البرنامج الثوري البرنامج الإصلاحي: أية علاقة؟ وأي أفق؟.....1


محمد الحنفي
2020 / 8 / 21 - 12:01     

مقدمة:
إن أي حركة، كيفما كانت هذه الحركة، سواء كانت نقابية، أو حقوقية، أو جمعوية، أو أحزاب سياسيبة، لا يمكن أن تكتسب قيمتها، إلا بما تلتزم به، من برنامج معروف المراحل، محدد الخطوات، معروف الأهداف، تقود على أساسه الحركة كل الفئات المستهدفة بذلك البرنامج، في أفق العمل على تحقيق الأهداف المسطرة، من أجل العمل على نقل المستهدفين من واقع، إلى واقع مختلف، معبر عن التحول الإيجابي، الذي تنشده الحركات المناضلة، من أجل إحداث تطور ما، في حياة أفراد الشعب، أو في أفق تغيير واقعهم، في أفق تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، الهادفة إلى إيجاد واقع جديد، بإنسان جديد، وبعقلية متقدمة، ومتطورة، تنسجم مع الطموحات الشعبية، في تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، على المدى المتوسط، والبعيد.

وحرص الإنسان على التغيير المنشود، لا بد له من حركة، وهذه الحركة، لا بد أن تكون ثورية، والحركة الثورية، لا بد لها من برنامج ثوري؛ لأن ما يهمها، هو تثوير المناضلين أولا، على مستوى الفكر، وعلى مستوى الممارسة.

وتثوير الحركة على مستوى الفكر، وعلى مستوى الممارسة اليومية، للمناضل الثوري، وعلى مستوى البرنامج المعتمد، الذي يجب أن يكون ثوريا، حتى يساهم في الحفاظ على الأداء الثوري، لتنظيمات الحركة الثورية، وللمناضلين الثوريين، على جميع المستويات التنظيمية، في أفق تحقيق الأهداف، المسطرة في البرنامج الثوري، للمرحلة الإستراتيجية.

ومعلوم أن البرنامج المرحلي / الإستراتيجي، يشمل البرنامج الاقتصادي، والبرنامج الاجتماعي، والبرنامج الثقافي، والبرنامج السياسي، بالإضافة إلى البرنامج التنظيمي، والإشعاعي.

وهذه البرامج التي يعتمدها التنظيم الحزبي الثوري، بأبعادها المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، في أفق خلق دينامية تنظيمية ثورية، تجعل التنظيم الحزبي الثوري، مع الجماهير، وإلى جانبها، وفي قيادة نضالاتها الجماهيرية: النقابية، والحقوقية، من أجل تحقيق مطالبها الآنية، وسعيا إلى جعل الحكم يستجيب لمطالبها المستعجلة، التي تقتضي شروطا معينة، للاستجابة إليها، من أجل التخفيف من حدة الاستغلال، الممارسة على الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، مما يشعر الكادحين بأهمية النضال الجماهيري، مع ربطه بالنضال السياسي، الذي يعتبر شرطا لإبراز أهمية خطورة وعي الجماهير الشعبية الكادحة، في العمل على تغيير ميزان القوى لصالحها، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ونحن عندما نعمل على تغيير ميزان القوى، لصالح الجماهير المعنية بالتغيير، تبقى معرضة للتهميش، ما لم يتغير ميزان القوى لصالحها، من أجل التخفيف من حدة ما تتعرض له من تهميش.

ومهمة البرنامج الثوري، هي الدفع في اتجاه تغيير ميزان القوى: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، لصالح الجهات المعنية بالتغيير.

أما مهمة البرنامج الإصلاحي، فلا تتجاوز مهمة المحافظة على ما هو قائم، مع الظهور بمظهر الحرص على تمكين المتضررين من الأوضاع من السعي إلى الإصلاحات، التي تمكنهم من الشعور بالتخلص من الوضعية التي يعانون منها، والتي سرعان ما تعود، تلك المعاناة، بأقبح ما كانت عليه؛ لأن البرنامج الإصلاحي، لا يستهدف أصل المشكل، من أجل تغييره، حتى وإن كان في إطار المشاركة في الانتخابات، فإن البرنامج الثوري، سيكون له فعل مخالف، وتأثير إيجابي، لصالح المستهدفين بالتغيير.

فالبرنامج الثوري، ليس هو البرنامج الإصلاحي، والبرنامج الإصلاحي، ليس هو البرنامج الثوري، على مستوى الإنسان، وعلى مستوى مصلحة الكادحين، وعلى مستوى المحافظة على ما هو قائم.

فما المراد بالبرنامج الثوري؟

وما هي سبل الالتزام به؟

وماهي الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها؟

وما هي الغاية من وراء تحقيق تلك الأهداف؟

وما المراد بالبرنامج الإصلاحي؟

وما هي سبل الالتزام به؟

وما هي الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها؟

وما هي الغاية من وراء تحقيق تلك الأهداف؟

فما هي العلاقة القائمة بين البرنامج الثوري، والبرنامج الإصلاحي؟

وما هو أفق علاقة البرنامج الثوري بالبرنامج الإصلاحي؟

وما هو البرنامج الأولى بالتفعيل، بالنسبة للجماهير الشعبية الكادحة؟

ونظرا للاختلاف القائم على مستوى مفهوم البرنامج الثوري، ومفهوم البرنامج الإصلاحي، فلأننا سنعمل على مقاربة الأجوبة، عن الأسئلة المطروحة في هذا السياق، حتى تصير أوجه الاختلاف واضحة، في ذهن أي متتبع، ومن أجل أن نصل إلى تحديد الأولوية لأي برنامج، بالنسبة للجماهير الشعبية الكادحة:

هل هو البرنامج الثوري؟

هل هو البرنامج الإصلاحي؟

وقد يعتقد البعض، أن البرنامج الثوري هو البرنامج التحريضي، الذي يقف وراء تهييج الجماهير الشعبية الكادحة. وهو اعتقاد خاطئ؛ لأن البرنامج يكون ثوريا بمنهجه، وبالأفكار التي يعتمدها، لإقناع الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، من أجل المساهمة، بالفعل اليومي الهادف، فى تحقيق الأهداف المحددة في البرنامج، والتي تخدم في حالة تحققها، مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومصالح الشعب الكادح.

والبرنامج الثوري، لا يتناقض، أبدا، مع المشاركة، أو المقاطعة، التي يقررها الحزب الثوري. فطبيعة الأفكار التي يطرحها البرنامج، مع الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، وفي إطار الحرص على سلامة البرنامج من السقوط في أي شكل من أشكال التحريف.

ومن منطلق: أن الحركة الثورية، أو حزب للطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، قرر المشاركة في أي انتخابات تجري، وبدون قيد، أو شرط، فإن قرار المشاركة، لا يتنافى مع الصياغة الثورية للبرنامج، إلى درجة أننا اعتقدنا: أن الصياغة الثورية للبرنامج، هي صياغة تقتضي عدم التمسك بالأمهات، في صياغة أي برنامج انتخابي، مع أن البرنامج الانتخابي نفسه، يمكن أن تصير الأمهات، كما كان يسميها فقيد الشعب المغربي، القائد الأممي: أحمد بنجلون، منطلقات في صياغة البرنامج الثوري / الانتخابي، سواء تفاعلت معه الجماهير الشعبية الكادحة، أو لم تتفاعل معه، نظرا للشروط القائمة، التي يعم فيها الفساد جميع المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يصعب معه تفاعل البرنامج الانتخابي، مع الشروط الموضوعية، التي تجري فيها الانتخابات. وهذا لا يعني: أن الحركة الثورية، أو حزب الطبقة العاملة، تعيد، أو يعيد النظر في البرنامج الثوري، لإرضاء الجماهير، بقدر ما يعتبر التمسك بالبرنامج الثوري، هو المدخل من أجل إنضاج شروط إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وخالية من كل أشكال الفساد الانتخابي، الذي يقتضي من الحركة الثورية، اعتماد الفضح الإعلامي المكتوب، والمسموع، والمسموع المرئي، والمكتوب الإليكتروني، والمسموع الإليكتروني، لجعل المتتبعين في المستويات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، يقفون على كل أشكال الفساد المعتمدة في الانتخابات، مما يقتضي اتخاذ موقف معين منها، للحكم: إما بحريتها، ونزاهتها، أو عدم حريتها، ونزاهتها.

إن الفئات التي يستهدفها حزب الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، تدرك جيدا: أن الحركة الثورية، يتم الالتفاف عليها، من خلال إطلاق يد الفاسدين، بما يتوفرون عليه، من أموال طائلة، لإفساد الحياة الإدارية، والحياة السياسية، في نفس الوقت، لقطع الطريق أمام الحركة الثورية، أو حزب الطبقة العاملة، الذي يعتمد البرنامج الثوري، كوسيلة للوصول إلى الناخب المغربي النظيف، والواعي بأهمية البرنامج الثوري، والتدخل لدى الجهات المشرفة على إجراء الانتخابات، من أجل فرض حريتها، ونزاهتها، ومن أجل وضع حد للفساد، بكل أنواعه: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير المجال مهيأ، لجعل البرنامج المعتمد، من قبل أي حزب مشارك في الانتخابات، هو الذي ينال اهتمام الناخبين. وفي هذا الإطار، نجد أنه لا بد أن ينال البرنامج الثوري، اهتمام الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، وبالتالي، سيصير اختيار التصويت على البرنامج الثوري، مسألة واردة؛ لأن البرنامج الثوري، يستجيب لإرادة الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، في حال امتلاكهم للوعي الطبقي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يمتلكوا القدرة على اختيار البرنامج الثوري، الذي يستجيب لطموحات الكادحين، المشكلين للغالبية العظمى من الناخبين.

فالبرنامج الثوري، هو البرنامج الثوري، ولا يمكن أن يصير شيئا آخر، سواء تعلق الأمر بمقاطعة للانتخابات، التي تفتقر إلى الحرية، والنزاهة، ومحاربة كل أشكال الفساد الإداري، والسياسي، أو المشاركة فيها، بناء على محطات ذاتية، تقتضي من الحركة الثورية: المشاركة في الانتخابات، من أجل الاستمرار في الوجود، وإسماع الصوت إلى الجماهير الشعبية الكادحة؛ ولكن بنفس البرنامج الثوري، الذي يهدف إلى توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بواقعها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تكتسب، وتمتلك القدرة على مواجهة كافة أشكال الفساد، التي تنخر كيان المجتمع، وأن لا يكون الهدف من المشاركة في الانتخابات، هو الوصول إلى مقاعد المؤسسات المنتخبة، التي لا يمكن نكران أهميتها، بقدر ما يكون الهدف، هو تفعيل البرنامج الثوري، في شقه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تتحمل الجماهير الشعبية الكادحة، الحاملة للوعي، في أبعاده المختلفة، مسؤوليتها في مواجهة الفساد، وما يظهر منه، وما يصير خفيا، حتى يصير عاجزا عن الاستمرار في التوالد، والامتداد، في صفوف الشعب المغربي.

وبناء على كوننا نسعى إلى التمييز بين البرنامج الثوري، والبرنامج الإصلاحي، وانطلاقا من أن البرنامج الثوري، لا يقدم أي شكل من أشكال التنازلات، بسبب المشاركة في الانتخابات، ولا يزايد على الحكم، بسبب المقاطعة.

فالبرنامج الثوري، يبقى ثوريا في الحالتين معا: المقاطعة، والمشاركة. والهدف، هو الهدف، في نفس الحالتين؛ لأن الغاية، ليست هي المقاطعة، وليست هي المشاركة من أجل المقاعد الجماعية، أو البرلمانية، بل الغاية، هي جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يحملون وعيهم بالذات، وبالواقع، وفي حالة حصول الحركة الثورية، أو حزب الطبقة العاملة، على مقاعد معينة، فإن مناضلي الحركة الثورية، أو حزب الطبقة العاملة، يلتزمون بالبرنامج الثوري، سواء كانوا في موقع المسؤولية، أو في المعارضة، التي لا علاقة لها بالمعارضة الرسمية.

وبالنسبة للبرنامج الإصلاحي، الذي يختلف شكلا، ومضمونا، عن البرنامج الثوري، فإننا لا نجد أنه يسعى إلى إحداث تغيير معين في الواقع. فإنه لا يتجاوز المحافظة على الواقع كما هو، مع إدخال بعض التعديلات التي تظهره، وكأنه يقوم بتغيير معين، في اتجاه إيجاد بديل لما هو قائم، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في الوقت الذي يزداد ترسيخا، كما هو قائم في الواقع، إلى درجة أن الجهات المتضررة من الواقع، تزداد تضررا. وهو ما يؤكد: أن رفع شعار الإصلاح، ما هو إلا إعلان عن قبول الواقع، كما هو، دون تغيير اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي ،مع القيام بإبراز تعديلات معينة، لا تمس بالجوهر، ولا تحد من ازدياد ارتفاع مكانة المستفيدين من الواقع، ولا تحد من مضاعفة الأضرار، التي تلحق المتضررين في الأصل؛ لأن منهج الإصلاح، ليس هو منهج التغيير، فالأمر كما هو، لا يتبدل، ولا يتغير في ظل الإصلاح. فما يتبدل: هو ازدياد تضرر المتضررين.

فازدياد استفادة المستفيدين، وازدياد تضرر المتضررين، هو السمة الكبرى، المميزة للبرنامج الإصلاحي، الذي يمكن تسميته بالبرنامج التكريسي، الذي يعتبر وسيلة لحماية مصالح المستفيدين من الأوضاع القائمة، والحيلولة دون الحد من الأضرار التي تلحق المتضررين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، سعيا إلى جعل النظام القائم، مطمئنا على مستقبل وجوده، وعلى استمرار نموه، وتجذره، والمساهمة في حمايته، من كل ما يمكن أن يلحق به أي شكل من أشكال الأضرار، التي قد تجعله يتراجع، ولو قيد أنملة، إلى الوراء، لصالح الحد من استفادة المستفيدين، والتخفيف من الأضرار التي تلحق المتضررين أصلا.

وبناء على هذه التوطئة، فإن البرنامج الإصلاحي في عمقه، وفي جوهره، هو برنامج لإنقاذ النظام القائم، حتى يستعيد قدرته على التحكم في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل جعله في خدمة المستفيدين منه: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، دون القيام بأي مساهمة، في الحد من الأضرار، التي تلحق المتضررين من الواقع القائم، على جميع المستويات، حتى يتأتى للنظام القائم، استعادة مكانته، وقوته، وقدرته على التحكم في الواقع، مع الاستمرار في إلحاق المزيد من الأضرار بالمتضررين، الذين يخضعون، باسم الإصلاح، للاستغلال الهمجي، كما هو الشأن بالنسبة لاستغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بطرق همجية، تتناقض مع إنسانية الإنسان، ومع السعي إلى السطو على مفاهيم حقوق الإنسان، والحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، لتصر غير قائمة، مع العمل على تغييبها من الخطاب الإعلامي، باعتبارها موحية بالتغيير، الذي لا يسعى إليه المدافعون عن البرنامج الإصلاحي، حتى يبرهنوا للنظام القائم، على أنهم الأجدر باحتضانه لهم، وبالتالي، تمكينهم من شروط تحقيق تطلعاتهم الطبقية، جزاء لهم، على اتباع السياسة الإصلاحية القائمة، على أساس الالتزام بالبرنامج الإصلاحي الهادف، إلى جعل النظام القائم، يستعيد مكانته، وقوته، وقدرته على التحكم في الواقع.