نظرية الإعتمادية “Dependency Theory” (1/2)


فؤاد النمري
2020 / 8 / 27 - 20:00     

نظرية الإعتمادية “Dependency Theory” (1/2)

كتبت قبل أيام عن "من يكون سمير أمين !!" فعلق أحدهم متسائلاً نيف أكتب عن سمير أمين دون أن أتعر ض لتنظيراته العديدة !! كانت مقالتي عمن يكون سمير أمين ولبست عماذا قال سمير أمين .

سمير أمين قال مقالات كثيرة يقتضي نقدها كتابة مجلدات وهذا أمر جهيد لا تستحقه . مع ذلك يترتب علي تبريراً لموقفي الإتهامي والمعارض لسمير أمين أمام القراء على الأقل لأن أستدل على الإطار الكلي الذي رسم أمين داخله كل خطوط تنظيراته بألوانها الفاقعة .
من المعلوم تماماً أن كارل ماركس كان قد بنى مشروعه حول مستقبل البشرية تبعاً لنظريته في التطور الإجتماعي ليس على مجرد افتراضات مسبقة بل على تحليل مادي عياني معمق والذي ما زال موضع تقدير كبار علماء السياسة والإقتصاد والفلسفة حتى بابا روما بندكتوس شهد يقول ليس مثل ماركس من حلل النظام الرأسمالي . بالتحليل المادي المعمق وجد كارل ماركس أن النظام الرأسمالي هو نظام عالمي (World System) وبناء علية ينتهي النظام الرأسمالي بثورة دائمة (Permanent Revolution) تقوم بها البروليتاريا في مركز النظام الرأسمالي ولا تنتهي قبل أن تنتصر الثورة في كافة دول العالم .

في أكتوبر 1917 انتفض البلاشفة بقيادة فلاديمير لينين يستكملون أهداف الثورة البورجوازية في فبراير 1917 بعد أن تخاذل قادتها في تحقيق شيئاً من أهدافها . اليورجوازية الروسية الهشة بمختلف أطيافها رفضت البلاشفة يقودون الثورة البورجوازية – وهو ما قررته الأممية الثانية في العام 1912 – وذهبوا بعيدا وأعلنوا الحرب المسلحة تحت شعار "الموت للبلاشفة" مؤتلفين مع بقايا القيصرية والإقطاع . التفت جماهير العمال والفلاحين حول البلاشفة ووسحقوا الطبقات المعادية .
في مارس 1919 افتتح لينين الإجتماع التأسيسي للأممية الشيوعية الثالثة (COMINTERN) وأعلن الثورة الشيوعية العالمية الدائمة ومركزها موسكو بعد أن خانت الأحزاب الاشتراكية الطبقة العاملة في دول غرب أوروبا وشاركت في الحرب تأكيداً لمصالح الإمبرياليين . المآثر العظمى التي حققها البلاشفة خلال ثلاثين عاماً فقط (52-1922) بقيادة قائد البروليتاريا نسيج وحده يوسف ستالين ستظل صفحات فريدة في سجل التاريخ تستوقف المؤرخين الديوقراطيين بانشداه شديد .

في 28 فيراير 53 جرى اغتيال ستالين بالسم من قبل رفاقه في القيادة وتبع ذلك انقلاب عسكري عمل على عزل الحزب بقيادة المتعاون خروشتشوف وإلغاء كافة مقررات مؤتمر الحزب التاسع عشر، وفي العام 56 طلب خروشتشوف جلسة خاصة بعد انتهاء المؤتمر العشرين حبث وقف يخطب خطاب العهر والخيانة تحميه حراب العسكر يندد بإيقونة العمل الشيوعي ويدين الدولة السوفيانية التي بناها ستالين بالقمع وتكميم الأفواه . في يونيو 57 بعد أن قرر المكتب السياسي للحزب تجريد خروشتشوف من وظائفه قام العسكر بانقلاب ثان وطردوا 7 من مجموع 9 أعضاء في المكتب السياسي، وفي العام 59 قرر مؤتمر الحزب الحادي والعشرون قطع العلاقة العصوية بين ثورة التحرر الوطني والثورة الاشتراكية خلافاً للمبدأ اللينيني القائل بالوحدة العضوية للثورنين، وفي العام 1961 قرر المؤتمر الثاني والعشرون تفكيك دولة دكتاتورية البروليتاريا التي هي الدمغة الماركسية الوحيدة للثورة الإشتراكية . في العام 53 بدأ لهيب الثورة الإشتراكية يخبو وانطفأ تماماً مع تفكيك دولة دكتاتورية البرزليتاريا في العام 61 .
هذه الحقائق التاريخية الهامة والقاطعة في تقريرمستقبل البشرية تقول بذاتها أن الاتحاد السوفياتي دولة دكتاتورية البروايتاريا مركز الثورة الاشتراكية العالمية فيما قبل الخمسينيات ليس هو الاتحاد السوفياتي المتصالح مع القوى الإمبريالية فيما بعدها ؛ وهذا أمر ترتب عليه قيام عشرات الإنقلابات العسكرية الدموية الرجعية في الستينيات في الدول المستقلة حديثاً كأندونيسيا والعراق وسوريا ومصر والسودان والجزائر وفي قبرص والكونغو وغانا وفي الأرجنتين والتشيلي ؛ حتى كان أن وصل الأمر بالرئيس السوفياتي ليونيد بريجنيف لأن يستعطف قادة الدول الرأسمالية الامبريالية الكبرى في مؤتمر هلسنكي 1975 لأن "نلتقي في منتصف الطريق فلا يخسر كلانا". النظام السوفياتي فيما بعد الخمسينيات يؤكد استعداده لحماية مصالح الإمبريالية – ذلك كان موقففه في هزيمة مصر 67 !!
ما فاقم من خطورة الإنقلا ب على الإشتراكية في الاتحاد السوفياتي هو أن العصابات الحاكمة الجديدة في الحزب الشيوعي حرصت أشد الحرص على طمس الوقائع المتوالية للإنقلاىب مثيل حفظ مقررات المؤتمر التاسع عشر للحزب في صندوق حديدي مقفل لا يفتحه غير الرئيس السوفياتي – جهدت كثيرا في الثمانينيات كي أحصل على وقائع مؤتمر الحزب التاسع عشر وهو آخر مؤتمر يحضره ستالين وفشلت مع أن قرارات الحزب يجب أن تكون علنية في الأصل .

كيف لنا أن نعتمد تنظيرات سمير أمين الذي قصر كل حياته الفكرية في نقد الثورة الإشتراكية وهو يجهل تماماً وقائع الإنقلاب على الإشتراكية في الاتحاد السوفياتي في خمسينيات القرن الماضي وظل يعتمد على أن اشتراكية ستالين هي نفسها اشتراكية خروشتشوف !؟ هل تحدث يوماً سمير أمين عن إلغاء دكتاتورية البروليتاريا في الاتحاد السوف6ياتي في العام 61 واستبدالها بـ "دولة الشعب كله" . سير أمين لم يقل كلمة واحدة عن "دولة الشعب كله" التي لا تعني غير وقف البناء الاشتراكي ورفضه .

تكاثر نقاد الماركسية اللينينية والإشتراكية السوفياتية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وكان سمير أمين أبرز هؤلاء النقاد . الدالة الثابتة التي تدل على أن أحداً من هؤلاء النقاد بمن في ذلك سمير أمين نفسه ليس مؤهلاً للقيام بهذه المهمة التي تقتضي فيما تقتضي ليس التفقه بعلم الماركيسية الدقيق والصعب فقط بل بقراءة تاريخ ثورة أكتوبر قراءة دقيقة وموضوعية أيضاً . أحداً من هؤلاء النقاد لا بل ومن الأحزاب الشيوعية أيضا لم يعرف ولم يبحث لأن يعرف أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي وهو الدليل القاطع على أنهم لم يقرأوا تاريخ الاتحاد السوفياتي وتنتفي ذبلك أهليتهم لنقد المشروع اللينيني أو لأن يكونوا شيوعيين حقيقيين ؛ لماذا وقف ستالين في الساحة الحمراء في الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر الرابعة والعشرين في 7 نوفبر 41عندما كانت موسكو مطوقة بـ 4.5 مليون جندياً نازيا مسلحين بأرقى أنواع الأسلحة آنذاك وقف يؤكد للمسكوبيين الذين بدأوا يهربون من موسكو خشية سقوطها بأيدي وحوش النازية، يؤكد ألا خوف على سقوط موسكو وأن الاتحاد السوفياتي ما زال قادرا على سحق قطعان النازية . بينما بالمقابل وقف ستالين في مؤتمر الحزب التاسع عشر في أكتوبر 52 يحذر من أخطار جدية تهدد مصائر ثورة أكتوبر وكان ذلك بعد أن خرج الاتحاد ىالسوفياتي من الحرب العالمية كأقوى قوة في الأرض وأنجز مأثرة إعادة الإعمار خلال فترة قصيرة نسبياً . هذا لغز صعب على التفكيك . من لا يفككه ليس له أن يتفوه بحرف في نقد الإشتراكية السوفياتية . لقد أساء سمير أمين لنفسه عندما ادعى مؤخراً أن انهيار الاتحاد السوفياتي كان بسبب التصنيع السريع 1928 – 38 الأمر الذي اضطره إلى التخلي عن برنامج بوخارين القاضي بتنمية الفلاحة .. "أيها الفلاحون إغتنوا بأنفسكم !" .
المستهجن حقاً هو أن سمير أمين قضى العمر كله يراجع الماركسية اللينينية وينتقد الإشتراكية السوفياتية دون أن يقرأ صفحة واحدة من تاريخ الإتحاد السوفياتي الأمر الذي يحكم على أن كل نقوداته هي من خارج الموضوع . يجمع المتخصصون في العسكتاريا على أنه لولا التصنيع السريع في الثلاثينيات ونقل المصانع مع بداية الحرب من روسيا الأوروببة إ‘لى روسيا الأسيوية لسقط الاتحاد السوفياتي خلال أسابيع قليلة تحت الاحتلال النازي كما سقطت فرنسا . في السنة الثانية للحرب كانت الأسلحة السوفياتية تتفوق على الأسلحة النازية من صناعة القارة الأوروبية بأكملها بنسبة ثلاثة أضعاف كماً ونوعاً .
في العام 1957 اقترح خروشتشوف إحياء برنامج بوخارين الزراعي المتمثل بخطة "إحياء الأراضي البكر والبور" وهو ما اقتضاه القيام بانقلاب عسكري ضد الحزب وطرد قيادة المكتب السياسي للحزب . إثر تطبيق برنامج خروشتشوف الزراعي بدأ تسارع الانحاد السوفياتي في الانحلال والتفكك . ثمة ضروب من الغباء تثير الضحك لكن ليس مثل الضحك الذي تستدعيه قراءة تفاصيل تطبيق مشروع خروشتشوف كما في مذكراته .