حق صلاة البوح في جوف قصبة بردي - ثورة التجديد الشعري- مع الشاعر والصحفي مكي النزال - الحلقة الثامنة من – لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا- في بؤرة ضوء


فاطمة الفلاحي
2020 / 8 / 24 - 10:40     

14.متى منحت الشاعر مكي النزال حق الكتابة في جوف قصبة بردي، ليتسرب منه العقل فينزف شغفًا من جنون؟

يحدثنا، قائلًا:

كنتُ مجيدًا في درس الإنشاء (التعبير) في المرحلة الابتدائية وأعتبرها بدايتي في الكتابة، لكني قلت الشعر (المقطوعة في الجواب الأول) قبل أن أبلغ الرابعة عشرة من عمري وما زلت أكتب حكمتي وجنوني وكفاحي معبِّرًا عن مكنونات نفسي وعن أفراح وأتراح غيري من بني البشر ولا سيما أبناء مدينتي وبلدي وأمَّتي.
كرَّمَني أستاذي (عبد الكريم الهيتي) بكتاب في مهرجان المدرسة السنوي تقديرًا لإبداعي في كتابة السهل الممتنع فلم يأخذني الغرور، وانقلب عليَّ لسبب لا أعرفه فلم أنكسر. ما دامت أصابعي تمسك بالقلم أو لوح المفاتيح فأنا أكتب غزلًا وثناء على الشهداء وحُبًّا للوطن وحضًّا على مجابهة الجبروت والطغيان. لم أقل يومًا: لا شأن لي بقضية تبنيتها ولم أتراجع عن موقف.
في سنّ الخامسة عشرة خاطبتُ العالم وعاتبه على ما يجري فيه وكانت صرختي مدوِّية ثمَّ تقمًّصتُ دوره فتكلمت بلسان حاله وهو يدفع بحجَّته ويذبُّ تهمي عنه.
وانطلقتُ في عالم الشِّعر حين أخبرني شيوخه أني شاعر مطبوع حباني الله موهبة الشعر الموزون دونما رجوع للعَروض والتقطيع، فكتبت القصيدة العمودية وشعر التفعيلة بلا تردد.

أنا الشاعر
أنجبتُ ألف قصيدة ٍ حسناء ِ = ِ ورفدتها بتعطّف ٍ وسخاء ِ
ربّيْتُ أيتام الحروف على الندى = ونأيتُ بالنجوى عن اللقطاء
نافحتُ عن أغلى المدائن ثائرًا = ورسمتُ دربَ الخير للأبناء ِ
وهتفتُ والدنيا ثوت في صمتها: = "لا" للسكوت بحومة الأصداء
أطلقتُ حرفي شعلة ً قدسية ً = لتنيرَ للسارين في الظلماء ِ
شهدت لي الساحاتُ أني ثائرٌ = أبليتُ في درب السلام بلائي
أشعلتُ في الليل المخيم أحرفي = وبثثتُ روح الشعر في الأشلاءِ
تشتدّ من حولي رياحُ تفاهةٍ = هبّت تعكّرُ خلوتي ونقائي
نافحتها بالنبضِ حتى أيقنتْ = أنْ لا عواء يسودُ في الأرجاءِ
فحّتْ أفاعي الفاشلين بدوحتي = بصغائرٍ ممجوجةٍ رعناءِ
ألجمتُ من لمزوا الحياةَ بثورتي = وصرختُ في لجج الدجى الدهماءِ
تتنفس الدنيا رهيف مشاعري = والوردُ يرقبُ في الجفاف سخائي
أزجي القصيدَ لمنْ يثمّنُ نبضهُ = وأفيضُ للسارينَ فيه عطائي
للزاهداتِ بفحش قولٍ صغتهُ = من عفّتي طوقًا من اللألاءِ
للمتعَبين على دروبِ شقائهم = يتوسدون حجارة الرمضاءِ
لم أمتدحْ من يملكون مصائرًا = وذوي النعيمِ، وسادة الخيلاءِ
بل للشهيدِ رسمتُ أجمل صورةٍ = والناذرين الروح للعلياءِ
أغدقتُ مما حزتُ، لم أبخل به = فأنا رسول الشعرِ للفقراءِ
تغفو الخيول وصهوتي لما تزل = تعدو بأرضي الحرة الشماء
فلتستمع لصهيل قافيتي الدنا = فالقول، كل القول، طيّ ندائي
لن أستريح بعالمٍ لا يرعوي = عن بث سمّ الزيف عمقَ دمائي
أمضي وروحُ الحقّ تسري في دمي = أهبُ الحياةَ بعسرتي ورخائي
جاءت إليّ الأرض تشكو همها = فجعلتُ من أعبائها أعبائي
يا كونُ كن ما شئتَ أبقَ أنا أنا = قطب الرحى في حربك الشعواءِ



15.هل فشلت يومًا بإكمال نصٍّ ما، حين زالت عنك انفعالات اللحظة ومؤثراتها، فأحجمت عن الكتابة لتتقن صلاة البوح؟ هل فتشت يومًا في مخزن الأفراح الكامن في ميدان الكتابة عن شيء كان ينقصك؟

يقول النزال:

لا يوجد نص غير مكتمل فالكتابة الإبداعية تعلن عن نفسها ولو بكلمات قليلة والمبدع الحقيقي لا يحاول، بل يكتب وإن توقف دفق الكتابة يتوقف فإن اقتنع بما كتب نشره كما هو وإلا فيتركه في مخطوطاته في انتظار هطل جديد قد يكون أو لا يكون.
أنا والكتابة صديقان منذ وعيت وهي فرحي مهما كان المضمون، وهي جزء من تكويني. قلت مرة ما معناه: لا اذهب للبحر ولا أفتش عن النهر، فالعالم كله في داخلي.
ولإثراء الجواب أقول: هنالك قيود على الشّاعر أن يمتثل لها، فهنالك الحدود الشَّرعية والأخلاقية وبعض التحفظات الاجتماعية التي لا ينبغي للشاعر والأديب أن يتخطاها.

انتظروا قادمنا.