حاسب نظامك قبل ان تحاسب الماركسي


عذري مازغ
2020 / 8 / 28 - 20:36     

بعض النقد أو النقض طنين ملوث للمسامع! من لا يستطيع توجيه خطابه للنظام الذي يحكمه هو بعيد ان ينصح او ينتقد ناس او تيارات أو احزاب (وبالتعميم) لا يد لها فيما يقع خصوصا إذا انطلقنا من حسابات بسيطة لا تحتاج لغة كبيرة ولا جهد تفكير:
في المشرق وفي شمال إفريقيا، كل الأنظمة ديكتاتورية مع استثناءات قليلة تطرح فيها إشكالية الديموقراطية طرحا غريبا، تركيا مثلا: دولة ديموقراطية علمانية، لكنها تدريجيا تتحول إلى ديكتاتورية بصيغ الديموقراطية نفسها، كلما ارتفعت شعبية أردوغان كلما اطمأن إلى نتائج إيجابية في انتخابات قادمة، كلما اهتزت شعبيته صعد من لغة التآمر والإنقلاب ولغة الأمن القومي لتزويد سلطته السياسية بتشريعات جديدة تؤمن له دوام هيمنته، نفس الشيء حصل في مصر مع مورسي بتكييف مختلف، مورسي غطت لهفته للحكم كل بصيص أمل في الحكم، سارع، دون ان يعطي انتعاشا بسيطا للمواطن إلى التشريعات تكييفا مع سلطته الجديدة والحال أنه في أعراف الحكم، حتى في الملكية أيضا، يسعى الأمير الخلف (الذي كان وليا للعهد في حياة أبيه) والرئيس المنتخب الجديد في نظام انتخابي، يسعيان إلى وقع بصمتهم في الحكم بشيء يميزهم عن اسلافهم (لاحظوا مبادرات ولي العهد السعودي الذي يبدو انه استفاذ كثيرا من تاريخ الملوك في العالم)، وهذا الشيء بالتحديد يجب أن يكون خيرا على الأمة : أن تظهر في اعماله الأولى نتائج تبشيرية على حياة المواطن لضمان أتباع أقوياء من جهة وخلق رأي عام موجب حول شخصه من جهة اخرى، ذلك ما حاوله أول رئيس منتخب بتونس بعد هروب بن علي، لكن بطريقة متسول محترف، حاول أن يعطي انطباعا للشعب على أنه أول رئيس مسكين، حاول ان يكون شعبويا بسلوكه الشخصي دون ان يمنح للشعب حلولا في الإقتصاد والإجتماع والسياسة (أتذكر هنا غذاءه في محفل اممي بالولايات المتحدة، حاول ان يعطي انطباعا للشعب أنه يعتمد على جيبه في الغذاء في التسويق الدولي واختارمطعما عاما في نيويورك او واشنطن لا أتذكر في الوقت الذي فيه البروتوكول العام لحفلات الغذاء أو العشاء هو فرصة خلق علاقات تعاون وصداقات مع دول اخرى).
ذلك ايضا ما فعله محمد السادس في المغرب في أول سنة ولايته: إزاحة إدريس البصري المكروه شعبيا، تشكيل حكومة يساروية بجلب اليوسفي إلى راس الوزارة حيث حينها كان لحزبه مد شعبوي، ثم القيام بأعمال خيرية مستحسنة من الفقراء برغم انه في كثير من الأحيان كانت هرولات غير قانونية من قبيل إعفاء مسؤولين وتعويضهم بآخرين دون اللجوء إلى مجالسهم وقوانينهم الداخلية كما توجب الأعراف في المؤسسات الديموقراطية (فطبيب رئيس مستشفى لم يحضر أثناء زيارة الملك المفاجئة لمصحته لا يعني أن هذا الطبيب مذنب بل يعني قصدا تضحية به ككبش لأجل سمعة مطلوبة شعبيا ) هذه الأعمال من الملك صنعت منه "ملك الفقراء" بنصب الإعلام الفرنسي الذي سوق للعالم وجود ملك للفقراء مع ان للفرنسيين مكرهم الآخر: ف"ملك الفقراء" عبارة لا تحتاج إلى تأويل وإيحاء إلى الإحسان من قبيل ملك يساعد الفقراء بل هي حقيقة موضوعية: ملك يحكم شعبا من الفقراء.
في الأيام الأخيرة احتدم الجدل حول اليسار في المغرب، لكن دون تمييز، بل بخلط عشواء، فالمقصود ليس يسار الحكومة أوما تسميه الحكومة نفسها بالمعارضة، بل المقصود هو الفكر الماركسي بالتحديد الذي مات عند البعض يوم هدم حائط برلين وكأن قناعاتنا مبنية أساسا على حائط برلين! أي ان هؤلاء لا يرددون إلا خرافات فرانسيس فوكوياما الذي هو نفسه تراجع عنها..! ويراد بكل هذا التراجع على مواقف كانت سابقا ولا زالت لهذا اليسار الماركسي هي موقفه من الإمبريالية بشكل عام وتصنيفاتها الجديدة : اللغة لا تغير من واقع الشيء لكي يتحول الموقف تجاهه.
الماركسية لم تمت بدليل هذا الهجوم الكاسح لرعاع البرجوازية (في المشرق او شمال إفريقيا ليست حتى برجوازية بل أجراء يعتقدون بوهم أنهم برجوازيون)، الماركسية مخيفة، وهذه حقيقة ولذلك يهاجمونها برغم انها ليست في هذه البلدان مسؤولة عن اوضاعهم بل هي الأنظمة والحكومات التي تحكمهم
"ليست الماركسية أو معتنقيها هي المشكلة في المغرب، النظام المغربي هو المشكلة لأنه ببساطة هو الحاكم"
" المواقف الأممية التي تنسب إلى الماركسية: الموقف من فلسطين هو نفسه موقف كل اليسار الماركسي في العالم من قضية فلسطين، ومن كل قضايا التحرر في العالم، لا داعي إلى قومجة الموقف قومجة عربية، لا علاقة للماركسيين بنظام البعث في سوريا والعراق ولا نظام جمال عبد الناصر..!"
" النظام المغربي الذي تساندونه هو النظام الأكثر اهتماما وتمويلا لأنظمة أخرى غير وطنية: لجنة القدس، المساعدات الطبية لدولة المغرب الفقير لدول أخرى والتي هو في حاجة إليها، الدخول في حرب اليمن، الزايير سابقا، الصومال وهلم جرا.. أي ليس الماركسي هو من يبذر الناتج الوطني على قضايا دولية نحن في حاجة إليها"
" أغلب الماركسيين المغاربة هم في السجن بسبب مواقفهم حول قضايا وطنية وليس حول قضايا شعوب اخرى وهذا دليل على اولئك الذين يقومجون اليسار الماركسي بانتفاء الوطنية فيه فيما هم غارقون حتى النخاع في تاييد نظام قومجي عروبي متورط في قتل شعوب أخرى تواقة للتحرر".
"يعجبني "العياش" او "البلطجي" لانه ببساطة موقفه واضح، يؤيد النظام المخزني في المغرب في سوئه وخيره اما الذي هو عياش ويريد ان يظهر نفسه على انه مستقل فهو منافق .
"أخطر عياش في المجتمع هو العياش المثقف الذي يتقن لعبة التوهيم الإيديولوجي.."
ينطلق النقد لوضع دولة خاصة من طرح أرقامها في التنمية، في الإقتصاد، في الفقر، في الدخل القومي، في الدخل الفردي، في عدد العاملين، في عدد العاطلين، في مستوى الامية، في عدد الجامعات والمدارس والثانويات، في عدد المصحات، في مستوى الغناء او الفقر، في عدد الأميين وعدد المتمدرسين، في معرفة عدد المنخرطين في الضمان الإجتماعي، في التأمين الصحي في عدد متوسط الأسرة، مستوى الوعي السياسي، مستوى التعليم عندنا، مستوى تاقلمنا مع العصر من خلال التكنولوجية الرقمية ومن خلال الصناعة والأعمال ومن خلال العدالة الإجتماعية و... وبعبارة اخرى، معرفة هذه الأرقام هي ما سيجعلك مواطن حقيقي هذا هو ما نعبر عنه امازيغيا ب"أمز اشال".
المشكلة في المغرب ليست هل انا مع قضايا دولية اتعاطف معها ليصبح موضوعا يلهيك عن موقفك من قضايا وطنك..
الماركسية هي ثقافة حقوقية قبل كل شيء!