وليبيا وهذه السياسات الارهابية التخريبية للثالوث الدنس دفعت دول المنطقة وخاصة السعودية والامارات الى شراء كميات كبيرة من الاسلحة الحديثة، فمنذ ان جلب رفع سعر نفط الاوبك في عام 1973 – 1974 دخلا اضافيا لبلدان الخليج والسعودية، انفقت هذه الدول بشكل مشترك مئات بلايين الدولارات على الاسلحة المستوردة من شركات صناعة السلاح وخاصة الامريكي. وهذا المال الذي تم دفعه لهذه الشركات هو دعم مباشر للامبريالية العالمية واقتصادها على حساب شعوب المنطقة. فلو تم استغلال جزء بسيط من هذه بلايين الدولارات لدعم اقتصاد دول المنطقة وشعوبها لكانت الدول العربية تعيش في ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ارقى من سويسرا في اوروبا.



ولكن بدل ذلك تقوم الولايات المتحدة – الشيطان الاكبر في العالم – بالتدخل في الحرب العدوانية للتحالف الاجرامي السعودي الاماراتي على اليمن والتي تسببت في نزوح الملايين وتفشي الامراض وانتشار المجاعة.

وهذه هي ايضا سياسة الولايات المتحدة في سوريا والتي تقوم بسرقة النفط السوري بشكل علني اجرامي وقح لا يقبله أي ضمير انساني، وهذا ما تقوم به تركيا اردوغان الذي يريد ان يستعيد اوهام دوره الامبراطوري الرجعي العثماني في ليبيا، ويسرق مياه دجلة والفرات ويقطع الماء عن الحسكة ويجد من يدعمه ويقبله للاسف بيننا، وكذلك الامارات التي تسعى للتطبيع مع اسرائيل لها دور في سياسات التدخل الخارجي في شؤون ليبيا بهدف تمزيق هذه الدولة الى شرق وغرب.

في شهر شباط عام 2019 قرر مجلس الشيوخ الامريكي مشروع قانون لانهاء الدعم العسكري الامريكي للتحالف، وقد صوت مجلس النواب ذي الاغلبية الدمقراطية بواقع 247 صوتا مقابل 175 صوت لصالح هذا القرار، ولكن الرئيس الامريكي المأفون دونالد ترامب هدد باستخدام حق النقض لالغائه.

وفي تصريح لموقع "ميدل ايست أي" افاد السناتور كريس ميرفي الذي يعد واحدا من بين المشرعين الثلاثة وراء مشروع القانون الذي حظي بتأييد الحزبين بانه "ينبغي على الرئيس ترامب ان يقرر ما اذا كنا سنواصل تقديم المساعدة العسكرية للجيش السعودي لقتل آلاف المدنيين ومنع المساعدات الانسانية من الوصول الى اليمن".

لقد ابرمت بعض صفقات بيع الاسلحة الامريكية للتحالف السعودي الاماراتي الاجرامي ضد اليمن وشعبها، بعد ايام فقط تبين ان الاسلحة الامريكية استخدمت خلال الغارات الجوية التي نفذها التحالف الذي تقوده السعودية والتي اسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، بما في ذلك التلاميذ الذين لقوا مصرعهم اثناء رحلة ميدانية او الضيوف الحاضرين خلال حفل زفاف، او العائلة التي مات جميع افرادها وابنتهم الصغيرة البالغة من العمر خمس سنوات في منزلهم بصنعاء.



فالولايات المتحدة الامريكية تقوم بدعم انظمة استبدادية تقتل المدنيين وتسبب في كارثة انسانية في اليمن، وكذلك في سوريا. ان هذه السياسة وصمة عار اضافية في تاريخ الولايات المتحدة، يقول العديد من الخبراء انه من دون الاسلحة الامريكية لكان التحالف السعودي الاماراتي غير قادر على شن الحرب في اليمن وحسب بيانات صادرة عن عدة مؤسسات دولية فان ثلاثة من اصل كل خمسة اسلحة مستوردة من قبل التحالف مصنعة في الولايات المتحدة، وذلك وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام ، وقد استخدمت وتستخدم بعض هذه الاسلحة في اكثر من عشرات الغارات الجوية التي يشنها التحالف ضد اليمن وشعب اليمن، وهجمات القنابل العنقودية التي اسفرت عن مقتل المدنيين او استهدفت المستشفيات والقرى على مدى السنين الاخيرة وذلك وفقا للمنظمات غير الحكومية ووسائل الاعلام.

ووفقا لتصريح السيناتور الامريكي مينديز فان ترامب يتجاوز الكونغرس لبيع اسلحة الى السعودية والامارات من المستحيل قياس المدى الكامل لضلوع الولايات المتحدة في الحرب العدوانية الاجرامية ضد اليمن.

في مؤتمر صحفي عقد في الفترة الاخيرة صرح وزير الخارجية الامريكي بومبيو ان: "دعم الجهود التي تقودها السعودية يهدف لمنع اليمن من التحول الى دولة عميلة لجمهورية ايران الاسلامية الفاسدة والوحشية، السعودية والامارات تعتمدان اعتمادا كبيرا على الولايات المتحدة في حربها على اليمن، خاصة الحرب الجوية العشوائية ضد الشعب اليمني واهتمام الامارات بشراء مقاتلات اف – 35 الامريكية ودفع مبالغ ضخمة مقابل ذلك، في النهاية يخدم مصالح الولايات المتحدة وشركات صناعة السلاح الامريكية، ودعم الاقتصاد الامريكي.

وكانت بعض التقارير الاعلامية تتحدث عن صفقة محتملة بين الولايات المتحدة والامارات مشيرة انها تأتي بمثابة احد الشروط للتطبيع لا بل تركيع الامارات امام اسرائيل، ويأتي رئيس الشؤون الاسلامية بالامارات ويقول بان اتفاق السلام مع اسرائيل ينطلق من قيم ديننا.



ويطرح السؤال لهذا الشخص لماذا لا تبحث عن سلام مع ايران، لماذا لا تبحث عن سلام في اليمن، وعن السلام في سوريا كل هذه الدول، التي تعتبر دول تنتمي الى نفس الدين مع الامارات. ودعم سياسات اسرائيل الاحتلالية الاستيطانية الكولونيالية العنصرية على ارض فلسطين هي ايضا وصمة عار اخرى في تاريخ الولايات المتحدة الامبريالية الشيطان الاكبر في عصرنا الراهن.

ولكن في النهاية التطور التاريخي الجدلي الموضوعي لا بد وان يخلق صراعات داخلية في دول الخليج العربي لا بل الامريكي والمملكة الوهابية لآل سعود الذين وصلوا الى السلطة بدعم بريطانيا الامبريالية حين تنازل اول ملك لآل سعود عن فلسطين لليهود المساكين، حيث كتب بخط يده بان "لا مانع لدي من اعطاء فلسطين لليهود المساكين" والذين يحافظون على بقاءهم ووجودهم بدعم امريكي الآن، حيث يزداد في هذه الدول الدخل النفطي والذي يذهب الكم الاكبر من هذه الاموال الى نخبة صغيرة من الامراء فتراكم هذه الثروة الكبيرة جدا في ايدي نخبة بارزة يثير بشكل طبيعي الاستياء من جانب جماهير الشعب الواسعة والتي تتمتع بامتيازات قليلة جدا مقارنة مع الامراء والعائلات الحاكمة، وتظافر هذا الاستياء مع مصادر اخرى للاستياء والسخط سواء كانت ذات طبيعة دينية ام سياسية ام ايديولوجية لا بد وان تؤدي الى نتائج احتجاجية انفجارية ضد هذا الواقع في السعودية ودول الخليج الذي يمتاز بأنظمة ديكتاتورية فاسدة.

ان ما يميز الوضع في الخليج العربي لا بل الامريكي والمملكة الوهابية السعودية هو ان القوى الامبريالية العظمى خاصة في السابق بريطانيا والآن الولايات المتحدة، اختارت التدخل في النزاعات المحلية في المنطقة وداخل هذه الدول بهدف تأمين تدفق النفط الحر والحفاظ على مصالحها في المنطقة. فقد لعبت بريطانيا دورا اساسيا في شؤون الخليج ما قبل الحرب العالمية الاولى وحتى اوائل السبعينيات، اما الولايات المتحدة فقد كانت لاعبا اقليميا كبيرا منذ الاربعينيات من القرن الماضي، وانطلاقا من الايمان بان حرية الوصول الى طاقة الخليج – النفط – هي ضرورة لأمن امتيهما – بل اكثر لأمن وسيطرة طبقة رأس المال في هذه الدول الامبريالية، فان قادة البلدين قرروا بشكل منتظم استخدام القوة للتغلب على ما كان يعتبر بمثابة عوائق امام انتاج وامدادات النفط لهذه الدول الامبريالية وحصار ايران الاقتصادي واحتلال العراق، والمؤامرة على سوريا بهدف تمزيقها الى دويلات لاكبر دلائل على هذه السياسة العدوانية الامبريالية ضد شعوب المنطقة.

في الوقت الحاضر لم تعد بريطانيا تمارس دورا عسكريا كبيرا في الخليج، لكن الولايات المتحدة قد وسعت بشكل مطرد وجودها العسكري في المنطقة، حتى عندما تم تخفيض القوة العسكرية للولايات المتحدة في مسارح الحرب المحتملة الاخرى، فالعالم بالنسبة للامبريالية الامريكية مسرح لحروب محتملة من اجل الموارد والمصالح، مثل اوروبا والشرق الاقصى، فقد تم نشر قوات اضافية في الخليج، يكفي ان نذكر بان اكبر قاعدة عسكرية امريكية في العالم موجودة في قطر، هذا بالاضافة الى قواعد عسكرية اخرى في السعودية والعديد من دول الخليج.



وعندما قامت الولايات المتحدة الامبريالية بنشر هذه القواعد العسكرية طرحت سياسة عدوانية واضحة وهي السيطرة المطلقة على النفط العربي ومنطقة غرب آسيا، ولكن كما وصف وزير الخارجية الايراني جواد ظريف اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب ارسال قوات اضافية الى المنطقة بأنها "خطيرة للغاية على السلام والامن الدوليين ويجب مواجهتها".

ولكن هذه السياسة العدوانية لا بد وان تواجه بتحدي ونضال وكفاح من قبل شعوب المنطقة ضد الولايات المتحدة الشيطان الاكبر في المنطقة، وضد سياسات اسرائيل والتحالف السعودي العدواني في المنطقة، وفشل المؤامرة على سوريا، ووجود محور المقاومة الذي يلقى الدعم الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي والعسكري من روسيا والصين هو دليل واضح لرفض شعوب المنطقة لسياسات الثالوث الدنس والتي تهدف الى فرض الهيمنة والسيطرة المطلقة على غرب آسيا والتطبيع الاماراتي، بل الخيانة الاماراتية والطعن بظهر الشعب الفلسطيني هدفه ليس السلام ولا احقاق حقوق الشعب الفلسطيني بل يهدف الى فرض واقع جديد اسوأ من الهيمنة الامبريالية الصهيونية على المنطقة، ولكن هذه المؤامرات والخيانات ايضا مصيرها الفشل الذريع. فسلام الشعوب بحق الشعوب، وأنا شخصيا عندما انظر الى كل وردة حمراء، ارى اسم فلسطين يخرج من قلب الوردة، فما دام اللون الاحمر والطريق الاحمر واقع موضوعي، فجدلية التطور ستنتصر لصالح قضية فلسطين الكونية الانسانية العادلة، شاء من شاء وأبى من أبى.