البنية الإجتماعية و اثرها على النظام السياسي في العراق


نجم الدين فارس
2020 / 8 / 23 - 15:43     

پڕۆژەی هاوبەشی خوێندنی باڵای ماجستێر
زانکۆی گەشەپێدانی مرۆیی و زانکۆی سلێمانی

(الدراسات العليا/ الماجستير ) المشترك
جامعة التنمية البشرية و جامعة السليمانية
التخصص : العلوم السياسية


البنية الإجتماعية و اثرها على النظام السياسي في العراق
المقدمة :
إن طبيعة العلاقات الإجتماعية في عصرنا تختلف عن العلاقات الإجتماعية من قبلنا، من ناحية التطور و تغيير علاقات الإنتاج حسب التطورالعلاقات البشري في عملية أسلوب الإنتاج. هذه العلاقة تختلف من مجتمع الى مجتمع آخر ، من ناحية التقدم و الإزدهار و تغيير العلاقات و الروابط الداخلية في المجتمع المعين. تختلف حسب تكوين المجتمع من ناحية تكوين الطبقات و المكونات الإجتماعية، او مجتمع متعدد الأطراف و مكون من الناحية القومية و الدينية و المذهبية. و تطور الإرتباط و العلاقة المتبادلة بين الأفراد او المكونات المختلفة او بين المكون الواحد داخل المجتمع المعين. و تختلف المجتمعات حسب الإزدهار و التقدم الإقتصادي و تأثر على تغيير المجتمع من الناحية الإجتماعية و الروابط السياسية و ظهور الأفكار و المعتقدات المتقدمة او المختلفة من الناحية السياسية، و تكوين السلطة السياسية و علاقتها بالأفراد داخل المجتمع و بالعكس تأثير المجتمع على السلطة و الأفكار داخل السلطة السياسية في الدولة أو النظام السياسي للمجتمع المعين، و من هذه الجوانب هناك الرؤى و النظريات المختلفة في ساحة الدراسات الإجتماعية على النطاق الدولي.
أهمية البحث :
تأتي أهمية هذا البحث من معرفة البنية الأجتماعية و محاولة الفهم الدقيق و الأكاديمي لأهمية العملية السياسية , داخل الأنظمة السياسية , وأثرها على النظام السياسي . لأنة في النظام السياسي ,البنية الأجتماعية و ترابطاتها , تحدد ترابطات و قيم النظام السياسي داخل المجتمعات المتفاوتة . كل مجتمع حسب كيفية العلاقات والترابطات داخل المجتمع ذات المكون الواحد او متعدد المكونات . يقدم بيان السلطة و النظام السياسي داخلهما , الذي يعرض المشاكل والأزمات التي تأثر على العملية السياسية في النظام السياسي . المجتمع العراقي من المجتمعات المتعددة المكونات مثل بعض الدول فيها العديد من المكونات من القوميات والأديان والمذاهب المتفاوتة . عبر تأريخ الحديث الذي يسبب عدم الأستقرار من الناحيتين السياسية و الأجتماعية من الجانب السلبي , ام من الجانب الأيجابي يقاوم موحداً لخلق النوع من العلاقات الوحدة الأمال ومهام مشتركة . التقييم من الجانبين السلبي و الأيجابي , واقع المجتمع العراقي يحاول بأستمرار الى التكوين النوع من السلطة السياسية الجيدة ,التي يعبر الأمال و الأهداف الموحدة الذي يحتاجة المجتمع المتعدد المكون .

إشكالية البحث :
ان النظام السياسي يمارس تاثير كبير على البنية الاجتماعية،ولكن هل ان البنية الاجتماعية بالمقابل يمكن ان يكون لها تاثير على النظام السياسي ,وما مدى هذا التاثير هل يكون ايجابي ام سلبي . ان البنية الاجتماعية العؤراقية تتسم بالتنوع والاختلاف وتعدد الرؤى والمصالح المختلفة , داخل المكون الواحد أو داخل جميع الكونات الأجتماعية والعرقية والدينية والمذهبيةفهل لها تاثير تجاه النظام السياسي في العراق . وهنا تثار مجموعة من التساؤلات : ما هو تأثير البنية الأجتماعية على المسار السياسي في العراق ؟ هل هو تأثير سلبي أو إجابي على العملية السياسية في ظل المكونات المتعددة في العراق ؟
فرضية البحث :
إن الترابطات الأجتماعية داخل المجتمع العراقي , تتميز عن بعض البلدان التي فيها تعدد المكونات , بخاصية العلاقات الجيدة بعض الأوقات في مكونات المجتمع العراقي . تقترب العادات و التقاليد الى مستوى واحد من الترابطات الأجتماعية , رغم وجود الأختلافات في القوميات و الأديان والمذاهب .وتمارس, البنية الأجتماعية أثرها على النظام السياسي , من جانبين .
1- كثرة الرؤى داخل المكون الواحد من جانب ومن جانب أخر في جميع مكونات المجتمع العراقي , وتأثيرها من الجانب الأجابي على النظام السياسي و تدفعه نحو الاستقرار والتقدم
2- اذ لم تتوحد رؤى مكونات المجتمع العراقي اتجاه النظام السياسي, فان تاثيرها سيكون سلبا على النظام السياسي,وتدفعه لعدم الاستقرار لاسيما وان كل مكون من البنية الاجتماعية في العراق يتصرف حسب مصالحه الضيقة.
منهجية البحث :
حسب المواضيع الرئيسية في هذا البحث ، و هو الذي يقرر حاجته الى اي منهج من مناهج البحث العلمي علاقة البنية الإجتماعية و اثرها على النظام السياسي في العراق. بناء على مواضيع البحث . نضطر الى استخدام منهج تحليل النظم، في العرض و البحث عن علاقة البنية الإجتماعية و أثرها على النظام السياسي يحتاج هذا النوع من المنهج في تقديم و عرض بعض الجوانب المؤثرة كل وحدة من الوحدات المكونة و المترابطة و المؤثرة بعضها على البعض و تحليلها وفق محددات النظام السياسي.

الدراسات السابقة:
هناك عدة دراسات تم الباستفادة منها لعل من ابر زها ما ياتي:
1-كردستان سالم سعيد : أثر التعددية الإثنية على الوحدة الوطنية في العراق) فقد تم الاستفادة من المعلومات الواردة عن طبيعة البنية الاجتماعية في العراق بيد ان دراستنا تتمايز عنها في دراسة اثر البنية الاجتماعية على النظام السياسي في العراق وهو ما لم تتناوله الباحثة .
2-(ليورا لوكيتز :العراق والبحث عن الهوية الوطنية) الاستفاد الباحث من المعلومات عن طبيعة و العلاقة بين المكونات البنية الاجتماعية في العراق بيد ان دراستنا تتمايز عنها في الحلول وتقدتم الرؤى و تأثير البنية الاجتماعية على النظام السياسي في العراق .
3- ودراسات (فالح عبدالجبار –هشام داود:الإثنية و الدولة) معلومات التي يقدمها هذه البحوث , تم الاستفاد من معلومات حول المكون الكردي , لكن دراستنا تتمايز عنها وهي عن كل المكونات البنية الاجتماعية في العراق .
4-(فريق ابحاث : ديناميكيات الصراع في العراق –تقييم استراتيجي ) فقد تم الأستفادة من المعلومات عن الصراعات داخل المجتمع العراقي من عدد جوانب . وكثير من الدراسات السابقة أخرى .
تقسيمات الدراسة:
تتكون هذه الدراسة من مقدمة و ثلاثة مباحث ، و الخاتمة و الإستنتاجات ، بالإضافة الى قائمة بالمراجع المستخدمة في البحث باللغة العربية. و هي :
المبحث الأول : هو يحاول توضيح الإطار المفاهيمي للبنية الإجتماعية و علاقتها بالنظام السياسي و يتكون من مطلبين.
المبحث الثاني : في هذا المبحث نحاول تسليط الأضواء على مكونات البنية الإجتماعية الرئيسية و الثانوية للمجتمع العراقي في تقسيمها على المطلبين.
المبحث الثالث : مخصص لتقديم اثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق و تقويمها في المطلبين. و يحاول تقويم اثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في دولة العراق. و بعد ذلك تأتي الخاتمة و الإستنتاجات ، بالإضافة الى المراجع و المصادر المستخدمة في هذا البحث.
البنية الإجتماعية و اثرها على النظام السياسي في العراق
المبحث الأول : الإطار المفاهيمي
ان مفهوم البنية الإجتماعية من الموضوعات المهمة في علم الإجتماع ، لأن السياقات الإجتماعية في حياتنا لا تتكون من خارج العلاقات و الترابطات، لأنه تُبنى و تُصاغ بأساليب متميزة, و التفاعلات و التعاملات يحكمها السلوك و اساليبها المنتظمة التي يقيمها احدنا مع الآخر. البنية الإجتماعيةمختلفة عن البنية المادية . لأن المجتماعات الإنسانية في حالة مستمرة من التغير و التحول . انها تبنى و تشكل من جديد قوة بين فترة والأخرى.( )
طبيعة الإنسان و الحاجات الضرورية للإنسان يحتاج للعيش بصورة مشتركة ، الأفراد مع بعضهم البعض، و هي حالة عيش الإنسان في جميع انحاء العالم في المجتمعات القديمة و في الوقت الحاضر. المكونات القومية و الدينية و المذهبية او شرائح الإنسان داخل المجتمع الواحد يسمى البنية الإجتماعية في حالة الترابط و حتى في التصادمات بينهما يسمى البنية الإجتماعية في المجتمع الواحد. و في هذا البحث يحتاج الى مطلبين و هما :
المطلب الأول : ماهية البنية الإجتماعية
المطلب الثاني : علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي

المطلب الأول : ماهية البنية الإجتماعية
كل مجتمع من مجتمعات العالم له تركيبة معينة و مختلفة عن الأخر، ويتكون من مجموعة ثابتة نسبياً من العلاقات النموذجية بين الوحدات ، وحدة معينة و هي الفرد الذي يقوم بالحدث المعين. في حالة البناء الإجتماعي عبارة عن نسق من نماذج العلاقات بين الأفراد. بأن الفرد في معظم علاقاته لا يشترك فيها ككيان مستقل, و هو جزء مختلف عن الحدث ككل. دور وحدة النسق في العلاقات الإجتماعية، و هم يقومون بأدوار يتصل بعضها بالبعض الآخر. ( )
ضرورة التعرف على جوهر معنى البنية ، هنا نضطر لتقديم بعض التعاريف التي تعبر عن البنية. نأخذ تعريف ( لالاند ) للبنية " هي ترتيب الأجزاء التي تكون كُلاً بمقابل وظائفها - و تستعمل خاصة، في علم الحياة ، للدلالة على التركيب التشريحي و النسيجي بمقابل الظاهرات الفسلجية، و في علم النفس للدلالة على تركيب عناصر الحياة الفكرية منظوراً اليها ناحية سكونية نسبياً و هي كل مؤلف من ظاهرات مترابطة بحيث تتعلق كل واحدة منها بالظاهرات الأخرى، و لايمكنها أن تكون ماهي علية الا بعلاقاتها و في علاقتها مع الظاهرات الأخرى ." ( ) و تفصيل عن ذلك انه البنية أجزاء متكونة لها علاقات فيما بينها من ناحية، و علاقاتها مع العناصر المكونة لها من ناحية اخرى. و تتميز البنية بأستقرارها بقدر ما تتميز بعلاقاتها مع البنى الأخرى . ( ) البنية الإجتماعية ترتيب أجزاء الأفراد بعضهما مع بعض, لتكوين الحالة أو الحدث المعين مثل التنظيم و دور جسم الإنسان كل واحد له دور معين و منظم مع ادوار أخرى داخل المجتمع المعين .
في جانب أخر من التعريف عن البنية و يعبر من خلال مقولة البناء ( structure ) و قد خرج (تالكوت بارسونز) من دراسته لهذا المفهوم بنظرية أطلق عليها نظرية البناء الوظيفي للأنساق الإجتماعية، يرى ان الفرد و هو وحدة اي نسق اجتماعي، كوحدة عاملة مستقلة لها كل الصفات التي تجعله يكافح نحو تحقيق أهداف معينة، و التفاعل عاطفياًً أو شعورياًً مع الأشياء و الحوادث ، بدرجات متفاوتة، على ادراك للمواقف التي يوجد فيها الأهدافه و نفسها و يواصل ( بارسونز ) في عرض نظريته بقوله : و لا يكفي في تحليلنا لتركيب النسق الإجتماعي ان نحلل كل وحدة من أجزائه بطريقة نفسية مستقلة من ناحية شخصية كل وحدة و القيم التي توجهها ، و إنما يجب في هذه الحالة أن نلجأ الى التحليل الوظيفي للكل المركب الذي ينشأ عن تفاعل الوحدات، بل إننا لو استبعدنا العلاقات الإجتماعية، يتأثر العمل نفسه بالظروف المحيطة به و لازمة لتمكين مجموعة من الأفراد للعمل كوحدة متكاملة. و للإشباع الحاجات الوظيفية سواء كان مصدرها بيولوجياً أم حضارياً إجتماعياً أم فردياً، هما ظواهر إجتماعية، و على ذلك مصدر هذه الحاجات لا يهمنا إلا من ناحية تأثيرة في النسق الإجتماعي و توجيهه نحو حدث معين. ( ) البنية عن ( راد كليف براون ) بمعنى الترتيب المنظم للأجزاء ,أو البناء الإجتماعي عبارة عن ترتيب للأشخاص في علاقات تخضع لنظم معينة. ( )
وفي حالة النظم أو تنظيم الأشخاص يختلف من مجتمع الى مجتمع أخرى. هذه النظرية تختلف عن آراء و أفكار الباحثين و المفكرين الآخرين. وذلك يتفاوت معنى في تعريفات المفكرين. فالأنثروبولوجي ( كروبير) ، يقول " البنية لا يضيف شيئاًً في فكرنا سوى شيء مستحب يعجبنا " و يأخذ عبارة "البنية "بالمعنى الذي يعطيها إياه البنيويون. ( ) و يستخدم البنيويون عبارة " البنية " في معنى آخر من الألسنية ، بعد تطورها من قبل ( فردينان دوسوسور ) و ( طور جاكوبسون ) و ( ترويتزكوا ) و ما سمي "الألسنية البنيوية "، و يستعمل ( شتراوس ) هذا المنهج لتحليل المجتمعات، تحت إسم " الأنثروبولوجيا البنيوية " ، و إعتبرها البنية المعادلة لبنية اللغة. و تقومها على تركيب رياضي، و ليست الترتيب الملموس و الوصفي. و نموذجا نظرياًً غير واعية متخفية وراء الظواهر الواعية. ( )
و الكتب الدينية تعبر عن البنية بمعان مختلفة مثل ، في الآية (22) من" سورة البقرة "في القرآن يقول : [ الذي جَعَلَ لَكُم الأَرضَ فِراشاً و السَماءَ بناءًًً و أَنزَلَ مِنَ السَماءِ ماءً فَأَخرَجَ ِبِه مِنَ الثَمَراتِ رِزقاً لَكُم فَلا تَجعَلوا لِلّه أَنداداً وَ أَنتُم تَعلَمونَ ] و في قول آخر في الآية ( 26) من "سورة النحل": [ قَد مَكَرَ الذينَ مِن قَبلهِم فَأَتى اللهُ بُنيانَهُم مِنَ القَواعِدِ فَخَرَ عَليهِمُ السَقفُ مِن فَوقِهِم و أتاهُم العَذابُ مِن حَيثُ لا يَشعُرونَ]. البنى في هاتين الآيتين من السورتين المختلفتين بمعنى البناء ، و لكن يتغير المعنى في الآية ( 46) من "سورة البقرة"، بنى مقابل المعنى قوم أو جماعة من الناس يستعملها و يقول : [ يا بَني إسرائيلَ أُذكُروا نِعمَتي التي انعَمتُ عَليكُم و أَوفوا بِعَهدي أُوفِ بِعَهدِكُم وَ إيايَ فَارهَبونَ. ] اما بمعنى آخر البنية يساوي أولاد أو ابناء، كقوله قرأن [ وَصَى بِها إبراهيمُ بَنيهُ و يَعقوبُ يا بُنيَ إنَ اللهَ إصطَفى لَكُم الدينَ فلا تَموتُنَ إلا و أَنتُم مُسلِمونَ . ] ".(3)
مفرد البنية ليس من المفردات الأصلية من علم الإجتماع، بل انتقل اليه من العلوم الأُخرى مثل البايولوجي و الهندسة، و الجيولوجي، الى علم الإجتماع، و في بعض الحالات الى علم النفس. و يمكن ان نميز خمسة أنواع من البنى في كل مجتمع هي : البنى الإقتصادية ، البنى الديموغرافية، البنى الفكرية، البنى الإجتماعية و البنى التأسيسية.
ام البنية ":مجموعة انساق مترابطة وكل من هذه الأنساق تتضمن انماط سلوكية عدة , والانماط تتضمن قواعد اجتماعية تنظم تصرفات الأفراد في المؤسسات وتنظيمات وجماعات اجتماعية . اذن البنية السياسية هي مجموعة الأنساق السياسية في مجتمع معين , وهي نتاج تفاعل مجموعة من الانساق مع بعضها البعض و حصيلة تفاعل الانساق الداخلية مع انماطها المتعددة ".( )
إن هدفنا أبراز البنى الإجتماعية في هذا البحث . المعنى و التفسير للنسق يختلف من مفكر لآخر. يختلف لدى الغربيين ، فهو ليس مثل الشرقيين، ومن مجتمع الى مجتمع آخر يختلف من التكوينات الإجتماعية و السياسية على الصعيد الدول . البنية مجموعة من نسق مترابطة، و تتضمن أنماط سلوكية عديدة. قواعدها تنظم تصرفات الأفراد مع الأفراد الآخرى و في المؤسسات المتغيرة و المجتمع. أما البنية السياسية مجموعة من الأنساق السياسية داخل المجتمع المعين، و تفاعلات الإنسان المختلفة داخل المجتمع المعين و أنماطها المتفاوتة. المجتمعات المتفاوتة يختلف في أنساقها و أنماطها لأن كل مجتمع فيه مجموعة من التفاعلات من البنى الرئيسية.

المطلب الثاني : علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي
حسب إستنتاج المطلب الأول حول البنية الإجتماعية و هي مجموعة من النسق المترابطة و تتضمن قواعدها تنظيم تصرفات الأفراد داخل المؤسسة المعينة و المتغيرة، عن طريق أنماط سلوكية متعددة و يختلف من مجتمع الى مجتمع آخر.
لكن النظام السياسي" ليس هو الحكومة، و لكنه أوسع منها و أشمل. فالحكومة جزء من النظام السياسي يتعلق بالمؤسسات الرسمية المعنية بصنع و تنفيذ القرارات و مباشرة عمليات التقاضي. و معنى هذا ان النظام السياسي لا يضم فقط الأجهزة الحكومية ، بل أيضا أنماط التفاعل السياسي الأخرى التي تحدث خارج هذه الأجهزة و تؤثر عليها. فهي تتأثر بإتجاهات و تصورات المواطنين و قيم و مصالح شاغلي المراكز الحكومية العليا."( ) علاقة البنية الإجتماعية حسب هذا الرأي مع النظام السياسي و هي العلاقة الجدلية المستدامة في الواقعة المادية و جذورها ترجع لتأريخ قديم ، من تكوين السلطة السياسية داخل المجتمعات القديمة حتى عصرنا هذا.
" لا يعتبر النظام السياسي متميزاً حقاً عن مجمل النظام في المجتمع الكلي، فهو أحد مظاهره ( أو بالأحرى عدة مظاهر منه) . فمن جهة أولى ، ان النظام السياسي هو الإطار العام للنظام الإجتماعي ، حيث تنتظم عناصره المختلفة. و من جهة أخرى ، يتعلق النظام السياسي بصورة خاصة بفئة من هذه العناصر: مؤسسات السلطة، جهاز الدولة و وسائل عملها و كل ما يرتبط به."( ) النظام السياسي أكبر من السلطة السياسية و فيها تجميع كافة البنى المكونة للنظام السياسي و جزء منها البنية الإجتماعية ، الإقتصادية ، الأيديولوجية ، التاسيسية ، السلطة السياسية. النظام السياسي مجموعة عناصر مهمتها الإبقاء على المجتمع من حيث هو كيان حي قائم بذاته ، تديره سلطة سياسية . و في الوقت نفسه، يؤلف كل عنصر من هذه العناصر نظاما فرعياً من النظام السياسي كما يمكن أن تعد مؤسسات الحياة الإجتماعية ، من عناصر النظام السياسي، و الجماعات، و القواعد، و الوظائف، و الأدوار ، التي تتفاعل و الإدارة السياسية تفاعلاً وثيقاً.( )
النظام السياسي شيء مرتبط بإحدى مكوناته و هو البنية الإجتماعية و فيها صيغة تنسيق و تنظيم بالنشاطات التي تكون نظاماً له، مثل باقي البنية و النظام الإقتصادي و العسكري و الأخلاقي. و في نفس الوقت ينظم النشاطات السياسية للأفراد و الجماعات. و كما يقول ( روبرت دال ) ان النظام السياسي هو تركيب دائم للعلاقات الإنسانية و يشتمل على قدر هام من السلطة و السيطرة و السلطان.( )
هناك آراء و أفكار متعددة حول علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي. فإن علم الإجتماع السياسي يتمركز في مجال الترابطات بين المجتمع و بين النظام السياسي، بين البنى الإجتماعية و المؤسسات السياسية. و يضرب ( سيمور مارتن ليست ) المثال التالي " للتفريق بين ميداني علم الإجتماع و علم الإجتماع السياسي ، فيقول " إذا كان إستقرار المجتمع هو المشكلة الرئيسية لعلم الإجتماع ككل، فإن استقرار بنية تأسيسية معينة أو نظام سياسي معين هما موضوع عناية و اهتمام علم الإجتماع السياسي. " هذه الآراء لا تعطي الأولية للمجتمع بالنسبة الى النظام السياسي. ليست العوامل الإجتماعية التي تتحكم في النظام السياسي. و يقول أن المؤسسات ذاتها هي بنى اجتماعية ، و في هذه الحالة البنى الإجتماعية و هي البنى المستقلة و غير السياسية.( ) أما الرأي الثاني فهو لا يقر وجود مجتمع سياسي و يعتمد ان النظام السياسي ما هو الا أحد المؤسسات الأساسية العديدة في المجتمع المدني. تعريف (جان جاك روسو) للإرادة العامة هو نقطة التحول في هذا الشأن، تيارات كل من ( لورنز فون شتاين ) و (اليكس دوتوكفيل) و ( كارل ماركس) يأخذون أفكارهم من رأي ( روسو ) . و تطورها هذه المنهجية في نهاية القرن التاسع عشر، و مطلع القرن العشرين لدى كل من ( هربرت سبنسر ) و ( فلفريد وبارتيو) و (اميل دوركهايهم ) و ( ماكس فير) و ( كارل مانهايم ). يقولون ( ان السياسة هي قبل كل شيء نشاط إجتماعي ) ، و أن الواقعة السياسية هي الواقعة الإجتماعية.( ) لأنه لا يوجد النظام السياسي في فراغ، و انما في بيئة يتأثر بها و يؤثر فيها. في أي نظام ، واقعياً يتفاعل مع النظم الأخرى مثل الإقتصادية و الإجتماعية و الطبيعية و الثقافية. و في نفس الوقت يتفاعل ايضاً مع البيئة الخارجية الإقليمية و العالمية .( )
يتميز النظام السياسي بالأعلوية و يملك السلطة العليا في المجتمع . و يتمتع باستقلال ذاتي نسبي، و تأثيره في المجتمع كله أكثر فاعلية من تأثير أي نظام آخر. و لا تعني هذه السلطة بذاتها انفصال النظام السياسي عن البيئة الإقتصادية – الإجتماعية , فهي أساسه و هو البناء الذي يقوم عليها. و في هذه العلوية النظام السياسي و عناصره و خصائصه (1) تحديد أهداف المجتمع و مهامه. (2) تعبئة طاقات المجتمع . (3) دمج العناصر التي يتألف منها المجتمع أو توحيدها. و (4 ) المطابقة بين الحياة السياسية. كما هي ممارسة , و القواعد السياسية و القانونية الرسمية , ورغم كل هذه الخصائص , النظام السياسي له وظيفتان رئيسيتان يؤديها النظام السياسي حصراً هما تحديد أهداف المجتمع و تعبئة الطاقات اللآزمة لبلوغها.( )
حسب كل من هذه الأطروحات ، النظام السياسي يتميز بعضهما مع بعض عن طريقة المشاركة في المجتمع، أو شكل تركيبة بنية المجتمع، و علاقتهما بالمشاركة السياسية في النظام السياسي و إحدى الجوانب المؤثرة عليها و هي قبل كل شيء التركيبة الإجتماعية للمجتمع الذي يحددها ثقافة المجتمع و علاقتها بالنظام السياسي. و رغم كل العلاقات الموجودة بين النظام السياسي و البنية الإجتماعية داخل كل المجتمعات البشرية من المتخلفة حتى المجتمعات المتقدمة. المجتمعات العشائرية و الدينية و القبلية تأثيرهم على السلطة السياسية و تكوين بنيانها الإجتماعي، مختلفة عن المجتمعات يوزعها على الطبقات الإجتماعية في المجتمع المتقدم.
البنية الإجتماعية جزء من النظام السياسي و علاقتهما الجدلية و لايتكون النظام السياسي بدون المجتمع . لكن النظام السياسي يؤدي لتحديد أهداف المجتمع و تعبئة الطاقات اللازمة لبلوغها، و تنظيم العلاقات داخل المجتمع . كل هذه الأعمال للنظام السياسي، لا يمكن انجازها بدون وجود المجتمع المعين. علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي علاقة جدلية ، كل عنصر يتأثر بها و يؤثر فيها.
المبحث الثاني : البنية الإجتماعية العراقية
العراق دولة متعددة القوميات و الجماعات الإثنية ، التي عاشت مع بعضها بوئام، و تربطها الوطن المشترك و الهوية الوطنية المشتركة .
البنية الإجتماعية العراقية يتألف من قوميتين رئيسيتين ، هما العرب و الكورد ، العرب من المذهب الشيعي و السني غالبية المجتمع العراقي، و هم يسكنون بشكل رئيسي في وسط و جنوب العراق ، نسبة القومية العربية حوالي 70- 75 % من مجموع السكان. مع الكورد كثاني أكبر قومية في العراق ، و يشكلون 20 % من مجموع السكان، الباقي من النسبة هو من أقليات قومية صغيرة ، مثل التركمان و الآشوريون و الكلدان و الأرمن و الإيزيديين و الشبك و باقي الأقليات الموجودة في العراق. و يختلفون من حيث اللغة و الدين و المذهب.( )
العراق حسب تكوينه هو موزايك من القوميات و الأديان و المذاهب. و ينقسم الى البنية الإجتماعية الرئيسية و الثانوية. حسب الوجود و العدد. فيها ترابطات و علاقات إجتماعية و أسرية و مهام مشتركة حول الحقوق و العيش المشترك . لقد حاولنا خلال هذا المبحث تقديم مفاهيم البنية الإجتماعية العراقية عن طريق أو من خلال دراستها في مطلبان رئيسيان، المطلب الأول يتناول عرض المكونات و القوميات و الإثنية الأساسية المرتبطة بالبنى الإجتماعية العراقية . و المطلب الثاني , يتناول عرض مكونات البنية الإجتماعية الثانوية في العراق .

المطلب الأول : مكونات البنية الإجتماعية الرئيسية
" العراق بلد متعدد القوميات و الأديان و المذاهب" هذا الإعلان الرسمي لدستور جمهورية العراق – 2005، من المادة (3). نفس الشيء في الواقع المادي لمكونات العراق متعدد فيها القوميات و الجماعات الإثنية. و في "مطلع القرن الحالي ، لم يكن العراقيون شعباً واحداً أو جماعة سياسية واحدة. و هذا لا يعني الإشارة فقط الى وجود الكثير من الأقليات العرقية و الدينية في العراق، كالأكراد و التركمان و الفرس و الآشوريين و الأرمن و الكلدانيين و اليهود و اليزيديين و الصابئة و آخرين. فالعرب أنفسهم الذين يؤلفون أكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون، الى حد بعيد، من جملة من المجتمعات المتمايزة و المختلفة فيما بينها و المنغلقة على ذات ، بالرغم من تمتعهم بسمات مشتركة."( ) و من هنا نقسمهم حول مكان السكن على صعيدين القومي و الديني .
القوميات الموجودة في العراق حسب النسبة :
1- العرب : قومية العرب في العراق يشكلون غالبية المجتمع العراقي، و هم يتركزون بشكل أساسي في وسط و جنوب العراق. اكثريتهم من ديانة الإسلام و منها مذهبهم الشيعي و السني، و غالبيتهم الشيعية ، و بعد ذلك قسم منهم يعتقدون بالديانات الصابئية و المسيحية و الأيزيدية و قسم قليل فيها اليهودية، نسبة أخرى غير مبين من الديانة.( ) و يعيشون في المدن و الأقضية و القرى و جزء من الصحراء الشمالية و الجنوبية، و بعض منهم يعيشون في شمال و شمال غرب العراق.
2- الكورد : تعتبر القومية الكوردية ثاني أكبر القوميات في العراق بعد القومية العربية، السمات و الخصائص التي تميزهم عن العرب، و هو كاللغة و الدين و المنشأ و الجغرافية. من ناحية الأصل و التسمية، من الناحية الدينية أغلبية كبرى من المسلمين السنة، و أقلية من الشيعة الأثني عشرية و العلوية او العلي إلهية، و أقليتين صغيرتين من الإيزيدية و المسيحية. بالإضافة الكاكائية ... و غير مبين من الديانة الأخرى.( ) و يعيشون في شمال و شمال شرق العراق.
3- التركمان : يعتبر التركمان من الأقليات الإثنية التي تتميز من الأقليات الأخرى بإختلاف اللغة و الأصل و المنشأ و العادات. ديانتهم توزع على الإسلام من المذهبين الشيعي و السني و بالإضافة الى اعتناق القليل منهم لليهودية و البوذية و الزرادشتية و المسيحية. لكن اليوم هناك اقليات مسيحية تركمانية ، اما من الناحية المذهبية الشيعة التركمانية حوالي 45 % و السنة 55 % . في الديانة القديمة للتركمان هي الشامانية ( ديانة وثنية) . و اللهجة التركمانية في العراق يقرب للتركية الحديثة.( ) " و تقع المناطق التي يسكنها التركمان في منطقة من السهول، تفصل ما بين المنطقة الشمالية الجبلية و المنطقة الوسطى و الجنوبية العراقية ، تمتد من تلعفر في الشمال الغربي من العراق الى مندلي في الجنوب الشرقي منه ..."( )
4- الآشوريون و الكلدان ( المسيحيون) : يعد الآشوريون و الكلدان من الجماعات الإثنية، التي تتميز بالثقافة و اللغة و الدين و العادات و السمات الأنثربولوجية الخاصة، و على الرغم من أن هذه الجماعات تشترك في عنصري اللغة و الدين، و يدعى كل منها جماعة إثنية قائمة بذاتها . الآشوريين حالياً، أقلية مسيحية تعيش في إقليم كوردستان العراق . و أما الكلدانيين ، يتواجدون في شمال العراق، و يشكلون اليوم أكبر طائفة مسيحية في العراق . و تختلف لهجاتهم و تنوع في الخط السرياني و الكتابة السريانية أيضاً.( ) و يعيشون في مناطق أخرى في العراق، كموصل ، بغداد و البصرة و كركوك .( )
5- اليهود : قد يثير الحدث عن يهود العراق , وعددهم ضمن البنية الدينية العراقية , التساؤل لدى البعض , لأنهم طائفة منقرضة .لكن ما يبرر ذلك هو اثرهم الباقي , وروابطهم الممتدة, وعيونهم الشاخصة صوي العراق رغم اليأس الكامل من العودة . فإضافة إلى أموالهم المجمدة , هناك ديارهم و الذكريات .( ) عاش اليهود في مناطق مختلفة من العراق , سكنوا غالبية المدن و العديد من الأرياف , وقد بلغ تعدادهم عام 1947في العراق كافة (118,000) نسمة , بعد تهجيرهم الغالبية العظمى منهم إلى إسرائيل من قبل الحكومة العراقية , فبلغ تعدادهم عام (4460)نسمة فقط , بعد الضغوطات عليهم من قبل الحكومة العراقية في السنوات السبعين من القرن العشرين , لن يبقى إلى القليل منهم . ( ) حالياًعددهم حوالي (381) نسمة , ذلك حسب تقرير مديرية الأمن العامة . يهود العراق إلى ثلاث مجموعات هي اليهود ببغداد و البصرة و كردستان . بعد التاسع من أبريل 2003 عدد من يهود العراق ينظرون في أمر عودتهم , شأنهم شأن المنفيين والمهجرين الأخرين .( )
6_ الصائبة المندائية : جماعة عرقية ودينية التي تقطن على ضفاف دجلة و الفرات , وسط وجنوب العراق , تعايشت مع سكان المنطقة بسلام , وكانت تلك المهارات على الصناعات اليدوية حكراً على هذه الجماعة لفترة قد تمتد إلى ماقبل العصر العباسي , ومن أهمية هذا الموقع تعامل معهم الأخرون يشوبة الحذر . واتخذ المندائيون موقف , على مدى زمن طويل , من الصمت ومن لغتهم المندائية الغامضة على المحيطين بهم من الأديان الأخرى , من أجل بقائهم .( ) يرتكزون بشكل الرئيسي في منطقة الأهوار و في مدن العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح و الحلفاية وسوق الشيوخ , ويوجد جماعات منهم بأعداد مختلفة في بغداد و الكوت والديوانية وكركوك والموصل , وبسبب الأحداث السياسية و الأقتصادية التي المت العراق في الأونة الأخيرة , اضطر الصائبة المندائيون إلى الهجرة الجماعية إلى البلاد الأوروبية و أمريكا و كندا , ويبلغ تعدادهم تقريباً (70) ألف نسمة في كافة المناطق تواجدهم في العراق .( )
مكونات البنية الإجتماعية الرئيسية ليس مكوناً واحداً، يتكون من العديد من المكونات المختلفة في اللغة و العرق و الأصل و المكان، لكن في المقومات و العادات قريبين حتى مستوى وحدة التقاليد , إذا يختلفون في الأديان و المذاهب و المعتقداتهم ، لكن وحدة في الآمال و الإتقان و مسيرهما الوطني، فيها ترابطات و علاقات إجتماعية و أسرية و مهام مشتركة حول الحقوق و العيش المشترك.


المطلب الثاني : مكونات البنية الإجتماعية الثانوية
البنية الإجتماعية الثانوية في العراق موزعة على مناطق و أماكن مختلفة في جغرافيتها. تقسم الى المناطق التي فيها الطائفة أو مكون معين من موزايكها القومي و الديني و العشائري. مكونات البنية الإجتماعية الثانوية نقسمها على صعيد العشائرية و الإقليمية و الطائفية.
أولاً : البنية الإجتماعية العشائرية :-
العراق مجتمع يعيش فيه جماعات عشائرية في المناطق المختلفة. لهم إرتباطات و علاقات متينة بين أفراده داخلها و لهم جذور تأريخية عريقة داخل البلد. كما هناك من يعيش داخل المدينة و لهم مكانة إجتماعية مرموقة داخل البلد و لهم تأثير مباشر و أو غير مباشر على علاقات السلطة مع المجتمع . في المناطق التي يعيش العرب العراقي ، كانت هناك هوة واسعة تفصل المدن عن المناطق العشائرية. العرب الحضريون و عرب العشائر عالمان منفصلان بإستثناء سكان المدن الواقعة في عمق المناطق العشائرية الذين يقنطون قرب المدن . روابطهم إقتصادية , و لكن , حتى من هذه الناحية لا يمكن القول بأن العلاقة بينهما نشيطة. صارت تجمعهم ألآن صلة إقليمية ، و لكن معظم الأراضي الزراعية و المراعي في العراق كانت و ما زالت تحت سيطرة العشائر, بينما لم يكن شعور عرب العشائر تجاه الإسلام بشكل مكثف. بدون شك هناك سلطة رجال الدين الشيعة على عشائر الفرات الشيعية، نفس السلطة لرجال الدين السنية على عشائر شمال الغرب السنية. لكن كل عشائر العرب السنية و الشيعية واعيا لكونه عربياً. في التأريخ و آنذاك المناطق العشائرية كانت مشتتة، و قد انقسمت فيها الأحلاف العشائرية القديمة و الجديدة.( )
و العشائر العربية تقسم عن ( فلاحون) و " معدان " ( سكان الأهوار ) و " شاوية" ( رعاة الغنم) و (( أهل الإبل )) و الفئة الأخيرة كانت تشكل ألأرستقراطية العشائرية , رجال القبائل العراقية يقسمون الى مجموعتين . أبناء القسم الأول و هم الذين بقوا محافظين لحد الآن على كل ما كان يتحلى به آباؤهم و أجدادهم رجالاً و نساءً من الأخلاق السامية كحب الحرية و التضحية في سبيلها و إباء الضيم و عزّة النفس و الإيثار و الحمية، هم الذين يقنطون الفرات و شمال بغداد. أما القسم الثاني فهم عرب بعناصرهم و لكنهم بسبب إتصالاتهم مع الحكومات المتعاقبة العربية و غير العربية طيلة القرون الماضية، إنحرفوا عن بعض السجايا العربية، و نسوا عاداتهم و مزاياهم الكريمة القديمة ، و هم يقنطون بعض مناطق ضفاف دجلة جنوبي بغداد .( )
المناطق الكردية التي يفترض فيها الإنسجام الإثني ، كان الفلاحون غير العشائريين، و في الواقع كان يمكن تمييز هؤلاء الفلاحين بسهولة ، بملامحهم و لهجتهم الخاصة ، عن المزارعين العشائريين الأحدث استيطاناً و عن افراد العشائر الأخرى و آغاواتهم الذين كانوا يمارسون بشكل عرفي و في بعض المناطق على الأقل، سلطات حق تقرير الحياة و الموت بالنسبة للمساكين. فلاحي كوردستان في تلك الأيام كانوا (( عرقاً متميزاً تماماً)) عن الأكراد العشائريين ، يحسبون أنفسهم السكان الأصليين لهذه المناطق ، و عما إذا لم يكونوا قد أخضعوا ذات يوم من قبل عشائر رحل جبلية. اختلافهم في السلطة و العلاقة مع الأرض و الحياة و الزراعة و الرعي .( ) و هم جزء من القومية الكردية المتحضرين الذين يعيشون في المدينة ، مع ذلك يمتد جذور العشائرية داخل المدينة الكردية في شمال العراق. و في علاقاتهم و المراتب الإجتماعية متغيرة من جزئيات مع عشيرة اخرى.
ثانياً : على الصعيد الإقليمي :
يوزع العراق الى أقاليم مختلفة حسب الترابطاتهم ونمط العيشهم . لكن في كل إقليم , يوزعون على مناطق مختلفة من اللغات و التكوينات , في المناطق التي يعيش فيها الأكراد, فيها ثلاث لهجات من اللغة الكردية ، مثلاً في السليمانية فيها اللهجة الهورامانية و السورانية . كل فئة يعيشون في مناطق مختلفة و لها مميزات جزئية بينهما في الترابطات و بعض العادات و حتى في ممارسة الطقوس الدينية . أما في محافظة دهوك و اربيل يختلفون في لهجتهم في اللغة الكردية , يوزعون على السورانية و الكرمانجية الشمالية ، السليمانية أكثر مدينة منفتحة و فيها مثقفين كثيرين و رواد بعض الحركات الدينية و الشعبية و الفكرية مثل مدينة بغداد بالنسبة للوسط و جنوب العراق.
اما في مناطق جنوب و وسط العراق ، فان العرب يختلفون في معتقداتهم المذهبية و يوزعون على الوسط السني و الجنوب الشيعي ، المتحضرين و عشائرهم.وكان زعماء المجتمع العربي في مدينة البصرة من السنة وبينما كانت أكثرية سكان المدىنة من الشيعة . رجال الدين الشيعة كانوا يشغلون موقعاًليس قليل الأهمية . وفي مدن أخرى عديدة في الجنوب _ ولكن ليس في المدن الشيعية المقدسة _ كان العنصر السني , الذي شكل أقلية دوماً, متفوقاً إجتماعياً و كان يتألف إلى حد كبير من التجار وملاكي الأراضي الأغنياء _ في المناطق الجنوبية و كان جميع الفلاحين من الشيعة .وكذلك كان الأمر في منطقة الحلة , أن مزارعيه العشائريين كانوا شيعة في أكثريتهم .
في بغداد أيضاً,حيث تمتعت الطائفتان بالمساواة العددية تقريباً, كانت العائلات المسيطرة إجتماعياً سنية . أما في مناطق الأهوار, سيطرة عشائر السنية على الفلاحين الشيعية , أو أهل الغنم الشيعة . أما في المدن , فإنها نبعت من السيطرة السنية .( )
في محافظة الأنبار يشكل العرب الغالبية العظمى منهم , ويليهم الأكراد نسمة قليلة ومع مجموعة من التركمان , كل منهم من الأسلام السنية ,ومع بعض من الأرمن والسريان والمسيحين مع الأشخاص غير معروفة هويتهم الدينية , ومع الصابئة و اليهود .( ) العرب في الأنبار وهم مرتبطون بالصحراء و يعيشون من الرعي و الزراعة و التجارة .
بمجموع العام من المناطق والأقليم المختلفة داخل العراق , العاداتهم و الأعرافهم مقربة حتى مستوى واحد من نمط العيش و الكرم داخل البلد .مع الأختلاف في حالة التحضر و التخلف , داخل المجتمع العراقي , يعيش الناس داخل المدن , بعضهم متحضرون من اصحاب الشهادات . اصحاب نوع من الثقافة الوطنية .
حتى كل اقليم و منطقة يختلف محتوى و مستوى عيشهم مع المدينة أو منطقة مع منطقة أخرى. لكن في الهموم الرئيسية فهم متساون في القيم و الأعراف . و في مجال الصناعة و الزراعة و التجارة و الإزدهار تختلف كل المدن و القرى في الإقاليم عن المناطق المختلفة في العراق.
ثالثاً : على الصعيد الطائفي :
يتميز العراق بتنوعه الديني و المذهبي، و على الرغم من أن المسلمون يمثلون غالبية سكان العراق ، الا ان هناك أقليات دينية أخرى و هم المسيحيون و اليهود و الإيزيديون، و الكاكائية و الصابئة , حيث يشكل المسلمون 92 % من مجموع السكان. أما بقية الأديان الأخرى فإنها تشكل 8 % . و المسلمون بدورهم ينقسمون بين السنة و الشيعة. يمثل الشيعة اليوم جزءاً كبيراً من المجتمع العراقي، و خاصة في الجنوب، و يشكلون الغالبية العظمى في المحافظات: بابل، كربلاء، واسط، النجف، القادسية، المثنى ، ذي قار ، ميسان و البصرة. أما السنة فإنهم يشكلون الغالبية العظمى في الوسط و الشمال في المحافظات : دهوك ، نينوى ، السليمانية ، كركوك ، أربيل، ديالى، الأنبار ، صلاح الدين و في بغداد.( )
في جانب آخر المسيحيين منقسمين أو متشردين في المحافظات الشمالية و بغداد. مثل اليهوديين و الصابئيين في العراق. لكن تأثيراتهم ليس مثل تاثيرات المذاهب الشيعية و السنية في العراق على العلاقات الإجتماعية و تكوين الطباع للمجتمع المعين مثل المجتمع العراقي. و هذا ليس بصورة مطلقة .( )
مكونات البنية الإجتماعية الثانوية ، ليس المكون معدم عن التأثير على البنية الإجتماعية العراقية و لكن حسب منطقتهم و وجودهم و ترابطاتهم في المجتمع العراقي، كل مكون و منطقة أو اقليم أو طائفة معينة من المجتمع العراقي له تأثير على البنية الإجتماعية في مكانهم و مناطقهم حسب قواهم الإجتماعية و ارتباطاتهم الداخلية في المكونات الثانوية .






المبحث الثالث : أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق و تقويمه
عبر تأريخ العراق الحديث ، مشاركة البنية الإجتماعية العراقية في الثورات المتعددة في العراق التي يصطفون داخل الإئتلاف العشائرية أو في الأحزاب و الحركات الإجتماعية المختلفة ضد المعتدي أو الإحتلال من قبل بريطانيا مرتين و السلطات الحكومية الموالية للسياسات الخارجية ، البنية الإجتماعية العراقية هي البنية المشاركة و الفعالة و صاحب الرؤى الوطنية.
بعد حربي الخليج في أواخر قرن العشرين ، و حرب الخليج الثالثة في اوائل القرن الحادي و العشرين و بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إعلان سيطرة القوات الأمريكية على بغداد في 9/4/ 2003 ، إن أولى السلطات التي أدارت شؤون العراق، كانت سلطة (الإئتلاف الموحدة ) و التي كانت تمتلك الصلاحيات الكاملة حسب قوانين الحرب و الإحتلال العسكري المتفق عليها في الأمم المتحدة . و بقرار الحاكم المدني للعراق . تشكيل مجلس الحكم في 22 تموز عام 2003 و امتد الى 1 حزيران 2004. لمدة عام واحد فقط و تألف من ( 25) شخصية عراقية تمثل أحزاب و تكتلات عراقية، كوردية ، و عربية ، سنية و شيعية ، اسلامية و علمانية مختلفة. أما رئاسة المجلس فكانت تتم بالتناوب بين ( 12) من الأعضاء لمدة شهر.( ) و بعد ذلك العراق يرزح تحت وطأة النزاع بين قوى الطوائف و الجماعات، في داخل كل منها أو قوى عابرة لها. في تنافس جماعي على ((الحصص )) و (( المنافع )). و مع إعادة بناء الأمة و تشكيل هيكلية الدولة , و الإستقرار ، و يتنافس مختلف أطراف النزاع من أجل السيطرة على " اعادة " توزيع الموارد الإجتماعية – الإقتصادية ، و على أدوات السلطة السياسية ، مع اختلاف الأطراف و أهدافهم المختلفة، تستخدم شتى الأساليب في التصارع حول الموارد و السلطة.( ) اثر البنية الإجتماعية أو المكون أو أكثر من ذلك على النظام السياسي في اي بلد من بلدان العالم ، ايجابا أو سلباً جزء من العلاقة بين البنى و السلطة السياسية للنظام السياسي، و هي تتكون داخل البنية إلإجتماعية المعينة في أي بلد من العالم، لأنه ليس هناك وجود للسلطة السياسية بدون البنية الإجتماعية . لقد حاولنا في هذا المبحث توضيح مفاهيم أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي و تقويمه من خلال مطلبين. المطلب الأول : يتناول تأثير البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق .المطلب الثاني : تقويم أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق .
المطلب الأول : أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق
البنية الإجتماعية العراقية في مكوناتيها, البنية الفعالة في الحركات السياسية و الإجتماعية و أثرها على السلطة السياسية أو النظام السياسي، على مر التأريخ القديم و الحديث داخل العراق . بعد الحرب العالمية الأولى، البريطانيون كانوا مسيطرين على ثلاثة ولايات عثمانية - بغداد و البصرة و الموصل - دون ان تكون لديها سياسة معينة حول كيفية تحديد مستقبل تلك الولايات.
رغم تنوع مصالحها في الولايات ، بعد الإتفاقيات و المعاهدات بين بريطانيا و الحكام الجدد في العراق. خلقت وضعاً سياسياً جديداً أحدث تغييرات على جميع أوجه الحياة في العراق ، بعد اجراءات سياسية و ادارية جديدة ادت فيما بعد الى خلق نظام جديد من الولاءات و الإنتماءات. كان هدف البريطاني في خلق هيمنة سنية مؤسساتية على المجموعات العرقية و الطائفية و اللغوية المختلفة في المناطق الجغرافية الثلاثة، و تم توحيدها بشكل اصطناعي ، هو خلق مجتمع عراقي موحد و متجانس . و لكن الصعوبات البالغة التي واجهت محاولة فرض تغييرات جذرية كهذه على مجتمع غير متجانس ، و بقي شيوخ و رؤساء العشائر الكورد في معارضتهم التقليدية لسلطات الحكومة المركزية التي كانوا يعتبرونها تهديدا لسلطاتهم المحلية . و من الصعب جداً على سكان هذه المناطق ، تقبل فرض نظام سياسي جديد عليهم مبني على الإسلوب الغربي، او تقبل فكرة الملكية الدستورية. فرض هذه الأمور من قبل البريطانيين ، قوبل بعدم الرضا من قبل هؤلاء و على جميع المستويات الإجتماعية. ( )
تقسيم البنية الإجتماعية يمكن ان يقسمها على صعيدين القومي و الديني و نعرضها في هذا المطلب. و من خلال تشكيل الدولة أو النظام السياسي مبنياً على اساس التقسيم الفعلي بين المجتمعات المختلفة. و اهميتها في مجرى العلاقات الإجتماعية و السياسية القائمة خلال تلك الحقبة. و في حال التحالفات المؤقتة داخل العشائر نفسها و بين الكونفدراليات العشائرية قصيرة المدى , مثلاً بين العشائر الشيعية و الساسة البغداديين.
بالنسبة للمجتمع الكوردي في العراق ، رغم وجود الشعور القومي القوي ، الخلافات الداخلية لم تكن اقل من التي كانت تدب في المجتمع الشيعي, في المجتمع الكوردي هناك خلافات بين العشائر من جانب و بين اهل المدن و سكان الأرياف من جانب آخر. التحالفات بين المجتمعات العراقية المختلفة نادراً ما كانت تحدث . كل مكون يوجد داخله خوف من سلطة المكون الآخر في المجتمع العراقي. ففي المناسبات المكونات المختلفة داخل العراق يقومون
بالمقاومة ضد الدولة، خوفاً من ابعاد دورهم الإجتماعي من الناحية القومية و الدينية و المذهبية.( )
" و في الحقيقة ان موقف القبائل ( او القوم أو للطائفة الدينية و المذهبية ) في العراق الذي شهدت فيه القبيلة ولادة جديدة، يمكن ان يكون عاملاً حاسماً إذا حدثت تغيرات جذرية فيه. وقد تمحض بعض هذه القبائل (او القوم أو للطائفة الدينية و المذهبية ) دعمها للحكومة المركزية مقابل تمتع زعمائها بمكانة و" الأسياد الأولى بالرعاية " و انتهاج سياسة تتيح لهم توزيع الموارد على أتباعهم."( )
"ان الهيئات الإجتماعية، و بالأخرى المجتمعات، متعددة و متنوعة، غير انها جميعاً تشترك في عنصر اساسي و هو وجود تنظيم سياسي. و تتنوع المجتمعات المختلفة من ناحية الوقت و المكان. و تكون المجتمعات طوائف تأريخية تتغير بتأثير الوسط الإجتماعي. غير ان المجتمع السياسي في كل مكان، اعتباراً من العشيرة الى الإمبراطورية، و من التيوقراطيات الى الدول الحديثة. يعرض خصائص اساسية متماثلة."( )
في سنة 1991 بعد انتهاء حرب الكويت و حسمها من قبل قوات التحالف ، و بعد ذلك أثر الوضع الدنيء المعيشي و الإضطهاد، حدثت انتفاضة اذار/مارس 1991 , رغم انها كانت انتفاضة عفوية و غير منظمة في اصلها، و لكن انتشارها في الجنوب الشيعي ثم في الشمال الكردي لاقى بدرجة ما تحفيزاً من بلدان اجنبية عن تحفيز فصائل المعارضة العراقية في الخارج.( ) بعد ذلك اجبر الحرب على العراق على التوجه الى المكونات الأساسية لهوية سكان العراق الشيعة ، فإختار التشديد على عناصر القبلية و العروبية و المذهب الشيعي العراقي و اخلاص الشيعة للدولة العراقية .( )
قبل عام ( 2003 ) كانت سلطة الدولة بأيدي جماعة أثنية و/أو طائفة دينية سائدة , أو حتى بأيدي قبيلة واحدة تهيمن على الجماعة الإثنية . و بعد عام ( 2003) طالبت جماعات إثنية معينة ( و خاصة الكرد ) بقدر من السيادة على ارضها، داعية الى أقامة دولة فدرالية و اعتراف دولي بمكوناتها.( )
الآن كما في السابق ، يلوح واقع الإثنية في العراق السياسي، و تندفع جماعات إثنية معينة , الى اعتزاز هويتها لطرح مطالب بتقاسم السلطة مع باقي الجماعات الإثنية الأخرى و الحاكمة . و هذا صحيح عندما تكون جماعات إثنية صغيرة خاضعة لهيمنة جماعة إثنية ثالثة تتقاسم معها رقعة إقليمية واحدة، مثل الذي يعبرونها جماعات إثنية – دينية كلآشوريين أو الكلدانيين أو التركمان الذين كثيراً ما يكون هناك التوتر في علاقاتهم مع الكرد و العرب.( ) و بعد ما جاهدَ كل المكونات داخل العراق , خاصة العرب و الكورد و التركمان ، يأثرون على هوية العراق و شكل النظام السياسي . و تكوين الحكومة العراقية المؤقتة في 3/3/ 2005 و حلت الحكومة الإنتقالية برئاسة السياسي الكوردي، بمعنى ان رئيس الجمهورية من حصة الأكراد و النائيبين السني و الشيعي من القومية العربية ، و نواب لرئاسة الوزراء وهم من الشيعية و السنية من القومية العربية مع احدى كوردي .( ) أثرت المكونات الرئيسية مثل الكورد و العرب من السنة و الشيعة على النظام السياسي و توجهاته و استقرارهُ على مدى تأريخ العراق الحديث. و بَعد المرحلة الإنتقالية من سنة 2004 حصل كل المكونات الرئيسية و الثانوية في العراق على مكان في العملية السياسية و السلطة و الحكم من أثر النضال و الحركات في التأريخ على الرأي و تمحور جماهيرهم حولهم لفرض بعض من حقوقهم على السلطة السياسية و النظام السياسي متعدد القوميات و الإثنية . يحجزون مكانهم كل حسب قدرتهم و قواهم الإجتماعية و السياسية في النظام السياسي للعراق و مع ذلك أثر الدولة العظمى و الإقليمية على التوجهات السياسية و النظامية في النظام السياسي و تشكيل التوتر و عدم الإستقرار السياسي و الأمني في العراق عن طريق الأحزاب و القوى المتشكلة من القوميات و الإثنية الدينية و المذهبية .







المطلب الثاني : تقويم أثر البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق
تأثير البنية الإجتماعية على النظام السياسي في العراق بعد إصدار مجلس الأمن الدولي في الثامن من حزيران / يونيو 2004 ، بقرار رقم 1546 الذى يهدف اخراج العراق من مظلة الإحتلال ، و قد حدد مجلس الأمن يوم 30/ 6/ 2004 كموعد لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة كاملة المسؤولية و السلطة في العراق . و عدم أتخاذ أي إجراءات تؤثر على مصير العراق . اكد مجلس الأمن في قراره ، حق الشعب العراقي في تقرير مستقبله بحّرية، و ممارسة كامل السلطة على موارده المالية و الطبيعية. و بعد ذلك في 31/ 1/ 2005 تتمخض عنها جمعية وطنية إنتقالية تتولى جملة مسؤوليّات منها تشكيل حكومة إنتقالية , و صياغة دستور دائم تمهيداً لقيام حكومة منتخبة انتخاباً دستورياً بحلول 31/ 12/ 2005 .( )
احدى تأثيرات البنية الإجتماعية هو حصول و قبول الإستفتاء و تعيينهم في الدستور العراقي – 2005 . " بعد قراءة نصوص و بنود الدستور دون التصويت عليه، و انما تم الإتفاق عليه من قبل الكتل السياسية و المفاوضين تاركين للشعب الحكم عليه من خلال استفتاء عام 15/10/ 2005 و دخل الدستور العراقي خير (حيز )نفاذ في 20/5/ 2006 . و حصل على نسبة 80 % تقريباً من أصوات الشعب العراقي."( ) نعرف ان المشاركة في الإستفتاء سجلت ارتفاعاً ملحوظاً ( 63 % من الناخبين المسجلين )، بالقياس إلى الإنتخابات التأسيسية( 58 % )و انتهى الإستفتاء بإقرار الدستور بنسبة 78 % من أصوات المقترعين . رغم هذه النسبة العالية من التأييد لن تخفي حقيقة الرفض الكاسح للدستور في المحافظات ذات الطابع السني، وهو رفض يشي بالفشل في بلورة اجماع وطني شامل . مع جانب كما يشي في جانب آخر بالميل إلى " تصويت الإنتقام ", و هذا بدوره ينزع , و يا للمفارقة . الى تقوية الميل للمشاركة في العملية السياسية بوسائل سلمية ، دستورية، أي عن طريق المؤسسات لا المسدسات .( )
حسب عملية و مشاركة الشعب في الإستفتاءات الشعبية مع وجود البرلمانات يقلل من اهمية و هيبة المجالس البرلمانية و نفوذها, فضلاً من ان الرأي النهائي لها يتخذونه من مشاريع لا يعود إليهم و إنما إلى عامة الشعب. مع تزايد الشكوك في جدية الإستفتاءات و نزاهتها، تزييف إرادة المستفتين عن طريق مختلف الوسائل و الأساليب في سبيل التصويت. و من جانب آخر بتزيف نتائج الإستفتاء و ذلك بالتلاعب بتلك النتائج من قبل السلطات المنظمة لعملية الإستفتاء. إن الإستفتاءات الشعبية تأتي نتائجها غالباً مقاومة لأي تجديد أو تغيير ، نظراً لتأثير الشعب العادي بآراء رجال الدين و المحافظين التي ترفض دائماً التجديدات و التغيرات .( )
كل هذه العيوب في الإستفتاء العراقي مع رفض المكون العرب السني فيها، و أوصوا بالتصويت ب (لا ) على مسودة الدستور في حال عدم تعديل النقاط المتعلقة بالفدرالية , اما بالنسبة للمرجعية الشيعية فقد أوصى السيستاني بالتصويت ب ( نعم) و مع الكورد. و اعلن في 25/8/ 2005 نجاح مسودة الدستور التي طرحت على الإستفتاء بموافقة 68.40 % من الناخبين العراقيين.( ) بعد مشاركة 58 % من الناخبين في انتخابات 31 كانون الثاني 2005 و في اجواء مشحونة بالعنف، اسفرت الإنتخابات عن بروز كتلتين نافذتين , و متعارضتين في الجمعية التأسيسية و هي الكتلة الكردية ( 27 % من الأصوات ) التي احتلت 75 مقعداً و الإئتلاف العراقي الموحد أي الكتلة الإسلامية الشيعية ( 48 % من الأصوات) التي احتلت 140 مقعداً من 275 مقعد في الجمعية. أول ضحايا استقطاب العنف و الطائفية التي خيمت على الأجواء و ما تزال ، و هي قائمة اياد العلاوي ، التي يمثل الكتلة الشيعية الأكبر في التيار الوسطي, نحو 13 % من الأصوات . و 40 من 275 مقعداً.. ثاني ضحايا الإنتخابات و العنف فهو الجماعات السنية , سواء التي قاطعت باختيارها بقرار واع , أو عن طريق العنف و التهديد من دخول المعركة بشكل مؤثر. و اخيرا احتلت الكيانات السياسية الممثلة للأقليات الدينية و الإثنية مواقع هامشية نتيجة تفتتها بالذات.( ) و كل هذه التطورات السياسية , في حال غياب اي مكون من مكونات المجتمع العراقي, و إعادة توزيع مقاليد السلطة السياسية و الثروة العامة، يعمقان الإنقسام الطائفي و يصلبان خطوط المواجهة المذهبية. في حال بروز الهويات الإثنية و الدينية مبلغاً من الشمول أزاح الهويات السياسية الإيدولوجية و اشكال التعبئة الحديثة المعروفة .( )
و في ضألة المشاركة السنية ( طوعاً أو خوفاً، و الناجمة عن التهويل على حد سواء) في انتخابات كانون الثاني 2005 ، عانت المناطق السنية ضعفاً حاداً في التمثيل , فيما فاز الشيعة بتمثيل مفرط في المجلس الوطني التأسيسي الأول . عزز هذا الوضع من الشعور بالتوزيع غير المتوازن للسلطة. و خاصة بين القوى السنية.( ) بعلم المرجعية الشيعية او بخلافه، في إعداد قائمة انتخابية موحدة. تحولت المرجعية بشكل متجرد الى طرف منحاز. و حرمت جمهور الشيعة قبل غيره من تطوير ملكته الديمقراطية باختياره القادة، و عزلهم و محاسبتهم . هذه سابقة غير حميدة ، فالسياسة فن دنيوي فيه من الأهواء و المصالح المبتذلة، ما لا يجوز ربطه بمكانة دينية سامية.( )
حسب التوزيع أو الإنقسام الإثني و الديني الذي يربأ بأي تطبيق لمبدأ الولاية في الصيغة الإيرانية – اخيراً، الدولة الدينية في العراق اليوم هي محض انتحار سياسي.( ) تقسيمات بنى النظام السياسي الذي انتجه الأمريكيون على أساس تقسيم ( 50 +1 ) للشيعة و 20 % للأكراد و 20% للسنة و الباقي يمثل الكلد و الآشور و التركمان. و من خلال التقسيم الطائفي, ان الحالة السياسية السائدة في العراق الجديد على اقتسام السلطة حسب المكونات الأساسية للشعب العراقي و ليس حسب النتيجة الإنتخابية . لكن حسب التوزيع القومي و المذهبي ( العرب الشيعة ، العرب السنة , و الكورد) و من ثم توزيع المناصب الأساسية للمؤسسات الدستورية على تلك المكونات. تأسيس على اساس المحاصصة و لا سند لها في الدستور العراقي الدائم.( ) نتج عن عملية السياسة سلطة سياسية و نظام سياسي قائم على مبدأ المحاصصة الطائفية و الفئوية و القومية، الأمر الذي أدى الى فقدان الهوية العراقية الجامعة و تغليب الأنتماء المذهبي و العرقي و تحول الولاء الى الطائفة و العشيرة، بحيث أصبحت ألأحزاب و القوى العراقية اشبه بالطوائف الحزبية أو الأحزاب الطائفية . النظام السياسي يتقلصها في طموحاته و مشروعاته تحت قيادة هذه الطوائف .( )
رغم توزيع مناصب و مراتب الحكومة بين الأطياف العراقية ، لا يبعد فقدان الهوية العراقية ، لكن إذا كان هناك شيء أثبت ان من الصعب إعادة بنائه في العراق , فهذا الشيء هو تقاسم السلطة .( ) نكتفي بالقول إن
توزيع المناصب ليس لمصلحة الشعب العراقي بل هو أمر يتطلبه مصالح السياسيين من الأطياف و الإثنيات و القوميات و المذاهب و الأديان داخل العراق و ليس لفائدة المجتمع العراقي.
لكن من جانب أخر , إلامان بالتعددية الأثنية والسياسية , في المجتمع العراقي وهي أحدى جوانب الأيجابية فيها لأنه التعامل السليم مع الاختلافات والتنوعات والتعدديات التقليدية والحديثة الموجودة في المجتمع , تعاملا لايكبت ويقمع هذه التنوعات و انما ينظمها ويحترمها ولا يتعالى على حقائقها .و انما يتعاطى معها وفق سياق حضاري قوامه التسامح مع حق التعدد . فالتعددية في جوهرها هي اقرار بالحرية و الأختلاف ,و التعايش السلمي في اطار الحرية و الأختلاف و التنوع من غير ضرر و لا اضرار . والتعددية ليست نقيضاً للوحدة ,ولا عقبة في طريقها , ولا تجزئة للدولة. بمعنى التنوع في اطار الوحدة , اي عدم رفض الوحدة والتعددية و إنما البحث عن العلاقة بينهما .( ) وفرت عملية كتابة الدستور فرصة فريدة لإعادة بناء الدولة العراقية , من حيث هي النظام للحكم ومن حيث هي أمة – دولة (مشاركة كل الجماعات الأثنية والدينية والثقافية على قدم المساوات) . وتفتح هذه الفرصة الباب أمام ضمان مستقبل ومصالح كل الجماعات الأثنية والدينية ببلورة رؤية مقبولة وموحدة , من شأنها أن تسهم في إرساء السلام و الإستقرار .( ) ونتج عن ماسبق اقرار تكوين الدولة الفيدرالية في العراق و الإنتخابات الحرة مع استفتاء عن الدستور العراقي الموحد و الفيدرالي سنة- 2005. هذا جانب من النتيجة الإيجابية للتنوع الأثني و المذهبي والديني في العراق , الذي يعيش فيه المكونات عيش المشتركة .








الخاتمة
من خلال ما تقدم خرجت الدراسة بمجموعة من الاستنتاجات والمقترحات وكما ياتي
اولا: الإستنتاجات
من خلال دراستنا لعلاقة البنية الإجتماعية العراقية بالنظام السياسي و أثرها المتبادل بين المتغيرين و انعكاساتها تتأثر من التعدد و التنوع القومي و الديني و المذهبي . داخل المجتمع العراقي و اثرها على العلاقات بين مكوناتها و دوامة السلطة السياسية الموحدة في العراق ، يمكن ان نعرضها عن طريق عدد من النقاط :
1- إطار و ماهية البنية الإجتماعية و هي نسق من العلاقات و الترابطات داخل المجتمع المعين . و حسب المجتمع يمكن أن يحددها الترابطات و نسق من العلاقات و التفاعلات بين الأفراد داخلها.
2- علاقة البنية الإجتماعية بالنظام السياسي، و هي علاقة جدلية لا يمكن انشاء النظام السياسي بدون المجتمع لأنه كل علاقة اجتماعية محكومة بعدد من القوانين و الترابطات داخلها و نظامها الخاص، و بالمقابل النظام السياسي فيه العلاقات و الترابطات و القوانين و التنظيمات السياسية الخاصة بهِ .
3- البنية الإجتماعية العراقية تتكون من البنى الرئيسية و الثانوية، بعض البنى الثانوية و هي موجودة داخل البنية الرئيسية مثل الأديان التي يؤمن بها بعض من الأفراد و الجماعات داخل المكون القومي المعين ، لأن المجتمع العراقي مجتمع أو موزايك من الأقوام و الأديان و المذاهب المختلفة .
4- تأثيرات البنية الإجتماعية العراقية تحدد حسب القدرة و كثرة و قوى المكون المعين . و لايقل تأثيرات البنية أو المكونات الأخرى التي ليست الأكثرية في المجتمع العراقي. و ليس لها تأثير على النظام السياسي مثل القوى الإجتماعية الكبرى .
5- حسب تقويمنا ، النظام السياسي في العراق ليس نظاماً موحداً ، تأثر المكونات على عدم استقراره و توحيدهُ ، توزيعات المناصب ليست عن طريق العملية الديمقراطية ، و توزع عن طريق المحاصصة الطائفية و القومية ، و هي تضع دولة العراق على حافة الإنفكاك و التلاشي.


ثانياً : مقترحات
من الإستنتاجات الذي نقدمه البحث , يحتاج للمقترحات الذي يؤثر على تحول مكونات المجتمع العراقي , حسب الرؤى والأفكار و الأراء الضيقة التي تنبع من الطائفية والإثنية الى رؤى وطنية تخدم المجتمع العراقي و تكوين دولة المواطنة , عن الطريق عدد من النقاط المقترحة وهي :
1- تطبيق المواد الدستورية حسب الدستور لسنة -2005 , الذي يعيد الهيبة الى جميع مؤسسات الدولة و ترسيخ حقوق جميع المكونات الإجتماعية العراقية .
2- تخلي المكونات عن الرؤى الإثنية والطائفية والدينية و المذهبية وتجسيد الرؤى الوطنية داخلها .
3- اعادة البناء الاقتصادي (الصناعة – الزراعة) و الاجتماعي بالشكل العلمي و توفير فرص العمل و العيش الكرية والمساواة و العدل للكل المجتمع العراقي من شمالهِ الى جنوبهِ .
4- تقديم التعليم المعاصر و المتقدم الى جميع أبناء البلد , و انتهاء الأمية بين أبناء المجتمع من قبل الحكومة الفدرالية دون التمييز .
5- تخلي الأحزاب و المكونات عن المحاصصة في الأدارة والسلطة السياسية , تعيين الأفراد ذات القدرة و الكفائة الادارية والسياسية في المؤسسات الدولة في المكان المناسب .









المـراجع :
اولا:القرأن
ثانيا: الكتب
1- اسحق نقاش : شيعة العراق ، ت: عبدالإله النعيمي، ، ط الثالثة، دار المدى ، بغداد ، 2014.
2- انتوني غدنز بمساعدة كارين بيرسال: علم الإجتماع ( مع مدخلات عربية ) ، الطبعة الرابعة ، ترجمة و تقديم: فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت ، تشرين الأول 2005.
3- فريق ابحاث: التحرير و الإشراف اللغوي : حسين بن حمزة ( فريق ابحاث) : ديناميكيات النزاع في العراق – تقييم استراتيجي ، معهد الدراسات الستراتيجية ، بغداد –اربيل- بيروت ، 2007 .
4- حنا بطاطو : العراق ، ثلاثة الكتاب، ترجمة : عفيف الرزاز ، منشورات فرصاد، تهران ، 2005 .
5- رشيد الخيون :الأديان و المذاهب بالعراق ،ط الثانية، منشورات الجمل، بيروت – بغداد ، 2007 .
6- شاكر الأنباري : ثقافة ضد العنف: إطلالة على عراق ما بعد الحرب، معهد الدراسات الإستراتيجية ، بغداد – اربيل – بيروت ، 2007 .
7- صادق الأسود: علم الإجتماع السياسي : أسسه و ابعاده ، كلية العلوم السياسية . جامعة بغداد، العراق، 1990.
8- صالح جواد كاظم , علي غالب العاني : الأنظمة السياسية ، العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، 1990 .
9- عبدالحميد لطفي : علم الإجتماع ، ط السابعة ، دار النهضة العربية، بيروت ، لبنان ، 1977 .
10- عبدالقادر محمد القيسي : الإستفتاء الشعبي و أثره في النظام السياسي، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2012 .
11- عزيز قادر الصمانجي : التأريخ السياسي لتركمان العراق، دار الساقي ، بيروت ، لبنان ، 1999.
12- عبدالله إبراهيم: علم الإجتماع ( السوسولوجيا) ، ط الثانية ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان، 2006 .
13- فالح عبد الجبار – هشام داود ( محررا الكتاب ) : الإثنية و الدولة، ت: عبدالإله النعيمي، (العصبية و السياسة الكردية من منظور اجتماعي – تأريخي ) حميد بوز ارسلان ، معهد الدراسات الإستراتيجية ، بغداد – بيروت ، 2006 .
14- كردستان سالم سعيد: أثر التعددية الإثنية على الوحدة الوطنية في العراق، مركز كردستان للدراسات الإستراتيجية ، السليمانية، 2008.
15- كمال المنوفي : اصول النظم السياسية المقارنة، شركة الربيعان للنشر و التوزيع ، الكويت، 1987 .
16- ليورا لوكيتز : العراق و البحث عن الهوية الوطنية ، ت: دلشاد ميران ، دار اراس للطباعة و النشر ، اربيل ، 2004.
17- مصطفى عثمان أحمد : إشكالية ممارسةالسلطة في المراحل الإنتقالية - دراسة مقارنة بين العراق و جنوب افريقا (رسالة ماجستير غير منشورة تقدم الى مجلس كلية القانون و السياسة بجامعة السليمانية )، السليمانية ، سنة 2017.
18- موريس دوفرجية : علم الإجتماع السياسة، ت: سليم حداد ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت ، لبنان ، 1991.
19- فالح عبدالجبار و أخرون : مأزق الدستور : نقد و تحليل ( متضادات الدستور الدائم ) ، معهد الدراسات الإستراتيجية ، بغداد – بيروت ، 2006 .

ثالثا:المحاضرات
رشيد عمارة : محاضرة البنية الاجتماعية ألقيت على طلبة الماجستير كلية القانون والعلوم السياسية , قسم العلوم السياسية جامعة التنمية البشرية – جامعة السليمانية , الكورس الثاني للعام الدراسي 2019-2020.