البناء التحتي و البناء الفوقي . تعديل و تنقيح


عبد الحسين سلمان
2020 / 8 / 21 - 23:05     

البناء التحتي و البناء الفوقي . تعديل و تنقيح

تأليف : فيليب دي لارا ph. De Lara
ترجمة : هادي بلحاج
Dictionnaire Critique du Marxime Paris, Presses universitaires de France, 1982

"معجم الماركسية النقدي"ترجمة دار الفارابي , بيروت 2003




البناء الفوقي جزء أو لحظة من البنية الاجتماعية الكاملة و شكله في آنً واحد….لوشيو كوليتي Lucio Colletti فيلسوف ماركسي أيطالي


1. ينتسب البناء التحتي و البناء الفوقي إلى عائلة واحدة. وتدّل هذه المفاهيم على البنية الاجتماعية بالكامل , منظوراً إليه من جهة التشبيه الهندسي الذي يوحي به تنضيد ما.
قاعدة المجتمع من تحت , وبناؤه الفوقي من أعلى. أن للفظ ( بناء فوقي ) في نصوص ماركس متغيراً variable , كذلك لفظ ( قاعدة base ) . أذ يتحدث ماركس عن ( البناء الفوقي الحقوقي و السياسي legal and political superstructure / juristischer und politischer Ueberbau ) , غير أنه يضيف إلى الدولة والحق , الأيديولوجية , وأنماط السلوك والدين و الفلسفة والفن , بل حتى العلوم واللغة أحياناً , أي ( البناء الفوقي الضخم بأكمله the whole immense superstructure. / der ganze ungeheure Ueberbau ) .

يثير دمج العلوم واللغة في البناء الفوقي مشكلة متميزة . وتطرق إلى هذه المشكلة كل من غرامشي Gramsci و ألتوسير Althusser , بطريقتين متعارضتين تماماً.

فالعلم في تقدير غرامشي بناء فوقي دون تحفظ .
إما ألتوسير , فيجعل من قطيعة rupture العلم , اللحظة الحاسمة في عملية تكوين أي علم من العلوم .

2. يمكن أن يعرّف ( البناء الفوقي ) تعريفاُ بمدلول اللفظ , وتعريفاً بالإدراك / الفهم.
• التعريف بمدلول اللفظ extension : لما كانت القاعدة المادية , مرادفة للمستوى الاقتصادي , فأن البناء الفوقي يكون متشكلاً من عدة مجمعات أو مستويات , تصنف في مستويين اثنين. الأول مستوى حقوقي و سياسي و الثاني مستوى أيديولوجي.

• التعريف بالإدراك / المفهوم comprehension
وهذا يستند إلى نموذجين منفصلين. النموذج الأول , تكتسي بمقتضاه , ظواهر القاعدة المادية موضوعية , شبيه بموضوعية ظواهر الطبيعة , وتكون ظواهرها مستقلة عن وعي الإنسان وعن أرادته , إلى درجة أن ماركس , قدر في سنة 1859 , أن في استطاعتنا أن ( نحللها تحليلاً علمياً محكماً precision of natural science / naturwissenschaftlich ).
إما النموذج الثاني فيتناول وقائع البناء الفوقي , باعتبار أن له , خلافاً لظواهر الطبيعة , نظاماً مغايراً , فهو يتشكل بفعل النشاط البشري الواعي.


3. يطرح مفهوم البنى الفوقية , إذاً مشكلات في التعريف وفي التقويم Evaluation, معاً . فنحن إزاء مجرد صور مجازية , بليغة كانت أم لم تكن , أم إزاء مفهوم concept بمعنى الكلمة ؟
على الرغم من أن مفهوم البناء الفوقي لم يدرج على لسان ماركس ألا نادراً , ومع ذلك فأنه يحتل مكانه هامة في تاريخ الماركسية . صحيح أن هذا المفهوم يتناول مسألة أساسية هي البنية ألاجتماعية بالكامل . وصحيح أن ماركس قد صاغه في نص , يعتبر نصاً مرجعياً , وهو ( مقدمة نقد الاقتصاد السياسي لعام 1859 ), والذي لخص مسّاره الفكري و نتائج أبحاثه .
تشكل الثنائية ( بناء فوقي / قاعدة مادية ) في هذا النص , معارضة نقدية لمفهومي الدولة و المجتمع المدني , كما صاغهما هيجل. ويشرّح dissect ماركس المجتمع المدني تشرّيحاً دقيقاً , فيكشف بجلاء عن علاقات الإنتاج relations of production , ويقلب موقع الدولة والعلاقات الحقوقية والتي لم يعد وجودها مستقلاً , ولا دورها محدداً حاسماً , مثل ما كان شأنها مع هيجل. بل أصبحت علاقات الإنتاج تحددها القاعدة المادية material base . فأذا كان للتاريخ البشري ( عقل Reason ) , فهذا العقل , لا يكمن في الدولة ,
بل في علاقات الإنتاج.


4. أن المحاولات الساعية إلى تفسير طبيعة العلاقة بين البناء الفوقي و البناء التحتي , غالباً ما آلت إلى اختزال البناء الفوقي إلى مجرد انعكاس reflection للقاعدة المادية, إلى مجرد نتيجة ميكانيكية لها , وتتحول صيغة ( القاعدة تحدّد في أخر المطاف ) , إلى مجرد تحديد determination لا غير , إلى سببية ذات اتجاه خطي مستقيم linear causality .

5. و أكثر الأشكال ابتذالاً في هذه النزعة هي ( نظرية العوامل
 Two Factor Theory )
التي ينقسم المجتمع بمقتضاها إلى عوامل متعددة و مرتبة حسب الأهمية , حيث لا شك أن ( العامل الاقتصادي economic factor ) , يقوم على رأس هذه التراتبية , مهيمناً عليها, و مؤدياً على هذا النحو , إلى نزعة اختزالية اقتصادوية economist reductionism . نظرية العوامل , هذه , تجعل من المستحيل صياغة أي ( منظور توليفي للحياة الاجتماعية synthetic point of view on social life ) , وهذا ما أكد عليه بليخانوف Plekhanov  في عمله ( المسائل الرئيسية للماركسية 1907 Fundamental Problems of Marxism ) بالقول:
أن القول بنظرية العوامل , يجعل التفكير في تأثير البناء الفوقي على القاعدة المادية أمراً عسيراً …..م – 2

6. كتب إنجلز رسالة الى جوزيف بلوك... J. Bloch في 21—28 – أيلول 1890 يقول فيها:
....إن العامل المحدد حسب التصور المادي للتاريخ هو في آخر التحليل إنتاج الحياة الواقعية وتجديد إنتاجها. ولم يقل ماركس أبداً ولا أنا, أكثر من ذلك. فإن شوه أحدهم هذا الرأي بأن جعله يدل على أن العامل الاقتصادي هو المحدد الوحيد , فقد حوله الى كلام أجوف , ومجرد , وغير معقول . أن الوضع الاقتصادي هو الأساس , لكن العناصر المختلفة للبنى الفوقية ( الأشكال السياسية للصراع الطبقي , ونتائجه , ومثالها : الدساتير المطبقة من قبل طبقة منتصرة بعد معركة ناجحة...الخ , والأشكال القانونية , وحتى انعكاسات جميع هذه الصراعات الفعلية في أدمغة المشاركين , والنظريات السياسية و الفلسفية و الحقوقية , والآراء الدينية وتطورها اللاحق إلى أنظمة عقائدية dogmas  ) , تمارس كذلك تأثيرها في مجرى الصراعات التاريخية , وفي كثير من الأحوال , تحدد شكلها form بصورة متفوقة , أن هناك تفاعلاً بين سائر هذه العوامل التي تنتهي الحركة الاقتصادية إلى شق طريق لها , فيها , على أعتبارها ضرورية . وذلك في ملئ العدد اللامتناهي من المصادفات endless host of accidents ...أن الشروط الاقتصادية , وأن الشروط الأخرى أيضا تلعب دوراً , لكن ليس الدور الحاسم decisive  ….م – 3

هنا يرسم إنجلز , البنى الفوقية , في مظهر واهن لعدد لا متناه من التأثيرات الصغيرة جداً , مستبدلاً في ذلك بمثال ( لعبة ) الإرادات الفردية , فهي محددة بدورها بالشروط الاقتصادية . وعلى هذا النحو ينحل diluted البناء الفوقي إلى مجموعة من المصادفات chances .

المصادر


1.

https://www.marxists.org/archive/marx/works/1859/critique-pol-economy/preface.htm


http://www.mlwerke.de/me/me13/me13_007.htm


2.

https://www.marxists.org/archive/plekhanov/1907/fundamental-problems.htm


3.

https://www.marxists.org/archive/marx/works/1890/letters/90_09_21.htm