السياسة الاقتصادية - الاجتماعية في رؤى الحزب الشيوعي العراقي


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 8 / 21 - 10:53     

بعد عام 2003 حصلت في العراق تطورات في التوجهات الاقتصادية والسياسية والتي أشرت الى دخول العراق مرحلة جديدة من الصراعات والتي ما زالت قائمة حتى اليوم , وقد ولدت وقائع جديدة تفرض تحديد رؤى لهذه التطورات ووضع السياسة المناسبة لها , وهذا ما فعله الحزب الشيوعي العراقي من خلال برامجه والتي كان آخرها البرنامج المقر من قبل المؤتمر الوطني العاشر للحزب (1-3) كانون الأول 2016. جرت صراعات نتيجة ما ادخلته القوات الامريكية بعد 2003 حول مسألة من يقود النشاط الاقتصادي في العراق ؟ القطاع العام , أم القطاع الخاص؟ وما هو الموقف من القطاع الخاص ؟
الأمريكان روجوا للقطاع الخاص وخصخصة مؤسسات الدولة وتصفية القطاع العام .فالقطاع العام ما زال ضعيفا ومترهلا ومن الضروري العمل على تأهيله واصلاحه, وكذلك القطاع الخاص العراقي ما زال ضعيفا ومهمشا ويعاني المشاكل التي تعيق تطوره ومساهمته في تنمية قدرات البلاد الانتاجية والارتقاء بالمستوى التنافسي لمنتجاته وذلك لان الجهات المعنية قد اعتمدت سياسة اغراق السوق العراقية بالمنتجات الاجنبية الزراعية والصناعية على حساب المنتج الوطني مما أضعف قدرة القطاع العام والخاص على المنافسة في ظل المشاكل والمعوقات التي يعانيان منها .
وفي هذا الصدد يرى الحزب الشيوعي العراقي وحسب ما ورد في برنامجه بأن قطاع الدولة (العام) ينبغي أن يمثل القاعدة الرئيسة للاقتصاد الوطني, مؤكدا على ضرورة اصلاحه اقتصاديا واداريا اعتمادا على معايير الشفافية والكفاءة والمساءلة , الى جانب تأكيده على تشجيع القطاع الخاص ودعمه ماليا وضريبيا لصالح مشاريعه التي تساهم في تنمية قدرات البلاد الانتاجية . ومن جهة اخرى يرى ضرورة الوقوف بوجه الدعوة الى اعتبار الخصخصة وصفة عامة شاملة لحل مشكلات الاقتصاد وتحقيق التنمية مؤكدا على اهمية تأهيل واصلاح ادارة الشركات المملوكة للدولة بدلا من خصخصتها . والحزب مع قيام مختلف أشكال الملكية العامة والخاصة والمختلطة والتعاونية في ظل نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي بعيدا عن نهج المحاصصة الطائفي المقيت .
ومن ضمن المفردات الاخرى التي اكدت عليها وثيقة الحزب آنفة الذكر مسألة وضع سياسة اقتصادية فعالة والقيام بالإصلاحات الضرورية حيث ما زال اقتصادنا الوطني يعاني العديد من الازمات نتيجة السياسة العقيمة المعتمدة من قبل الدولة. وتتضمن سياسة الحزب الاقتصادية ضرورة مكافحة البطالة باعتبارها من الاهداف الرئيسة للسياسة الاقتصادية ’ الى جانب تنمية الموارد البشرية ورفع كفاءة العاملين من خلال الارتقاء بالتعليم والتدريب المستمر واستخدام التقنيات الحديثة وتشجيع البحث العلمي والابتكار اضافة الى تخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك .
كما يتبنى الحزب في سياسته الاقتصادية-الاجتماعية موضوع توظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية وضرورة فرض الرقابة والاشراف عليها من قبل المؤسسات التمثيلية للشعب. ونحن اليوم ما زلنا بعيدين عن ممارسة هذا الدور من قبل الدولة. واهتم الحزب ايضا بوضع الخطط التنموية المتوسطة والقصيرة الاجل لتحقيق التنمية المستدامة وضمان حياة افضل لجميع المواطنين, على ان يكون للطبقة العاملة العراقية وسائر الشغيلة ومنظماتهم النقابية دور في حياة المجتمع .
ولم يهمل برنامج الحزب الشيوعي العراقي مسألة اعادة اعمار الريف وتطوير القوى المنتجة فيه والنهوض بالقطاع الزراعي وزيادة مساهمته في الاقتصاد العراقي وتحقيق الامن الغذائي , حيث ان العراق اليوم قد اهمل القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني واصبح يعتمد على تأمين سلة غذائه من دول الجوار معتمدا على سياسة اغراق السوق بالمنتجات الزراعية المختلفة على حساب منتجنا الوطني .وتأكيده على النهوض بالقطاع الصناعي والاستخراجي والسياحي والعمل على تنويع مصادر الدخل القومي .
وفي مجال المصارف اكد الحزب على تحديث وتوسيع النظام المصرفي بشقيه الحكومي والخاص ليسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني مؤكدا على ضرورة مكافحة عمليات غسل الاموال .
ولم تغب عن الحزب في سياسته الاقتصادية – الاجتماعية حماية المواطنين من الفقر والعوز بالاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية ومعالجة ازمة السكن وتأمين الحياة اللائقة للمتقاعدين وتشريع قانون موحد لجميع المتقاعدين. واهتم ايضا بإعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع مختلف دول العالم على اساس المصالح المشتركة , الى جانب اهمية محاربة الفساد المستشري ووضع حد له .
ومن جهة اخرى فقد تبنى الحزب ضمن وثيقته المحافظة على البطاقة التموينية وتحسين مكوناتها اضافة الى الارتقاء بالخدمات الاجتماعية كالخدمات الصحية والتعليمية... وتحديد حد ادنى للأجور وتوفير السلع الاستهلاكية الضرورية واصلاح النظام الضريبي العادل وتفعيله وكذلك العمل على توفير الشروط لإعادة تدوير العجلة الاقتصادية للبلاد وفي المقدمة منها اعادة استتباب الأمن وحماية المواطنين, الى جانب اهتمامه بتحقيق الاستقرار في قيمة النقد ومكافحة التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي .
منذ 2003 عام سقوط النظام الدكتاتوري والى اليوم لم تتحقق انجازات اقتصادية مهمة لصالح ابناء شعبنا , بل بالعكس ازداد الوضع الاقتصادي تدهورا وتخلفا صاحب ذلك تفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري في معظم مرافق الدولة المدنية والعسكرية وتم تهميش قطاعات الصناعة والزراعة والتعدين ولم يكن قطاع السياحة فاعلا اضافة الى ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية الاخرى وزيادة نسبة العجز في الموازنة الاتحادية في ظل انخفاض اسعار النفط الخام في الاسواق العالمية وارتفاع نسبة الفقراء في المجتمع مع تفاقم ازمة السكن وفوضى القوانين حيث ما زلنا حتى اليوم نعمل بقوانين (مجلس قيادة الثورة )المنحل , اضافة الى انخفاض مستوى التعليم في العراق اذ اعتبرته المنظمات الدولية من اسوأ البلدان في مستوى التعليم ومن اكثر البلدان فسادا واعتبرت عاصمته بغداد من اسوأ المدن في جودة المعيشة , وبيئة العمل فيه طاردة للاستثمار فهو الاسوأ في كل شيء . ولذلك فان اعتماد برنامج الحزب الشيوعي العراقي في مجال السياسة الاقتصادية- الاجتماعية هو العلاج الشافي لأمراض الاقتصاد العراقي الريعي المتخلف.