إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج - الفصل الثالث من كتاب - إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية و الثورة الشيوعية العالمية


شادي الشماوي
2020 / 8 / 25 - 14:58     

إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج -
الفصل الثالث من كتاب -
إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية
و الثورة الشيوعية العالمية
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 37 / جوان 2020
شادي الشماوي
إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية
و الثورة الشيوعية العالمية

ملاحظة : الكتاب بأكمله صار متوفّرا للتنزيل بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن .
-------------------------------------------------------

مقدّمة الكتاب 37 :
حيثما يُوجد إضطهاد توجد مقاومة . هذه جملة شهيرة لماو تسى تونغ وهي تلخّص حقيقة ماديّة موضوعيّة ما نفتأ نلمسها لمس اليد يوميّا في عالمنا اليوم . و الإضطهاد ألوان . أشكال الإضطهاد مختلفة و متنوّ‘ة و منها القديم و منها الحديث ؛ و إلى جانب الأشكال المعهودة من غضطهاد النساء و الإضطهاد الطبقي و الإضطهاد القومي ، برز في هذه الأسابيع الأخيرة إضطهاد عنصريّ ، هو في آخر التحليل إضطهاد طبقي ، للسود في الولايات المتّحدة . و لئن كانت لهذا الصنف من الإضطهاد جذور تمتد بعيدا و عميقا في التاريخ إلى العبودية و تجارة العبيد أصلا ، فإنّه اليوم يتّخذ بوجه خاص شكل إعتداءات على الحقوق الإنسانية و المدنيّة و الفرديّة ... متكرّرة و ممنهجة للنظام الرأسمالي- الإمبريالي الأمريكي و أساسا لذراع من أذرعته المسلّحة و حماة الطبقة الرأسماليّة الإحتكاريّة و فارضي نظامها ، للشرطة على السود ، بالإهانات و الميز العنصري و الفصل العنصري في شتّى مجالات الحياة الاجتماعية و السجن الجماعي إلخ وصولا إلى القتل العمد و بدم بارد و على الملأ ، مع إفلات المجرمين من العقاب في الغالب الأعمّ من الحالات ، ما جعل الأمر يوصّف على أنّه ضرب من ضروب الإبادة الجماعية .
و المقاومة مقاومات . فبصفة عامة ، ثمّة المقاومة العفويّة التي يبديها المضطهَدون بالأشكال الدنيا المتاحة لديهم غير أنّها غالبا ما تدور حول مطلب أو عدّة مطالب تستهدف إصلاحات ضمن النظام القائم ، و سرعان ما تنطفأ نار شمعتها لضبابيّة المشهد أمام المقاومين و قياداتهم و الإلتفاف عليها بإطلاق بعض الوعود أو الإصلاحات ، إن لم تُقمع تمام القمع في حمّام دم . و ثمّة مقاومة واعية ثوريّة هدفها تغيير النظام القائم و إجراء تغييرات عميقة للإطاحة به و إرساء نظام جديد . و حتّى لا يتمّ تركيع هذا النوع من المقاومة الواعية الثوريّة ، سواء بإطلاق الكلام المعسول و الوعود الطنّانة أو بالقمع الدموي أو بكلاهما معا ، ينبغي أن يرتقي الوعي الثوري إلى الفهم العلميّ العميق للمشكل و للحلّ . فدون فهم علمي عميق و صحيح لأصل الداء و سببه أو أسبابه ، من العسير إن لم يكن من المستحيل معالجته معالجة صائبة تحقّق التغيير الثوري المرجوّ ، و دون إدراك علمي سليم للحلّ الصحيح و مقتضياته ، يبقى الثوريّون و الثوريّات يدورون في حلقة مفرغة تنتهى بهم إلى العودة بشكل أو آخر إلى أحضان الإصلاحيّة و القبول بالدولة القائمة و النظام القائم و العمل في إطارهما من أجل إصلاحات جزئيّة طفيفة قد تقدّمها الطبقات الرجعيّة الحاكمة بيد في ظروف معيّنة لتستردّها باليد الأخرى و يظلّ النظام الإستغلالي و الإضطهادي مستمرّا و بالتالى يُمسون ببساطة إصلاحيّين ، لا ثوريّين .
و هذا ما أثبتته و تثبته تجارب نضال السود ، الأفروأمريكيين ( الأمريكيين من أصل أفريقي ) في الولايات المتّحدة على مرّ السنوات و العقود و القرون . و قد أثبتت هذه التجارب و غيرها من تجارب مقاومة الإضطهاد أنّ النضال الثوري حقّا يقتضى ، ضمن ما يقتضيه ، علما و قيادة ز يقتضى العلم لأجل الفهم العلمي المادي و الموضوعي لجذور المشاكل و منابعها من ناحية و لإدراك الحلّ الثوريّ حقيقة و إن كلّف التضحيات الجسام. و القيادة ضروريّة من أجل التحديد العلمي ، بفضل دراسة علميّة فعلا للمجتمع و العالم المراد تغييره ثوريّا ، لإستراتيجيا الثورة و تكتيكاتها و أصدقائها و أعدائها و توجّهاتها و سياساتها و لأشكال التنظيم اللازمة لكلّ مرحلة من مراحل النضال ، و محاور الدعاية و التحريض و شعاراتها إلخ لمقاومة النظام القائم / الأنظمة القائمة و تغيير عقول الناس ، من أجل القيام بالثورة الشيوعية و تحرير كافة الإنسانيّة من أصناف الإستغلال و الإضطهاد جميعها و عبر الكوكب كلّه . بإختصار لا بدّ من علم و قيادة ، لا بدّ من نظريّة ثوريّة و حزب ثوريّ يكون محور حركة ثوريّة .
و سعيا منّا لمزيد تسليط الضوء و المساهمة في تعميق فهم هذه القضيّة و هذا النضال الهام في قلب الغول الإمبريالي ، وضعنا هذا الكتاب و سهرنا على أن يشير عنوانه إلى المشكل و الحلّ . و قد أقمنا صرح هذا المؤلّف الجديد على أعمدة ثلاثة ، على فصول ثلاثة ، يُعنى أوّلها ، إنطلاقا من منظور شيوعي ثوري ، بجوانب لها دلالته من المعركة الأخيرة حول جريمة قتل شرطة الولايات المتّحدة لجورج فلويد و التمرّد الذى كان ذلك الحدث قادحا له . و لهذا الفصل الأوّل ، إصطفينا سبعة و ثلاثين مقالا قصيرا و متوسّط الطول ، منهم بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و مقال لهيئة تحرير جريدة " الثورة " ، لسان حال ذلك الحزب ، و بيان لحركة " لنرفض الفاشيّة " التي ساهم في تأسيسها و يساهم في قيادتها عناصر من ذلك الحزب ، و آخر لمنظّمة الشيوعيين الثوريين ، المكسيك تعبّر فيه عن موقف أممي بروليتاري من ما صار معروفا ب " التمرّد الجميل " . و بقيّة مقالات هذا الفصل الأوّل لبوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري و مهندس الشيوعية الجديدة / الخلاصة الجديدة للشيوعية الذى ما إنفكّ يقدّم القيادة لحزبه و مناضليه و مناضلاته و ينقد و يعرّى السياسات الفاشيّة و السياسات الإصلاحيّة ناشرا المنهج و المقاربة العلميين و الشيوعيّة الثوريّة و ذائدا عن شعار الثورة – لا شيء أقلّ من ذلك. و أمّا الفصل الثاني ، فأفردناه لتوفير خلفيّة تاريخيّة و تقييمات نقديّة علميّة لأبرز تجارب نضال السود في القرنين العشرين و الحادى و العشرين و موزها مارتن لوثر كينغ و مالكولم آكس و حزب الفهود السود و لتجربة رئاسة أوباما للولايات المتّحدة و إنعكاساتها على قضيّة السود في الولايات المتّحدة .
و ينطوى الفصل الثالث على وثيقة في منتهى الأهمّية صاغها الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية كوثيقة مرجعيّة تعالج القضيّة من جميع الجوانب و تطرح البديل الشيوعي الثوري التحرّري الكفيل لوحده بحلّ المشكل حلاّ يخدم مصلحة الإنسانيّة قاطبة .
و إعتبارا لكون المعركة التي دارت حول جريمة قتل جورج فلويد و عنف الشرطة ... و هزّت العالم نسبيّا و لا تزال إرتدادات إنفجارها كالزلزال متواصلة و قد تتواصل لمدّة غير معلومة طبعا ، إعتبارا لكونها ليست المعركة الوحيدة في القرن الحادى و العشرين و لن تكون الأخيرة بالتأكيد ، لا يسعنا إلاّ أن نوفي معركة 2015 حقّها على الأقّل بتخصيص حيّز لها في هذا الكتاب و ذلك عن طريق جعل أهمّ الوثائق و المواقف التي أصدرها قادتها و بعض المقالات بشأنها ملحقا يستفيد منه الباحثون عن مزيد الغوص في تفاصيل نضال السود بالولايات المتحدة و صلته بالثورة الشيوعية العالمية .
و نظرا لأنّ لماو تسى تونغ ، في المجلّد التاسع من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة الأنجليزية ، بيانان غاية في الأهمّية بصدد ضرورة مساندة نضال السود في الولايات المتّحدة في ستّنات القرن الماضي و إدراك علاقته بالثورة البروليتارية - الشيوعية العالمية ، لم نضطلع بواجب ترجمتهما و وضعهما في متناول القرّاء باللغة العربيّة و إنّما جعلناهما بمثابة خاتمة لهذه المقدّمة و مدخل لدراسة فصول الكتاب و ملاحقه . ( و ليعلم من لا يعلم بعدُ أنّ للأمميّة الشيوعيّة وثيقتان صدرتا تباعا سنة 1928 و سنة 1930 في قضيّة السود بالولايات المتّحدة و هما متوفّران باللغة الأنجليزيّة على الرابط التالى : .(ww.marx2mao.com/Other/CR75.html
لنتصدّى للميز العنصري للإمبريالية الأمريكية
ماود تسى تونغ ، 8 أوت 1963 ؛ " مجلّة بيكين " عدد 33 ، 1963
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-9/mswv9_04.htm
( وثيقة من المجلّد التاسع من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة الأنجليزيّة )

بات أحد قادة السود الأمريكيين لاجئا الآن في كوبا ، وهو السيّد روبار ولياس ، الرئيس السابق لفرع الجمعيّة الوطنيّة لتقدّم أصحاب البشرة الملوّنة ، منرو ، كارولينا الشماليّة ؛ و قد طلب منّى في مناسبتين هذه السنة أن أصدر موقفا داعما لنضال السود في أمريكا ضد الميز العنصريّ .و أغتنم هذه الفرصة لأعبّر باسم الشعب الصيني ، عن دعمنا الثابت للسود الأمريكان في نضالهم ضد الميز العنصري و من اجل التحرّر و المساواة في الحقوق.
في الولايات المتّحدة يوجد أكثر من 19 مليون اسود أي ما يناهز ال11 بالمائة من مجمل السكّان . و يتميّز وضعهم الاجتماعي بكونه وضع عبوديّة و إضطهاد و ميز عنصري . فالغالبيّة الغالبة من السود محرومة من حقّها في التصويت في الانتخابات و معدّل أجورها لا يتجاوز ثلث إلى نصف أجور البيض ؛ و نسبة البطالة في صفوفها من أعلى النسب . و في عديد الولايات ، ليس بوسعها الإلتحاق بنفس المدارس و الأكل على نفس الطاولات أو السفر في الحافلة نفسها أو في القطار نفسه مع البيض. و بصفة متكرّرة و عشوائيّة يتمّ إيقاف السود و ضربهم و قتلهم على يد سلطات الولايات المتحدّة في مستوياتها المتباينة ، و كذلك على يد الكلو كلوكس كلان و غيرهم من العنصريّين . و زهاء نصف السود الأمريكيين مجمّعون بكثافة في 11 ولاية في جنوب الولايات المتّحدة . و هم يعانون بصفة مريعة و بوجه خاص من الميز العنصري و الإضطهاد .
ينهض السود الأمريكيّون و تنمو مقاومتهم و يشتدّ عودها . و في السنوات الأخيرة ، يلاحظ أنّ نضالهم ضد الميز العنصري و من أجل التحرّر و المساواة في الحقوق ، في تطوّر مطّرد.
ففي 1957 ، خاض السود في ليتل روك بالأركنساس نضالا شرسا ضد إستثناء أبنائهم و بناتهم من الإلتحاق بالمدارس العموميّة. و إستخدمت السلطات القوّة المسلّحة ضدّهم و نجم عن ذلك ما صار معروفا بحادث ليتل روك الذى أذهل العالم.
و في 1960، نظّم السود في أكثر من عشرين ولاية " إعتصاما " و مظاهرات إحتجاجا على الفصل العنصري في المطاعم و المغازات المحلّة و في غيرها من الأماكن.
و في 1961، شنّ السود حملة " حرّية الركّاب " لمقاومة الفصل العنصري في وسائل النقل ، و سرعان ما توسّعت الحملة لتشمل عدّة ولايات .
و في 1962، ناضل السود في المسيسيبي من اجل المساواة في الحقوق في الإلتحاق بالمعاهد و واجهتهم السلطات بالقمع الذى تسبّب في حمّام دم.
و هذه السنة ، إنطلق السود المريكيّون في نضالات في بدايات أفريل في برمنغهام ، بالألاباما ، و ما كانا يحملون سلاحا بل كانوا عزّلا و مع ذلك تعرّضت جماهير السود للإيقافات بالجملة و للقمع الأشدّ وحشيّة لمجرّد أنّها عقدت تجمّعات و نظّمت مظاهرات ضد الميز العنصري . و في 12 جوان ، بلغ الأمر منتهاه بالقتل الوحشي للسيّد منغار إيفرس ، قائد السود في المسيسيبي . و نهضت الجماهير السود ضد الإهانة و مرّة أخرى وُوجهت بالعنف بلارحمة إلاّ أنّها واصلت مسيرة نضالاتها بأكثر شجاعة حتّى و لم يمض وقت طويل حتّى كسبت دعم السود و كافة الفئات الشعبيّة عبر الولايات المتّحدة . و النضال الجارى الآن نضال عملاق و حيويّ عبر البلاد في تقريبا كافة ولايات و مدن الولايات المتّحدة ، و ما فتأت وتيرة هذا النضال تتصاعد. و إتّخذت منظّمات السود الأمريكيين قرار الإنطلاق في " مسيرة الحرّية " بغتّجاه واشنطن في 28 أوت من المتوقّع أن يشارك فيها حوالي 250 ألف شخص.
و تؤشّر سرعة تطوّر نضال السود الأمريكيين على الإحتداد المستمرّ للصراع الطبقي و النضال الوطني داخل الولايات المتّحدة ما أفرز تنامى الفزع الشديد في صفوف الطغمة الحاكمة للولايات المتّحدة . لذلك لجأت إدارة كيندي إلى تكتيك ماكر مزدوج. فمن ناحية ، تستمرّ في التعامى عن و المشاركة في الميز العنصري ضد السود و إضطهادهم مرسلة فرق الجيش لقمعهم. و من الناحية الأخرى ، تتظاهر بأنّها مناصرة ل" الدفاع عن حقوق الإنسان" وعن" حماية الحقوق المدنيّة للسود "، وهي تناشد السود أن يمارسوا " ضبط النفس " و تقترح على الكنغرس- مجلس النواب ما تسمّيه ب " قانون الحقوق المدنيّة " في محاولة منها لكبح الروح النضاليّة للسود و لخداع الجماهير عبر البلاد. بيد أنّ فحوى تكتيكات كيندى هذه أمست مفضوحة أكثر فأكثر لدى السود؛ و قد كشفت الفظائع الفاشيّة التي يرتكبها الإمبرياليّين الأمريكان ضد السود الطبيعة الحقيقيّة لما يسمّى بالديمقراطيّة و الحرّية في الولايات المتّحدة كما كشفت الرابط الداخلي بين السياسات الرجعيّة التي تتبعها حكومة الولايات المتحدة محلّيا و سياساتها العدوانيّة في الخارج .
و أنّى أتوجّه بالدعوة على العمّال و الفلاّحين و المثقّفين الثوريّين و العناصر المستنيرة من البرجوازية و غيرها من الشخصيّات المستنيرة الأخرى من كلّ الألوان عبر العالم ، بيضا كانوا أم سودا أم صفرا أم سمرا إلخ إلى الوحدة لمعارضة الميز العنصري الذى تكرّسه الولايات المتّحدة و لتقديم الدعم للسود الأمريكان في نضالهم ضد الميز العنصري . إنّ النضال القومي هو فى التحليل النهائي مسألة صراع طبقي . فالذين يضطهدون السود فى الولايات المتحدة ليسوا سوى الطغمة الحاكمة الرجعية من البيض . و هذه الطغمة لا يمكنها على الإطلاق أن تمثّل العمّال و الفلاحين و المثقّفين الثوريّين و غيرهم من الأشخاص المستنيرين ، الذين يشكّلون الأغلبية الساحقة من البيض. إنّهم أقلّية و نحن الأغلبيّة . إنّهم يمثّلون على اقصى تقدير أقلّ من عشرة بالمائة من ضمن ثلاثة مليارات إنسان في العالم . و أنا على يقين تام بأنّ بفضل دعم أكثر من تسعين بالمائة من البشر في العالم ، سيحقّق نضال السود الأمريكيين العادل الإنتصار بلا ريب. إزدهر النظام الشيطاني الإستعماري و الإمبريالي بإستعباد السود و بالتجارة بالسود ؛ و من الأكيد أنّه مع التحرير التام للسود سيبلغ نهايته.

عاصفة جديدة مناهضة للإمبريالية
ماو تسى تونغ ، 16 أفريل 1968 ، " مجلّة بيكين " ، 19 أفريل 1968 ، ( الصفحات 5 و6)
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-9/mswv9_80.htm
( وثيقة من المجلّد التاسع من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة الأنجليزيّة )

قبل بضعة أيّام ، إغتال إمبرياليّو الولايات المتّحدة بصفة مفاجئة مارتن لوثر كينغ ، رجل الدين الأفريقي- الأمريكي . و قد كان مارتن لوثر كينغ من دعاة اللاعنف. و مع ذلك ، لم يُظهر إمبرياليّو الولايات المتّحدة إي إهتمام لذلك و لم يتسامحا معه، بل إستخدموا العنف المعادي للثورة و قتلوه بدم بارد. فكان ذلك بمثابة درس عميق للجماهير العريضة من السود في الولايات المتحدة فإندلعت عاصفة جديدة من النضال ضد القمع العنيف و إكتسحت أكثر من مائة مدينة في الولايات المتحدة وهي شبيهة بعواصف أخرى جدّت قبلا في تاريخ ذلك البلد . وهي تبيّن أنّ قوّة ثوريّة في منتهى البأس كامنة في صفوف أكثر من عشرين مليون أسود أمريكي . و هذه العاصة من النضال الراهن داخل الولايات المتحدة تعبير ساطع عن الأزمة الشاملة السياسيّة و الإقتصاديّة التي تخنق الآن إمبرياليّة الولايات المتحدة . وهي توجّه صفعة لها دلالتها لهذه الإمبريالية التي تتخبّط في صعوبات في الداخل و في الخارج.
ليس نضال الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقيّة نضالا يخوضه السود المستغَلّون و المضطهَدون من أجل الحرّية و التحرّر فحسب ، و إنّما هو أيضا نداء مدوّى جديد لكافة المستغَلّين و المضطهَدين في الولايات المتحدة ليقاتلوا الحكم الوحشي للطبقة الرأسماليّة الإحتكاريّة . إنّه دفع و مصدر إلهام هائلين لنضال الشعوب عبر العالم ضد الإمبريالية الأمريكيّة و لنضال الشعب الفتنامي ضد إمبريالية الولايات المتحدة . و باسم الشعب الصيني ، أعبّر هنا عن الدعم الثابت للنضال العادل للسود في الولايات المتّحدة .
إنّ الميز العنصري في الولايات المتّحدة نتاج للنظام الإستعماري و الإمبريالي .و التناقض بين جماهير السود في الولايات المتّحدة و دوائر حكم الولايات المتحدة تناقض طبقي . و فقط بالإطاحة بالحكم الرجعيّ للطبقة الرأسماليّة الإحتكاريّة للولايات المتّحدة و القضاء على النظام الإستعماري و الإمبريالي ، يتمكّن السود في الولايات المتحدة من تحقيق التحرّر التام . و لجماهير السود و الشغّالين البيض في الولايات المتحدة مصالح مشتركة و أهداف مشتركة يناضلون من أجلها . و بالتالى، يكسب نضال السود الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقيّة تعاطف و مساندة أعداد متزايدة من الشغّلين و التقدّميّين البيض في الولايات المتّحدة . و ينحو هذا النضال إلى الإندماج مع الحركة العمّاليّة في الولايات المتّحدة ، و في نهاية المطاف سيضع هذا النضال نهاية للحكم الإجرامي لطبقة الراسماليين الإحتكاريين هناك.
سنة 1963 في بيان لتأييد السود الأمريكان فى نضالهم العادل ضد الميز العنصري للإمبريالية الأمريكية ، قلت " إزدهر النظام الشيطاني الإستعماري و الإمبريالي بإستعباد السود و بالتجارة بالسود ؛ و من الأكيد أنّه مع التحرير التام للسود سيبلغ نهايته. " و لا أزال متمسّكا بوجهة النظر هذه .
و في الوقت الحاضر ، دخلت الثورة العالميّة ، عصرا جديدا عظيما . و نضال السود في الولايات المتحدة من أجل التحرّر جزء لا يتجزّأ من الثورة العالميّة المعاصرة . و أتوجّه بالنداء إلى العمّال و الفلاّحين و المثقّفين الثوريّين في كافة البلدان ، و إلى كافة الذين يتطلّعون إلى قتال إمبريالية الولايات المتحّدة ، أن ينظّموا تحرّكات و يقدّما الدعم القويّ لنضال السود في الولايات المتّحدة !
يا شعوب العالم قاطبة إتّحدى حتّى أكثر و شُنّى هجوما حيويّا لا هوادة فيه ضد العدوّ المشترك ، إمبريالية الولايات المتّحدة، و المتواطئين معها !
يقينا أن الإنهيار النهائي للإستعمار و الإمبرياليّة و كافة الأنظمة الإستغلاليّة ، و التحرّر الكامل لكافة الشعوب و الأمم المضطهَدة في العالم ليس بعيد المنال جدّا .
ملاحظة : يمكن الحصول على وثيقتي ماو تسى تونغ باللغة الأنجليزية على هذا الرابط أيضا :
https://marxistleninist.wordpress.com/2008/12/26/two-articles-by-mao-zedong-on-the-african-american-national-question/

و بصورة تفصيليّة و أدقّ ، محتويات هذا الكتاب 37 أو العدد 37 من مجلّة " الماوية : نظريّة و ممارسة "، فضلا عن هذه المقدّمة للمترجم ، هي :
الفصل الأوّل : قتل جورج فلويد و إندلاع تمرّد جميل و قيادة بوب أفاكيان
1- الشرطة تقتل و تقتل و تقتل ... [ بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ]
2- إلى الذين ينهضون و يستفيقون : لكي نتحرّر حقّا ، ثمّة حاجة إلى العلم و القيادة
3- أطلق ترامب العنان للشرطة العسكريّة ضد الإحتجاجات السلميّة و هدّد بدعوة الجيش للتدخّل عبر البلاد قاطبة : لنحتجّ على ذلك !
4- قتل جورج فلويد : في مواجهة جريمة بشعة ، تمرّد جميل ( المنظّمة الشيوعيّة الثوريّة ، المكسيك )
5- إلى السود الذين يصوّتون لجو بيدن
6- القتل بوقا و القتل على يد الشرطة - اللعنة على هذا النظام بأكمله ! لا يجب أن نقبل بالعيش هكذا !
7- بوب أفاكيان يردّ على مارك رود حول دروس ستّينات القرن العشرين و الحاجة إلى ثورة فعليّة
التعبيرات الصبيانيّة عن الغضب أم التطبيع مع هذا النظام الوحشيّ ، ليسا البديلين الوحيدين
8- وحشيّة مقزّزة و نفاق وقح
إلى الذين يتشبّثون بأسطورة " هذه الديمقراطية الأمريكيّة العظيمة " : أسئلة بسيطة
9- " جيل طفرة المواليد " – هذا أو ذاك :
المشكل ليس في " الأجيال " ، المشكل في النظام
10- التحرّر من ذهنيّة العبوديّة و من كافة الإضطهاد
11- بيان من بوب أفاكيان القائد الثوري ومؤلّف الشيوعية الجديدة الثوريّة و مهندسها
12- العنف ؟ الشرطة هي التي تقترفه
13- يبدو أنّهم يشبهون العنصريّين الجنوبيّين – و لا يشمل هذا ترامب لوحده – بل يشمل الديمقراطيّين أيضا
14- مساندو ترامب من السود : ماذا لو ساند اليهود هتلر؟!
15- الدكتاتوريّة و الشيوعيّة – الوقائع و الجنون
16- الأخلاق بلا دين و التحرير الحقيقي
17- بوب أفاكيان يسلّط الضوء على الحقيقة : باراك أوباما يقول إنّ قتل الشرطة للسود يجب أن لا يكون أمرا عاديّا – إلاّ إذا كان هو الرئيس
18- يقول بوب أفاكيان : دونالد ترامب ليس " شرسا " بل هو كيس منتفخ من القذارة الفاشيّة
19- بوب أفاكيان يفضح هراء الانتخابات البرجوازية : إن أردتم عدم حصول تغيير جوهري ، شاركوا في الانتخابات
20- كولين كابرنيك و لبرون جامس و الحقيقة كاملة [ بشأن إحترام أو عدم إحترام علم البلاد ]
21- كارلسن الفاسد ، و " فوكس نيوز " الفاشيّة و بثّ تفوّق البيض
22- التغيير الجذريّ قادم : فهل يكون تحريريّا أم إستعباديّا – ثوريّا أم رجعيّا ؟
23- الولايات المتّحدة : 1-2-3-4 : لقد رأينا هذا الهراء من قبل ! حان وقت وضع حدّ لهذا !
24- " آه ، الآن يقولون " – إنّها الفاشيّة !
25- ليس " الديمقراطيّون "- إنّما هو النظام بأسره !
26- يمكن وضع نهاية للإضطهاد العنصري – لكن ليس في ظلّ هذا النظام
27- ترامب و عناصر الشرطة الخنازير : مسألة عشق عنصري
28- بوب أفاكيان حول الحرب الأهليّة و الثورة
29- كلّ شيء عدا الحقيقة
30- دون ليمون و مارتن لوثر كينغ و الثورة التي نحتاج
31- كايلاه ماك أنانى : " ميّتة في الحياة " كاذبة في خدمة ترامب
32- حول الكلمات و الجمل الشنيعة
33- حول غوغاء تولسا
34- كيس منتفخ من القذارة الفاشيّة ، ترامب ليس " شرسا " – الجزء 2 : من هو الجسور حقّا ؟
35- حول 1968 و 2020 : الأكاذيب حينها و الأكاذيب اليوم و التحدّيات الملحّة راهنا
36- الفاشيّون اليوم و الكنفدراليّة : خطّ مباشر و علاقة مباشرة بين الإضطهاد بجميع أصنافه
37- تمرّد جميل : الصواب و الخطأ و المنهج و المبادئ
الفصل الثاني : تقييم نقدي لتجارب بارزة : بين الإصلاح و الثورة
1- مارتن لوثر كينغ ، ... وما نحتاج إليه حقّا
2- وهم أوباما " نعم ، نستطيع "... و الواقع المميت للسود
مع رئاسة أوباما...
3- هل تحقّق " الحلم " ؟ و ما هو الحلم الذى نحتاجه حقّا ؟
4- ستّ مسائل كان فيها أوباما أسوأ من بوش
5- كلام مباشر حول أوباما و إضطهاد السود
خمسون سنة منذ إغتيال مالكولم آكس :
6- لنتذكّر حياة مالكولم و إرثه – و نمضى أبعد منها للقيام بالثورة و وضع حدّ لجهنّم على الأرض ، التى يلحقها هذا النظام بالإنسانيّة !
7- إغتيال مالكولم آكس : دروس هامة لنضال اليوم
8- تقييم حزب الفهود السود
( بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية – 1979 )

الفصل الثالث : البديل التحرّري الشيوعي الثوري

إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج
( الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية / أكتوبر 2008 )
الفهرس :
- الوضع الحقيقي : I
- إلقاء ضوء على الماضي لفهم الحاضر – و تغيير المستقبل : II
صعود الرأسمالية – على أساس العبوديّة و الإبادة الجماعيّة –
- " لم تكن الولايات المتّحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبوديّة "
- حق تقرير المصير للأمّة الأفريقيّة الأمريكيّة ( الأفروأمريكيّة )
- الحرب الأهليّة
- الخيانة الأولى ، بعد العبوديّة
- ظهور غوغاء القتل بوقا
- " الأرض الموعودة " – و رفع مستوى التوقّعات
- نضال السود التحرّريّ : ما الذى حصل - و ما لم يحصل – فعلا خلال ستّينات القرن العشرين
- غداة ستينات القرن العشرين : الخيانة الثانية
- " الحرب على المخدّرات " ، قطع دولة الرفاه و تعزيز الدين
طرق خاطئة و نهايات مسدودة :
1- لماذا التعليم ليس الحلّ .
2- فخّ الدين .
3- لماذا " إيقاف العنف " لن يحلّ المشكل.
4- لماذا " العائلات القويّة " ليست الحلّ .
5- حدود الفكر القومي .
6- لماذا " الحلم " طريق مسدود .
7- الطريق الخاطئ لباراك أوباما.
- الإشارة إلى الأمام : الحلّ هو الثورة :III
- ثورة شيوعية .
- تصوّروا : سلطة الدولة الثوريّة الجديدة و القضاء على إضهاد السود .
- كيف يمكن لمثل هذه الثورة أن تتطوّر ؟ و كيف ستكون ؟
- التحدّى الذى علينا مواجهته :IV
الهوامش :
-----------------------------------
هوامش الكتاب (2) :
1- محطّة هامة من محطّات النضال ضد إضطهاد السود : معركة 22 - 23 - 24 أكتوبر 2015
قفزة فى النضال ضد جرائم الشرطة فى الولايات المتّحدة : الإعداد لتحرّكات كبرى فى -I
نيويورك فى 22 و23 و 24 أكتوبر 2015
كلمة للمترجم
1- حقيقة جرائم الشرطة والسجن الجماعي فى الولايات المتّحدة
2- لننهض-أكتوبر لإيقاف الفظائع التى ترتكبها الشرطة
نداء من كورنال واست و كارل ديكس
3- كارل ديكس يتحدّث عن " لننهض - أكتوبر "
4- لننهض ضد عنف الشرطة
نشطاء من الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) – شمال أمريكا
- تصاعد النضالات من أجل إيقاف إرهاب الشرطة و جرائمها فى الولايات المتحدة الأمريكية ( 22 و 23 و 24 - II أكتوبر 2015)
كلمة المترجم
1- هذه تحيّة بصوت عالى للمقاومين القادمين إلى 24 أكتوبر
الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة
2- رسالة من كورنال واست و كارل ديكس
3- كارل ديكس فى مسيرة 24 أكتوبر : " لنقم بكلّ ما بوسعنا القيام به لإيقاف فظائع جرائم الشرطة فى حقّ شعبنا . ثمّ لنقم حتّى بأكثر من ذلك لأنّه يجب إيقاف هذا "
4- الآلاف فى شوارع مدينة نيويورك من أجل " لننهض – أكتوبر " : إيقاف إرهاب الشرطة ! إلى جانب من أنتم !
-----------------------------------
2- فهارس كتب شادي الشماوي
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثالث :
البديل التحرّري الشيوعي الثوري
إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج
( الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية / أكتوبر 2008 )

" لن توجد حركة ثوريّة أبدا فى هذا البلد لا تطلق تماما و تعبّر عن ما هو تارة معبّر عنه صراحة و طورا بأشكال جزئية ، و أحيانا بأشكال خاطئة غير أنّه رغبة عميقة و عميقة جدّا فى التخلّص من هذه القرون المديدة من إضطهاد السود . لن توجد أبدا ثورة فى هذا البلد و لا يمكن أن توجد لا تجعل من ذلك أساسا مفتاحا فى كلّ ما يشمله ذلك . "

( بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
" قسم الأسئلة و الأجوبة من الخطابات السبعة لبوب أفاكيان ")
----------------------------------------
الفهرس :
- الوضع الحقيقي : I
- إلقاء ضوء على الماضي لفهم الحاضر – و تغيير المستقبل : II
صعود الرأسمالية – على أساس العبوديّة و الإبادة الجماعيّة –
- " لم تكن الولايات المتّحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبوديّة "
- حق تقرير المصير للأمّة الأفريقيّة الأمريكيّة ( الأفروأمريكيّة )
- الحرب الأهليّة
- الخيانة الأولى ، بعد العبوديّة
- ظهور غوغاء القتل بوقا
- " الأرض الموعودة " – و رفع مستوى التوقّعات
- نضال السود التحرّريّ : ما الذى حصل - و ما لم يحصل – فعلا خلال ستّينات القرن العشرين
- غداة ستينات القرن العشرين : الخيانة الثانية
- " الحرب على المخدّرات " ، قطع دولة الرفاه و تعزيز الدين
طرق خاطئة و نهايات مسدودة :
1- لماذا التعليم ليس الحلّ .
2- فخّ الدين .
3- لماذا " إيقاف العنف " لن يحلّ المشكل.
4- لماذا " العائلات القويّة " ليست الحلّ .
5- حدود الفكر القومي .
6- لماذا " الحلم " طريق مسدود .
7- الطريق الخاطئ لباراك أوباما.
- الإشارة إلى الأمام : الحلّ هو الثورة :III
- ثورة شيوعية .
- تصوّروا : سلطة الدولة الثوريّة الجديدة و القضاء على إضهاد السود .
- كيف يمكن لمثل هذه الثورة أن تتطوّر ؟ و كيف ستكون ؟
- التحدّى الذى علينا مواجهته :IV
الهوامش :
=======================================================
" لقد مثّلت الحرب الأهليّة بمعنى ما تتمّة للثورة الديمقراطية-البرجوازيّة فى الولايات المتّحدة لكنّ هذا لا يعنى أنّها ركّزت ، أو انّ الرأسماليين الشماليّين و ممثّليهم السياسيين كانوا ينوون تركيز ، الحرّية و المساواة للسود فى علاقة بالبيض فى أمريكا . لينكولن شأنه شأن جيفرسون وغيرهم من ممثّلى البرجوازية ، قبل تلك الحرب و مذّاك ، كان ينظر لكافة الأشياء من زاوية نظر أمّته قبل كلّ شيء ، و فى الظروف الملموسة لأمريكا فى القرن التاسع عشر ( و العشرين )، كان ذلك يعنى الإبقاء على السود كأمّة مقهورة " .
( بوب أفاكيان ، " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " ؛ الفصل 4 : " الولايات المتحدة الأمريكية كمثال ديمقراطي ، قائدة القطيع " ، بانر براس ، شيكاغو ، 1986 )
--------------------------------------------------

" فى الجزء الأوّل من القرن التاسع عشر ، كتب دى توكفيل مجلّدات لاقت شهرة كبيرة دافع فيها عن الولايات المتّحدة كنموذج للديمقراطية . وقال إنّ مثل هذا المجتمع الذى يوفّر فرصا كبيرة للإثراء الخاص و الذى فيه طبقة وسطى عريضة و مزدهرة و مستقرّة ، سيكون مقاوما جدّا للثورة . لكنّه حذّر من أنّه إذا أتت الثورة أبدا إلى الولايات المتحدة ، فستكون فى علاقة بالسود . و اليوم بعد حوالي 150 سنة من كتابة دى توكفيل ذلك ، لا تزال جماهير السود مستعبدة على أنّ العبوديّة إتّخذت أشكالا جديدة – و جماهير السود فى موقع مختلف كذلك . إنّها موجودة الآن بكثافة فى وسط المدينة الإستراتيجي فى الولايات المتحدة وهي متجمّعة ضمن أكثر فئات الطبقة العاملة إستغلالا ، مع رهان ضئيل فى الدفاع عن النظام و الحفاظ على الوضع القائم .
و يلتحق بها فى هذا الوضع ملايين البروليتاريين من القوميّات المضطهَدة الأخرى . بإختصار ، هؤلاء الضحايا الخاصين بالإمبريالية الأمريكية فى موقع قوي بدرجة هائلة لينهضوا بدور حيوي فى جعل تحذير دى توكفيل واقعا – بتبعات عالميّة - تاريخية أبعد بكثير من أيّ شيء كان دى توكفيل يستطيع تصوّره " .
(من كتاب " طلقات... من كتابات بوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري و خطاباته و حواراته "، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1985 ، ص 171-172 .)
--------------------------------------------------

" تقرّر عملية التحديد من يغادر الغيتو – و الآن هناك صيغة قديمة مهترئة ، فى أسوأ حالاتها ، على كلّ المستويات . و هذا يشبه النظر إلى ملايين الناس و هم يوضعون فى آلة فرم اللحم و عوض التركيز على واقع أنّ الغالبيّة العظمى تقطّع أوصالها تقطيعا ، يتمّ التركيز على الأقلّية من الذين يمرّون عبر الثقوب قطعة واحدة، ثمّ فى قمّة كلّ هذا، يجرى إستعمال نجاة الأقلّية لقول إنّ" آلة الفرم تعمل" !
(بوب أفاكيان ، " لعب المدينة – المدينة لا تلعب " ،
جريدة " العامل الثوري " عدد201 ، 15 أفريل 1983 )

إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج

" أُطلقت 41 رصاصة على الشاب عندما كان يبحث عن محفظته " ..." قُتل الطفل ذو الثلاثة عشرة سنة بالرصاص فى الظهيرة لمّا ظنّت الشرطة أنّ بندقيّته اللعبة مسدّسا ..." ... " تُوفّي الشاب غير المسلّح الذى أطلقت عليه الشرطة خمسين طلقة ناريّة يوم زفافه " ..." تلقّت الشابة التى لم تكن واعية بأنّها إعتقلت 12 طلقة ناريّة من الشرطة الواقفة حول سيّارتها المغلقة "... " تعرّضت الضحيّة التى وقع إيقافها جراء تصرّف فوضويّ إلى التعذيب و الإغتصاب بعصا خلف المحطّة على أيدى رجال الشرطة الذين أوقفوها ".
أيفاجئكم أن تعلموا أنّ فى كلّ هذه الحالات أعلاه الضحيّة إنسان أسود البشرة ؟(1)
إن كنتم تعيشون فى الولايات المتّحدة ، فإنّ ذلك تقريبا من المؤكّد أنّ الأمر لن يفاجئكم .
فكّروا فى ما يعنيه ذلك : حتّى دون أن يقال لكم ، تعلمون أنّ ضحايا قتل الشرطة و عنفها هؤلاء من السود . هذه الحالات – و الآلاف الأخرى المشابهة لها التى قد حدثت بالضبط فى العقود القليلة الماضية – تضيف أنهارا من الدموع إلى محيطات الآلام . و هناك ملامح مشكل أعمّ و حتّى أعمق .
لكن يدّعى البعض أنّ امريكا " مجتمع ما بعد العبودية " فيقولون " لقد وقع إلى حدّ كبير تجاوز" الحواجز أمام تقدّم السود". و يذهب الكثيرون بعديا حدّ توجيه اللوم الأساسي عن المشاكل الحادّة التى يواجهها السود اليوم ... إلى السود أنفسهم.
و يدّعى آخرون بأنّ التعليم الأفضل ، أو المزيد من الأسر التقليديّة ، أو الدين ، أو الإنتخابات ستعالج المشاكل .
و عليه ينبغى أن نطرح المسائل بحدّة : فيما يتمثّل المشكل حقّا ؟ ما هو منبعه ؟ و ما هو الحلّ ؟
سيتولّى هذا العدد الخاص من جريدة " الثورة " الإجابة على هذه المسائل . سنبيّن كيف أنّ إضطهاد السود كان فى موقع القلب بالذات من نسيج هذه البلاد و سيرها ، من بداياتها إلى يومنا هذا ، و أنّه تسبّب عمليّا فى هذه القرون من العذاب . سنحلّل النضالات الجماهيريّة التى خيضت ضد الإضطهاد ، مبيّنين لماذا حتّى حينما كسب السود تنازلات ، خان النظام فى كلّ مرّة دعوتهم القويّة للعدالة – و ما هي الدروس التى يمكن أن تستخلص من أجل نضال ثوري يمكن فعليّا أن تحقّق التحرير . سنتوغّل فى كيف يمكن لثورة أن تعالج هذا الإضهاد و تتجاوزه و تنشأ نظاما مغايرا تماما و تحرّريّا تماما . و سنحلّل برامجا أخرى و نبيّن كيف أنّ أي شيء أقلّ من الثورة طريق خاطئ و نهاية مسدودة . و سنشير إلى لماذا هذه الورة ممكنة – نعم ، حتى فى الولايات المتّحدة – و ما يجب القيام به عمليّا لإعداد مثل هذه الثورة و إنجازها .
I- الوضع الحقيقي :
يقول الفكر السائد إنّه بينما تظلّ هناك بعض الإختلافات ، فإنّ الأشياء عموما قد تقدّمت بالنسبة للسود فى أمريكا و هي اليوم لا تزال تتقدّم . و يعتبر أناس مثل أوباما و أوبرا دليلا على ذلك . لكن هل أنّ الأشياء تقدّمت حقّا ؟ هل أنّ هذا المجتمع يمسى عمليّا مجتمعا " ما بعد عبودي " ؟
الإجابة على هذا السؤال تعثرون عليها فى كلّ ركن من أركان مجتمع الولايات المتّحدة .
لنأخذ التشغيل : يظلّ السود بمجموعهم فى أسفل درجات السلّم ... أي ، إن إستطاعوا الحصول على عمل أصلا . و فى حين أنّ عديد الصناعات الأساسيّة التى كانت فى زمن مضى قد شغّلت السود وقع غلقها ، و تكشف الدراسة خلف الدراسة أن المشغِّلين يفضّلون تأجير شخص أبيض البشرة و له سوابق إجرامية على شخص أسود دون سوابق إجراميّة ، و 50 بالمائة من المرجّح أنّهم يتابعون السيرة الذاتيّة بإسم " يبدو إسم شخص أبيض " مقارنة بسيرة ذاتيّة مشابهة تحمل إسما " يبدو إسم أسود "(2). و فى نيويورك ، تبلغ نسبة البطالة فى صفوف الرجال السود تماما 48 بالمائة . (3)
أو السكن : يواجه السود أعلى مستويات التمييز العنصري فى العالم فى ما يخصّ السكن – يقطنون أحياء لا تتوفّر فيها العناية اللازمة و تفتقد إلى حدائق لائقة و مغازات بقالة و عادة لا توجد بها مستشفيات أصلا . إنّ السود ، و كذلك اللاتينيّون – الذين بلغوا إمتلاك مسكن يجدون سقوف بيوتهم منتزعة منهم. فقد كانوا الأكثر عرضة لأقسى ضربات أزمة الرهن العقّاري بعدما تمّ إستهافهم بشكل غير متساوي من قبل المرابين المفترسين – و عن ذلك نجمت أكبر خسارة لثروة الناس الملوّنين فى التاريخ المعاصر للولايات المتّحدة . (4)
أو الرعاية الصحّية : يواجه الأطفال السود نسبة وفايات عالية مقارنة بالنسبة فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث كماليزيا ، و عادة ما أصيب الأفروأمريكيّون ( السود الأمريكيون من أصل أفريقي ) بالسيدا بنسب تزاحم النسب فى أفريقيا ما وراء الصحراء . و عادة كبيرة جدّا هي الفوارق فى الرعاية الصحّية إلى حدّ أنّ جرّاح جنرال أمريكي سابق كتب " لئن قضينا على الفوارق فى الصحّة فى القرن الأخير ، لوجدت وفايات أقلّ ب 85 ألف فى صفوف السود عموما فى 2000 ". (5)
أو التعليم : اليوم تشهد المدارس و المعاهد ميزا عنصريّا لم تشهده منذ ستّينات القرن العشرين (6) و تحصل المعاهد المدينيّة حيث الأغلبيّة من السود واللاتينيّين على أقلّ موارد وهي أكثر عرضة للفشل . و صارت هذه المعاهد أشبه بالسجون بكاشف المعادن و إيقاف الأطفال و تفتيشهم وهم فى طريقهم إلى القسم على أيدى شرطة بالزيّ تجول فى البهو . و ينفق عادة على هذه المعاهد حوالي نصف ما تنفقه على تلميذ ضواحى مرفّهة . (7)
أو لنأخذ السجن : عدد السود من سكّان السجن هو900 ألف (8) – وهو فى تصاعد بعشرة أضعاف منذ 1954 ! – و نسبة السجناء السود مقارنة بالبيض أكثر من تضاعفت فى نفس الفترة . و أشارت دراسة حديثة إلى أنّ " لشاب أسود لا يملك شهادة جامعيّة 59 بالمائة من إمكانيّة دخول السجن قبل سنّ الخمس و الثلاثين سنة " (9).
وعلى رأس كلّ هذا ، و موطّدا له ، ثمّة بثّ لا ينتهى لسموم عنصريّة فى وسائل الإعلام و الثقافة و السياسة فى هذا المجتمع – عنصريّة تغدو قاتلة لأحلام و روح كلّ فرد أفرو- أمريكي . و من بوسعه نسيان موجة المشانق التى تشكّلت عبر البلاد ، جنوبا و شمالا ، غداة نضال 2007 فى جينا ، بلويزيانا ضد ملاحقة ( و إضطهاد ) لستّة شبّان سود ردّوا الفعل على مشنقة عُلّقت لبثّ الرعب فيهم حتّى لا يجلسوا تحت شجرة فى المعهد " للبيض فقط " ؟
كلّ هذا يكمن أيضا وراء إجابة الحكومة المجرمة على إعصار كاترينا فى 2005 . فلأسباب متّصل مباشرة بإضطهاد السود عبر تاريخ هذه البلاد ، و المتواصل اليوم ، كان الأفروأمريكيين أولئك الذين بصورة غير متناسبة يفتقدون إلى الموارد للإبتعاد عن مسار تلك العاصفة و الشيء نفسه بالنسبة للذين إجتمعوا فى الأحياء التى لم يقع إصلاح سدودها لسنوات و سنوات . و بعيدا عن " مجرّد " عدم تأهيل ، جاء ردّ الحكومة بمزيج من قمع وتوجيه البندقيّة إلى الوجه و التجاهل الوحشي و الإجرامي . كان الناس عالقون على السطح تحت درجات حرارة عالية لأيّام و لم يكن لديهم ما يأكلونه أو يشربونه. و أُبقي على المساجين فى الزنزانات و الحال أنّ الماء بلغ أعناقهم . لقد وُضعت حماية الملكيّة الفرديّة و السيطرة الإجتماعية فوق حياة الإنسان . و أمر حاكم الولاية الشرة و الجيش بإطلاق النار فورا على " السرقة " – أي على الناس الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة و مساعدة الآخرين . و على الأقلّ فى مناسبة ، أوقفت الشرطة الناس الذين كانوا يحاولون الفرار من المناطق الأكثر تضرّرا ومنعوا تحت التهديد بالسلاح من العبور إلى مناطق أكثر أمنا . و فى النهاية ، عندما جرت عمليّات إخلاء ، جرت على طريقة صاحب مزرعة قاس ، لا رحمة فى قلبه . فوقع تفريق الأسر و فصل أطفال عن أوليائهم . و توزّع عشرات الآلاف عبر البلاد بتذكرة ذهاب فقط ، و أحيانا لم يكونوا يعلمون حتّى وجهتهم . و فى المنازل ، بقيت الجثث طافحة فوق الماء أو ملقاة على الأرصفة أو تحت الأنقاض ، تتحلّل و تتعفّن لأشهر .
عبر كلّ هذا ، بثّ السياسيّون و المعلّقون سموما لا تنتهى من العنصريّة . من يستطيع نسيان بربارا بوش ذاتها ، أم الرئيس و ملاحظتها فى ملاذ للنازحين من كاترينا – و بعض العائلات قد تفرّقت و البعض قد فقد كلّ شيء بما فى ذلك أحبّتهم – بأنّ " عديد الناس فى الساحة هنا كما تعلون كانوا على أيّ حال من المحرومين لذا هذا يسير بشكل حسن بالنسبة لهم " (10). و تحصل عضو بالكنغرس لسنوات عشر على جائزة بتصريحه " فى نهاية المطاف ، أمكن لنا تنظيف السكن العام فى نيوأرليانس . لم نستطع القيام بذلك لكن الإلاه قام به " (11).
و مذّاك مرّت الذكرى الأولى ... فالثانية ... فالثالثة لكترينا و عديد مناطق نيوأرليانس لا تزال مدن أشباح لا يمكن السكن بها .
معظم الجناح التاسع للسود كتل من المنازل المدمّرة التى وقع تجريفها – أرض خراب ممتدّة الآن مُنحت خطوات ملموسة مؤقّتة تمضى إلى لا مكان . عندما ناضل السود للبقاء فى المشاريع التى لا تزال قابلة للسكن ، تمّ طردهم – و عندما إحتجّوا فى مجلس الولاية ، إستخدم ضدّهم الغاز المسيل للدموع و تعرّضوا للضرب . (12) منصّات النفط و المناطق السياسيّة عادت إلى وضعها السابق وهي لامعة منذ زمن طويل ، فى حين من قائمة إعادة الإعمار وقع إسقاط إعادة بناء المعاهد و المستشفيات و مراكز رعاية الأطفال. و عبر كلّ هذا ، تواصل الشرطة و يواصل الحرس الوطني إحتلال الأحياء الفقيرة و كأنّها أراضي عدوّ .
هل يبدو لكم هذا مجتمعا " ما بعد العبودية " ؟
الإجابة واضحة . و بينما سُمح لأناس سود أكثر من اي وقت مضى بأن " يشقّوا طريقهم " إلى الطبقة الوسطى ، يجب قول شيئين إثنين :
أوّلا ، حتّى بالنسبة لهؤلاء ، لا يزال وضعهم غير مستقرّ . و على ذلك نضرب مثلا معبّرا : فى تعارض مع المفاهيم الواسعة الإنتشار ل " الحلم الأمريكي " حيث كلّ جيل تالى " يفعل أفضل " من السابق ، غالبيّة اطفال أسر سود الطبقة الوسطى همّشهم سير النظام ودفع بهم إلى طريق الإنحدار . (13) و كلّ إنسان أسود – مهما كانت درجة صوده – لا يزال يواجه الشتائم و المخاطر المركّزة فى التجربة المعروفة جدّا للإيقاف لأنّه " يقود سيّارة وهو أسود " . و مثلما قال ملكولم آكس قبل أكثر من أربعين سنة ، و مثلما لا يزال صحيحا اليوم : كيف يسمّون شخصا أسود له شهادة دكتورا ؟ " زنجيّ ".
ثانيا ، و حتّى أعمق ، بالنبة للملايين و الملايين من السود ، غدت الأمور أشدّ سوءا .
لن يساعد – و فى الواقع سيضرّ حقّا – الإعتقاد فى هذا الوهم " ما بعد العبوديّة " ، أو حتّى الكذب " الأقلّ طموحا " للتحسّن المستمرّ . الحقيقة البيّنة لإضطهاد الأفرو- أمريكيين يجب مواجهتها وجها لوجه و يجب فهمها بعمق ، إذا ما أريد أبدا تغييرها .
II- إلقاء ضوء على الماضى لفهم الحاضر – و تغيير المستقبل :
متى تذهبون إلى طبيبة و أنتم تعانون الألم ، ستسألكم وصف الأعراض . وإن كانت طبيبة جيّدة ، لن تقوم بمجرّد كتابة وصفة ببعض المسكّنات و تدعكم تمضون فى حال سبيلكم – ستحاول أن تشخّص سبب مشكلتكم ، من أين تنبع . و ستأمر ببعض الفحوصات ، و ثمّ ستقوم بالمزيد من الأشياء . ستسألكم متى بدأت الأعراض تظهر . و ستسجّل تاريخ عائلتكم مثيرة أسئلة حول والديكم و حتّى أجدادكم . و هذا ما سوف نفعله – المضي عبر تاريخ أمريكا لإكتشاف مصدر المشاكل العميقة التى عرضنا بشكب عام هنا .
صعود الرأسماليّة – على أساس العبوديّة و الإبادة الجماعيّة :
لقد تأسّست هذه البلاد على الجريمتين التوأم لإنتزاع ملكيّة السكّان الأصليين الأمريكيين ( الهنود الحمر ) و إختطاف و إستعباد ملايين الأفارقة . لكن هذه الحقيقة الأساسيّة و التى لا يمكن إنكارها يقع محورها بإستمرار و حجبها و تشويهها و تبرير ها بإستمرار - غالبا ما يتمّ التعاطى معها ك " تاريخ قديم " ، إن تمّ الإقرار بها أبدا . لكن لنلقى نظرة على تبعاتها.
ظهرت الرأسماليّة المعاصرة فى أوروبا عندما شرعت طبقة تجّار المدن – الرأسماليين الصاعدين الجدد أو البرجوازيّة – فى إرساء معامل يجرى فيها استغلال الفلاّحين الذين طردوا من أراضيهم ، و كذلك آخرون لم يعودوا قادرين على العيش عدا بالعمل لدى و بأن يستغلّهم هؤلاء الرأسماليين. تلك كانت نواة البروليتاريا المعاصرة – طبقة لا تملك وسائل العيش بإستثناء العمل لدى شخص آخر ، و تعمل من أجل أجور فى سيرورات تتطلّب عمل مجموعة من الناس عملا جماعيّا . و الرأسماليّون الأوائل ، شأنهم فى ذلك شأن من خلفهم ، سيتملّكون و يبيعون السلع المنتجة هكذا ، و يعطون البروليتاريين فقط ما يكفيهم لمواصلة العيش ، و من ثمّة يراكمون الأرباح . وكانوا يقومون بهذا فى منافسة مع رأسماليين آخرين ، و الذين لم يستطيعوا البيع بسعر أرخص ينحدرون إلى أسفل ؛ و قد نجم عن هذا سعي لكسب أية ميزة ممكنة ، سواء عبر التخفيض فى الأجور ومزيد الإستغلال الشامل للبروليتاريا ، أو عبر الإستثمار فى آلات ذات إنتاجيّة أكبر ، أو عبر الإثنين معا .
و دفعت هذه الديناميكيّة التوأم من الإستغلال و المنافسة إلى الأمام مراكمة رأس المال فى دائرة لا هوادة فيها و هي فى إتّساع على الدوام .
لكن هذا لم يكن سيرورة خطّية أو متحفّظة . ففى الواقع ، " حلّقت " الرأسمالية فى أوروبا مع تطوّر السوق العالميّة ، وهذا بدوره قد غذّته و دفعته إلى الأمام تجارة العبيد . كانت السفن البحريّة تنطلق من لندن و ليفربول فى أنجلترا ممتلئة سلعا يبيعها الرأسماليّون . و كانوا ينزلون السلع للبيع أو التجارة فى المدن الساحليّة من أفريقيا ويملئونها بالبشر الذين كان يقع صيدهم فى هجمات على الريف الأفريقي . ثمّ يأخذون هذه الحمولة البشريّة إلى القارة الأمريكيّة و جزر الكاراييب لتباع كعبيد . و تاليا تُملأ السفن سكّرا و قنا و أرزّا و سلعا أخرى ينتجها العبيد فى تلك المستعمرات و تعود إلى أوروبا لتباع كمواد خام أو مواد غذائيّة . و هكذا كلّ يوم ، سنة بعد سنة – طوال قرون . شكّلت تجارة العبيد هذه و إقتصاد العبيد هذا الذى تناسب معها – إلى جانب القضاء على السكّان الأمريكيين الأصليين ( الهنود الحمر ) بالقتل و الأمراض المتعمّدين و إجبارهم على العمل حدّ الموت فى مناجم فضّة – شكّلت ما سمّاه كارل ماركس : " العمليّات الرغيدة لبزوغ فجر المراكمة الرأسمالية الأولى " .
كانت الجريمة ضخمة : بين 9.4 و 12 مليون أفريقي وقع إختطافهم و بيعهم و إرسالهم إلى القارة الأمريكيّة كعبيد . و أكثر من مليوني شخص لقوا حتفهم أثناء السفر من أفريقيا ، و أعداد هائلة توفّوا فى أفريقيا ذاتها أثناء هجمات و حروب إستعباد الناس ، المتبوعة بالسير إضطراريّا فى سلاسل نحو المدن الساحليّة الأفريقيّة لتغذية ذلك السوق . فعلى الأقلّ 800 ألف آخرين ماتوا فى المدن الموانى الأفريقيّة . وعندما يصلون أمريكا ، كان العبيد يبعثون إلى " مخيمات موسميّة " ل" تحطيمهم" – أين يقدّر أن ثلث الأفارقة ماتوا فى السنة الجهنّميّة الأولى . (14 )
خذوا بضعة ثواني و فكّروا فى الواقع الكامن وراء هذه الأرقام . كان أولئك بشر ! و الأرقام لوحدها ليس بوسعها أن تأمل فى أن تلتقط العذابات التى عناها ذلك لأكثر من قرون ثلاثة ؛ و أفضل ما يمكن لهذه الأرقام أن تفعله هو تقديم معنى للمدى الشفّاف لهذه الوحشيّة . لكن حتّى اليوم ، هذا معروف على نطاق ضيّق جدّا ، و ما يعدّ أساس التاريخ الأمريكي بالكاد يدرس، إن درس أبدا ، فى المعاهد أو يعترف به فى وسائل الإعلام و الثقافة .
و الأفارقة الذين ظلّوا على قيد الحياة رغم هذا الجحيم أُجبروا بعدئذ على العمل كعبيد ، قائمين بعمل " مُذلّ " فى أمريكا – تطوير الفلاحة التى ستشكّل قاعدة المستعمرات الأوروبيّة الجديدة . و قد وضع مؤرّخ محترم الأمر على النحو التالى : " صار الكثير من العالم الجديد ، عندها ، فرن موت الإلاه مولوخ القديم – مستهلكا العبيد الأفارقة فيرفع من أعداد الأوروبيّين ( و لاحقا الأمريكان البيض ) الذين يستطيعوا إستهلاك السكّر و القهوة و الأرز و التبغ "(15). و داخل أفريقيا ذاتها ، تسبّبت تجارة العبيد نفسها فى تشويهات هائلة لتطوّر أفريقيا و ولّدت الدول الأفريقيّة الكبرى لتجارة العبيد غربي أفريقيا ، بما أنّ هذه الدول كانت تتاجر بالعبيد مع الأوروبيّين مقابل سلع كانت تشمل البنادق .
لقد وُجدت العبوديّة فى كلّ مكان من العالم شملت عديد المجتمعات قبل تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي التى إنطلقت فى القرن السادس عشر لكنّها لم يسبق أبدا أن بلغت هذا النطاق و بهذا الأسلوب الصناعي اللاإنساني . و ما كان ذلك نتيجة رجال أشرار فحسب بل رجال صاروا وحوشا بخدمة وصايا نظام وحشي جديد و همّه الوحيد " التوسّع أو الموت ". و كانت تجارة العبيد هذه جزءا لا يتجزّأ من الرسماليّة لكون السكّر و الشاي المنتجين من قبل العبيد لم يكونا يدرّان أرباحا ضخمة و حسب بل كانا كذلك يستعملان كطريقة بخسة جدّا للتغذية بالحريرات الفارغة و المنبّهات للبروليتاريين المستغَلّين إستغلالا شديدا فى أوروبا . و تأقلم نظام العمل فى حقول القصب السكّري فى الجاماييك مع ورشات المصانع فى لندن .(16)
و لتبرير هذا ، إستند الرأسماليّون و ملاّكو العبيد إلى الكتاب المقدّس الذى هو بالفعل يبرّر العبوديّة ، فى كلّ من التوراة و الإنجيل – و لاحقا على الإيديولوجيّات العلميّة الزائفة للعنصريّة التى إدّعت أنّ الأفارقة و السكّان الأصليين لأمريكا ( الهنود الحمر ) كانوا " نوعا أدنى " طبيعيّا . و الواقع أنّ الأفارقة وقع إختطافهم و تعذيبهم و إستعبادهم و قتلهم إن حاولوا أن يعلّموا أنفسهم و أجبروا على مشاهدة بيع أبنائهم أو أزواجهم أو زوجاتهم ليمضوا إلى أنحاء أخرى من البلاد ، و عادة يبقون فى وضع دوني – هذه الجريمة التى إقترفها الحكّام أُشير إليها ك " دليل " على أنّ السود كانوا أدنى . و ما لا يصدّق على نحو كافى هو أنّ ملاّكو العبيد الفيليّين الذين تأتّت ثرواتهم الضخمة من العمل الشاق للعبيد ندّدوا بالعبيد على أنّهم من " الكسالى " ! و قد وظّفت هذه الأكاذيب فى آن معا " لتبرير" فظائع العبوديّة و شكّلت عنصرا حيويّا في" اللصق الإجتماعي" الذى جعل المجتمع متماسكا . و تواصل هذا الكذب و توظيفه الإجتماعي بأشكال متباينة اليوم .
الواقع هو أنّ هؤلاء الناس ذوى " الدونيّة الكامنة " المفترضة قد نهضوا بدور حيوي فى بناء المجتمعات و الثقافات المتطوّرة جدّا فى كلّ من أفريقيا و أمريكا لزمن ويل قبل مجيئ الأوروبيّين للهيمنة على هذه الأماكن و هذه " حقيقة غير مناسبة " محاها التاريخ و الكتب الرسميّين . و فى الحقيقة يمثّل البشر نوعا واحدا ، بفقط إختلافات سطحيّة نسبيّة فى بعض الميزات ،وقع كذلك محوها وتعويضها بعلم زائف عنصريّ - أكاذيب لاتزال تتمظهر اليوم بأشكال جديدة .
لم يوجد شيء كامن فى الأوروبيّين أدّى إلى أن رمت الرأسماليّة جذورها هناك أوّلا – فثمّة عدد من المناطق فى العالم حيث كان من الممكن أن تنطلق منها الرأسماليّة قبل بقليل أو بعد بقليل لو أنّ الأمور جرت على نحو مختلف قليلا . بيد أنّ أوروبا هي المكان الذى إنطلقت منه الرأسماليّة ، و هيمنة الأمم الأوروبيّة وثمّ الولايات المتّحدة ( و اليابان التى تطوّرت فى خضمّ جملة من الظروف ) خلال القرون الخمسة الماضية غير ممكنة ولا تصدّق دون عبودية .
" لم تكن الولايات المتحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبودية " :
لقد غذّت العبوديّة أساس و صعود ليس فق الرأسماليّة عامة بل الولايات المتّحدة بوجه خاص. وهذا ليس مجرّد" وصمة " يمكن فى النهاية تنظيفها أو حتّى تنقيتها فى إطار هذا النظام ؛ إنّها مضمّنة فى ذات مصنع هذا المجتمع – بالفعل ، دستور الولايات المتّحدة ذاته قد قنّن مؤسّساتيّا العبوديّة و فرض إعتبار الأفروأمريكيين على أنّهم يعدّون فقط 3/5 من الشخص الأبيض لأغراض إحصائيّة .
فى الكتاب المنشور فى المدّة الأخيرة ، " الشيوعيّة وديمقراطيّة جيفرسون " ، كتب بوب أفاكيان :
" هناك رواية شبه رسميّة حول تاريخ و " عظمة " أمريكا تقول إنّ عظمة أمريكا هذه تكمن فى حرّية شعبها و ذكائه ، و فوق كلّ شيء فى نظام يشجّع هذه الصفات الإيجابية و يكافئها . الآن ، فى تعارض مع هذه الرواية شبه الرسميّة عن عظمة أمريكا الواقع هو أنّ – للعودة إلى مظهر جوهري لكلّ هذا – العبودية كانت جزءا ضروريّا من أساس " حرّية و إزدهار " الولايات المتحدة الأمريكية . و يدّعون أنّ مزيج الحرّية و الإزدهار لا يزال اليوم و بأشكال ما اليوم أكثر من أي زمن مضى ، هو الميزة الوحيدة و المصير و المهمّة الخاصين للولايات المتحدة و دورها فى العالم . و يقف هذا فى تناقض بكلّ معنى الكلمة مع واقع أنّه لولا العبودية ، لا شيء من هذا – و لا حتى الحرّيات الديمقراطية البرجوازية ، فما بالك بالإزدهار – كان ليكون ممكنا ، ليس فى جنوب الولايات المتحدة و حسب بل فى شمالها أيضا ، فى البلاد ككلّ و فى تطوّرها و ظهورها كقوّة إقتصاديّة و عسكريّة عالمية .
من البديهي أنّ الطريقة التى تطوّرت بها الفلاحة فى الجنوب كانت مرتبطة مباشرة ، و بالفعل مؤسّسة على ، نظام العبوديّة . لكن أبعد من ذلك الطريقة التى إرتبطت بها الولايات المتحدة بالسوق العالميّة و بنت إزدهارها و قاعدتها الإقتصاديّة على ذلك النحو ، كانت إلى درجة كبيرة جدّا مرتهنة بالإنتاج المعتمد على العبيد . و التبادل بين تطوّر المانيفكتورة فى الشمال و تطوّر الفلاحة فى الجنوب ، مثلا – حتّى حين كان ، قبل الحرب الأهليّة ، ذلك التبادل إلى درجة كبيرة يجرى عبر السوق العالميّة و عبر أنجلترا بوجه خاص ، حيث مثلا كان القطن يباع إلى مصانع النسيج فى أنجلترا و كانت سلع أخرى تشترى من أنجلترا إلى المصانع فى شمال الولايات المتحدة – و حتّى ذلك لم يكن ليحدث على الطريقة التى حدث بها ،و على النطاق الذى حدث به و الإزدهار الذى أدّى إليه ، دون العبودية . وبطبيعة الحال، ساهمت هذه السيرورة – حيث مثلا قطن جنوب الولايات المتحدة كان يباع بقدر كبير إلى انجلترا أكثر ممّا يباع إلى نيوأنجلان – عبر الزمن فى تفاقم التناقض بين النظام العبودي فى الجنوب و تطوّر النظام الرأسمالي فى شمال الولايات المتحدة . لكن النقطة التى يجب التشديد عليها هنا هي ، بالمعنى العام و الجوهري ، أنّ منتوجات النظام العبودي فى جنوب الولايات المتّحدة كانت تمثّل عاملا هاما فى تطوّر إقتصاد الولايات المتحدة فى الشمال كما فى الجنوب . و بدوره كان تطوّر ذلك الإقتصاد قاعدة كامنة أساسيّة للآلة العسكريّة الكبيرة التى هي الفارض الأخير لدور الولايات المتحدة كقوّة كبرى عالمية.
بإختصار: لم تكن الولايات المتّحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبوديّة . هذه حقيقة بسيطة و أساسيّة ." ( 17 )
ثمّ يمضى أفاكيان ليناقش و يحلّل أهمّية العبوديّة فى ذهنيّة المجتمع الأمريكي و نظرته و حياته السياسيّة على وجه الخصوص. لتبرير العبوديّة و سرقة أراضي السكّان الأصليّين ، وُظّفت الأكاذيب و الأساطير التى وصفنا أعلاه لإعتبار السود و الهنود الحمر أقلّ من البشر ، منبوذين إجتماعيّا ، لا يستحقّون " الحقوق الطبيعيّة " التى يتمتّع بها الرجال البيض . جماهير البيض من جميع الطبقات بمن فيها العرضة لأكبر إستغلال وقعت مناشدتها على أساس أنّ بفضل كونهم ليسوا عبيدا هم فى الواقع جزءا من طبقة السادة ( سواء كانوا عمليّا يمتلكون عبيدا أو لا يمتلكون ) . هذه الذهنيّة المسمومة لطبقة السادة لم تمت مع إلغاء العبوديّة – إذ إستمرّت بأشكال جديدة . و بوجه خاص ، كلّ موجة من المهاجرين الذين قدموا من أوروبا كا عليها أن " تأقلم نفسها " مع العلاقات المهيمنة فى المجتمع الأمريكي – كان عليها أن تجد "محرابا إقتصاديّا " ( عادة بإتجاه قمّة صفوف الطبقة العاملة ، على الأقلّ فى البداية ) وكان عليها أن توجد علاقة بالبنية الفوقيّة السياسيّة و الثقافيّة المهيمنة فى المجتمع . وبالقيام بذلك كان على هؤلاء المهاجرين عادة أن يحاولوا تمييز أنفسهم عن السود – و عادة ما إنفجر هذا إلى تناقض عدائي مفتوح لغوغاء بيض هائجين ضد السود و حتّى قاتلينهم بوقا – نعم ، فى المدن الشماليّة و كذلك فى الجنوب ، بما أنّ هذه التجمّعات من المهاجرين كانت تحدّد نفسها على أنّها بيض أمريكيّون " دما و لحما " فى تعارض عنيف مع السود . و قد عزّز هذا النظام ذهنيّة طبة السادة ضمن البيض الشماليين بمنحهم إمتيازات تافهة لكن لها أهمّيتها فى الشغل و السكن . و صار هذا كبندقية صيد ذات ماسورة مضاعفة كبيرة بالنسبة للطبقة الرأسمالية الحاكمة : إنّه يُعمى هؤلاء البيض و المهاجرين عن مصالحهم الأكثر جوهريّة كأعضاء من البروليتاريا محوّلا ذلك ضد الناس المتعرّضين أكثر للإستغلال و الإضطهاد فى المجتمع . و منحهم " هويّة " أمريكيين بيض و جملة من الإنتظارات و الإستحقاقات التى تصاحب ذلك – و التى يدافع عنها . و عارضت أقلّية من البيض هذا الحنون و إتّخذت مواقفا ثوريّة أو راديكاليّة أو حتّى مجرّد مواقف إنسانيّة محترمة – و لكن مع أنّ الأمر هام جدّا – و سنعود إلى دلالته لاحقا – لم يكن مثل هذا الصنف من المواقف شائعا للغاية . ( كان له تأثير ثانوي و إن كان هام على ذهنيّة طبقة السادة فى صفوف البيض من كافة الطبقات التى كانت تهدف إلى أنتحجب جزئيّا الطابع الطبقي لإضطهاد جماهير السود - و موقفهم و دورهم كبروليتاريين مستغَلّين بخبث ضمن الطبقة العاملة برمّتها فى الولايات المتّحدة – و عديد العلاقات الوثيقة الإرتباط بين هذا الإستغلال الطبقي لأعداد كبيرة من السود كجزء من البروليتاريا ، و الإضطهاد القومي للسود كشعب ).
للعودة مرّة أخرى إلى مرحلة العبوديّة ، من المهمّ أن نكون واضحين حول حقيقة مركزيّة : لقد قاوم العبيد ذلك مقاومة شرسة . و فى الولايات المتّحدة وحدها حدث أكثر من 200 تمرّد ،و عبيد هايتى أذهلوا العالم عندما خاضوا بنجاح ثورة طوال 15 سنة ضد سادتهم الإستعماريين الأوائل ، ثم البريطانيين و فى النهاية جيوش نابليون . و حتّى مع هذه التمرّدات البطوليّة ، فقط مع الحرب الأهليّة أعطت المقاومة فى النهاية ثمرتها فى الولايات المتحدة إذ تمّ التوصّل إلى و تحرير السود من العبوديّة الصريحة . وهنا أيضا جماهير السود – كلّ من العبيد الذين فرّوا أو الذين " جرى تحريرهم " – إضطلعوا بدور حيوي. عندما سُمح لهم فى الأخير بالإلتحاق بجيش الوحدة ماتوا بنسق مضاعف نسبة للجنود البيض ( بينما كانت أجورهم أدنى طوال أغلب الحرب الأهليّة ) !
الحرب الأهليّة :
مثلما جرت الإشارة إلى ذلك فى المقتطف من " الشيوعيّة و ديمقراطيّة جيفرسون " ، أتت الحرب الأهليّة نفسها بفعل الصدام بين النظامين الإقتصادي و الإجتماعي المختلفين : العبوديّة المعتمدة على فلاحة المزارع فى الجنوب ؛ والرأسماليّة القائمة على المصانع و عمل مأجور آخر متركّز فى الشمال . كان ملاّكو العبيد فى حاجة لمزيد من الأراضي لأنّ نظام زراعتهم و فلاحتهم إستهلك الأرض بسرعة كبيرة فيما كان الرأسماليّون فى الشمال يرغبون فى التحكّم فى البلاد ككلّ ، فى كلّ من مواردها و لمزيد تطوير سيطرتهم على السوق القوميّة . و زمن الحرب الأهليّة ، هتان القوّتان – هذان النظامان الإجتماعيّان – كانا يتصادمان عمليّا فى كلّ المسائل الإقتصاديّة الكبرى . مثلا كان الإنتاج الصناعي فى الشمال فى بداياته و كان هؤلاء الرأسماليين الشماليين يرغبون فى إقامة تعريفات جمركيّة مرتفعة ( بالفعل ، أداءات على السلع المستوردة ) لضمان السوق القوميّة للولايات المتّحدة و " حماية " صناعتهم ضد الرأسماليين الأنجليز الذين بمقدورهم صناعة أشياء أرخص ثمنا بكثير ؛ لكن ملاّكو العبيد شدّدوا على تعريفات متدنّية بما يسمح لهم بالتجارة بسهولة مع ذات هؤلاء الصناعيين الأنجليز . و وجدت هذه النزاعات الإقتصاديّة الأساسيّة التعبير عنها فى السياسة و الثقافة و حتى الدين – الكنائس المعمادية و الميتودية ، ضمن كنائس أخرى ، إنقسمت إلى فروع شماليّة و جنوبيّة حول " ورع " ( أو " عدم ورع " ) العبوديّة !
لماذا ؟ ببساطة لأنّ الناس فى الشمال قد أصبحوا متنوّرين ؟ لا . بينما وُجد إندفاع نحو التفكير الأكثر راديكاليّة فى الشمال فى العقود السابقة للحرب الأهليّة ، و شرع مناضلون معارضون للعبوديّة من مثل فريديريك دوغلاس و جون براون فى الحصول على آذان صاغية و كسب أتباع ، كان هذا فى نهاية المطاف تعبيرا عن تغييرات أكثر جوهريّة تتمّ فى القاعدة الإقتصاديّة للمجتمع – أي ، العلاقات التى يدخل فيها الناس من أجل الإنتاج – و إحتدام التناقضات ضمن تلك القاعدة الإقتصاديّة ، و بين تلك القاعدة الإقتصاديّة و الهيكلة السياسيّة التى نهضت فوقها .
بإختصار ، تحوّلت العبوديّة من كونها حافزا كما كانت فى الأيّام الأولى للرأسماليّة إلى معرقل لتطوّر الرأسماليّة . و الدستور الذى خدم القاعدة الإقتصاديّة لسنة 1789 – دستور قنّن العبوديّة و جعلها مؤسّساتيّة – لم يعد قادرا على إحتواء التناقضات المحتدمة لسنة 1860 . و أبراهام لنكولن نفسه ، رئيس الولايات المتّحدة زمن الحرب الأهليّة ، كان ممثّلا سياسيّا للبرجوازيّة . ملاّكو المصانع و ملاّكو السكك الحديديّة و رأسماليّون آخرون مقيمون فى الشمال – و خاض الخرب فى مصلحتهم . فى نظرة لينكولن هذه ، سلطة ولايات العبوديّة كان يجب على الأقلّ تقليم أضافرها ؛ و فق حينما إقتنع بأنّه لا وجود لطريق أخرى للتقدّم ، مضى إلى الحرب . و كذلك ، أخّر لينكولن تحرير العبيد ثمّ أخّر السماح لهم بالإنخراط فى جيش الوحدة إلى أن إقتنع بأنّه لا وجود لوسيلة أخرى لإنجاز هدفه الأساسي " إنقاذ الوحدة ". لقد قال لينكولن نفسه : " هدفى الأعظم فى هذا الصراع هو إنقاذ الوحدة ، و ليس لا إنقاذ العبودية و لا تحطيمها . إن إستطعت إنقاذ الوحدة دون تحرير أي عبد سأفعل ذلك ؛ و إن إستطعت إنقاذها بتحرير كلّ العبيد سأفعل ؛ وإن إستطعت القيام بذلك بتحرير البعض و ترك الآخرين سأفعل ذلك أيضا . " (18 )
الخيانة الأولى ، بعد العبوديّة :
غداة الحرب الأهليّة ، توفّرت للطبقة الرأسماليّة التى غدت الآن مهيمنة فرصة أن تدمج حقّا العبيد المحرّرين فى المجتمع الأوسع . لقد دفع العبيد أجيالا من العمل فى أساس هذا المجتمع ثمّ تعرّضوا إلى الموت بنسب كبيرة مقارنة بأعدادهم فى الحرب الأهليّة . و أثناء الحرب قد وعد جنرالات الشمال العبيد المحرّرين ب " 40 فدّانا و بغل " كمسألة عدالة أساسيّة بسيطة و كان سيكون من الصحيح تقسيم الأرض التى إشتغلوا بها لأجيال على العبيد سابقا ، و كذلك على البيض الذين لم يكونوا يملكون عبيدا ؛ و كمسألة تمكينهم من قاعدة حرّية سياسيّة ، كان اليام بذلك واجبا . و كان كذلك واجبا أن يحصل هؤلاء العبيد سابقا على الحقوق السياسيّة الكاملة التى قاتلوا و ماتوا من أجلها – بما فيها حقّ القمع الشديد للجنود الفدراليين سابقا الذين لم يتوبوا و الذين بعدُ عقب أيام من نهاية الحرب الأهليّة طفقوا يشكّلون جمعيّات شبه عسكريّة سرّية للهجوم بعنف على العبيد المحرّرين و" الحفاظ على نمط الحياة فى الجنوب ". لكن هذا لم يتمّ . و بالفعل بانت المصالح الحقيقيّة للرأسماليين الشماليين مع خيانتهم لإعادة البناء . فوال كلّ هذه الفترة القصيرة من إعادة البناء ، 10 سنوات تقريبا عقب الحرب الأهليّة ، حافظت حكومة الولايات المتّحدة على بعض وعودها و أبقت على قوّاتها فى الجنوب . و كانت هذه القوى تعمل على منع قتل السود بالجملة و البيض الفقراء الذين كانوا يجتهدون لكسب الأرض و ممارسة الحقوق السياسيّة التى وعدوا بها . إلاّ أنّ الطبقة الرأسماليّة التى باتت الآن تهيمن على الحكومة القوميّة قامت بذلك فى جزء كبير منه قصد الإلحاق التام لمالكى المزارع السابقين ؛ و حينما ناضل العبيد السابقون و حلفاؤهم " نضالا عنيدا " من أجل حقوقهم ، إستخدمت هذه الفرق العسكريّة ذاتها ضدّهم .
و فوق كلّ شيء، كان الرأسماليّون الشماليّون يريدون النظام و الإستقرار لمزيد تعزيز حكمهم و كذلك مزيد التوسّع شمالى القارة الأمريكيّة و عالميّا . و الغليان و التمرّد اللذان كان من الممكن أن يمضيا معا مع كلّ ما كان سيعنيه أن يلعب العبيد السابقون دورا هاما فى السيرورة السياسيّة أو حتّى ممارسة حقوقهم الأساسيّة ، كان يمكن أن " يبعث برسالة خاطئة " إلى مضطهَدين آخرين داخل الولايات المتّحدة ؛ و بالفعل فى 1877 ، سُحبت الفيالق العسكريّة للولايات المتّحدة من الجنوب معلنة نهاية إعادة البناء .
ومباشرة بعثت تلك الفيالق غربا لتسحق تماما مقاومة الهنود الحمر و إلى المدن شمالا لتقمع بالعنف تمرّدات عمّال مهاجرين. و إضافة إلى ذلك ، كانت الحرّية الحقيقيّة للعبيد السابقين ستسمح لهم بمقاومة الإستغلال الشديد الذى كان مسلّطا عليهم و هكذا كان سيجعل إعادة إدماج إقتصاد الجنوب فى المجتمع الأوسع أقلّ فائدة بالنسبة للرأسماليين الحاكمين. لذا أطلق العنان للكلو كلوكس كلان بكلّ قوّة و لعبت دورا عنيفا فى إلحاق الهزيمة بالعبيد المحرّرين و البيض التقدّميين و إخضاعهم ، عادة خلال معارك دمويّة . ثمّ جعلت المحكمة العليا ذلك " قانونيّا تماما " بقرار كروكشانك – الذى ساند قرار ولاية لويزيانا بأن لا تتتبّع عدليّا البيض الذين إقترفو مجزرة فى حقّ 100 أسود و أبيض من أنصار إعادة البناء فى كولفاكس ، لويزيانا – و بلاسى مقابل فرغوسان الذى سمح للولايات بأن تقوم بالتمييز العنصري ضد السود قانونيّا .
بإختصار ، عندما ظهرت فرصة الإندماج على قدم المساواة فى هذا المجتمع فى فترة ما بعد الحرب الأهليّة ، "متطلّبات " القاعدة الإقتصاديّة للنظام الرأسمالي و البنية الفوقيّة السياسيّة التى نهضت على هذه القاعدة و خدمتها ، فوّتت هذه الفرصة ... و كانت الإجابة لا . تمّ التنكّر للمساواة – و تعزّز هذا التنكّر بواسطة الوسائل الأكثر تعطّشا للدم .
إضطرّ النظام الإجتماعي الجديد الذى أتى مع خيانة إعادة البناء غالبيّة السود إلى موقع العمل فى أراضي مزارع الملاّكين البيض بعلاقات بالكاد أفضل من العبوديّة . و تواصلت بعض أشكال الإستعباد العملي التام للسود و بصفة خاصة فى الجنوب لمدّة طويلة بعد إلغاء العبوديّة قانونيّا . و ظلّت جماهير السود مغلولة إلى الأرض عن طريق الديون و الميز القانوني ... و العنف . و عبر كلّ هذا ، عوض إدماجهم على قاعدة مساواة فى الحياة فى الولايات المتّحدة ن تشكّل السود كأمّة مضطهَدة داخل الحزام الأسود الجنوبي خلال هذه الفترة – وجرى التنكّر لكافة الحقوق الديمقراطيّة بما فيها حقّ تقرير المصير كأمّة. ( لمزيد نقاش حقّ تقرير المصير ، أنظروا الفقرات المتّصلة بحق تقرير المصير )
و بُعيد الحرب الأهليّة ، قام النظام الرأسمالي بقفزة نحو مرحلة جديدة – نحو نظام إمبريالي عالمي قسّم الكوكب بأسره بين حفنة من القوى . و أُعيد تشكيل و خندقة تفوّق البيض بشكل جديد ، عقب الحرب الأهليّة ، كعنصر هام فى صعود الولايات المتّحدة إلى مكانة القوّة العظمى ضمن هؤلاء الإمبرياليين . وسجّل القطن و التبغ اللذان أنتجهما المزارعون السود المستغَلون إستغلالا فاحشا المحاصيل الأعلى مردوريّة ماليّة بالنسبة للولايات المتّحدة من 1850 إلى 1890، و السود الذين يوقفهم نقيب شرة لأتفه الأسباب و يباعون للعمل تماما كالعبيد هم الذين شيّدوا البنية التحتيّة للجنوب . ( فى المدّة الأخيرة ، وثّق دوغلاس أ. بلاكمون فى " العبوديّة بإسم آخر : إعادة إستعباد السود الأمريكيين ، من الحرب الأهليّة إلى الحرب العالمية الثانية " ، وثّق إستخدام أكثر من 100 ألف أسود فى العمل العبودي للمشاريع الصناعيّة و العدد الفعلي هو بلا شكّ أعلى بكثير من ال100 ألف التى إستطاع توثيقها ، و الظروف فى هذه المخيّمات بما فيها الأمراض المنتشرة و الإهانة النظاميّة و التعذيب بما فيه " الإيهام بالغرق " و نسبة وفاة عالية ، تذكّر بالمعتقلات النازيّة الألمانية لأسرى الحرب ). (19) و فى نفس الوقت ، قوّى تعزيز ذهنيّة طبقة السادة فى صفوف قطاعات واسعة من البيض التماثل مع الطبقة الحاكمة . و وطّدت إعادة إدماج عناصر الطبقة الحاكمة صلب الطبقة الرأسماليّة الأوسع و إعطاء الجنوبيين سلطة خاصة فى الكنغرس / مجلس النواب و تشكيلهم القوّة الأكبر عسكريّا – وطّد هذا الطبقة الحاكمة ككلّ فى تجانسها .
ظهور غوغاء القتل بوقا :
لعبت تقاليد البيض الأمريكيين فى القتل بوقا – حيث تُخرج غوغاء من الناس أحدا من منزله أو حتّى من السجن و تشنقه لجريمة حقيقيّة أو فى الغالب الأعمّ ، جريمة متصوّرة ، دون محاكمة – دورا هاما جدّا فى كلّ هذا . فحوالي 5000 شخص وقع قتلهم بوقا بين 1882 و 1964 بأكثر من 70 بالمائة منهم من السود . (20 ) و أحيانا ، كان هذا القتل بوقا يتمّ تحت جنح الظلام – لكن عادة يكون من " شؤون المجتمع " التى يحضرها آلاف البيض ، فى جوّ إحتفالي و يلتقطون صورا لنفسهم مع جثّة الضحيّة المحروقة أو المشوّهة و أحيانا يحوّلون هذه الصور إلى بطاقات بريديّة يبعثونها إلى الأصدقاء . لقد مثّل قرار كرويكشانك المشار إليه أعلاه ، ضوءا أخضر قانونيّا لهذا النوع من الإرهاب الوحشي ؛ و لعقود من الزمن رفض مجلس الشيوخ أن يستصدر قوانينا تطالب بالتدخّل الفدرالي ضد القتل بوقا . خلاصة القول ، دعّمت الطبقة الحاكمة هذا القتل بوقا إلى أقصى درجات الدعم .
و غالبا ما كان الضحايا من السود الأشدّ فقرا – لكن القتلة بوقا كانوا عادة ما يهاجمون أقلّية السود الذين يملكون أرضا . فى 1916 ، تعرّض أنتونى كراوفورد من آبفيل ، أمس س، مزارع قطن أسود كان يملك 427 فدّانا من الأراضي السقويّة وهو من بعث مدرسة للسود فى المنطقة و إتّحادا للسد ، تعرّض للقتل بوقا على إثر خصومة مع رجل أبيض حول سعر محصول كراوفورد للقطن . شُنق بشجرة صنوبر و أطلقت عليه قرابة المائتي رصاصة و طرد البيض عائلته من المنطقة و تقاسموا أرضه . و فى الواقع ، قبل ذلك بسنوات ، وثّقت الآسيتيك براس أكثر من 57 إستيلاء عنيدا على ألراضي من قبل البيض . (21)
لكن السير الجهنّمي للمجتمع الذى خدمه القتل بوقا كان أوسع من الجشع المحض ، أوسع من تعزيز المشاعر العنصريّة ( و بثّ الخوف فى كلّ من قد يبدى مقاومة ) عبر عادات وحشيّة رهيبة . و كان ذلك يهدف إلى فرض نظام إجتماعي أين سيكون السود مرتبطين كما بالسلاسل إلى الأرض من خلال الإرهاب – و مثلما يبيّنه القتل بوقا لأنتوني كراوفورد ، جزء من هذا كان لسحق أي سود قد يشكّلون " برجوازية وطنيّة " ضمن السود ما قد لا يكون قابلا للإنهيار مثلما هو بوكر . ت واشنطن لذلك العصر و بالتالى قد يزعج النظام القائم بطلب الحقوق المتّصلة بكونهم أمّة . ( كان بوكر . ت واشنطن مؤسّسا و رئيسا لمعهد السود ، معهد توسكاجى ، و كان يدعو إلى أنّه بينما هناك " مشاكل " فى الجنوب ، يجب على السود أن يتقدّموا بتعلّم التجارة و العمل الشاق بينما يخضعون للإضطهاد و بذلك يمكن أن يحسّنوا موقعهم فى صفوف النظام فى هذه البلاد ؛ و قد شجّعته الطبقة الحاكمة على أن يكون الناطق بإسم السود و أن يصبح نموذج " القائد الزنجي المسؤول " و صدى خطّه يمكن أن يُسمع اليوم لدى بيل كوسبى - و باراك أوباما ) . (22)
سخرية مريرة هي أنّ العديد من البيض الذين يتمسّكون اليوم ب" الرواية الكبرى " التى نقدها بوب أفاكيان أعلاه – بأنّ الناس فى أمريكا أو بالأحرى البيض قد نجحوا بفضل ذكائهم و عملهم الشاق ، مسفيدين من " الحرّية " التى يوفّرها هذا المجتمع – و الذين يشتكون من أشياء مثل العمل الإيجابي – ينسون بصفة مريحة أنّ فى ذات الوقت الذى كان فيه معظم السود مضطرّين إلى العمل بالأرض كمزارعين ( أساسا شكل من شبه العبوديّة ) مع الذين كانوا من الملاّكين و عادة ما يقع الإستيلاء عليهم بالعنف بما فى ذلك عبر القتل ...بالضبط حينها ، أجداد هؤلاء البيض كانوا يحصلون على الأرض التى سّلبت بالقوّة من السكّان الأصليين لأمريكا ، و كان هؤلاء البيض يرسلون أبناءهم إلى معاهد " الأرض الممنوحة " التى ركّزتها الحكومة لتعليمهم التقنيات الفلاحيّة المتقدّمة ، أو ينالون المساعدة من "موظّفى الفلاحة " الذين ترسلهم أيضا الحكومة . هذه الفرصة للحصول على مزرعة و على دعم الحكومة فى النهوض بتلك المزرعة و تسييرها ، لم تخدم فحسب البيض بل كذلك غذّت أكثر ذهنيّة الطبقة السادة و الأفكار المفترضة السائدة فى صفوف البيض حول " معنى أن تكون أمريكيّا " .
" أرض الميعاد " و رفع مستوى التوقّعات :
فقط مع الحرب العالميّة الثانية – تقريبا مائة سنة بعد الحرب الأهليّة – أخذ يحدث تغيير كبير فى وضع السود فى الولايات المتّحدة . وحوالي زمن الحرب العالميّة الأولى ، وُجد طلب كبير على العمّال فى مصانع الدفاع و غيرها من المصانع ، و فى نفس الوقت قطعت الحرب إمدادات موجات هجرة العمل من أوروبا . و كان رأس المال فى حاجة إلى العمّال – و هكذا وقع جذب بعض السود من الجنوب و سُمح لهم بدخول الطابق السفلي . و قد تأجّلت هذه الموجة بالإنهيار الإقتصادي لثلاثينات القرن العشرين ، لكن مع إندلاع الحرب العالميّة الثانية ، وُجد مرّة أخرى مطلب كبير للعمل . ثمّ فى أوج هذا ، جلبت السنوات ما بعد الحرب العالميّة الثانية مباشرة مكننة الفلاحة فى الجنوب – لذا لم يصر السود عندئذ مدفوعين إلى مصانع الشمال فقط و إنّما أيضا يُطردون من الأرض التى زرعوها لأجيال فى ظلّ ظروف منتهى الإستغلال .
و تنوّعت أشكال الإستغلال فى الشمال إلاّ أنّ واقع الإضطهاد ظلّ هو نفسه. فدُفع العمّال الأفروأمريكيين إلى قوّة العمل لكن على أساس إضطهادهم كأناس وُضعوا ليعملوا بالأشغال الأكثر قذارة و الأخطر و الأدنى أجورا . لقد كانت القروض التى كان يتمتّع بها البيض لشراء مساكن مرفوضة للسود و حتّى حين يجمع السود أموالا يمنعون سواء بإتفاقيّات مجموعات بيض و/ أو المراقبين (عادة بدعم من الشرطة ) من إقتناء منازل فى أحياء " البيض ". و عوض ذلك إنتقلوا – بفعل سياسة الحكومة – إلى العيش بمشاريع البناءات ذات الإرتفاع العالى المقامة للفقراء فى الأحياء الشعبيّة . و واجه الأفروأمريكيون التمييز العنصري فى كلّ مكان توجّهوا إليه ، شمالا و جنوبا .
لكن التغيرات فى الجنوب ، فى إطار التغيّرات السياسيّة الكبرى عالميّا ، قد أفرزت حركة الحقوق المدنيّة . كان السود ينظمون مسيرات و يطالبون بالحقوق الأكثر أساسيّة – حقّ الإنتخاب و التعليم المتساوى ، و عدم التعرّض للإهانة عند اللجوء إلى الخدمات العامّة . و قد وُوجهوا بكلاب الشرطة و القنابل و إرهاب الكلوكلوكس كلان . و بالفعل أكثر من 25 مناضلا من أجل الحقوق المدنيّة قُتلوا فى الجنوب . (23)
هذه المرّة ، مع ذلك ، ظهرت ديناميكيّة مختلفة : لمّا بلغت الأمور نقطة معيّنة ، بقدر ما كانت هيكلة السلطة تقمعهم ، بقدر ما كانت الجماهير تقاوم . و قد تفاعل هذا مع التحدّيات العالميّة التى واجت الطبقة الحاكمة للولايات المتّحدة وقتها . كانت الأمم المضطهَدة و المستعمرات تشهد نهوضا و تقاتل من أجل التحرّر الوني فى " العالم الثالث " لآسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة . و كانت الصين الثوريّة فى ظلّ قيادة ماوتسى تونغ تمارس قطب جذب مغناطيسي فى ذلك الوضع ، وهي تعيد بقوّة إحياء هدف و إيديولوجيا الشيوعيّة و تلهم الناس عبر العالم للبحث عن طرق للقيام بالثورة – ضد نظام إمبريالي على رأسه الولايات المتّحدة . و كان الحكّام الأمريكيّون أيضا يتنازعون مع الإتحاد السوفياتي الإشتراكي سابقا ( الذى أضحى إمبرياليّا لكنّه لم ينزع بعدُ قناعه الإشتراكي ) و القوى الإستعماريّة القديمة خاصّة منها بريطانيا و فرنسا ، من أجل التأثير فى العالم الثالث . و حيال كلّ هذا ، كان النضال ضد تواصل وحشيّة إضطهاد السود فى الجنوب – و الطريقة التى ظلّ بها النضال يفرض المسألة على جدول أعمال العالم – كانا يدفعان الطبقة الحاكمة الأمريكيّة إلى التزاحم و إلى إدخال تعديلات فى كيفيّة التعاطى مع السود .
لذا رفع كلّ هذا – النموّ الذى لا يقهر لحركة الحقوق المدنيّة المرتكزة فى الجنوب فى خمسينات القرن العشرين و بدايات ستيناته و الطرق التى كان يصبح فيها ليس فقط فى البلاد بأسرها و إنّما " قوّة جذب " عالميّة ، إلى جانب المهاجرين إلى " أرض الميعاد " فى الشمال ، كلّ هذا رفع مستوى الإنتظارات . لكن واقع ها النظام أحبط مرّة أخرى هذه الآمال المرفوعة. و واصل الأفروأمريكيون فى الشمال التعرّض للإضطهاد و التمييز العنصري الصارخ . و وجدت مجموعات الجنوب للقتل بوقا بجبن نظيراتها فى مجموعات الشمال التى تحرق السود الذين يتجرّأون على شراء منازل فى " أحياء البيض " أو يهاجمون أطفال السود الذين تجرّأوا على الإلتحاق ب " مدارس البيض " .
" ما الذى يحصل لحلم يؤجّل ؟ " تساءل لنغتون هوغس فى قصيدة شهيرة . (24)
هل يجفّ
مثل حبّة عنب تحت الشمس ؟
أم يثبت مثل قرحة –
ثمّ يهرب ؟
هل ينتن كاللحم الفاسد ؟
أم كقطعة كعك و السكّر فوقها –
مثل عصير حلو ؟
لعلّه فحسب حالات
مثل القصص الثقيلة
أم هو ينفجر ؟
نضال السود التحرّري : ما الذى حصل – و ما الذى لم يحصل – فعلا خلال ستّينات القرن العشرين :
لقد ردّت الجماهير على هذه المسألة ، بلا خطإ . تمرّد الناس فى مئات المدن الأمريكيّة (25)، و الموقف الثوري لقادة كملكولم أكس و قوى كحزب الفهود السود لقيت صدى لدى الملايين بالشوارع و المركّبات الجامعيّة فى الولايات المتّحدة . و غذّت عديد الأشياء هذا – بما فيها ، مجدّدا ، الوضع العالمي الذى كما تمّت الإشارة إليه سابقا ، قد تميّز بنهوض كبير فى نضالات التحرّر الوطني و تأثير الصين الإشتراكيّة فى ظلّ قيادة ماو .
بهذا النهوض القويّ يقرع أبواب النظام الإجتماعي ، سقطت بعض الحواجز أمام السود . فكسب بعض الأفروأمريكيين فرصا للإلتحاق بالمعاهد و المهن المحترفة و البرامج الإجتماعيّة كدولة الرفاه ، و المصحّات الإجتماعيّة و البرامج التعليميّة الأولى إتسع نطاقها . و نمت مصاريف الحكومة على تدريب و مواطن شغل ستستخدم السود . و قد رُفع بعض التمييز بشأن قروض السكن و المشاريع الصغرى . و كان معظم هذا فى شكل تنازلات صغيرة – لم يشرع فى ملامسة الندوب الحقيقيّة لمئات السنوات من الإضطهاد الرهيب فحسب بل تواصل التمييز العنصري فى كافة هذه المجالات . و مع ذلك كانت هذه الخوات إلى الأمام ذات دلالة.
و حتّى أكثر أهمّية من هذه التنازلات الخاصة ، بأشكال معيّنة ، وجدت تنازلات " غير ملموسة " . و قد تغيّر راديكاليّا وعي ليس فقط الأفروأمريكيين بل أيضا وعي الأقليّات الأخرى و عديد الملايين من البيض أيضا . و قد تحدّى الناس بشدّة الأكاذيب التى لعقود جرى تعليمها فى المدارس الأمريكيّة و التى دخلت الثقافة الأمريكيّة بواسطة أعمال مثل " ذهب أدراج الرياح " و " ولادة أمّة " . و أخذ التاريخ الحقيقي للعبوديّة و الحرب الأهليّة و إعادة البناء و كامل فترة القرن العشرين يتكشّف و بدأ يقدّم إلى الناس .
و بيّنت ستّينات القرن العشرين أنّ حركة يكون السود قاعدة دعمها الأصلب و يكون النضال من أجل تحريرهم هدفها القائد و تكون مرتب بفظائع أخرى للنظام و بنضالات أخرى ضد هذا النظام ، بوسعها كذلك أن تُلهم و تدفع إلى الأمام أناسا من قوميّات أخرى داخل الولايات المتحدة و طلبة من جميع القوميّات ؛ ثمّ تنتشر أيضا إلى النساء و إلى البروليتاريين البيض ( " الفقراء البيض " ) ، و الجنود و أبعد منهم . شرع كافة أنواع الناس فى النظر فى كلّ شيء بشأن هذا المجتمع بعيون نضرة – و مع نزع الغمامات فجأة ، لم يعجبهم ما شاهدوه و قرّروا وضعه موضع السؤال و النضال ضدّه !
لنصوغ ذلك بطريقة أخرى ، بيّنت ستّينات القرن العشرين أنّه عندما تنهض الجماهير فى تمرّد ضد السلط القائمة ، و عندما ترافق ذلك مع موقف سياسي يحدّد النظام كمشكل ، و عندما ربطت فئة متزايدة من تلك الحركة نفسها بالحركة الثوريّة العالميّة و تعلّمت منها ... حسنا ، عندما حصل ذلك كلّه ، كان من الممكن تغيير الإستقطاب السياسي فى المجتمع تغييرا راديكاليّا . ما كان بالكاد يمكن تصوّره بالأمس بات فجأة إمكانيّة حقيقيّة للغد ، و يتطلّب التحرّك اليوم ( بعض هذه الظواهر ذاتها ، على نطاق ضيّق حدثت كذلك فى إنتفاضة لوس أنجلاس سنة 1992 على خلفيّة تبرئة الشرطي الذى قد ضرب رودناي كينغ . و فى حين أنّ الشرارة الأولى أتت من جماهير السود ، كان عددا مهمّا من اللاتينيين والبيض ، لا سيما الشباب ، إمّا إلتحقوا بهم أو ساندوهم سياسيّا ، و الكثير و الكثير من الناس كانوا على الأقلّ مؤقّتا منجذبين إلى الحياة السياسيّة و البعض إلى نظرة سياسيّة أكثر راديكاليّة و حتّى ثوريّة ).
و بيّنت ستّينات القرن العشرين أيضا على نحو دراماتيكي أنّ حكّام هذا النظام، رغم كلّ قوّتهم و خبثهم ، ليسوا أقوياء للغاية - ليس عندما ينهض الناس الذين يتحكّمون فيهم ويتمرّدون بمئات الآلاف ثم الملايين. و قد وقع تحدّيهم تحدّيا جدّيا و إلحاق الهزيمة بهم فى حرب الفيتنام و النضال " داخل البلاد " ، فشعر هؤلاء الحكّام عمليّا بورطة جدّية و إندلعت صراعات حادة فى صفوفهم ما وفّر المزيد من " الأكسجين " للتمرّد من الأسفل . فى عديد المظاهر ، وضعت الطبقة الحاكمة فى موقع دفاعي و حتّى فقدت " شرعيّتها " فى نظر الملايين . و كانت لكافة هذا التمرّد داخل الولايات المتّحدة أيضا إنعكاسات عالميّة هائلة – فى كلّ من فضح الدعاوى الأمريكيّة الكاذبة بخصوص " مجتمعنا الحرّ " و إلهام الجماهير فى بلدان عبر العالم قاطبة .
لكن بينما أطاح هذا الصراع الهائل ببعض الحواجز أمام المساواة الشكليّة ، و بينما وقع تحدّى الحكّام و زعزعة النظام فى أسسه ، لم يستطع الناس القيام بالثورة . و هنا يجب أن نسجّل نقطة هامة : الثورة ليست مجرّد كلمة جيّدة تعنى " الكثير من التغيير " ، للثورة معنى محدّدا جدّا . إنّها تعنى أنّ الناس يطيحون بالنظام و يحرمون حكّامه من سلطتهم السياسيّة و كجوهر لهذه السلة ، القدرة على سيطرة الجيش و الشرطة ضد الشعب . و فضلا عن ذلك ، تعنى الثورة بالتالى إرساء سلة جديدة لها أهداف و غايات جديدة و وسائل فرض هذه الأهداف و الغايات . وُجدت حركة ثوريّة فى ستّينات القرن العشرين – و هذا شيء فائق الدلالة . لكن لم توجد ثورة – و لهذا أيضا دلالة فائقة ، فى فهم ما حدث ... و ما الذى لم يحدث ... و بعدُ ما الذى ينبغى أن يحدث .
إلغاء بعض التمييز العنصري الشكلي وتوسيع الفئة الوسطى من السود وظهور بضعة "وجوه سوداء فى المناصب العليا " لم يفتّت و لم يكن بإستطاعته أن يفتّت الجذور العميقة لتفوّق البيض ( وأقلّ من ذلك لم يكن ليجلب التحرير الأوسع المطلوب). و لم يستطع إلغاء التمييز العنصري الشكلي أن يعالج الموقع الطبقي لجماهير السود – كعناصر البروليتاريا ، الطبقة التى لا تملك وسائل إنتاج و التى هي إمّا مباشرة مستغَلّة من قبل الرأسماليين أو يُبقى عليها كجزء من " الجيش الإحتياطي من العاطلين " المفقّرين بيأس و الذى يمكن أن يُستغلّ بسهولة أكبر و بلا رحمة عندما يخدم أهداف الرأسماليين، و الذى يبحث الرأسماليّون عن إستعماله للحطّ من ظروف البروليتاريا ككلّ و روحها القتاليّة . و يرتبط نضال الأفروأمريكيين بألف خيط و خيط بنضال البروليتاريا من أجل تحرير الإنسانيّة قاطبة . لا وجود لجدار إسمنتى عازل بين هذه الأشكال من الإضطهاد – إنّها متداخلة بإستمرار مثلما شاهدنا ذلك خلال إعصار كاترينا . و بالفعل ، هناك عدوّ مشترك فى جذور كلّ من هذه اللأشكال الإضطهاديّة – النظام الرأسمالي – الإمبريالي – هناك حلّ مشترك للأثنين – الثورة الشيوعية – و البروليتاريا كطبقة لا مصلحة لها فى الحفاظ على أي شكل من أشكال الإضطهاد و لها كلّ المصلحة فى كنس كافة ألوان الإضطهاد .
ما بعد ستّينات القرن العشرين :
لأنّه لم توجد ثورة فى الولايات المتحدة فى ستّينات القرن العشرين ، و إلى جانب ذلك ، لأنّ النضال الثوري عالميّا فى نهاية المطاف شهد تراجعات جدّية ، كانـت العقود مذّاك كابوسا . لقد وقعت زعزعة سلطة الطبقة الحاكمة إلاّ أنّه لم تقع الإطاحة بها ؛ و عادت بإنتقام . عرفت تلك العقود تغيّرات كبرى فى السياسة العالميّة و الهيكلة الإقتصاديّة للإمبرياليّة . و هنا لا يمكننا سوى الإشارة بالمعنى الأساسي إلى بعض أهمّ مظاهر كلّ هذا وهي تشمل : ( 26)
- النزاع الإستراتيجي خلال ثمانينات القرن العشرين بين الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي ( و الذى تضمّن إمكانيّة خطر حقيقي لحرب نوويّة ) ؛
- ما تبع ذلك من إنهيار للإتحاد السوفياتي فى أوائل التسعينات إحتدام موجة عولمة رأس المال تلتها . و ضمن أشياء أخرى، سرّع هذا فى إجتثاث مئات ملايين الفلاّحين الذين دفعوا دفعا إلى مدن العالم الثالث ، و كذلك البلدان الإمبرياليّة ، كمصدر للعمل بأجر زهيد .
- القرار الإستراتيجي للولايات المتحدة بشنّ " حرب على الإرهاب " – هي فى الواقع حرب لبناء إمبراطوريّة لا يتحدّاها و لا يمكن أن يتحدّاها أحد ، و التى تبنى على و تلق القوى الأكثر تخلّفا و رجعيّة فى هذا المجتمع كأساس لدعمها . و كانت كافة هذه التطوّرات حيويّة فى إسراء الإطار الذى تحرّكت فيه هذه الطبقة الحاكمة لهذه البلاد لتعالج الدور الذى لم يعالج بعدُ للسود فى المجتمع الأمريكي ، غداة النهوض الكبير لستينات القرن العشرين الذى مثلما تحدّثنا عنه هنا هزّ أسس هذا النظام و بقته الحاكمة هزّا لكنّه لم يقدر على إحداث تغيير جوهري من خلال ثورة فعلية .
و مع نهاية ستينات القرن العشرين ، بدأت التنازلات التى بالكاد قُدّمت قبلا فى كافة المجالات ، بدأت تتزعزع . و أتت الطبقة الحاكمة بنكسون إلى الرئاسة وإتبع هذا الأخير تكتيكا ثنائيّا . فمن جهة ، صرّح بأنّه إلى جانب " سلطة السود و بنى بعض المشاريع التجاريّة للسود فى محاولة لبثّ الأمن فى فئة من الطبقة الوسطى . لكنّه إعتمد رئيسيّا و غالبا على القمع . و حافة السكّين الأحدّ نزلت على حزب الفهود السود إذ وقع إيقاف و سجن مئات أعضائه – بمن فيهم قادة مفاتيح – و أكثر من عشرين من أعضائه – و مجدّدا بمن فيهم قادة مفاتيح مثل فراد همبتون و جورج جاكسون – وقع إغتيالهم . و كذلك قمع نظام نكسون قمعا شديدا فئات إجتماعيّة متمرّدة أخرى – مثلما شوهد ذلك فى إغتيال طلبة مناهضين فى ولاية كافت و كامل ولاية بلاك جكسون فى المسيسيبي .
و أيضا طوّر نكسون " إستراتيجيا الجنوب " للحزب الجمهوري ، التى توجّهت بشكل سافر إلى العنصريّة المستمرّة للبيض الرجعيين الجنوبيين و سبغت على هؤلاء و على قوى رجعيّة أخرى شرعيّة سياسيّة و وفّرت لهم المبادرة . و فى نفس الوقت ، قام الحزب الديمقراطي بتحرّكات لجلب قطاع كامل من الناشطين السود من ستّينات القرن العشرين إلى مجال سياسة الإنتخابات البرجوازيّة . و إشتغل كلا الجانبان من أجل تطوير " حدود " – " وجوه سود فى مناصب عليا " تصوّر على أنّها وسائط بين الجماهير و السلط لكنّها فى الواقع تحّ من قدرة الناس على المقاومة بفعل سوء القيادة و الأكاذيب .
لقد مثّل تمرّد ستّينات القرن العشرين مرّة أخرى بقوّة تحدّيا واضحا للطبقة الحاكمة التى كانت مدعوّة إلى إلغاء تفوّق البيض و إدماج السود فى المجتمع على قدم المساواة . و مجدّدا لم يتمّ هذا. ومرّة أخرى ، وقعت خيانة وعد المساواة – كما وقعت خيانته إثر الحرب الأهليّة . و من جديد ، كان شيئان يعملان : حاجيات رأس المال الذى واصل الإستفادة من التمييز العنصري و وضع ملايين الأفروأمريكيين فى تقوقع – و فى الواقع إعادة تأكيد و إعادة تعزيز بثأر – اللصق الإجتماعي لتفوّق البيض – الطرق التى بها أكذوبة " طبقة السادة " كانت مرسّخة فى فهم العديد و العديد ل " أن تكون أمريكيّا " . و كان هذا هاما بالنسبة للطبقة الحاكمة ، لا سيما وهي كانت تمرّ بفترة قابلة للإنفجار لمّا كانت الولايات المتحدة خارجة من هزيمة فى الفيتنام و فى نفس الوقت تواجه تحدّيات فى الخارج كان يمكن أن تكون أكبر بكثير .
فى ذات الوقت ، كانت تغيّرات كبرى تجرى بخصوص أي سود " يدمجون " فى العلاقات الإقتصادية للمجتمع . و نجم عن البحث عن أعلى ربح ممكن ، إلى جانب تنمية القدرة على إستثمار رأس المال عبر الكوكب بأسره ، إضمحلال عديد مواطن اشغل الصناعيّة فى الأحياء الشعبيّة للولايات المتّحدة . بعضها حّول إلى الضواحى - أين نقل الرأسماليّون مرافقهم فى جزء منه لإبقاء الأفروأمريكيين خارج قوّة عملهم بما أنّهم يعتبرونهم متمرّدين جدّا – و البعض إلى ما وراء البحار . و بين 1967 و 1987 ، خسرت المدن الأربعة لفيلادلفيا و شيكاغو و نيويورك و دترويت معا أكثر من مليون موطن شغل صناعي– و لم هذه النزعة سوى التسارع فى العقود التالية ! (27) و فى نفس الوقت ، دفعت التغيّرات الراديكاليّة و نهب إقتصاديّات العالم الثالث بعمّال جدد إلى الولايات المتحدة ( و بلدان إمبريالية أخرى ) – و يقدّر اليوم أنّ 12 مليون من هؤلاء العمّال يفتقرون إلى أيّة أوراق قانونيّة و بالتالى يعيشون تحت رحمة الطبقة الرأسماليّة الحاكمة (28) . و منذ خمسينات القرن العشرين ، شكّل السود شريحة غير متكافئة من الجيش الإحتياطي للعاطلين عن العمل ، داخل و خارج العمل ، و عادة عليهم الكفاح لمواصلة الحياة ؛ و اليوم توسّع هذا و إشتدّ إلى مستوى آخر تماما .
" الحرب على المخدّرات " : قطع دولة الرفاه و تعزيز الدين :
فى 1969 ، كتب أحد أعلى مستشاري نكسون ، هش آر هلدمان فى مذكّراته أنّ " الرئيس نكسون قد شدّد على ضرورة مواجهة واقع أنّ المشكل كلّه هو حقّا السود . و المفتاح هو إبداع نظام يعترف بهذا بينما لا يظهر ذلك " . و هكذا وُلدت " الحرب على المخدّرات " (29).
و قد أطلقها نكسون ، ذهب ريغن الذى أضحى رئيسا فى 1980 بهذه " الحرب على المخدّرات " إلى مستوى آخر تماما . لقد مثّلت قرارا إستراتيجيّا للطبقة الحاكمة بالحفاظ على الشباب السود فى الأحياء الشعبيّة فى أماكن بائسة عالية التمييز العنصري تنقصها مواطن الشغل و موارد التعليم و الرعاية الصحّية فيها تُقتع بشكل حاد . وحتّى مع مواطن الشغل المتبقّية، إرتفع نسق التميز العنصري مع بحث المشغِلين عن تجنّب " تحدّى " الشباب السود الذين بكلمات بوب أفاكيان كانوا " غير مطواعين جدّا للإستغلال الرأسمالي " . و عوض توفير تعليم أفضل و الوفاء بوعد توفير فرص جديدة لهؤلاء الشباب ، سيُسمح للمخدّرات بالدخول بكثافة إلى الأحياء الشعبيّة ( بما فى ذلك تغاضى المخابرات عن الأمر ) و وُجّه عديد شباب الأحياء الشعبيّة إلى تجارة المخدّرات – حيث سيكونون بعدها عُرضة للهرسلة و الإيقاف و السجن و العزلة الإجتماعية المستمرّين . وإنفجرت نسبة المسجونين مأساويّا (30) إلى درجة بات السفر ذهابا و إيابا بين الصخب العسير للشوارع و الأوقات العصيبة أكثر فى السجن نمط حياة مهيمن لدى عديد التجمّعات السكّانيّة المضطهَدَة فى الأحياء الشعبيّة – حياة مواجهات . و قد بدأت زمنها وهي تتواصل إلى اليوم و تشتدّ ، حينما توجد فرص مواطن شغل فى مدينة كبرى ، سيقف الناس فى طوابير للحصول على فرصة تقديم مطلب . لكن لمعظم الوقت - و فى بعض المناطق، بالنسبة لغالبيّة الناس - مجال الإختيار ضيّق بإستثناء الإقتصاد غير القانوني .
على هذا الأساس ، " قانون الشوارع " تجذّر عميقا بدرجة لها دلالتها : أي قوانين البقاء على قد الحياة وليدة المنافسة بين الشبيهين بقروش البحر فى الإقتصاد غير القانوني ، تحدّد إطار شباب الأحياء الشعبيّة بشكل أوسع ، بنتيجة مرعبة لعنف " أسود ضد أسود " و عنف بين الشباب السود واللاتينيين الذى يأسف له أو يدعى الأسف له الفكر السائد المعلّقون البرجوازيّون . و شنّت البرجوازيّة حملة لا تصدّق من شيطنة الشباب السود خاصة ،ماضية إلى حدّ إختراع صنف " حيوانات مفترسة فائقة " لتبرير الموجة الكبرى للتجريم .
و أثناء هذه الفترة نفسها ، شنّت البرجوازيّة حملة خبيثة حقّا من شيطنة و بثّ الإذلال ضد النساء السود بشأن دولة الرفاه. و لم تكن أية شتيمة خارج النطاق بالنسبة لهؤلاء المتنمّرين العنصريين . و مع 1996 ، وقّع بيل كلينتون " الليبرالي " مشروع قانون أنكر على الملايين من الناس دولة الرفاه ، لا سيما النساء و أقحم ملاين النساء فى سوق العمل لتشتغلن من أجل الأدنى و عادة فى الرعاية الصحّية أو التجارة بالتجزئة ذات الأجر المتدنّى جدّا ، و مضطرين العديد منهن إلى الإحتيال التنوّع و الأعمال اليائسة ومنها الدعارة ، لأجل البقاء على قيد الحياة و إطعام أطفالهنّ . (31) و مهما كانت المقاييس المعتمدة ، كان تغيّرا إجتماعيّا ضخما – تغيّرا لم تقع دراسة و وقعت الإستهانة به إلى درجة قصوى .
و حتّى فئة الأفروأمريكيين الذين تمكّنوا من مغادرة الغيتو / التقوقع و تحصّلوا على وظائف أجرها أفضل خلال هذه العقود القليلة الأخيرة ، يواجهون حياة مشحونة بالشكّ و الخطر . التمييز العنصري فى كلّ المجالات – رياض الأطفال و الرعاية الصحّية و التعليم و ما إلى ذلك – مستمرّ كما هو مستمرّ حال أنّ السود ذوى الأوضاع الأحسن إمّا تقتلهم الشرطة لأنّهم " يقودون سيّارة و هم سود " أو يتعرّضون بإستمرار إلى خطر جدّي لملاقاة ذلك المصير .
و تأتى مع هذا - و بوعي مبنى كجزء من هذا الهجوم المضاد الرجعي للطبقة الحاكمة – إعادة إحياء كنيسة السود و المشاعر الدينيّة فى صفوف السود . فبالفعل فى الجزء الأخير من ستّينات القرن العشرين، شهد تأثير الدين تراجعا فعليّا كبيرا عندما رفع الناس رؤوسهم للقتال من أجل الثورة و كجزء من القيام بذلك ، قاتلوا كي يفهموا عقلانيّا كيف يسير العالم و كيف يتمّ تغييره حقّا . لكن مع تراجع النضال الثوري فى نهاية ذلك العقد ، ظهرت مشاعر الإضطراب و اليأس فى صفوف الكثيرين.
و تسابقت القوى الدينيّة لملئ ذلك الفراغ بكافة أنواع الأفكار الخاطئة و الضارة موضوعيّا و فى بعض الأحيان الرجعيّة و القاتلة تماما : توبيخ النفس على كون النظام يضهدنا ؛ رؤية الرأسماليّة كمخرج من هذا الجنون الذى هو إفراز لهذه الرأسماليّة عينها ؛ تقوية الهيمنة الذكورية على النساء ؛ تعويض روايات و أساطير الكتاب المقدّس للحقائق العلميّة الفعليّة ( بما فيها التطوّر ) و عامة الترويج لفكرة أنّ الناس ليس بوسعهم حقّا فم العالم ، و بالتالى لا يستطيعون حقّا تغييره راديكاليّا، و بالتالى عليهم " ترك الأمر للإلاه " . سواء كانت هذه الأفكار تروّج من قبل كرافتو دولار ت . د جايكسا و لويس فراكان ( الذين توافق موقفهم النضالي مع أفكار محافظة عميقة جدّا- وفى عديد الأشكال رجعيّة تماما - العلامة التجاريّة القوميّة )، جميعها بثّت الإضطراب واليأس و ضلّلت الناس .
و اليوم ، مثلما فعلت زمن العبوديّة ، تبنى الطبقة الحاكمة الرأسمالية الكنائس كأهمّ مؤسسة فى تجمّعات السود . و مال الحكومة الذى كان يوجّه فى الماضي إلى التعليم و الفنون الإجتماعيّة يُضخّ الآن عبر الوعّاظ الذين يقفون إلى جانب الحكومة و الحركة المسيحيّة الفاشيّة التى بناها بوش . و أكثر مكان تتّضح فيه هذه الحدّة هو السجون . لقد نشر نضال ستينات القرن العشرين فى صفوف السجناء عطشا للمعرفة والحقيقة و قد قاتلوا من أجل و كسبوا حقّ متابعة دروس المعاهد و الحصول على ألأدب حتّى و إن كانوا سجناء ؛ و اليوم يقع بصفة متصاعدة قمع هذا و محوه بينما يتمتّع " وزراء السجون " الأصوليّون الرجعيّون بكامل إمكانيّة بلوغ عقول ملايين السود الذين يتلاعب بهم النظام عبر هذه الثقب الجهنّميّة ، بأعداد كبيرة فى أي زمن معطى و هم يقضون أحكام سنوات طويلة فى ظروف سجن مهينة .
و فى حين أنّ العديد من الناس المتديّنين و رجال الدين عارضوا ، و يمكن التوحّد معهم فى النضال ضد فظائع هذا النظام و جرائمه ، و مظاهر هامة من إضطهاد السود و آخرين ، يجب أن يجري الصراع و النقاش حول الطابع الحقيقي للمشكل و الحلّ ، و النظرة للعالم و المنهج الضوريين لكسب التحرّر الكامل و الدور الحقيقي للدين فى علاقة بكلّ ذلك . يلعب الدين – فى آن معا عامة و بالخصوص فى الفترة الأحدث – دور إلهاء الناس عن البحث عن فهم حقيق للأسباب الحقيقيّة و ديناميكيّة الأشياء كما هي حقّا و إمكانيّة تغيير الأشياء فى هذا العالم الحقيقي . و حتّى حين قد تشجّع روايات دينيّة أكثر " تقدّمية " الناس على مقاومة الإضطهاد ( أو بصفة خاصّة مظاهر من الإضطهاد ) ، فإنّها مع ذلك تُشجّع فكرة أنّه فى آخر المطاف ليس بوسع الناس أنفسهم تغيير الأشياء بالبحث الواعي و بلوغ فهم ما هو المشكل – ما هو السبب الفعلي لوضع الشعب و ما هو المنبع العملي للإضطهاد – و خوض نضال مصمّم على أساس هذا الفهم لكن عوض ذلك يجب فى النهاية أن يضعوا الأشياء " بيد الإلاه " و يعوّلوا على هذا الإلاه غير الموجود لمدّهم بالشجاعة و القوّة للمثابرة . و تصبح الأشياء أسوأ على مستوى آخر تماما مع وجهات النظر الدينيّة الرجعيّة التى تدافع بوضوح عن هذا النظام و الأعمدة المفاتيح لعلاقاتها الإضهاديّة .
--------------------
" ما بعد العبوديّة " ؟ من فضلكم . يجدر بنا ، بنا جميعا ، أن نواجه بصورة مباشرة جدّا ما الذى تدحرج حقّا إلى أسفل خلال هذه العقود القليلة الماضية. أمل و تفاؤل ستينات القرن العشرين القائم على قوّة حقيقيّة يمكن رؤيتها حينما ينهض الشعب و يقاوم و يشرع فى البحث عن بديل راديكالي لهذا النظام الوحشي ... لقد تحوّل الأمل إلى يأس أمام عقود الخيانة و القمع العنيف لهؤلاء الحكّام ، عقود من العذاب غير الضروري والذى لا يمكن التسامح معه لهدره القدرات الإنسانيّة . و الوضع اليوم أخطر . و لنضرب مثالا بارزا على ذلك : هناك إمكانيّة جليّة وهناك بعدُ تيّارات وتوّرات معيّنة بإتجاه عصر جديد تماما من" العبوديّة الجديدة " حيث سكّان السجون وغالبيّتهم من السود يعملون مقابل قروش يوميّا، سواء ليدرّوا الأرباح للرأسماليين أو لجمع التكاليف للدولة . و هناك ضمن الطبقة الحاكمة من " يقدّمون " مقترحات و سياسات " ذات أبعاد قتل جماعي- شخص مثل الجمهوري المعروف ( والأصولي المسيحي الفاشي ) بات روبرتسون الذى دافع عن إعدام ليس فق الناس الذين يحاكمون لجريمة قتل بل أي شخص يقترف جريمة " تضع وصمة عار " على المجتمع .
هناك ، بكلمات أخرى مسألة و أفق خيانة أخرى بعدُ - على نطاق أفظع حتّى !
III - الإشارة إلى الأمام : الثورة هي الحلّ :
إنطلقنا فى نقاشنا من الحاجة إلى مواجهة المدى الحقيقي للمشكل و إلى التحديد العملي لسببه . و قد بيّنّا أنّ هذا الإضطهاد ينبع من و تطوّر فى تداخل مع سير راس المال ، وهو يستهلك حياة ملايين و ملايين الناس فى توسّعه الأعمى ، و السياسات الواعية - الإقتصاديّة و السياسيّة و الإجتماعيّة – للرأسماليين أنفسهم . وقد قدّمنا فى خطوط عريضة النضالات الكبرى ضد الإضطهاد القوى ( إضطهاد السود و شعوب أخرى تتعرّض للتمييز العنصري و الإخضاع كأمم أو أقلّيات قوميّة ) التى شهدها هذا البلد و قد إستخلصنا الدروس الأهمّ من هذه النضالات - بما فيها أنّ هذا النظام حتّى وقد توفّرت له فرص للإصلاح ، قد خان المرّة تلو المرّة السود و كشف أنّه نظرا لطبيعته ذاتها و ديناميكيّته ذاتها ، لا يستطيع الإصلاح و لا يمكن إصلاحه . لقد دلّلنا على أنّه بعيدا عن أنّ يكون" ما بعد عبودي" أو حتّى" يتحسّن" ، يتواصل إضطهاد السود بحدّة بأشكال فظيعة و قد تعزّز و إشتدّ فى الفترة الماضية - بآفاق حقيقيّة حتّى أسوأ فظاعة تطلّ علينا الآن.
و يؤدّى بنا هذا إلى الحلّ الوحيد لهذه الفظائع ، المخرج الوزحيد من هذا الجنون : الثورة .
لقد ناقشنا سابقا تجربة ستّينات القرن العشرين و كيف بيّنت إمكانيّة ظهور حركة ثوريّة و كسبها دعما هائلا بالضبط هنا فى الولايات المتحدة . و اليوم تعاد على مسامعنا مقولات تعبّر عن الضجر من العالم من أنواع " لقد فعلنا ذلك " و قول " الثورة ؟ لقد حاولنا ذلك و لم ينجح الأمر " . هؤلاء الناس قلبوا المسألة رأسا على عقب . و ما يذهل أكثر حول ستّينات القرن العشرين هو أنّه إن تطوّرت بعض الأشياء بشكل مختلف قليلا ... و إن وُجدت قيادة ثوريّة ، حزب ليعي ، بكلّ من علاقات عميقة فى صفوف الجماهير و فكرة أوضح عن أهداف الثورة و إستراتيجيا صحيحة للقيام بواحدة ...حسنا من سيقول إنّه لم تكن لتحدث ثورة أو على الأقلّ محاولة جدّية للقيام بثورة بالضبط هنا، " فى قلب الغول " ؟ أهمّ شيء بشأن ستّينات القرن العشرين ليس أنّ " الأمر لم ينجح " و إنّما أنّه مضى إلى أبعد ما مضى إليه – أنّه ترك دروسا قيّمة للتحليل و الإستيعاب و معيارا للتجاوز فى النضال مستقبلا .
وهذا يوصلنا إلى نقطة أهمّ حتّى : لن تكون الثورة مجرّد إعادة إحياء للحركة القديمة إيّاها . لسبب بسيط هو أنّه بينما عديد الأشياء مشابهة – بما فى ذلك إضطهاد السود كشيء مركزي فى حياة الأمريكيين و كيف أنّ ذلك سينعكس على أيّة حركة ثوريّة – أشياء عديدة منها بعض الأشكال الخاصّة التى يتمّ بواسطتها إضطهاد السود قد عرفت تغيّرات ذات دلالة فى الأربعة عقود منذ ستّينات القرن العشرين . و لسبب آخر هو أنّ الحركة حينها كانت لها نواقص حقيقيّة . فحتّى القوى الأكثر راديكاليّة فى تلك الحركة - و منها مالكولم آكس و حزب الفهود السود - لم تكن واضحة حول ما يجب أن تكون أهداف الثورة ، و كيف أنّ إضطهاد السود قائم حقّا بعمق فى النظام الرأسمالي و أشكال أخرى من الإضطهاد التى كان الناس ينهضون ضدّها .
بالنسبة لمالكولم ، و إلى درجة كبيرة لحتّى الفهود السود ، آفاق النضال لم تمض أبعد من تحرير السود كشعب و لم يكن هناك وضوح تام و فهم صحيح لكيفيّة البلوغ العملي لذلك التحرير و على الأقلّ وُجد تيّار " إجبار الأمريكان على الوفاء بوعودهم ". بيد أنّه هناك سبب لكون أمريكا خانت بإستمرار " وعودها " : يشكّل إضطهاد الأفروأمريكيين جزءا أساسيّا من مصنع مجتمع الولايات المتّحدة و سيره و أيّة محاولة لإجتثاثه ستفكّك مصنع هذا المجتمع برمّته كما يوجد الآن . و علاوة على ذلك ، تحرير الأفروأمريكيين – الذين لا يشكّلون فحسب أمّة مضطهَدة داخل المجتمع الأوسع بل كذلك أعداد كبيرة جدّا ، عناصر من بروليتاريا الولايات المتّحدة – مرتهن بالثورة بقيادة البروليتاريا من أجل التحرير التام لكافة الإنسانيّة ، و فى العصر الحالي لا يمكن بلوغه إلاّ كجزء من هذه الثورة .
وُجد خلط حينما وقعت إزاحة بعض الحواجز الشكليّة القانونيّة السابقة أمام التقدّم ، و إستطاعت فئة قليلة من المضطهَدين التحرك ، حتّى إن كان ذلك بطرق محدودة ، بينما غالبيّة الجماهير كانت تغرق فى ظروف أسوء حتّى . والمفاهيم التى وقع تقديمها لشرح هذا – أنّ الحركة فشلت أو أسوأ حتّى ، أنّ الناس فشلوا فى الإستفادة من " فرصتهم الجديدة " – خاطئة و فى منتهى الضرر .
الحركة لم تفشل ؛ لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية . و لم تكن أبدا " أبواب الفرص " مفتوحة حقّا وتماما ، و حتّى أكثر جوهريّة وُجدت بعدُ آلاف الشِّباك الحديديّة بعضها مرئي و بعضها غير مرئي ن كانت كامنة عميقا فى المجتمع و تدفع جماهير السود إلى الأسفل . كانت و لا زالت هناك حاجة إلى شيء أكثر راديكاليّة و أشمل . و مثلما سنتوغّل فى ذلك بعد قليل ، يمكن لسلطة ثوريّة أن تشرع بسرعة فى تفكيك هذه الشِّباك و تدفع إلى إستنهاض الشعب لبناء مجتمع يستند إلى و يتوجّه إلى تحرير حقيقيّ ؛ و كما شدّدنا على ذلك ، سبب أنّ حركة ستينات القرن العشرين لم تنجح فى القيام بهذا يعود بالأساس إلى كونها لم تبلغ نقطة القدرة العمليّة على الإطاحة بسلطة الطبقة الحاكمة الرأسمالية - الإمبريالية .
و أبعد من ذلك ، حتّى إلى درجة أنّ الناس كانوا واضحين بشأن الحاجة إلى الثورة و أهدافها ، واجهت الحركة الثوريّة لستّينات القرن العشرين مشاكلا كبرى و معقّدة . كيف يتمّ تجاوز البون بين الظروف التى يواجهها المضطهَدين بعمق و الذين يتموقعون فى " الوسط الناعم " للمجتمع الأمريكي ، و العديد منهم نحتاج إلى كسبهم إلى النضال الثوري ؟ كيف يجرى خوض نضال ثوري و إيجاد مجتمع جديد لا يساوم مع بل يصمّم على الإلغاء و الإجتثاث الكاملين لتفوّق البيض و إخضاع السود و مضطهَدين آخرين فى الولايات المتحدة ، بينما على تلك القاعدة و بهذه الأهداف فى الثورة يجرى كسب و توحيد جماهير الشعب من مختلف القوميّات جميعها ، و منها أعداد كبيرة من البيض ؟ كيف نبقى عمليّا الحركة متّجهة نحو القيام بالثورة بدلا من السقوط فى مجرّد القبول بالإصلاحات ، فى فترة ليس بوسع الحركة بعدُ أن تنتقل مباشرة إلى الثورة ؟ كيف تتمّ مواجهة و عمليّا إلحاق الهزيمة بكلّ ما قد ترمي به و سترمى به الطبقة الحاكمة للولايات المتحدة ضد شعب ثوري ؟
قبل التطرّق إلى هذه المسائل تطرّقا تاما ، ناهيك عن توفير الإجابة لها ، قامت السلط الحاكمة بقمع وحشيّ للحركة . و كما لاحظنا سابقا ، أكثر من عشرين عضوا و قائدا من حزب الفهود السود وقع إغتيالهم مباشرة و مئات الآخرين وقع سجنهم، البعض منهم لسنوات و حتّى عقود . و بينما كانت تقوم بهذا ، دفعت السلط أيضا إلى الأمام سياسيين سود دافعوا عن خطّ أنّ إضطهاد السود إلى جانب قروح سائدة أخرى فى هذا المجتمع يمكن التعاطى معه من خلال الإصلاح . و أخيرا و ليس آخرا – واضعا الإطار الأوسع لكلّ هذا – تغيّر الوضع العالمي من وضع كانت فيه الثورة التياّر الأساسي فى العالم إلى وضع عانت فيه الثورة الشيوعية العالمية منتراجع جدّي ، تاريخي – عالمي مع الإنقلاب على الحكم الثوري فى الصين سنة 1976 ، عندما تُوفّي ماو و جرى إعتقال أنصاره و فى عديد الأحيان أعدموا . و تسبّبت هذه الصفعة الأخيرة فى إضطراب و يأس هائلين و ترافقت مع هجمات إيديولوجيّة للسلط القائمة على كامل التجربة فى الصين فى ظلّ قيادة ماوو على الثورة و الشيوعية عموما ما أدّى إلى – بشكل خاطئ - التخلّى عن إمكانيّة الثورة .
إذن تراجعت حركة ستّينات القرن العشرين . إلاّ أنّ الدرس الأساسي من ذلك المن لا يجب أن يضيع : لقد أثبتت أنّ الثورة لمتكن ضروريّة فحسب بل أيضا ممكنة فى الولايات المتحدة ، و قد أعطت معنى للقوى المفاتيح فى تلك الثورة و المشاكل الأساسيّة التى ينبغى أن تعالج لأجل القيام بتلك الثورة .
و إضافة إلى ذلك ، برز شيء فى منتهى الأهمّية من كامل الفترة وهو الشيء الأهمّ فى الواقع ، من وجهة نظر إستراتيجيّة. و هذا الشيء هو حزب تطوّر عمليّا و يواصل تطوير الفهم لقيادة ثورة ناجحة فى هذه البلاد – حزب له فهم واضح لهدف مثل هذه الثورة ، له فهم علمي لديناميكيّة المجتمع التى يمكن أن تؤدّى إلى وضع ثوري و للقوى التى يمكن أن توحّد لتحتضنه عمليّا و تسانده بشتّى الطرق ، و بقيادة ترى عبر ذلك إلى الإنتصار .
و هذا الحزب ، الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة – يقوده بوب أفاكيان ، سياسي محنّك من ستّينات القرن العشرين ، و بالفعل قد توجّه فى البداية إلى الثورة بالعمل عن كثب مع حزب الفهود السود . و قد إستمرّ أفاكيان منذ ستّينات القرن العشرين فى كلّ من قيادة الحركة الثوريّة عمليّا طوال هذه العقود الماضية ، و فى إرشاد تلك الممارسة بالإشتغال على و الإجابة عن المسائل الكبرى أمام كامل الحركة الشيوعية الثوريّة . و قد شمل ذلك مسائلا كبرى م العلم و الفلسفة من معرفة العالم ز تغييره ؛ ومعنى البروليتاريا و أهمّيتها العظيمة ، و الأمميّة الثوريّة ؛ و مجمل تاريخ الحركة الشيوعية و تجربة الثورات الإشتراكية ، و تلخيص مكاسبها و الدفاع عنها بصلابة و كذلك التعمّق فى خصائصها و الإشارة إلى طريق التقدّم نحو فهم للمجتمع الإشتراكي يقتحم أرضا جديدة و يوفّر إرشادا لكامل المرحلة الجديدة من الثورة الشيوعية ؛ و المسائل الإستراتيجيّة المعنيّة بالقيام بالثورة عمليّا بنجاح فى بلد مثل هذا . و كان قسما كبيرا من عمل أفاكيان خلال كامل هذه الفترة التحليل العميق لتاريخ و وضع السود فى الولايات المتحدة منطلقا من و ملخّصا العمل و الأبحاث الجدّية للأكاديميين حول هذه المسألة الحيويّة ، و كذلك مواصلة العودة إلى أفكار القادة الثوريين لستّينات القرن العشرين ، خائضا فى كلّ من وجهات النظر الثاقبة و كذلك النقائص مستخلصا الدروس العميقة من الفترة كلّها . (32 )
بقيادة بوب أفاكيان ، طوّر هذا الحزب فهم نوع الثورة التى سنحتاج فى بلد مثل هذا ... و نوع القوى التى يتعيّن توحيدها، و كيف يمكن القيام بذلك – بما فى ذلك طرق ردم الهوّة الكبرى بين الناس فى المجتمع الراهن ...أنواع النضال و النشاط السياسيين الذين ينبغى أن يضطلع بهما الثوريّون لتقريب فرصة الثورة ... و الطرق التى يتعيّن على القوّة الثوريّة توخّيها لمهاجمة الإمبرياليين حتى تكون لديهم فرصة حقيقيّة للظفر . و طبعا ، هذه المسائل الحيويّة فى منتهى التعقيد و ليس بوسعنا هنا سوى ملامستها - لكنّنا ندعو جميع الذين يخوضون فى هذه المسائل إلى أن يطّلعوا و يدرسوا بعمق كرّاس " الشيوعيّة و الثورة : أساس و توجّه إستراتيجي " .
ثورة شيوعية :
من المسائل التى وقع التعمّق فيها فى ذلك الكرّاس المسألة التالية : هدف هذه الثورة يجب أن يكون تحرير كافة الإنسانيّة .
سيلتحق الكثيرون بالثورة لأنّهم حُرموا القدرة على تحقيق طاقاتهم ، و وقع الحطّ من آمالهم و روحهم المعنويّة ، و تعرّضوا إلى الإستهزاء بالأبواب المغلقة لهذا النظام . و البعض سيلتحق بالثورة بفعل مشاعر الثأر و الإنتقام من الأضرار التى لحقت بهم و بشعبهم – يمكن لذلك الغضب أن يدفع الناس نحو الثورة - و الشعور بالسخط عند الإضطهاد يجب و سيكون جزءا مفتاحا لأيّة ثورة - لكن هذا يجب أن يُقاد و يُوجّه و يتحوّل إلى تصميم على القتال ضد و إجتثاث كافة العلاقات الإضطهاديّة و المذلّة من صفوف الشعب ، وكافة أشكال إستغلال جزء من المجتمع من قبل جزء آخر .
و سيلتحق البعض بالثورة باحثين عن تحرّر السود أوعن نهاية للإضطهاد و الإخضاع العنيفين للنساء ، أو عن نهاية إضطهاد المهاجرين و نهاية هيمنة الإمبريالية الأمريكيّة على البلدان التى أتوا منها . و سيلتحق البعض بالثورة لإنشغال يائس بتحطيم الكوكب الذى تُشقيه الحروب الرأسماليّة و الإستغلال الوحشي لموارد الأرض . كلّ هذا - و عديد الفظائع الأخرى - وقود للثورة . لكنّ كلّ جريمة من هذه الجرائم - مهما كانت كبيرة فى حدّ ذاتها ، و مهما كانت مركزيّة معالجة كلّ منها بالنسبة للثورة - تعبير عن شيء أعمق حتّى . معالجة اي منها يتطلّب مهاجمة المشكل من جذوره – أي التوجّه إلى و التخلّص من النظام الرأسمالي ككلّ . و بالنظر عميقا إلى جذور هذا المشكل يظهر أيضا الحلّ .
هذا النظام نفسه الذى ظهر مع و غذّى نفسه باستعباد البشر و الذى واصل إرث تلك الجريمة إلى يومنا هذا ، نظام عالمي يولّد بإستمرار حروبا عنيفة من أجل توسيع الإمبراوريّة ، يحصد و يدمّر حياة عدد لا يحصى من الأطفال عبر العالم ، و تخضع النساء ن نصف الإنسانيّة ... و كلّ هذا إستجابة لأوامر نظام إهتمامه الأقصى هو التوجّه اللانهائي إلى مراكمة المزيد من الأرباح أبدا ، و وصيّته الوحيدة هي " التوسّع أو الموت " . أنظروا إلى الجرائم الكبرى التى تقترف المرّة تلو المرّة – من الغزوات العنيفة و الحروب العدوانيّة وإحتلال العراق و أفغانستان اليوم ، إلى الفيتنام قبل جيل ، و من يدرى أين فى الغد. هذا النظام من النهب العالمي و البؤس المفروض الذى لا لزوم له يجب أن توضع له نهاية .
لكن ظهور الرأسماليّة قد جلب شيئا آخر أيضا : وسيلة القضاء على هذا النظام الإستغلالي بلا رحمة و القاتل للجماهير . ومع تطوّر الرأسماليّة تطوّر نمط الإنتاج – أي الطريقة التى يتجمّع وفقها الناس لينتجوا المتطلّبات الماديّة للحياة كالغذاء و السكن و القدرة على تنشأة الجيل التالى . فى ظلّ الرأسماليّة ، تصبح طريقة إنجاز هذا الإنتاج إجتماعيّة : عوض العمل عليها فرديّا ، وسائل الإنتاج ( التقنية و الأرض و المواد الأوّليّة إلخ ) لا يمكن الآن إستعمالها إلاّ بإستخدام مجموعات واسعة من الناس تشتغل عليها ، فى شبكات تمتدّ على كامل الكوكب . و بذلك قد أفرزت الرأسماليّة أيضا ظهور طبقة جديدة – البروليتاريا – الطبقة التى تعمل جماعيّا مستعملة وسائل الإنتاج الكبرى .
لهذا ليست الثورة البروليتارية متعلّقة بالحصول على حياة أفضل لأفراد معيّنين أو متعلّقة بتوفير فرصة لأفراد بروليتاريين " للحصول على المزيد " – وهو ما سيكون حتما على حساب الآخرين . و البروليتاريا كطبقة ليس بوسعها أن تبلغ تحرّرها بنوع من تقسيم وسائل الإنتاج على الأفراد أو حتّى أفراد معيّنين فى بعض الوحدات المستقلّة ظاهريّا - لأنّه ، إن حدث ذلك، سيظهر مجدّدا وضع يدخل فيه الناس أو تدخل فيه المجموعات فى منافسة و يتقدّم البعض على حساب الآخرين ، ما يؤدّى ليس بعد فترة زمنيّة طويلة إلى إنقسامات إضطهاديّة جديدة فى صفوف الناس ، و إنقسام جديد إلى مستغِلّين و مستغَلّين . على العكس من ذلك ، يجب أن تصبح وسائل الإنتاج التى تستخدمها البروليتاريا جماعيّا الملكيّة الجماعيّة لكافة المجتمع .
إنّ مهام الثورة عديدة و معقّدة . و ينبغى على الثورة أن تغيّر الأساس الطبقي و علاقات الإنتاج ( أي من يملك وسائل الإنتاج ، و كيف يرتبط الناس ببعضهم البعض فى إنجاز الإنتاج و كيف يوزّع الإنتاج ) الكامنين فى المجتمع . يجب على الثورة أن تُنجز لتجعل من وسائل الإنتاج الملكيّة المشتركة بين الناس و يجب أن يحدث هذا فى النهاية على النطاق العالمي. على الثورة أن تجتثّ و تغيّر كلّ المؤسّسات التى تدافع عن هذه الإختلافات الطبقيّة و تعزّزها – الجيوش و الشرطة و كيفيّة إدارة الحكم و كذلك وسائل الإعلام و الثقافة . و كلّ هذه السيرورة الثوريّة ستكون سيرورة يضطلع خلالها الشعب بصفة متصاعدة بالمهام الشاملة لتسيير المجتمع و فى أثنائها سيغيّرون راديكاليّا طرق تفكيرهم و أخلاقهم للقطع مع النظرات الرأسماليّة القديمة ل " البحث عن رقم واحد " و " إنتظار المنقذين " و " أمّتنا أوّلا " إلخ . على هذه الثورة أن تتجاوز الإختلافات بين العمل الفكري و العمل اليدوي و الطابع الإضطهادي للرجال على النساء – المؤسّسات و العلاقات التى نهضت قبل آلاف السنين ، إلى جانب تطوّر المجتمع الطبقي نفسه – التقسيم بين المستغِلّين و المستغَلّين و حكم المستغِلين للمستغَلّين .
و يشدّد هذا على أنّه بينما يجب على الثورة أن تعالج و تداوى عديد ندوب الماضى ، يجب أن تهدف إلى أرقى من " اوّل ينبغى أن يكون الأخير والأخير ينبغى أنيكون الأوّل " أو أرقى حتّى من" المساواة " – يجب أن تهدف إلى تجاوز الظروف الماضية حيث هنا " أوّل " و " أخير " و حيث يقيس الناس وضعهم مقارنة بوضع الآخرين . يجب أن يكون هدف الثورة مجتمعا شيوعيّا حقّا يكون فيه المبدأ المرشد " من كلّ حسب قدراته إلى كلّ حسب حاجياته " - حيث كما وضع ذلك القانون الأساسي لحزبنا :
" يظلّ على الناس أن يعملوا معا لإنتاج ضرورات الحياة و أن يتعاملوا مع الطبيعة و إلتزامات بعضهم تجاه بعض. لكنّه سيعنى أن الناس سيكونون أحرارا فى القيام بذلك بطريقة لا تقسّمهم إلى قوى متنافسة عدائية...أحرارا من الجهل المفروض الذى يمثّل جزءا لا يتجزّأ من عالم اليوم... و أحرارا فى النهاية ، فى تطوير مستمرّ لشكل المجتمع العالمي الحقيقي لبشر يزدهرون بصفة متصاعدة ، ليس فقط كأفراد و لكن بأكثر جوهرية فى علاقاتهم المتبادلة و تفاعلاتهم مع بعضهم البعض." (33)
سيكون هذا حقّا مجتمعا إنسانيّا عالميّا دون حدود و إنقسامات قوميّة لكن يزخر بالتنوّع الإنساني و الإبداع و المبادرة المطلقين إلى حدّ كبير ، فى إطار عام تعاوني .
إن لم تضع الثورة أنظارها على هذه الأهداف و هذه القمم ، ستعود الأمور إلى شكل أو آخر من الإستغلال . و ستولد من جديد المؤسسات التى ولّى زمنها و الإضطهاديّة التى تتناسب مع الإستغلال . سيستمرّ الكابوس .
فهم أهداف الثورة يجب أن يكون فى موقع القلب من الحركة الثوريّة و جوهرها . هذه هي الثورة الشيوعية . و خطوتها الأولى يجب أن تكون الإطاحة بآلة دولة الرأسماليّين - الإمبرياليين ، حينما يظهر إلى الوجود وضع ثوري . و هذه الإطاحة بالنظام القديم و الإضطهادي يجب أن تؤّدى مباشرة إلى إرساء سلة دولة جديدة تخدم المصالح الثوريّة للبروليتاريا فى تحرير الإنسانيّة قاطبة .
تصوّروا : سلطة الدولة الثورية الجديدة والقضاء على إضطهاد السود :
ما الذى سيكون بمقدور السلطة الثوريّة الجديدة القيام به ؟ و كيف ستتحرّك بوجه خاص فى علاقة بإضطهاد السود ؟
منذ البدايات الأولى ، ستُدخل السلطة الجديدة و تدعم جملة علاقات إقتصاديّة مختلفة تماما - تقوم على التقدّم نحو القضاء على الإنقسامات الطبقيّة وز العلاقات الإضطهاديّة الأخرى و المؤسّسات و الأفكار النابعة منها و المعزّزة لها . و ستصادر هذه الدولة الثوريّة وسائل الإنتاج الكبرى ( المصانع و الأرض و المناجم و الآلات و التقنية الأخرى إلخ ) التى أنتجتها الجماهير لكن تملّكها – إمتلكها و تحكّم فيها – الإمبرياليّون كمصدر خاص للثروة و السلة . وستحوّلها إلى ملكيّة دولة إشتراكيّة و تستعملها لتلبية حاجيات الناس و تغيير العلاقات الإجتماعيّة ( العلاقات ليس فقط بين الأفراد لكن أيضا بين مختلف مجموعات الناس ) إنسجاما مع هدف الشيوعيّة المرسوم أعلاه . و ستنهى السلطة الجديدة هيمنة الولايات المتّحدة ونهبها الطفيلي لأمم أخرى و بدلا من ذلك ستدعم الثورة عبر العالم .
ستقود السلطة الثوريّة و تطلق العنان للناس ليكنسوا إخضاع النساء القديم العهد – متحرّكة على الفور لمنع الإغتصاب ( و كهدف جوهري القضاء النهائي على هذا الإنتهاك اللاإنساني برمّته ) و إلى وضع نهاية لقمع الإجهاض و وصم القائمات به بالعار ، و تحدّى و إجتثاث كفة مفهوم النساء كتابعات أو عبيدات مفترضات للرجال و مربّيات لأطفالهم ، و كلّ الإعتداءات و الإهانات للنساء ، بأشكالها التقليديّة و " الحديثة " ، التى يُجسّدها النظام الرأسمالي و كلّ الأنظمة الإستغلاليّة و التى تشجّع عليها الطبقات المستغِلّة أو تسمح بتفشّيها . سيشجّع كسر قيود المنطق الجنوني للتطوّر الرأسمالي المدفوع بالربح هذه السلطة الجديدة على تقدير التنوّع الجميل للطبيعة و ستعمل على حمايته – بدلا من تحطيمه . و ستحثّ على – فى وسائل الإعلام ، و فى النظام التعليمي و من خلال تشجيع كلّ أنواع المبادرات من الجماهير ذاتها فى الفنون إلخ – فهم لمختلف تاريخ الشعوب المضطهَدة فى هذه البلاد و عبر العالم و إحترام التنوّع الثقافي بينما كذلك ستفضح بإستمرار و تسلّط الضوء على العدوّ المشترك وتشير إلى طريق التقدّم نحو مجتمع عالمي تشكّله الشعوب – مجتمع عالمي يشمل و يستمدّ غذاءه من التنوّع الثقافي الكبير و الديناميكي .
و لن تنشر سلطة الدولة الجديدة هذه الجيوش لإحتقار الناس و الشرطة لتعنيف و القتل فى الأحياء – الشرة التى تفرحها إهانة الناس و تحطيم معنويّاتهم مذكّرة إيّاهم بإستمرار بوضعهم التبعيّ . قوّات الشرة هذه سيقع تفكيكها و سيقع عقاب أكبر المجرمين و المعتدين فى صفوفها لجرائم ضد الناس أو سيتمّ التعاطى معهم بطرق أخرى للنظام القانوني الجديد الذى يعكس المجتمع الجديد ة و يخدمه . وعوض ذلك، ستستطيع سلة الدولة الجديدة أن تستبعد الأسباب الأساسيّة للجريمة و التناقضات العدائيّة فى صفوف الشعب ، و ستوجد قوّات أمن جديدة ستعمل على حماية حقوق الجماهير الشعبيّة و مصالحها و على المساعدة على معالجة التناقضات فى صفوف الشعب بوسائل غير عدائيّة ، دون عنف و نزاعات هدّامة .
و لن تشبه السلطة الجديدة آلة تشغّلها ثمّ تجلس بسلبيّة بينما " تقوم بمهمّتها " . سترتهن هذه السلطة الجديدة ، بدلا من ذلك، و على نحو متصاعد ستجلب ، المشاركة النشيطة و الواعية للجماهير نفسها . إنّها ستسعى إلى كسر الإختلافات بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، جالبة إلى الحياة الفكريّة أولئك الذين كانوا فى المجتمع الرأسمالي " مبعدين بالقوّة " عن الإشتغال بالأفكار بينما أيضا تشجّع المثقّفين والفنّانين على مواصلة أعمالهم . و فى حين ستقمع السلطة الإشتراكيّة الجديدة الرأسماليين - الإمبرياليين السابقين و لن تسمح لهم بتنظيم صفوفهم للعودة إلى السلطة ، و فى حين ستوجد قيادة واضحة ببرنامج واضح، ستطلق هذه السلطة الجديدة فى نفس الوقت تنوّعا غير مسبوق للمبادرات والرؤى ، للمعارضة والنقاش، حتّى لمعارضة الإشتراكيّة ذاتها . أحيانا ، ستخاطر السلطة الجديدة بالمضيّ إلى حافة " التمدّد حدّ التمزّق " على أيدى المعارضة و عديد الأصناف المتباينة من المبادرات والنشاطات. لكن بقيادة صائبة، هذا الغليان لن يقدّم للناس معنى أنّ لديهم " هواء يتنفّسونه" فحسب بل فى نهاية المطاف سيعزّز السلطة الثوريّة – كسلطة ثوريّة . و هذا فقط لأنّ بمثل هذه المعارضة و النقاش الإجتماعي الحيوي تستطيع الجماهير و قيادتها أن تتوصّل إلى تعلّم كلّ ما ستحتاج إلى معرفته حول القوى الكامنة فى المجتمع و فى الطبيعة ، و أفضل طرق المضيّ قدما . و من خلال هذه السيرورة وحدها يمكن للسلطة الثوريّة نفسها أن تعرف التغيير المستمرّ و الضروري . وحدها المعارضة و تنوّع المبادرات على هذا النطاق غير المسبوق، بقيادة الحزب الطليعي ، يمكن أن توفّر " الثراء " الضروري لسيرورة توصّل الجماهير نفسها إلى فهم العالم برمّته وتغييره بوعي أكبر فأكبر بإتّجاه مستوى و نوع من الحرّية الإنسانيّة مغايرين كلّيا .
لنتصوّر ما تستطيع هذه السلطة الجديدة فعله بشأن بعض المشاكل الأكثر تعقيدا التى لا يمكن للنظام الراهن معالجتها . و لنأخذ مثلا التناقض البارز فى شوارع الأحياء الشعبيّة حيث هناك حاجة صارخة للسكن اللائق و للمدارس اللائقة و للرعاية الصحّية ، و الخدمات الثقافيّة و الترفيهيّة ، إلى جانب شباب يلازم نفس زوايا الشوارع و ليس بوسعه إيجاد شغل آخر عدا تجارة المخدّرات . فى ظلّ الرأسمالية لا يمكن فعل أي شيء إلاّ إذا كان يخدم مزيد مراكمة رأس المال و المصالح السياسيّة للطبقة الرأسماليّة الحاكمة ، و تقف هذه المتطلّبات حاجزا بين العمل الذى يحتاجه المجتمع و تحتاجه الجماهير التى يمكن أن تقوم به . لذا إمّا أن تترك هذه الأحياء لتفسد أو يُحوّلها رأس المال إلى سكن " راقي " وهو الأكثر فائدة ماليّة – و الذى ينتهى إلى طرد الجماهير البروليتاريّة القاعديّة من المكان .
ستغيّر سلطة الدولة الجديدة كلّ ذلك فورا . سترسل إعتمادات إلى هذه الأحياء يغر أنّ ذلك لن يكون إمتيازا من أعلى إلى أسفل ، أو حماية سياسيّة . سيكون سيرورة لا تمتلك أثناءها الجماهير ذاتها الموارد فقط بل أيضا سلطة النقاش و الجدال و المساعدة على تحديد أصناف المساكن و الخدمات الأخرى التى تحتاج إليها و يجب تشييدها . ستشمل البروليتاريين العاملين مع المهندسين و عملة البناء و أناس ذوى مهارات أخرى – حتّى مع أناس من صفوف الجماهير تتعلّم هي كذلك هذه المهارات . لن يحصل الشباب على شغل له مغزى يقيم فارقا فى حياة المجموعة و المجتمع ككلّ ، و يشيّد عليه مزيد تطوير الإبتكار و الجرأة و قيادة هي الآن مقموعة أو موجّهة إلى " حياة العصابات " المدمّرة . و سيُقام كلّ هذا فى تحالف مع و شاملا لأناس من طبقات أخرى من المجتمع لهم أيضا رغبة فى إنجاز شيء ذى مغزى و مهارات يتقاسمونها ، ضمن سيرورة تعلّم من كلّ الجوانب و كذلك صراع رفاقي .
ما الإختلاف الذى ستحدثه سلطة الدولة ؟ عودوا بالتفكير مجدّدا إلى إعصار كاترينا و كيف أنّ هذا النظام لم يترك فقط الناس يموتون بل إستخدم الجيش و الشرطة لتهديد و إيقاف وإطلاق النار و حتّى قتل الذين خاطروا بحياتهم فى مياه جارية خانقة لإنقاذ الأطفال و لمساعدة الناس الذين هم فى أمسّ الحاجة للمساعدة ، و لمساعدة آخرين لبلوغ أماكن آمنة إلخ . عندما تحدث كوارث كإعصار كاترينا بعد الثورة ، لن تنظّم سلطة الدولة الجديدة على الفور إرسال موارد حكوميّة للتعاطى مع مثل هذه الكوارث الطبيعيّة فقط ، بل ستدعو إلى و تبنى على و تقود - و تتعلّم من - مبادرة الناس العاديين من كافة مجالات الحياة حينما تحدث مثل هذه الأشياء .
أو لنأخذ تناقضا آخر قاتلا تماما لهذا النظام الراهن : النزاع الحاد بين جماهير السود و اللاتينيين . إنّ مستلزمات سير المراكمة الرأسماليّة قد إقتلعت الأفارقة و جلبتهم مكبّلين بالسلاسل إلى أمريكا كعبيد و ثمّ رمت بهم إلى جهنّم طوال 350 سنة . و ذات علاقات الرأسماليّة دفعت الغزاة من أوروبا إلى المكسيك و جنوب أمريكا إلى إستعمار و إخضاع السكّان الأصليين ( الذين لم يقضوا عليهم قضاء مبرما ) ؛ و ذات الدوافع أفرزت إخضاع الولايات المتّحدة للمكسيك و أجزاء أخرى من أمريكا اللاتينيّة ، و نهب هذه البلدان و فى آخر المطاف خروج ملايين الناس من تلك البلدان نحو الولايات المتحدة باحثين بيأس عن أي عمل بوسعهم الحصول عليه .
إنّ العمل العفوي لذات هذه العلاقات الرأسماليّة ، مترافقا مع القرارات الواعية للرأسماليين أنفسهم ، قد ضربت هؤلاء الناس بعضهم ببعض . يقذف المهاجرين إلى مواطن عمل فظيعة و فى نفس الوقت يتعرّضون إلى قمع شبه فاشيّ فقط ليعيشوا – و مع ما يجرى ، يقال لهم إنّ السود كسالى جدّا للإشتغال بهذا العمل و يجب أن يُزدروا ، و يقال لهم أكثر أنّه إن إشتغلوا بكدّ و أبقوا رؤوسهم محنيّة و ركعوا إلى حكّام هذه البلاد ، مدلّلين على أنّهم يؤمنون ب " الحلم الأمريكي " سينجحون. بينما يُرمى بالسود فى عديد أنحاء البلاد على نطاق واسع جانبا من طرف هذه الطبقة الرأسماليّة ذاتها التى مصّت دماء عملهم لعديد و عديد السنوات ، جيلا بعد جيل و يُقال لهم إنّ " المكسيكيين يستولون على مواطن شغلكم " و إنّ السود يجب أن يتخلّوا عن التحدّى و عوض ذلك أن يقفوا من أجل وضعهم ك " أمريكيين حقيقيين " . و فى نفس الوقت ، يُعزّز النظام و تعزّز وسائل الإعلام هذه الإنقسامات – فمن جهة ، يخفون عن الناس المختلفين كيف قد تقاسموا بطرق شتّى ذات المصير ، جلبهم الإضطهاد على يد عدوّ مشترك ؛ و من الجهة الأخرى ، بإستمرار يؤطّرون الأشياء بطريقة تزيد فى خطورة الإنقسامات التى تسبّب فيها النظام الرأسمالي ، و كيف يبثّ العداء بين الناس ، بما فى ذلك عبر التنافس من أجل مواطن الشغل و الموارد . و فى حين أنّه يمكن و يجب القيام بخطوات هامة لتغيير هذا ، فى وحدة متطوّرة فى صفوف الناس المستغَلين و المضطهَدين من كافة القوميّات فى بناء حركة ثوريّة ، لا يمكن تجاوز هذه الإنقسامات تجاوزا تاما دون التخلّص فى النهاية من الرأسمالية و إيجاد عالم مختلف راديكاليّا .
لكن لنتصوّر سلطة دولة يوفّر فيها النظام الإقتصادي شغلا لكلّ شخص قادر على العمل بما يسمح لهم بالمشاركة فى توفير الحاجيات الهائلة للمجتمع و دعم التغيير الثوري عبر العالم . لنتصورّ سلطة دولة تشجّع على تبادل التجارب و الأفكار فى صفوف الجماهير . لنتصوّر سلطة دولة تدافع عن و تعطى تعبيرا مزدهرا بصورة متزايدة للتنوّع الثقافي فى وسائل الإعلام و الفنون و النظام التعليمي ، كلّ هذا فى جوّ يخلق مجتمعا و تشاركا إنسانيّا . لنتصوّر سلة دولة توفّر أشكالا من الحكم الذاتى للقوميّات المضطهَدة سابقا ، و توفّر الموارد التى تمكّن مناطق الحكم الذاتي هذه من الإزدهار ، بمؤسّسات تعليميّة و ثقافيّة حيويّة و حكم ذاتي حقيقي فى مجالات أخرى ... لكنّها لا تطلب من أفراد هذه القوميّات العيش فى مثل هذه المناطق و تشجّع الإندماج على نطاق واسع عبر المجتمع . لنتصوّر سلطة دولة تحثّ على المبادرة و تدعم الناس فى محاربتهم العنصريّة و أفكار تفوّق البيض و طرق ربط العلاقات التى وُرثت عن النظام القديم ، سلطة دولة تحثّ على كسر الحواجز و فضح الأساطير الخاطئة و الضارة التى لُقّنت للناس حول بعضهم البعض ، و سلطة دولة – متعارضة مع سلطة دولة اليوم حيث تبثّ السموم العنصريّة على الأمواج الهوائيّة – تستخدم وسائل الإعلام و المعاهد لإيجاد جوّ مغاير تماما .
لنتصوّر هذا – و لنفعل أكثر من مجرّد التصوّر . لنفهم أنّ مثل هذه الأشياء قد حدثت أين جدّت الثورات الشيوعيّة و إفتكّت البروليتاريا التى كانت سابقا مستغَلّة سلطة الدولة ، أو أنّنا قد علمنا بشكل أتمّ من خلال تلك التجارب بالحاجة إلى و أهمّية القيام بهذه الأنواع من المتغيّرات الراديكاليّة . و لنشرع فى العمل من أجل هذه الثورة التى ستفتك فى النهاية سلطة الدولة من يد المضطهِدِين و تنشأ سلطة دولة جديدة – بيد الجماهير بقيادة حزبها الطليعي .
فى كلّ هذا ، سيكون وجود لبّ صلب شيوعي ثوري يتعاطى مع كافة الأشياء ك " محرّري الإنسانيّة " أمرا حاسما . و سيحتاج هذا اللبّ الصلب إلى ركيزة و قيادة كافة السيرورة الثوريّة ، مؤسّسا بصلابة العلاقات بين كلّ مرحلة من مراحل النضال و هدف التحرير الشيوعي الشامل . بطبيعة الحال ، ليس هذا اللبّ الصلب مرّة و إلى الأبد و شيئا لا يتغيّر أبدا ؛ سيكون متطوّرا بإستمرار ويعرف تغيّرات فى كلّ مرحلة من السيرورة الثوريّة . و يجب على هذا اللبّ أن يبدأ تشكّله اليوم من خلال سيرورة التسريع و الإعداد لوضع ثوري ثمّ تطويره أكثر – فى إطار مختلف كلّيا – فى وضع ينهض فيه الملايين من الناس لإفتكاك السلطة و ثمّ بطريقة أعمق حتّى أكبر بكثير فى إطار المجتمع الثوري الجديد الذى سيكون فيه مبدأ قياديّا و شيء عمليّا يُشجّع عليه ، أنّ كلّ من يتطلّع إلى التحرير يجب أن يعتنوا و يشغّلوا أنفسهم بمشاكل الثورة و التغيير الراديكالي للمجتمع ككلّ . وجزء حيويّ من إنجاز هذا التغيير هو الإستيعاب الواضح لمركزيّة إلغاء كافة أشكال الإضهاد القومي كحجر زاوية فى بلوغ عالم شيوعي ؛ و كذلك حيويّ فى كلّ هذا هو أنّ كلّ المتحمّسين بإرادة رؤية نهاية ، على المدى البعيد ، للأشكال العنيفة و التى تبدو لا نهاية لها من إضطهاد السود و أناس مضطهَدين آخرين ، يجب بصفة متصاعدة أن يستوعبوا كيف أنّ هذا يمكن بلوغه فقط فى إطار تحرير كافة الإنسانيّة و المضيّ بالمجتمع الإنسانيّ إلى مرحلة جديدة كلّيا .
كيف يمكن لمثل هذه الثورة أن تتطوّر ؟ و كيف ستكون ؟
هذه مسألة كبرى ، مسألة تستدعى إجابة جدّية و علميّة . و مرّة أخرى ، ليس بوسعنا إلاّ ملامسة هذا هنا و ندعو إلى مطالعة " الثورة الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي " . لكن بوسعنا و سوف نقول بضعة أشياء أساسيّة :
ستتطلّب ثورة فى بلد كالولايات المتّحدة تغيّرا كبيرا فى طبيعة الوضع الموضوعي . و مثل هذه الثورة لا يمكن أن تحدث إلاّ عندما يقع المجتمع ككلّ فى براثن أزمة عميقة جوهريّا بفعل طبيعة النظام نفسه و سيره . و مثل هذه الثورة تتطلّب كذلك ظهور شعب ثوري يعدّ الملايين و الملايين وهو واعي للحاجة إلى تغيير ثوري ومصمّم على القتال من أجله . و مثلما يضع ذلك بيان هام للحزب الشيوعي الثوري :
" و فى هذا النضال فى سبيل التغيير الثوريّ ، سيواجه الشعب الثوري و الذين يقودونه القوّة القمعيّة العنيفة لآلة الدولة التى تجسّد النظام القائم على الإستغلال و الإضطهاد و تعزّزه ؛ و من أجل أن يكلّل النضال الثوري بالنجاح ، سيقتضى الأمر مواجهة القوّة القمعيّة العنيفة للنظام القديم الإستغلالي والإضطهادي و إلحاق الهزيمة بها. " (34)
و محاولة القفز إلى الثورة قبل وجود هذه الظروف – الشروع فى أو الدعوة إلى أعمال عنف منعزلة يقوم بها أفراد أو تقوم بها جماعات صغيرة ، منفصلة عن الجماهير الشعبيّة و محاولة تعويض الحركة الثوريّة للجماهير الشعبيّة ، أمر خاطئ جدّا و فى منتهى الضرر. و مثلما أشار حزبنا فى ذات البيان الذى مرّ بنا ذكره :
" سيساعد قوى النظام القائم القمعيّة للغاية فى سعيها إلى عزل و مهاجمة و سحق كلّ القوى الثوريّة و قوى المعارضة السياسيّة الأوسع التى تسعى إلى بناء مقاومة سياسيّة جماهيريّة و بلوغ تغيير إجتماعي له دلالته و حتّى عميق من خلال النشاط السياسي - الواعي للجماهير الشعبيّة و مبادرتها ." (35)
لكن هذا لا يعنى أنّ الحركة ينبغى فحسب أن تشغل نفسها بالنضال من أجل الإصلاحات بينما ننتظر تطوّر وضع أفضل. و هذا أيضا قد تبيّن أنّه محطّم لآمال الشعب... بدلا من ذلك ، يجب على الحركة " التسريع بينما ننتظر " تطوّر فرصة للثورة . و هذا " التسريع بينما ننتظر " يعنى صنفا كاملا من النشاط الذى يرفع الوعي الإيديولوجي و السياسي للناس و يبنى مقاومة سياسيّة جماهيريّة لأهمّ فظائع النظام ، مبقيا الناس "على إستعداد " لإغتنام أيّة إنفتاح ؛ بإختصار، إعداد العقول و تنظيم القوى من أجل الثورة .
عند التفكير فى مثل هذه المسألة الكبرى ، من المهمّ تذكّر النقاط التى صغناها بشأن ستّينات القرن العشرين وهي تشتمل على :
- الطرق التى تقدّم من خلالها ملايين الناس من عدّة أنحاء مختلفة من المجتمع نحو المقاومة النضاليّة الجماهيريّة و نحو تأييد الثورة ؛
- الطرق التى بها وضع ذلك النضال ، متفاعلا مدّا و جزرا مع الأشياء التى كانت تحدث عالميّا ، إلى درجة ذات دلالة ، وضع موضع السؤال " شرعيّة " حكّام هذا النظام و وضعهم فى موقع دفاعي كاشفا نقاط ضعف ليست ظاهرة فى " الأوقات العاديّة ".
- و واقع أنّ من تلك الأزمة ظهر حزب بقيادة رئيسه بوب أفاكيان مضى إلى مواجهة المسائل التى جرّت الحركة إلى الخلف حينها و أرسى إطارا للإجابة على هذه الأسئلة .
ويطرح الوضع الإجتماعي اليوم عديد التحدّيات المختلفة عن تلك فى ستّينات القرن الماضى . و لنأخذ إختلافا كبيرا واحدا – الهيمنة الأكبر للإقتصاد غير القانوني فى الأحياء الشعبيّة اليوم ، و ما يتناسب مع ذلك من هيمنة " قوانين الشوارع " و " العصابات " . و أنواع آمال الحركة التى ألهمت الناس فى ستّينات القرن العشرين تبدو بعيدة عن عديد شباب اليوم – مجدّدا فى آن معا لكون آمال الثورة و عالم مختلف راديكاليّا و أفضل قد تقطّعت مؤقّتا و بسبب حتّى تلك الآمال التى تحقّقت ( الإطاحة ببعض الحواجز القانونيّة إلخ ) تبيّن أنّها غير قادرة على التعاطى مع مشاكل أوسع يفرزها النظام .
من ناحية ، يجعل ذلك أكثر صعوبة تعبئة عديد الشباب اليوم فى النضال ضد النظام . لكن هذا يُشير أيضا إلى الحاجة إلى مزيد التعمّق مقارنة بأيّة نضالات فى الماضي ، لا يه/ّ مدى إلهامها ، و المضيّ أبعد من آفاقها و مطالبها . و كما أوضحنا قبلا ، فى ما يخصّ إعصار كاترينا و التناقضات بين الأفروأمريكيين و اللاتينيين ، الثورة البروليتارية و سلطة الدولة الثوريّة التى ستنجم عنها يمكن أن تتعاطى مع هذه المشاكل بسرعة نسبيا ؛ و واقع هذا الأمر ينبغى أن يُنشر فى صفوف الجماهير بطرق قويّة و حيويّة و بصفة متكرّرة و بجرأة و من عدّة زوايا – بأمثلة تشير إلى التناقضات القاتلة التى تواجهها الجماهير كلّ يوم و تبيّن على نحو حيويّ كيف أنّ هذه التناقضات يمكن و ستعالج بريقة مختلفة راديكاليّا ، فى إنسجام مع المصالح المشتركة لجماهير الشعب ، عندما تكون الثورة قد ركّزت سلطة دولة جديدة تجسّد هذه المصالح و تعمّقها .
و من ناحية أخرى ، يجعل هذا من الأهمّية بمكان النضال الشديد مع الشباب و غيرهم لينضمّوا إلى الثورة و رفع طموحات الحرّية الموجودة و التى كتمها هذا النظام و تقريبا قبرها . و يجب رفع تحدّى : كفّوا عن محاولة النجاح فى " اللعبة " التى وضعها لكم النظام وفيها لن تكونوا أكثر من بيادق تستعمل ضد ذات الناس الذين تنحدرون منهم ؛ إنضمّوا إلى شيء يمكن فى النهاية أن يضع حدّا لليل طويل الظلام أسدله النظام على الشعب . إقطعوا مع عقليّة أقتل أو تقتل و الذهنيّة المرافقة " للعبة "- و إطلقوا العنان لما قمعته " اللعبة " : طموح للحرّية و التحرير لكلّ الناس الذين أُهيل عليهم التراب و لم يقع قتلهم ... و الرغبة العميقة فى تحويل غضبكم و التجرّأ حيث و ضد من يتعيّن و يجب توجيهه لتحقيق هذه الطموحات . غادروا البحث عن الركوب على ظهر أناس مثلكم أو حتّى قتلهم – و إنضمّوا إلى مقاومة السلطة اليوم كجزء من الإستعداد للثورة و كجزء من تغيير الناس من أجل القيام بالثورة .
وُجدت و ممضات عن هذه الإمكانيّة أثناء إعصار كاترينا عندما خاطر أناس ب" حياتهم " و بكلّ شيء لإنقاذ شخص من " وضع " مختلف و فى بعض ما جدّ فى تمرّد لوس أنجلوس سنة 1992 حينما وُضع العداء بين العصابات جانبا بصفة مؤقّتة. و وُجدت أكثر من ومضة فى ستّينات القرن العشرين حينما قطع أناس كجورج جاكسون مع حياة الجريمة و إلتحقوا بالحركة الثوريّة . ويجب أن يوجد أكثر بكثير من ذلك فى الحركة الثوريّة اليوم – التى يتقدّم بها الحزب الطليعي للثورة ، الحزب الشيوعي الثوري ، و كافة الذين توصّلوا إلى فهم عميق لكون مستقبل مختلف راديكاليّا ممكن ، مع أنّ هذا يصبح بدوره قوّة إلهام هائلة لمزيد من الملايين ... ليس بمخطّط معيّن ل" إيقاف العنف " الذى لا يمكن أن ينجح فى ظلّ هذا النظام ، و ليس بهدنة بين المجموعات لا يمكن أن يتكون أكثر من هدنة ... و إنّما بحركة ثوريّة تهدف إلى تغيير كلّ شيء .
نعم ، هناك تحدّيات صعبة فى بناء الحركة الثوريّة اليوم . لكن التفكير فى أن الإنسان قادر على تحرير الإنسانيّة دون مواجهة تحدّيات بهذه الصعوبة و أصعب حتّى يعنى الإبتعاد عن الواقع . و هذا يمكننا فعله و لسنا فى حاجة إلى القيام به . لدينا وسائل الفهم العلمي للعالم و المجتمع ، إدراك لماذا تحدث الأشياء و كيفيّة تغييرها ، و إيجاد عالم جديد منها ؛ علينا أن نتوحّد و نستخدمها .
لنكون فى غاية الوضوح : لن يأتي أي من هذا بيسر . إنّه يستدعى نضالا و تضحيات هائلة ، و سيولد فحسب وسط نهوض كبير و حتّى دمار كبير – ينجم بدرجة كبيرة عن القوى التى تبحث عن إبقاء النظام الإضطهادي و الإستغلالي القديم يسير – الذى سيكون بالضرورة جزءا من الإطاحة و التخلّص النهائيين من هذا النظام . إلاّ أنّ هذا النضال و هذه التضحية يمكن فى آخر المطاف أن تخدم التخلّص التام من قيود الإضطهاد التى قيّدت الكثيرين لمدّة جدّ طويلة و إنجاز تحرير حقيقي . و ستكون مثل هذه الثورة مرحّب بها بفرح فى كلّ ركن من أركان العالم و ستلهم مئات الملايين عبر الكوكب ليتبنّوا هذه القضيّة .
IV- التحدّيات التى يجب أن نواجهها :
زبدة القول :
1- نشأت الولايات المتّحدة على أساس سرقة أراضي و قتل جماعي للأمريكيين الأصليين ( الهنود الحمر ) و إستعباد الأفارقة . و مذّاك ، شكّل إضطهاد السود عنصرا أساسيّا فى سير هذا النظام متغيّرا مع تغيّر النظام ، لكن دائما متجذّرا بعمق فى ذات مصنع المجتمع . و فى حين أنّه تبيّن أنّ تفوّق البيض و الرأسماليّة مرتبطين وثيق الإرتباط إلى درجة أنّه حتّى عندما تمرّد الملايين المرّة تلو المرّة للنضال ضد إضطهاد الأفروأمريكيين ، ردّ النظام فى النهاية بإعادة خندقة ذلك الإضطهاد و تعزيزه حتّى و إن بدّل الأشكال . و الوضع اليوم فى أقصى حدود السوء ؛ و أي حلّ يبقى على الرأسماليّة دون مساس ليس حلاّ أبداو بالفعل هو مأزق مدمّر .
2- يمكن أن تقوم ثورة فى هذه البلاد و يمكن لهذه الثورة فى النهاية أن تجتثّ و تضع نهاية للكابوس المديد للإضطهاد و الإخضاع الذى كان من نصيب السود خاصة ، إلى جانب الكثير و الكثير الآخرين فى هذه البلاد ، عبر التاريخ . خلال ستّينات القرن العشرين ،ظهرت حركة من نضال الأفروأمريكيين من أجل الحرّية إنتهت إلى الإنتشار عبر المجتمع و إرساء كلّ عامود من أعمدة هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي الإضطهادي موضع سؤال و تحت النار ؛ لقد زعزع بجدّية أسس الحكم الإمبريالي . لا يجب أن يحجب كونه لم يمضى بعيدا بما فيه الكفاية ما قد حقّقه فعلا و بيّنه بقوّة ؛ و اليوم حزب و قائد يمدّ جذوره إلى تلك الحقبة لكنّه طوّر النظريّة لمواجهة تحدّيات هذا الزمن ، لا يوجدان فحسب بل هما يعملان بنشاط لإيجاد ركة ثوريّة جديدة .
3- لهذا الحزب فهم عميق لنوع الثورة التى يجب القيام بها و كيف أنّ سلة الدولة الجديدة يمكن أنتساند الجماهير فى تغيير كلّ مجال من مجالات المجتمع و فى النهاية تجاوز جراحات و ندوب الرأسماليّة و كافة أشكال الإستعباد و الإهانة – و منها إضطهاد السود – و كيف يمكن لكلّ هذا و يجب أن يرتبط بالهدف الأشمل : تحرير الإنسانيّة قاطبة من قيود المجتمع الطبقي و كلّ الإنقسامات الإضطهاديّة و كلّ المؤسّسات و طرق التفكير المرتبطة بها و التى توطّد هذه القيود .
إنّنا مصمّمون على القيام بكلأّ ما بوسعنا القيام به لتسريع مجيئ يوم يمكن فه فى النهاية القيام بثورة . و يمكن الشروع حقّا فى التغيير الجوهري . و التحدّى أمامكم أنتم الذين يقرأون هذا الآن .
وقد أبحرتم معنا إلى هذا المدى ، هل ستغلقون أعينكم و تديرون ظهركم ؟ أم ستنضمّون إلينا للخوض بعمق فى كيفيّة إيجاد هذا، مشاركيننا فى العمل على المسائل الملحّة لردم الهوّة بين ما يمكن ويجب إيجاده و الحواجز التى نواجهها اليوم ، و متّحدين فى صراع مشترك يقلب هذه الأمور الفظيعة للغاية و يمكّن من قطع حطوة عملاقة نحو تحرير الإنسانيّة ؟
=======================================

طرق خاطئة و نهايات مسدودة :

لماذا ليس التعليم هو الحلّ

يقول الناس : " نحتاج إلى التعليم ، هذا هو المشكل . نعم ليست لنا الموارد التى لدى معاهد البيض . لكن إذا أراد أطفالنا الدراسة فقط بمزيد الكدح – و إذا قمنا بما هو أفضل بغلق التلفاز غالبا – عندئذ يمكنهم التعلّم و المضيّ قدما " .
هذا القول يخلط بعض الحقائق الهامّة مع بعض الإستنتاجات الخاطئة جدّا . الحقيقة هي أنّ هذا النظام قد حرم بإستمرار الأطفال السود من تعليم جيّد و يواصل القيام بذلك اليوم ، بداية من إعدام العبيد الذين علّموا العبيد الآخرين القراءة ... و اليوم ، معظم الأطفال الأفروأمريكيين منحصرين فى معاهد الأحياء الشعبيّة شبيهة بالسجون تحصل على موارد أقلّ و فيها يتمّ حجب التاريخ الحقيقي و الديناميكيّة الحقيقيّة للمجتمع و العالم ، و هناك محاولات نادرة إن وُجدت لغرس التفكير النقدي أو المبدع . و تبعث هذه المعاهد إلى الأطفال الأفروأمريكيين برسالة مفادها بطرق معلنة أو غير معلنة أنّه ليس ثمّة مستقبل حقيقي لهم فى هذا المجتمع . وإنّه لجريمة أخرى لهذا النظام أن ينتهي عديد الشباب السود إلى" تصديق" أكاذيب النظام بأنّهم أدنى ف" يطفئون " نور قدراتهم الخاصة على التعلّم و بالقيام بذلك يبتعدون عن العالم الأوسع للمعرفة والعلم .
لكن لنفترض أنّ كلّ طفل أسود حصل فعلا بشكل ما على تعليم يسمح له بالتفكير النقدي و التحكّم بمهاراته فى العمل الفكري من جميع الأنواع . هل سيقدر ملايين فقراء اليوم على الحصول على مواطن شغل جيّدة و على تسلّق السلّم إلى خارج الفقر؟ حتّى و إن إستطعتم نوعا ما إلغاء التمييز العنصري بألّ من الثورة – وهو فى الواقع مستحيل الحصول – طالما أنّ النظام الرأسمالي قائم ، يتمّ تشغيل الناس فقط إن كان تشغيلهم يدرّ المال على رأسمالي ما . و بهذا المعيار ، لا وُجود ل " طلب " لعديد مواطن الشغل تلك و حتّى عديد مواطن الشغل هذه يقع تحويلها إلى أماكن من العالم حيث يضطرّ الناس إلى العم بأجور أزهد حتّى . و الرأسماليّون على علم بهذا طبعا و هذا سبب كبير لكونهم لا يوفّرون تعليما جيّدا لشباب الأحياء الشعبيّة على وجه الخصوص – فهم لا يريدون رفع توقّعات السود " إلى درجة عالية " . إنّهم يخشون وضعا تكون فيه لملايين الناس معرفة و مهارات و بالتالى يتوقّعون الحصول على شغل لائق و حياة أفضل ثمّ يظلّ ينكر عليهم – عديد العاملين السياسيين للطبقة الحاكمة يتذكّرون جيّدا أنّ النتيجة كانت إنفجارا جماهيريّا للغضب و التمرّد عن حقّ ضمن السود ، لا سيما الشباب و اليوم تبدى الطبقة الحاكمة خوفا عميقا من لأنّ رفع التوقّعات مجدّدا سيكون إلى درجة كبيرة إنفجاريّا إجتماعيّا .
و لا يزال هناك مشكل أعمق حتّى : أنّه إلى أن يوجد جهد جدّي تدعمه سلطة الدولة من أجل تجاوز اللامساواة و تفوّق البيض فى كلّ مجال من مجالات المجتمع ، لن تواصل الأنظمة التعليميّة ذاتها تعزيز هذا و حسب بل لا قدرا من التعليم سينفع لتجاوزها و إجتثاثها . و حتّى اليوم ، لمّا ينجح فرد رغم كلّ العراقيل فى الحصول على تعليم جيّد ، يبقى التمييز العنصري . التعليم وحده ليس كافيا ؛ يحتاج الأمر إلى ثورة يتمّ فيها كسر حكم المستغِلِّين و المضطهِدِين و توضع بفضلها سلة الدولة بيد الجماهير للتخلّص من العراقيل الرأسماليّة و لإقتلاع تفوّق البيض الذى غذّته إقتلاعا تاما و من الجذور. يحتاج المجتمع الإشتراكي إلى التفكير النقدي للناس عبر المجتمع ، بما فى ذلك الذين قد وقع خنق إبداعهم و تفكيرهم النقدي فى ظلّ هذا النظام الإضطهادي . و من المميّزات المفاتيح و ضرورات هذا المجتمع الجديد ستكون تشجيع هذا الإبداع و التفكير النقدي فى صفوف الناس بشكل واسع – تطوير إمكانياتهم و تمكينهم من المساهمة المتصاعدة بعديد الطرق المتنوّعة ، فى تطوير المجتمع ، و تحرير الإنسانيّة كجزء من الجهد الجماعي الكبير لإنشاء مجتمع جديد وعالم جديد كلّيا، خاليا من الإستغلال و الإضطهاد .
و كجزء من بناء الحركة الثوريّة ، نتوحّد بالتأكيد مع نضالات الشعب و جهود مقاومة اللامساواة الوحشيّة للنظام التعليمي اليوم . و الحركة الثوريّة ذاتها يجب أن تعلّم الناس التاريخ الحقيقي و ديناميكيّة المجتمع و العلوم و المنهج العلمي بصورة أعمّ . لكن التعليم وحده ، من أي نوع كان ، ليس بوسعه حلّ المشكل .
التعليم " كمخرج " يحرف نظرة الناس عن المشكل الحقيقي و حتّى يقودهم إلى توبيخ أنفسهم عندما يتبيّن أنّه أمل كاذب آخر.
----------------------

حق تقرير المصير للأمّة الأفروأمريكيّة

بالنسبة للسود المتشكّلين بوجه خاص فى أمّة مختلفة و مضطهَدَة داخل الأمّة المهيمنة فى الولايات المتّحدة ، هناك حقّ تقرير المصير – إلى و بما فى ذلك حقّ إقامة دولة منفصلة . ستساند الدولة الثورية الجديدة حقّ السود فى إقامة حكم ذاتي فى حزام سود الجنوب كما فى مناطق أخرى حيث يمثّلون تجمّعات كبرى . و يشمل حقّ تقرير المصير حقّ إرساء جمهوريّة أفروأمريكيّة منفصلة فى حزام سود الجنوب .
و كلّ الأشياء الأخرى متساوية ، إنفصال قوميّ إلى دولة منفصلة ليس شيئا سيُعزّز بل بالفعل يمكن أن يضعف الدولة الإشتراكيّة الجديدة . لكن هذه هي بالذات القضيّة : إتّحاد شعوب قوميّات مختلفة فى مجتمع إشتراكي جديد راديكاليّا يجب أن يكون فى الواقع أساس المساواة و المساواة لا يمكن لأن تتحقّق دون الدفاع عن حقّ الأمم المضطهَدَة مثل الأفروأمريكيين لحق تقرير المصير ، إلى و بما فى ذلك حقّ الإنفصال عن المجتمع الأوسع و تشكيل بلد خاص منفصل . إذا كان هدف دولة إشتراكيّة متّحدة ليتحقّق على أوسع مجال ترابي ممكن ، يجب أن تكون هذه الوحدة حقّا وحدة لا تكون فيها أمّة مضطرّة للبقاء ضمن دولة أوسع بل عوض ذلك يشكّل شعب تلك الأمّة عن وعي و عن طواعيّة جزءا من الدولة الإشتراكية الأوسع و يشارك بنشاط و حيويّة فى التقدّم بتثوير ذلك المجتمع الإشتراكي ككلّ و يساهم فى الثورة العامة و هدفها الأسمى هو بلوغ عالم شيوعي و عصر جديد تماما للإنسانيّة خال من الإستغلال و الإضطهاد.
---------------------------

فخّ الدين

يقول الناس : " مشكلتنا هي أنّه علينا أن نصلح أمرنا مع الله . و الله سينجينا ، لن يتخلّى عنّا " .
إنّ كانت الصلاة للمسيح أو الله لها أيّة فائدة لكانت العشرين سنة الماضية عقدين من التقدّم العظيم للأفروأمريكيين ذلك أنّ السود كانوا يصلّون كما لم يصلّوا أبدا قبل ! لكن عوض ذلك ، كان العقدان عقدين من الرعب و اليأس : ضخّ المخدّرات إلى الأحياء الغيتو و التشجيع على تجارة المخدّرات القاتلة للأخوة كمخرج للشباب ، و إلى جانب ذلك ، كابوس سجن أعداد هائلة من الشباب الأفروأمريكي ، و ترافق هذا مع إفساد الأحياء الشعبيّة التى قلّت فيها موان الشغل و الموارد ؛ و إشتداد إضطهاد النساء و إخضاعهنّ بآلاف الطرق ؛ و شيطنة السود فى الثقافة السائدة و هلمّجرّا . كلّ هذه الصلوات لم تفعل أيّ شيء لمنع هذه الفظائع . لكن قطع الطريق أعمق من ذلك . الدين ببساطة خاطئ . إنّه يقول للناس أن يبحثوا عن أسبابمتّصلة بالإيمان (" الإبتعاد عن طريق الله ") لمّا يواجه الناس المشاكل الحقيقيّة و أن يقاتلوا أعداء الإيمان(" الشيطان") عوض أعداء الحياة الحقيقيّة الذين يجب إلحق الهزيمة بهم . إنّه يدعو الناس لوضع ثقتهم فى منقذين يؤمنون بهم و هم غير موجودين – بدلا من فهم العالم كما هو و النضال من أجل تغييره و بناء وحدة على ذلك الأساس . الدين ، حتّى النوع الأكثر " تقدّميّة " منه و الذى ينطوى على نداء للوقوف ضد الإضطهاد ، فى النهاية مع ذلك يبثّ فى الناس فكرة أنّهم لا يستطيعون حقّا فهم العالم و تجاوز الإضطهاد و كسب تحرير أنفسهم و يجب فى النهاية التعويل على إلاه ( أو آلهة ) ما غير موجود ليقودهم إلى النجاة إن لم يكن ذلك فى هذا العالم ففى العالم التالى . بإختصار ، الدين يقيّد تفكير الناس .
إسألوا أنفسكم : لماذا منذ أيّام العبوديّة ، لم يسمح المضطهِدون بكنيسة السود فحسب بل عامة شجّعوها و دعّموها مساعدين على بناء مؤسّسة مفتاح فى تجمّعات السود مستعملينها و مروّجين لإستعمالها ك " ملجأ " للسود ؟ و لماذا اليوم يجرى تقديم جميع أنواع التمويل للكنائس لتقيم " وزارات سجن " فى حين يقتطع تمويل فرص التعليم فى السجن ؟
فى قمّة كلّ هذا ، اليوم تشيّد الطبقة الحاكمة البرجوازيّة الإمبريالية نواة دعاة أصوليين رجعيين ، بمن فيهم رجال دين أفروأمريكيين كجزء من الحركة الفاشيّة المسيحيّة الرامية إلى جعل الناس يدعمون كلّ أصناف التحرّكات و العلاقات الرجعيّة و الإضطهاديّة و لقاتلوا أو يدعموا بنشاط و عدوانيّة الحروب ضد الشعوب المضطهَدَة فى بلدان أخرى ، خدمة لإمبراطورية الولايات المتحدة ، و لمزيد تضييق الخناق على مقاومة كلّ هذا داخل الولايات المتحدة و بعدُ جعل المجتمع القمعي جدّا نوعيّا أشدّ قمعا .
و بطبيعة الحال ، عديد الناس المتديّنين يقفون ضد الإضطهاد و يجب على الحركة الثوريّة أن تتّحد مع مثل هؤلاء الناس . لكن التفكير الديني لا يمكن أن يحدّد إطار هذا النضال والذين يفهمون حقّا أهمّية توخّى مقاربة علميّة لأسباب و علاج ها الإضطهاد يحتاجون إلى التقدّم ومساعدة الناس على التحرّر من هذه القيود الذهنيّة .لقد حان وقت التخلّص من هذا الهراء المسموم ل " سيرعانا الله " و " شكرا للمسيح " أو " إرادة الله " – حان وقت التخلّص ببساطة من قول " أنا مبارك " ، و النظر إلى الواقع و الإقرار عوض ذك ب : " إنّنا مضطهَدون ! " ثمّ لنتجمّع الآن و هنا للقيام باللازم .
----------------------------
لماذا لن يحلّ " إيقاف العنف " المشكل

يقول الناس : " لا يمكن الحديث عن تغيير جوهري فى حين أنّ الناس واقعين فى أسر قتل بعضهم البعض . أوّلا يجب أو نوقف هذا العنف فى صفوفنا و تاليا يمكن الحديث عن إنجاز تغيير أهمّ ".
وضع العنف فى عديد أحياء السود و اللاتينيين عبر كامل البلاد – حيث يشاهد الأولياء أطفالهم الصغار يموتون بفعل رصاص متبادل ، و الأطفال تطاردهم كوابيس إطلاق النارو من الأكيد أنّهم لن يتجاوزوا 18 سنة – فظيع . لكن منطق أنّ الناس يجب أوّلا بشكل ما أن " يصلحوا أنفسهم " كخطوة ضروريّة أولى ، قبل أن يستطيعوا تغيير الظروف الأوسع التى يجدون أنفسهم فيها ، يقلب السبب و النتيجة و بغضّ النظر عن المحاولة ، يوجّه إنتباه الناس بعيدا عن مصدر العنف فى صفوفهم – النظام الرأسمالي – الإمريالي الذى خلق هذه الظروف فى المقام الأوّل . إنّ العنف الذى يقترفه الناس ضد بعضهم البعض ليس فى جذوره يُعزى إلى " إختيارات سيّئة " تحتاج إلى " تصحيحها أوّلا " بل هو يُعزى إلى الطرق التى بها قد حاصر هذا النظام الناس فى وضع حيث يجدون أنفسهم فى نزاع مع بعضهم البعض للبقاء على قيد الحياة .
أناس مثل بيل كوسبى - و كذلك بيل كلينتون و باراك أوباما – لا يمضون بعديا حدّ توبيخ السود بسبب الوضع الرهيب الذى رماهم فيه هذا النظام " بخياراته " التى لا مخرج منها فحسب بل يقومون بذلك بموقف يزعم الإنشغال بهموم السود . فيلحق هؤلاء الثعابين ضررا كبيرا بقدرة السود على فهم المشكل و تغيير العالم تبعا لذلك و كذلك يبرّرون كلّ الأكاذيب العنصريّة فى أذهان البيض .
نعم ، يحتاج الناس إلى تغيير أنفسهم – لكن سيغيّرون أنفسهم جوهريّا و بطرق تحريريّة ، فى سيرورة مواجهة المصدر الحقيقي للمشكل و التغيير الراديكالي لظروفهم . لقد حصل هذا بأعداد كبيرة خلال الحركة الثوريّة لستّينات القرن العشرين عندما أقلع الكثير من العصابات و السجناء السابقين عن تلك الحياة و إلتحقوا بالقيام بالثورة و خدمة الشعب ، محدثين قطيعة مع " الذهنيّة الإجراميّة " نحو "الذهنيّة الثوريّة " .
عوامل أنّ الشباب خاصّة هم الذين يردّون الفعل اليوم – واقع أنّ هؤلاء الشباب ليس لهم حقّا ما يخسرونه فى ظلّ هذا النظام – هي ذات القوى المحرّكة التى يمكن أن تدفعهم بإتجاه آخر تماما إن إستطاعوا إجراء القطيعة مع نظرة " العصابات " و إن إستطاعوا توجيه غضبهم و إغترابهم و تمرّدهم نحو مصدر المشكل و شكّلوا أنفسهم و تغيّروا بفضل علم الثورة و أخلاق تحريريّة . بيد أنّ هذا لن يحدث إلاّ بالإعتماد على مقاومة السلطة و ليس ب " العمل من داخلها " أو " داخل النظام " لإبقاء نوع من الغطاء على الأشياء. علينا أن نلغي هذا النظام الذى يتسبّب فى هذه الظروف و يفرضها و نوجد مجتمعا جديدا و ظروفا جديدة فيها مثل هذا العنف فى صفوف الناس لن يكون له أساس و يكفّ عن الحدوث . و أثناء هذه السيرورة – من القيام بالثورة لتغيير الظروف الأوسع بينما نتعلّم من الديناميكية الكامنة التى تولّد هذه الظروف – أنّ الناس بإمكانهم و من واجبهم تغيير أنفسهم .
مقاومة السلطة ، و تغيير الناس ، من أجل الثورة !
---------------------------
لماذا " الأسر القويّة " ليست الحلّ
يقول الناس : " السبب الأساسي لمشاكل السود كان تداعى أسرة السود . لهذا يلتحق هؤلاء الأطفال بحياة العصابات . علينا أن نعيد الأسرة التقليديّة كخطوة أولى لمعالجة هذه المشاكل " .
بينما جدّ تداعى هائل فى أسر السود خلال عقود ماضية عدّة ، فإنّ ذلك أيضا ينبع من سير هذا النظام الذى همّش عديد الرجال السود فى المجتمع ، بتقريبا مليون منهم فى السجن و نحن نخطّ هذه الأسطر. و قد وقع تقويض القاعدة الإقتصاديّة للأسر " المستقرّة ذات الوالدين ". و يمكن أن تجدوا كلّ أب أسود منشغل بنشاط فى العناية بكلّ طفل أسود و سيظلّ الواقع كما هو : لا يملك هذا النظام مستقبلا للملايين والملايين من هؤلاء الشباب ، بحضور الآباء أو بغيابهم .
إن كنتم فعلا تفكّرون فى أنّ الأسرة " المستقرّة ذات الوالدين " ستعالج المشكل ، ألقوا نظرة على سنوات إرهاب الكلو كلوكس كلان و القتل بوقا و التمييز العنصري ضد جيم كرو فى الجنوب . عندها الغالبيّة العظمى من عائلات السود كانت عائلات تقليديّة ذات الوالدين . لكن ذلك لم يمنع و لم يكن ليمنع التبعات المدمّرة لتفوّق البيض و الإستغلال و الإضطهاد الرأسماليين .
لكن هناك مشكل أعمق حتّى مع هذا اللاتفسير : إنّه يوجّه الناس المضطهَدين نحو رؤية ستعزّز قيود الإضطهاد و تبعد عن التحرّر . تعود جذور الأسرة التقليديّة إلى التقسيم الأوّلى للمجتمع إلى مضطهِدِين و مضطهَدين . ويمكن أن تحصلوا على نظرة لهذا بالعودة إلى جذور كلمة " أسرة " [ فاميليا ] ، المنحوتة من اللاتينيّة " فاميليا " – و التى تعنى عمليّا عدد العبيد الذين يمتلكهم السيّد ! و تحجب مقولة " إعادة تركيز الرجل على رأس الأسرة " واقع ما يعنيه ذلك بالنسبة للمرأة – ألا وهو على وجه الضبط أن تعامل كالعبيد ، سواء كانت عبدا " مفضّلا " أم عبدا يتمّ ضربه و الإعتداء عليه و خيانته و إزعاجه و إغتصابه ضمن " الحدود المقدّسة " للأسرة ( و هذا ما يحدث غالبا ) . عندما تعملون الفكر فيه ، تكتشفون أنّ هذا الهراء عن " الدور المنصف للرجل " مجرّد كلام و عقليّة أريد أن أكون مالك عبيد . و كلّ ذلك الحديث فى الشارع عن " المجارف و الكلبات " ... و كلّ هذا الكره للمثليين ، و الحديث عن " مجموعة من المثليين " ، و إضطهاد و عمليّا ضرب و حتّى قتل أي إنسان تكون مشاعره الجسيّة مختلفة عن " القاعدة " ...كلّ هذه الترّهات تمثّل أيضا ذات العقليّة الفاسدة و الهدّامة .
لا نحتاج إلى هذا – و لن يقود ذلك إلى التحرير و إلى عالم أفضل ! فى حين أنّ الثورة الشيوعية ستزيل فورا الحواجز التى وضعها المجتمع على طريق تشكيل أسر سود ، و لن تفعل ذلك على أساس العلاقات و الأفكار التقليديّة التى تهيمن على العلاقات فى المجتمع الرأسمالي و إنّما على أساس المساواة و الحبّ المتبادلين – و النظر بإتجاه الخارج ، بإتجاه تغيير المجتمع برمّته – بما فيه إطلاق العنان للمشاركة التامة للنساء فى كلّ المجالات . الرجال السود و غيرهم من الرجال لا يحتاجون إلى " النفاذ " إلى " حقّهم " لتأكيد هيمنتهم فى الأسرة على النساء و الأطفال – يحتاجون إلى النهوض معا اليد فى اليد مع النساء بالتساوى كجزء من تحرير الإنسانيّة قاطبة .
و لا يحتاج الأطفال السود إلى " أدوار رجاليّة نموذجيّة " – يحتاجون إلى وضع نهاية للأوضاع الخانقة التى تثقل على أنفاسهم فى كلّ نقطة . يحتاجون إلى ثورة ، و يحتاجون إلى أدوار ثوريّة نموذجيّة ، و النساء ليس أقلّ من الرجال . إنّهم يحتاجون إلى رؤية رجال و نساء يمثّلون نموذج الإحترام المتبادل و المساواة اللذين يعكسان العالم الذى نناضل من أجله : عالم جديد محرّر تماما حيث تزدهر الفتيات قويّات و دون خوف من أن تتعرّضن إلى الإغتصاب و الإهانة و الإعتداء ، و حيث لا يعتبر أي طفل" غير شرعي " وحيث يجد الرجال – كأي أشخاص آخرين – جدارتهم فى المساهمة فى تحسين كافة الإنسانيّة من خلال التغيير الثوري للمجتمع بأكمله عوضا عن إرتكاب و لو القليل من إضطهاد هذ العالم الكابوس .
--------------------------------------
حدود القوميّة

يقول الناس : " وحدهم السود يعرفون ما يواجهه السود و وحدهم بوسعهم تصوّر كيفيّة تغيير ذلك . ينبغى أن نخوض نضالنا الخاص معا أوّلا و نمضى من ثمّة قدما ".
سيلتحق عديد الناس بالثورة إنطلاقا من تجارب إضطهادهم الخاص و هذه التجارب و الرؤى الثاقبة التى ترشح منها يجب أن ترسم بعمق حركة ثورية . لكن هذه التجربة لوحدها غير قادرة على أن تلقى الضوء على كلّ هذا الإضطهاد . فالأمر يحتاج إلى العلم – علم الشيوعية الذى تقدّم به أوّل ما تقدّم ماركس و قد تعمّق و تطوّر مذّاك . لقد بيّن ماركس أنّ المجتمع الإنساني ككلّ ظاهرة ماديّة فى الكون يمكن فهمها فهما علميّا و طوّر الطرق الأساسيّة للقيام بذلك . و ينبغى على معارضي الإضطهاد أن يستوعبوا هذا العلم و يطبّقوه لفهم الواقع و تغيير إذا ما رمنا التحرّر . و تطبيق هذا على إضطهاد السود – و كلّ مسألة حارقة فى المجتمع مهمّة الناس من جميع القوميّات ، ذلك أنّنا نحتاج أن يعمل كلّ فرد للحصول على أصحّ و أعمق فهم ممكن .
أمّا بالنسبة للسود و " تجميع " صفوفهم أوّلا ، فإنّ هكذا مقاربة تشخّص تشخيصا خاطئا المشكل . مهما كان مدى الجهد المبذول، ف" التجميع " كشعب فى ظلّ هذا النظام غير ممكن الحدوث . فى كلّ مرحلة منذ تشكّلها خلال فترة إعادة البناء، كان تطوّر أمّة السود تطوّرا مشوّها و خاضعا للأمّة المضطهِدة الأكبر فى الولايات المتّحدة ، و ذات الديناميكية الأساسيّة لا تزال تعمل اليوم بأشكال جديدة . و فى نفس الوقت هناك طبقات مختلفة – أناس مواقعهم الإجتماعية و نظراتهم متباينة – فى صفوف السود . و فى حين أنّ هناك إضطهاد مشترك للسود فإنّ هذا الإضطهاد نفسه يُعاش بأشكال مختلفة من قبل الناس الموجودين فى مواقع مختلفة صلب المجتمع ككلّ ، و ليس هناك و لا يمكن أن تكون هناك نظرة موحّدة تمثّل كلّ الناس و لا إيديولوجيا " سوداء " أو " أفريقيّة " تمثّل كافة الناس بطرق خاصة و فريدة بعيدا عن المضطهَدين الآخرين . و كلّ إدّعاء لمثل هذه الإيديولوجيا و محاولة لتقديم هذا كشيء يمثّل افة السود ، لن تؤدّي إلاّ إلى نظرة القوى البرجوازية الأكثر تذبذبا بما أنّ هذا فى تناغم أكثر مع و بطرق شتّى يعزّز و يدعم سير النظام و النظرة و الوسائل التى تشكّل الرأي العام التى توظّفها وتتحكّم فيها الطبقة البرجوازية الحاكمة المسيطرة .
و مع ذلك ثمّة دور فى السيرورة الثوريّة لتنظيم صفوف السود و المضطهَدين الآخرين الذين يناضلون ضد إضطهادهم – و سيتّحد هذا مع الحركة الشيوعية الثورية. و سيوجد دور للسود فى المجتمع الإشتراكي الجديد حتّى متقدّم عمليّة الإندماج فى المجتمع ككلّ . وتسعى الحركة الشيوعية الثوريّة كذلك إلى بناء وحدة مع الأشكال القوميّة و المجموعات القوميّة فى صفوف السود فى النضال اليوم و تقوم بذلك فى زمن تتجمّع فيه الظروف من أجل الثورة الفعليّة ذاتها – حتّى و نضال يُخاض حول أهداف الثورة و النظرة و المنهج الذين يجب أن يقوداها .
تقارب النظرة الشيوعية ، على خلاف القوميّة ، كلّ شيء من منظور تحرير الإنسانيّة بأكملها . و الإنطلاق فقط من إطار رغبة " تجميع " صفوف السود سيؤدّى إلى الصدام بين مصالح السود و مصالح المجموعات القوميّة الأخرى ما سيفرز على طريق الحتم لامساواة و يأبّد الإضطهاد . و كذلك تترك القوميّة بلا معالجة كامل مسألة تحرير النساء التى يمكن بلوغها فحسب مع الإلغاء النهائي للأمم و كافة العلاقات الإستغلاليّة و الإضطهاديّة . و على سبيل التورية التهكّميّة فقط الإنطلاق من أبعد آفاق المستقبل الشيوعي يمكّن تيّارات النضال ضد كافة أشكال الإضطهاد من أن تكون صلتها قويّة مع الصراع الثوري و البروليتاريا الثوريّة وحدها ، بلبّ صلب يفهم أنّ تحرير بقة يستحقّ إلغاء كلّ أشكال الإضطهاد ، قادرة على قيادة هكذا نضال ثوري .
------------------------



لماذا يمثّل " الحلم " طريقا مسدودا

يقول الناس : " إن إستطعنا عمليّا إنجاز ما تقدّم به مارتن لوثر كينغ فى خطاب " لديّ حلم " عندئذ سيرى السود فى النهاية يوما جديدا و ستكون أمريكا مكانا أفضل و يمكن أن تلعب دورا مختلفا كثيرا أو أفضل فى العالم . لذا ، علينا تركيز جهودنا على جعل ذلك " الحلم " حقيقة " .
لقد قدّم مارتن لوثر كينغ تضحيات عديدة – و بالفعل قدّم أقصى التضحيات [ حياته ] - بحثا عن إيجاد ما عرضه فى خطابه " لدي حلم " . لكن مثلما يدلّ على ذلك الخطاب عينه ، كانت نظرة مارتن لوثر كينغ بالذات تبحث عن جعل أمريكا " توفى بوعدها " بينما قد عني الوعد على الدوام كأحد أهمّ عناصره أوّلا الإستعباد التام للسود ثمّ مواصلة إضطهادهم بأشكال مريعة . ليس ممكنا تحقيق " حلم " كينغ لجماهير السود فى ظلّ هذا النظام المؤسّس على و المرتهن بإخضاع السود و حرمانهم حتّى من المساواة الأساسيّة . و الواقع أنّه مهما حاول كينغ ، فإنّ تحقيق هذا " الحلم " فى أفضل الحالات يمكن أن ينطبق على نسبة ضئيلة من السود و سيحصل فى الواقع على حساب جماهير السود – و الملايين و حتى مليارات الناس الآخرين هنا و عبر العالم ، الذين سيظلّون مسحقين و يعانون بفظاعة جرّاء سير هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي و إستغلاله النظامي و إضطهاده الذى لا يعرف الرحمة ؛ و كلّ هذا توّده آلة منظّمة للقتل و التحطيم على نطاق واسع .
فى إنسجام مع هذه الرؤية ، كان برنامج كينغ برنامجا إصلاحيّا صراحة و مباشرة فى تعارض مع الثورة فى حين أنّ فى الواقع ، الثورة وحدها و غايتها الأسمى عالم شيوعي – و ليس الإصلاح الذى يترك هذا النظام يواصل عمله – يمكن فى آخر المطاف أن تضع نهاية لهذا الكابوس المديد من إضطهاد السود، و كافة الأشكال الأخرى من الإضطهاد و الإستغلال، هنا و عبر العالم . و فى الحقيقة و من غرائب التقادير الكبرى أنّه بينما لم يرتئى سوى إصلاح هذا النظام ، جرى مع ذلك إغتياله و هذا بحدّ ذاته مؤشّر آخر على طبيعة هذا النظام و جرائمه الكبرى و كذلك مؤشّر آخر على لماذا فى الواقع لا يمكن إصلاحه و يجب كنسه و تحطيمه .
-----------------------
الطريق الخاطئ لباراك أوباما

يقول الناس : " ماذا عن كلّ التقدّم الذى يمثّله أوباما و قد صار مرشّحا حيويّا للرئاسة ؟ أليس إنتخاب قادة سود طريقة للعمل على تجاوز الإضطهاد العنصري ؟ " .
أوّلا ، و قبل كلّ شيء ، لنتحدّث عن ما يبحث أوباما عن قيادته . إنّه يطمح لأن يصبح على رأس إدارة – " القائد العام - لقرش خبيث هو نظام يعيش و لا يستطيع العيش إلاّ بإرسال جيوشه حول العالم لتعزيز إستغلاله العالمي . لقد قال أوباما إنّه يطرح هذا – مهدّدا بصفة متكرّرة إيران بإستعمال الأسلحة النوويّة ضدّها و مهدّدا بشنّ هجمات داخل الباكستان و مشدّدا على إرسال المزيد من فيالق الولايات المتحدة لتعزيز الإحتلال الظالم لأفغانستان وهو يثرثر بصدد دعمه لإسرائيل و إضطهادها للشعب الفلسطيني و عدوانها عبر الشرق الأوسط ( و عبر العالم ). و رغم كلّ حديثه عن معارضة الحرب فى العراق فإنّ أوباما يعارض أيضا الإنسحاب الفوري للفيالق الأمريكيّة من تلك الحرب و قد قال إنّه " سيستمع إلى الجنرالات " قبل القيام بأي شيء . و زيادة على ذلك ، مثلما أوضح أوباما ذلك جيّدا نفسه ، فقد عارض حرب الولايات المتحدة ضد العراق – إلى الدرجة التى عارض فيها – فقط لأنّه لم يكن يعتقد أنّ الأمر س " ينجح " و لأنّها كانت " الحرب الخاطئة " . و بالنظر إلى كيف أنّ غزو الولايات المتحدة و إحتلال العراق قد حصد حياة مئات آلاف العراقيين ( إلى جانب عدّة آلاف من الجنود الأمريكيين ) ، و قد دمّر تلك البلاد جاعلا من غير الممكن العيش فيها لقسم كبير من سكّانها، فإنّ هذا النوع من " المعارضة " من طرف أوباما يشبه رجلا يرى رجلا آخر يسرق إمرأة و يغتصبها و يستعدّ لقتلها لكنّه يخشى أن تتصدّى المرأة لذلك فتضرب مهاجمها و لهذا يصرّح أن هجومه لن " ينجح " و أنّه من الأفضل له العثور على إمرأة أخرى للهجوم عليها !
ثانيا ، كامل برنامج اوباما هو " الإندفاع معا كأمريكا موحّدة " و الإستعداد للتضحية – ليس فى النضال ضد الإضطهاد و إنّما للحفاظ على سيطرة الولايات المتّحدة عبر العالم ! يمكن أن لا ترغبوا فى تصديق هذا لكن أنظروا إلى خطابات أوباما و أنصتوا إلى ما يقوله فعلا – و فكّروا فى ما سيفعله كقائد للجهاز التنفيذى لهذه الإمبراطوريّة الدمويّة . لهذا يحاجج أوباما بوجه خاص ضد الإعتناء بالطرق الخاصة التى يتمّ بها إضطهاد السود – و يحاجج ل " فهم " الوقف العنصري الرجعي المعارض لدى بعض البيض تجاه الحركة الإيجابيّة . و لهذا يرفض أوباما أن يتعهّد حقّا إضطهاد النساء فى حملته – فهو يسوق ملاحظات قليلة عن " الموقف البلّوري " الذى يعزّز الميز العنصري ضد النساء و ينبس ببضعة كلمات عن الدفاع عن حقّ الإجهاض لكنّه يضيف على الفور أنّ الإجهاض يجب أن يكون نادرا و أنّ عدد عمليّات الإجهاض يجب أن ينخفض – فى حين أنّه ، واقعيّا ، حقّ و إمكانيّة الحصول على الإجهاض جزء حيويّ من القتال من أجل تحرير النساء و تمكينهنّ من النهوض بدور هام و تام فى المجمع و فى النضال من أجل التغيير الراديكالي للمجتمع، و الإجهاض ليس أبدا شيئا يجب على النساء أن يكنّ فى موقع الدفاع عنه أو أن يتعرّضن لمحاولة جعلهنّ يشعرن بإحساس سيّئ تجاهه - ويرفض أوباما بنشاط و عدوانيّة التعرّض للقوى الرجعيّة التى تريد أن تمنع قانونيّا ليس الإجهاض فحسب ل حتّى مراقبة الولادات و أن تفرض على النساء إنجاب عدد أكبر من الأطفال كتعبير عن " إرادة الإلاه " و عن " حقّ " الرجال فى السيطرة على النساء و معاملتهنّ كمجرّد راعيات لأطفال الرجال . لهذا يشجّع أوباما على الدين بظهوره حاملا قبّعته بيديه فى الكنائس الأنجيليّة اليمينيّة و بندائه لمواصلة برنامج بوش فى تقديم المال للكنائس و رفضه الدفاع عن نظريّة التطوّر التى ليست واقعا علميّا فقط و إنّما هي من الوقائع الأكثر رسوخا فى العلم برمّته . و إلى درجة ذات دلالة ، يتركّز كلّ هذا فى الإعترافات الهائلة لأوباما ب " إحترام خدمة " معارضه الجمهوري ماك كاين –الذى ليس سوى مجرم حرب كان جزءا من الحملة المجرمة للقصف بالقنابل التى إستهدفت المستشفيات و المدارس و المزارع و السدود و المنشئات المدنيّة الحيويّة الأخرى و التى أسفرت عن موت ملايين الناس و تدمير جزء كبير من ريف الفيتنام – و رفض أوباما أن ينطق بكلمة سلبيّة عن سارا بالين الخفيفة العقل النازيّة التى تدافع عن " فكرة خلق الأرض حديثا " فى معارضة الواقع العلمي للتطوّر و العلم بوجه عام و تريد أن يدرّس فكر الخلق فى المدارس .
ثالثا ، بالنظر إلى السود ، قد أحدث بعدُ ترشّح أوباما ضررا كبيرا و ستكون رئاسته أسوء . أنظروا إلى خطاب " يوم الأب " هذه السنة فقد كرّر فيه ذات المعزوفة المسمومة لبيل كوسبى التى توبّخ السود لوضعهم كمضطهَدين . وأنظروا إلى خطابه حول كيف أنّ بناته هو لسن فى حاجة إلى حركة إيجابيّة . و للناس الذين يقولون " أجل لكن إن كان ترشحه ألهم طفلا أسود ليعتقد بأنّ السود يستطيعون فعل المزيد و التحليق أعلى يكون حسنا فعل " : هذا على وجه الضبط واحدمن أكثر الأشياء القاتلة بصدد ظاهرة أوباما ! فإعتبارا لطبيعة هذا النظام و ديناميكيّته الفعليّة و تأثيراته على ملايين الشباب و غيرهم فى الأحياء الشعبيّة خاصة ؛ فإنّ ظاهرة أوباما هذه ستنتهى إلى إحباط الشباب السود معزّزة مفاهيم أنّ شيئا ما خاطئ فيهم إن لم يقدروا على تحقيق " النجاح " فى إطار نظام صُمّم ليجعلهم يفشلون . سيساهم فى إنتشار نزعة " توبيخ الشباب لأنفسهم " فى صفوف السود على نطاق واسع . و سيوفّر للسلطات الحاكمة ( و ايضا لأناس بيض مختلفين – أو حتّى بعض " ذوى النوايا الحسنة " ) المزيد من الحجج لقول إنّه إن " ينجح الآن " الشباب السود و ظلّوا أسرى الجريمة إلخ فلن يكون ذلك خطأهم الخاص فحسب بل سيكون من الضروري و المبرّر إنزال مرقة القمع على نحو أشدّ على رؤوسهم – و لا نريد سماع أيّة تعليلات أخرى " . هذا بعض الإلهام !
لكلّ هذه الأسباب ، ظاهرة أوباما هذه فى منتهى السلبيّة – و يحتاج الذين إنجذبوا إليها و سمحوا لها بجرّهم بعيدا حتّى ضد حكم أفضل ، يحتاجون وضع طاقاتهم فى شيء يمكن أن يُحدث تغييرا إيجابيّا مغايرا هو المقاومة و الثورة .

الهوامش :

ENDNOTES

1. Amadou Diallo: “New York: The Cold Blooded Police Murder of Amadou Diallo—41 bullets end the life
of an African immigrant,” Revolutionary Worker #994, February 14, 1999
Nicholas Heyward Jr.: “Interview with Nicholas Heyward Sr. on Oct. 22: ‘There’s So Many Innocent
People Being Killed by the Police,’” Revolution #66, October 22, 2006
Sean Bell:: “Cops Fire Over 50 Shots, Protests Planned—NYPD Guns Down Sean Bell on his Wedding
Day,” Revolution #71, December 3, 2006
Tyisha Miller: “Riverside, California: The Police Execution of Tyisha Miller,” “Revolutionary Worker #989,
January 10, 1999
Abner Louima: “The System in Effect: The Police Torture of Abner Louima,” Revolutionary Worker #925,
September 28, 1997 [back]
2. See Devah Pager, “The Mark of a Criminal Record,” American Journal of Sociology, Volume 108,
Number 5, March 2003, pp. 937-75. Interviews with white managers are in When Work Disappears: The
World of the New Urban Poor by William Julius Wilson, Knopf, New York, 1996. See also “Are Emily
and Greg More Employable than Lakisha and Jamal? A Field Experiment on Labor Market Discrimination,”
Marianne Bertrand and Sendhil Mullainathan, working paper published by the National Bureau of
Economic Research, July 2003. [http://www.nber.org/papers/w9873.pdf] [back]
3. See Community Service Society of New York press release, February 23, 2004. [http://www.cssny.org/
news/releases/2004_0223.html] [back]
4. See Douglas Massey, Categorically Unequal: The American Stratification System, Russell Sage
Foundation, New York, 2007 and Amaad Rivera, Brenda Cotto-Escalera, Anisha Desai, Jeannette Huezo,
and Dedrick Muhammad (Institute for Policy Studies), “State of the Dream 2008: Foreclosed.” United for
a Fair Economy, January 15, 2008. [http://www.faireconomy.org/files/StateOfDream_01_16_08_Web.
pdf] [back]
5. Tavis Smiley, editor, The Covenant with Black America, Third World Press, Chicago, 2006, as cited
from David Satcher’s essay at the book’s website covenantwithblackamerica.com. [http://www.covenantwithblackamerica.
com/covenant/health_wellbeing/] [back]
6. Gary Orfield and Chungmei Lee, “Historic Reversals, Accelerating Resegregation, and the Need for
New Integration Strategies,” Civil Rights Project, UCLA, August 2007. [http://www.civilrights.org/assets/
pdfs/aug-2007-desegregation-report.pdf] [back]
7. “The present per-pupil spending level in the New York City schools is -$-11,700, which may be
compared with a per-pupil spending level in excess of -$-22,000 in the well-to-do suburban district of Manhasset,
Long Island.” Jonathan Kozol, “Still Separate, Still Unequal: America’s Educational Apartheid,”
Harper’s, September 2005. [back]
8. “Prison and Jail Inmates at Midyear 2006”, U.S. Department of Justice, Office of Justice Programs,
Bureau of Justice Statistics Bulletin. [http://www.ojp.gov/bjs/pub/pdf/pjim06.pdf] [back]
9. Massey, Categorically Unequal [back]
10. September 5, 2005, Barbara Bush told NPR’s MarketPlace program, “What I’m hearing, which is sort
of scary, is they all want to stay in Texas. Everyone is so overwhelmed by the hospitality. And so many
of the people in the arena here, you know, were underprivileged anyway, so this is working very well for
them.” http://marketplace.publicradio.org/shows/2005/09/05/PM200509051.html][back]
11. Charles Babington, “Some GOP Legislators Hit Jarring Notes in Addressing Katrina,” Washington
Post, September 10, 2005. [http://www.washingtonpost.com/wp-yn/content/article/2005/09/09/
AR2005090901930.html] [back]
12. William H. Frey, Audrey Singer, and David Park, “Resettling New Orleans: The First Full Picture from
the Census.” The Brookings Institution, September 12, 2007. [http://www.brookings.edu/reports/2007/07k
atrinafreysinger.aspx] [back]
13. Julia B. Isaacs, “Economic Mobility of Black and White Families,” The Brookings Institution, November
2007.[http://www.brookings.edu/papers/2007/11_blackwhite_isaacs.aspx][back]
14. Milton Meltzer, Slavery: A World History. Da Capo Press, Cambridge, Massachusetts, 1993. [back]
15. David Brion Davis, Inhuman Bondage: The Rise and Fall of Slavery in the New World, Oxford University
Press US, New York and Research Triangle, North Carolina, 2006, p. 99. [back]
16. Sidney W. Mintz, Sweetness and Power: The Place of Sugar in Modern History, Penguin, Viking, New
York, 1985. [back]
17. Bob Avakian, Communism and Jeffersonian Democracy, RCP Publications, Chicago, 2008, pp. 16-
17. [http://revcom.us/Comm_JeffDem/Jeffersonian_Democracy.html] [back]
18. Abraham Lincoln’s Letter to Horace Greeley, August 22, 1862. [http://showcase.netins.net/web/creative/
lincoln/speeches/greeley.htm] [back]
19. Douglas A. Blackmon, Slavery By Another Name, The Re-Enslavement of Black Americans from the
Civil War to World War II, Doubleday, New York, 2008. [back]
20. Between 1882 and 1964 the Tuskegee Institute kept records of 4,742 people being lynched, 3,445
were Black. Statistics from the Tuskegee Institute Archives, posted at University of Missouri-Kansas City
School of Law’s website. [http://www.law.umkc.edu/faculty/projects/ftrials/shipp/lynchingyear.html] [back]
21. Dolores Barclay and Allen G. Breed, “Torn from the Land: Landownership made blacks target of
violence and murder,” an Associated Press investigation, December 3, 2001.
[http://www.theauthenticvoice.org/Torn_From_The_LandII.html][back]
22. See Bob Avakian’s searing account of lynching and its effects in the “Postcards of the Hanging”
section (Disk 1, Session 1) of the DVD Revolution: Why It’s Necessary, Why It’s Possible, What It’s All
About, Three Q Productions, Chicago, 2004. [http://threeqvideo.com/] Also see Blackmon, Slavery by
Another Name, andBarclay and Breed, “Torn From the Land: Black Americans’ Farmland Taken Through
Cheating, Intimidation, Even Murder,” Associated Press, December 2, 2001, [http://www.commondreams.
org/headlines01/1202-03.htm] and Sheryl Gay Stolberg. “Senate Issues Apology Over Failure on
Lynching Law,” New York Times, June 14, 2005. [http://www.nytimes.com/2005/06/14/politics/14lynch.
html?_r=1&scp=1&sq=%22senate%20issues%20apology%20over%20failure%20on%20lynching%20
law%22&st=cse&oref=slogin] [back]
23. See “40 Lives for Freedom” at the Southern Policy Law Center’s Civil Rights Memorial Center’s
website. [http://www.splcenter.org/pdf/static/40lives.pdf][back]
24. “Harlem (2),” from THE COLLECTED POEMS OF LANGSTON HUGHES by Langston Hughes,
edited by Arnold Rampersad with David Roessel, Associate Editor, copyright © 1994 by The Estate of
Langston Hughes. Used by permission of Alfred A. Knopf, a division of Random House, Inc. [back]
25. “Between 1964 and 1971, civil disturbances (as many as 700, by one count) resulted in large
numbers of injuries, deaths, and arrests, as well as considerable property damage, concentrated in
predominantly black areas.” See “How the 1960s’ Riots Hurt African-Americans,” National Bureau of
Economic Research. [http://www.nber.org/digest/sep04/w10243.html] [back]
26. See Notes on Political Economy: Our Analysis of the 1980s, Issues of Methodology, and The Current
World Situation, by the Revolutionary Communist Party, USA, RCP Publications, Chicago, 2000, and
Raymond Lotta with Frank Shannon, America in Decline, Banner Press, Chicago, 1984.[back]
27. William Julius Wilson, When Work Disappears, Knopf, New York, 1997 pp. 111-146, Thomas J.
Sugrue, The Origins of the Urban Crisis, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, 1996, p.
95 Mike Davis, City of Quartz, Knopf, New York, 1992. Cited in “Black Youth and the Criminalization of
a Generation Part 2: The Political Economy of Racism and Criminalization,” Revolutionary Worker #972,
September 6, 1998.[back]
28. Jeffrey S. Passel, “Size and Characteristics of the Unauthorized Migrant Population in the U.S: Estimates
Based on the March 2005 Current Population Survey” Pew Hispanic Center, March 7, 2006 [http://
pewhispanic.org/reports/report.php?ReportID=61][back]
29. “Haldeman Diary Shows Nixon Was Wary of Blacks and Jews,” New York Times, May 18, 1994.
[http://query.nytimes.com/gst/fullpage.html?res=940CE2DA1438F93BA25756C0A962958260][back]
30. “Unlocking America: Why and How to Reduce America’s Prison Population.” The JFA Institute,
November 2007. [ http://www.jfa-associates.com/publications/srs/UnlockingAmerica.pdf][back]
31. It is difficult to find a unified estimate of how many people these “reforms” forced into the workforce.
The website Almanac of Policy Issues says that in 1994 5 million families were on welfare and after the
new welfare law passed the number dropped to 2.6 million families—this was taken from a website called
Almanac of Policy Issues. [www.policyalmanac.org/social_welfare/welfare.shtml] The right-wing Manhattan
Institute wrote: “The decline in welfare dependency since then has exceeded even the most optimistic
forecasts. Between August 1996 and December 2001, caseloads plummeted. The number of families
on welfare declined by 52%. Among families headed by a single mother—the predominant category of
recipients—the change was truly extraordinary. Between 1988 and 1993, the welfare participation rate
of this group ranged between 30 and 35%. By 2000, it had fallen to 13% and in 2001, despite the weakened
economy, it declined to 10%.” “Gaining Ground, Moving Up: the Change in the Economic Status
of Single Mothers under Welfare Reform,” June O’Neill and M. Anne Hill, Center for Civic Innovation,
Manhattan Institute, March 2003. By any estimation, this was a massive social change—one which has
been extremely under-reported and under-appreciated.[back]
32. Bob Avakian, From Ike to Mao and Beyond: My Journey from Mainstream America to Revolutionary
Communist, Insight Press, Chicago, 2005. For more writings and downloadable talks by Bob Avakian,
go to bobavakian.net. [http://bobavakian.net/]. See also “The Crossroads We Face, The Leadership We
Need” in Revolution, #84, April 8, 2007. [http://revcom.us/avakian/crossroads][back]
33. Constitution of the Revolutionary Communist Party, USA, RCP Publications, Chicago, 2008, p. 4.
[http://revcom.us/Constitution/constitution.html][back]
34. “Some Crucial Points of Revolutionary Orientation – in Opposition to Infantile Posturing and Distortions
of Revolution,” in Revolution and Communism: A Foundation And Strategic Orientation, a Revolution
pamphlet, May 1, 2008, p. 91. [http://revcom.us/a/102/crucial-points-en.html][back]

" لن توجد حركة ثوريّة أبدا فى هذا البلد لا تطلق تماما و تعبّر عن ما هو تارة معبّر عنه صراحة و طورا بأشكال جزئية ، و أحيانا بأشكال خاطئة غير أنّه رغبة عميقة و عميقة جدّا فى التخلّص من هذه القرون المديدة من إضطهاد السود . لن توجد أبدا ثورة فى هذا البلد و لا يمكن أن توجد لا تجعل من ذلك أساسا مفتاحا فى كلّ ما يشمله ذلك . "
( بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
" قسم الأسئلة و الأجوبة من الخطابات السبعة لبوب أفاكيان ")
The Oppression of Black People, The Crimes of This System, and the Revolution We Need—REVOLUTION #144—revcom.us