هل الدعوة لجبهة شعبية ... شعار المرحلة في العراق؟


كاظم حبيب
2020 / 8 / 27 - 20:01     

لقد شهد العراق فترات مظلمة وعصيبة كثيرة منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة في العام 1921، لاسيما مع نجاح الانقلابيين البعثيين والقوميين في عام 1963 في إسقاط الجمهورية الأولى وإقامة جمهورية القمع والإرهاب الفاشي وسفك الدماء التي اقترنت بممارسات تجسد أيديولوجية تتميز بالشوفينية والعنف والقتل اليومي على أيدي الحرس القومي والأجهزة الأمنية والمنظمات الحزبية البعثية والقومية اليمينية التخلص من المختلفين معها، إضافة إلى عمليات الاعتقال الكيفي والتعذيب والتغييب وتزييف الإرادات والتزوير والكذب والمراوغة ونهب خيرات البلاد وموارده المالية ومحاولة قتل المئات في قطار الموت الشهير. وزاد البعثيون بعد انتزاعهم الحكم ثانية في عام 1968 بأساليب فاشية وعسكرية إضافية، منها العنصرية والشوفينية والإبادة الجماعية للكرد والكرد الفيلية وعرب الجنوب والوسط، والتهجير القسري لمئات الآلاف من العرب والكرد الفيلية بذريعة التبعية الإيرانية، وكذلك الرغبة في التوسع في المنطقة وعسكرة الدولة والمجتمع وخوض الحروب في الداخل ونحو الخارج. خلال فترة البعث عاش الشعب العراقي في ظلمتين ظلمة السجون وظلمة المجتمع السجين، إضافة إلى الظلم والقهر الاجتماعي والسياسي والحصار الاقتصادي. هذا كان حتى إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة 2003.
أما بعد عام 2003 فأن شعب العراق بكل قومياته عانى ومازال يعاني من كواؤص وأزمات ومحن إضافية لا مثيل لها، أغلبها يضعنا أمام سياسات تدميرية متعمدة للاقتصاد والمجتمع تترافق مع نهج مفتت لوحدة الشعب والتآخي القومي ووحدة الأرض العراقية، حيث يزداد استخدام الأساليب الوحشية لقهر المجتمع ونضاله عبر ممارسات الدولة العميقة بكل مؤسساتها وميليشياتها ومكاتبها الأمنية والاقتصادية وفرق الخطف والاغتيال، وجماعات النهب الواسع للمال العام العراقي وتصديره إلى إيران بكل السبل غير الشرعية والتحكم بمسارات العراق السياسية. أؤكد بما لا يقبل الشك بأن أي عدو حقيقي للأحزاب الاٌسلامية السياسية، الشيعية منها والسنية، ما كان في مقدوره أن يسيء لها بقدر إساءتها لنفسها ونظامها السياسي وللمرجعيات التي تعتمدها. وهذا لا ينطبق على العراق، بل وعلى النظام الإسلامي الشيعي الصفوي الإيراني الذي استطاع تحويل الأحزاب الإسلامية السياسية العراقية ليس إلى حليف متعاون معه، إلى عميل ينفذ ما يريده النظام الإيراني ومرشده علي خامنئي. وهنا تكمن مأساة هذه الأحزاب ومحنة الشعب معها.
فاليوم، لا تواجه قوى الانتفاضة الشبابية وقوى الأحزاب الوطنية المشاركة فيها وحشية قوى الدولة العميقة ومن معها في سلطات الدولة الثلاث فحسب، بل أصبح نهج الظلم والجور والبؤس والفاقة والحرمان والقتل اليومي للنشطاء المدنيين هو السمة المميزة والواقع السائد في البلاد. فجميع فئات المجتمع تواجه الابتزاز والقهر وسرقة لقمة عيشها. لقد توزعت الميليشيات الطائفية المسلحة للأحزاب الإسلامية السياسية على محافظات ومدن ومحلات العراق على شكل محاصصة لتمارس اضطهادها وابتزازها ونهبها للسكان. لقد أصبح المجتمع بفئاته الاجتماعية في مواجهة مباشرة مع حفنة ضالة وظالمة من النخب السياسية المهيمنة على قيادات الأحزاب الإسلامية السياسية والقومية اليمينية المتخلفة والفاسدة وميليشياتها المسلحة التي تشكل قاعدة الدولة العميقة في البلاد. ماذا يعني ذلك؟ إن هذا يعني أولاً وقبل كل شيء: إن عملية تغيير 9ذ9 الحالة الكارثية لم تعد مهمة القوى السياسية الوطنية والديمقراطية واليسارية وقوى الانتفاضة الشبابية الجارية منذ الأول من تشرين الأول 2019 فحسب، بل هي مهمة الشعب كله، مهمة كل الطبقات والفئات الاجتماعية التي تجد في النظام القائم إساءة وإهانة كبيرتين وقهر متواصل للشعب وحياته وحريته وكرامته ومستقبل بناته وأبناءه. ن هذا الواقع المر يبلور يوماً بعد آخر المهمة السياسية المباشرة التي تواجه المجتمع العراقي كله التي تتلخص بالعمل الجاد والمتواصل لتعبئة كل القوى العراقية، أحزاباً وقوى وجمعيات ونقابات وجماعات وشخصيات مستقلة ترى ضرورة الخلاص من النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد القائم باعتباره جوهر الإصلاح والتغيير المنشودين.
إن هذا التشخيص يتطلب من قوى الانتفاضة الشبابية في كل المحافظات والمدن العراقية وكل الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية والنقابات والجمعيات والشخصيات الوطنية المستقلة والناس المتدينين المؤمنين بالدولة الديمقراطية التي تفصل بين الدين والدولة والسياسة وتريد إقامة المجتمع المدني الديمقراطي أن تدرك الحقيقة التالية:
لا يمكن لأي من هذه القوى بمفردها مواجهة طغمة الأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة والدولة العميقة القائمة فعلاً، ولا حتى أي تحالف بين جزبين أو مجموعتين، بل تتطلب المهمة الكبرى تحالف كل القوى المناهضة لهذا النظام السياسي المحاصصي الفاسد، تتطلب قيام جبهة شعبية واسعة جداً تشمل الشعب كله، تتطلب جبهة شعبية بشارع سياسي عريض جداً يتحمل كل الأطياف الوطنية الراغبة في التخلص من الواقع المرير القائم، تتطلب عقد لقاءات سياسية واسعة تبحث في التقارب فيما بينها وفي الاتفاق على المهمات التي طرحتها الانتفاضة الشبابية الباسلة، تتطلب مناقشة سبل وإمكانية إقامة جبهة شعبية نضالية لدعم الجهود المشتركة لتنفيذ المهمات التي وافقت حكومة مصطفى الكاظمي تنفيذها خلال عام واحد والتي وجدت تعبيرها في البرنامج الحكومي والتي اكدت عليها قوى الانتفاضة، تلك المهمات التي لم يتحرك الكاظمي نحوها بشكل جاد ومسؤول حتى الآن.
إن قيام جبهة شعبية واسعة ستكون أداة أساسية بيد الشعب لممارسة الضغط المطلوب على حكومة مصطفى الكاظمي للالتزام بما وعد به وتعهد بتنفيذه، ولم يتحقق منه شيئاً يذكر، من جهة، وفي التصدي السلمي بصوت واحد ويد واحدة لكل القوى المناهضة للإصلاح والتغيير المنشودين من جهة أخرى. ومن أجل كسب المزيد من الرأي العام العراقي والعربي والعالمي إلى جانب الأهداف التي يناضل الشعب لعراقي من أجلها وقدم حتى الآن أغلى التضحيات من دماء بناته وأبناءه البواسل ومن جرحاه ومعوقيه.
أملي أن تجد فكرة إقامة الجبهة الشعبية نقاشاً حيوياً واسعاً من جانب كل القوى الوطنية النظيفة في البلاد. أدرك تماماً الصعوبات الكبيرة الذاتية والموضوعية التي تعترض تحقيق هذه المهمة، إضافة على مؤامرات ومناورات ومكائد أعداء التغيير. ولكن متى كانت المهمات النضال الوطني والديمقراطي سهلة ويسيرة. سيبقى الشع، كل الشعب يردد:
الشعب ما مات يوماً وأنه لن يموتا إن فاته اليوم نصر ففي غدٍ لن يفوتا
طريقنا أنت أدرى صخر وشوك كثير والموت من جانبيه لكننا سنسير