ثورة العشرين في منظور علي الوردي (القسم الثالث)


سلمان رشيد محمد الهلالي
2020 / 8 / 21 - 01:44     

(بمناسبة مرور مائة عام على ثورة العشرين 1920 – 2020)
يخصص الدكتور الوردي الفصول الاربعة اللاحقة (10 – 13) حول الاحداث المهمة التي سبقت اندلاع الثورة في الرميثة في حزيران 1920 وهى :
1 . احداث دير الزور
2 . واقعة تلعفر
3 . احداث رمضان في بغداد
4 . نفي ابن الشيرازي
اختص الفصل العاشر في ذكر احداث دير الزور . ودير الزور منطقة تقع بين العراق وسوريا , وكانت خلال العهد العثماني تابعة للعاصمة اسطنبول مباشرة . ولما انسحب الاتراك منها اثر الهدنة في 31 تشرين الاول 1918 اصبحت خالية من اي سلطة مدنية , وبعد قيام الحكومة العربية في دمشق التي تزعمها الامير فيصل بن الحسين اجتمع زعماء البلدة وقرروا الانضمام لها , الا ان التذمر سرعان ما حل بين الاهالي من الضائقة الاقتصادية التي حلت بهم , وقارنوا اوضاعهم السيئة بما حصل في العراق من ازدهار تجاري كبير بعد الاحتلال البريطاني للبلاد , وعقدوا العزم للانضمام للعراق , وارسلوا مضابط بهذا الشان للقادة الانكليز الذين من جانبهم ارسلوا قوة عسكرية للسيطرة على البلدة , الا ان المركز العام لحزب العهد العراقي في دمشق قرر استرجاع الدير من الانكليز ومن ثم اتخاذها مقرا لايقاد الثورة في العراق , لذا سعى المركز لدى حكومة دمشق لتعيين (رمضان شلاش) حاكما عسكريا في الرقة من اجل استرجاع دير الزور , وفعلا استطاع شلاش من الدخول اليها والسيطرة عليها . وقد انتقد الامير فيصل الذي كان في باريس هذه الاعمال ضد الانكليز , لانها تخل بالعلاقات بين الطرفين , واكد عدم علمه بها , وتم عزل رمضان شلاش وتعيين مولود مخلص بدلا عنه , الذي سار بسيرة شلاش مع الانكليز من حيث التوتر والتحريض , ثم حصلت احداث معقدة وخلافات شخصة وعشائرية ومالية وحدودية كثيرة بين الاطراف في شرق سوريا , الا ان اهم نتائجها كانت انها اعطت الانطباع على امكانية السيطرة على المدن وتحريرها من الانكليز .
واما الفصل الثالث عشر فهو يتحدث عن واقعة تلعفر , والتي يمكن القول انها امتداد - او احدى افرازات - احداث دير الزور السابقة . فبعد تتويج فيصل ملكا على سوريا في اذار 1920 شعر العراقيون فيها ان بقائهم اصبح غير مرغوب فيه من قبل السوريين , ويجب العودة الى بلادهم , وقرروا مقابلة الملك فيصل بهذا الشان , واختاروا ثلاثة وهم (علي جودت الايوبي وجميل المدفعي وثابت عبد النور) وذكروا له عزمهم الذهاب لدير الزور لمقاتلة الانكليز , وطلبوا منه المساعدة فعطاهم ثلاثة الاف جنيه مصري ,وقليل من السلاح . وقد وصلوا الى الدير وعقدوا العزم على مهاجمة تلعفر بتحريض رجل من الموصل يدعى (عبد الحميد الدبوني) وفعلا انطلقت الحملة العسكرية بقيادة جميل المدفعي ودخلوا اليها في حزيران 1920 , وبعد معركة مع القوات سيطروا عليها وانزوا العلم الانكليزي ورفعوا علم الثورة العربية , وعينوا المدفعي قائم مقام لها , ويبدو ان الحماس قد اخذهم , فعقدوا العزم للسيطرة على الموصل , وارسلوا حملة بعسكرية بهذا الشان , الا انها منيت بهزيمة منكرة , بل ان الانكليز بادروا بالهجوم على تلعفر , ودخلوها في الثامن من حزيران فيما هرب المدفعي الى دير الزور .
اختص الفصل الثاني عشر باحداث شهر رمضان في بغداد والتقارب بين الشيعة والسنة . فقد شهد شهر رمضان الذي صادف في ايار 1920 تقاربا في الطقوس والممارسات الدينية بين الشيعة والسنة , فقد ادرك قادة الحركة الوطنية ان حركتهم ضد الانكليز لم يكتب لها النجاح مالم يحصل التقارب والوئام بين الطائفتين . وقد اكد منهاج حزب الاستقلال على ضرورة هذا التقارب ,وبادر الشيعة في بغداد للدعوة الى هذا العمل من قبل شخصيات متعددة اهمها الشاعر محمد مهدي البصير والخطيب صالح الحلي . وقد ذكر الوردي ان احداث رمضان تميزت باقامة حفلات دينية تجمع بين المولد النبوي على الطريقة السنية ومجلس التعزية الحسينية على الطريقة الشيعية , واسماها (المولد التعزية) . واقيمت تحت اشراف حزب الاستقلال في الكاظمية والاعظمية والشيخ عبد القادر الكيلاني والسيد سلطان علي والاحمدي والخلاني . وقد برز فيها الشاعر محمد مهدي البصير الذي لقب (ميرابو العراق) لشدة تاثيره على الناس , كما برز الملا عثمان الموصلي الذي كان يقيم الحفلات بين الكاظمية والاعظمية . وقد عبر الحاكم السياسي العام ويلسون والمس بيل عن امتعاضهم لهذا التقارب , وعرفوا المخزى منه , كما عبر الكثير من العراقيين عن استنكارهم لهذا التقارب واهمهم سليمان فيضي الذي اعترف للمس بيل بمقته الشديد لهذه الاعمال .
واما الفصل الثالث عشر فقد اهتم بقضية نفي المرزا محمد رضا ابن المرجع الشيرازي . فقد تاكد للانكليز ان محور الحركة الوطنية في الفرات الاوسط هو المرزا محمد رضا ابن المرجع محمد تقي الشيرازي , الذي يرسل الرسائل للشيوخ والشخصيات في الوسط والجنوب وبغداد , وقد اشاع الانكليز ان تلك الرسائل ليس لوالده بها علم , رغم انها كانت تحمل ختم والده . وقد وفدت قوة عسكرية الى مدينة كربلاء للقبض على محمد رضا الذي علم بالموضوع وسلم نفسه , ونفى الى جزيرة (هنجام) في الخليج مع عدد من الافراد والمحرضين , الا ان لم يبقى سوى شهرا واحدا , فقد توسطت له الحكومة الايرانية ونقل الى طهران وبقى هناك ولم يعود للعراق بعدها . وقد اثار اعتقال ابن الشيرازي امتعاض العراقيين الذين ارسلوا الرسائل لوالده للدلالة على ذلك , الا انه كان يهون عليهم الامر ويطلب منهم الاهتمام والتركيز على قضيتهم واستقلال وطنهم والحصول على حقوقهم .
استحوذ الفصل الرابع عشر على استعراض الاعمال التي مهدت لانطلاق شرارة ثورة العشرين . فقد احدث نفي ابن الشيرازي امتعاضا وضجة في الفرات الاوسط وصار محور حديث المجالس , وكتب المرزا عبد الحسين ابن الشيرازي الثاني رسائل الى رؤساء العشائر يحثهم على انقاذ اخيه واصحابه , وعقد اجتماع عشائري في المشخاب في 28 حزيران 1920 حضره علوان الياسري وعبد الواحد سكر ومحسن ابو طبيخ وهادي المكوطر وعلوان الحاج سعدون وهادي زوين ومرزوك العواد ووادي العطية وغيرهم , والقيت فيه القصائد وعبارات التحريض , وكتبوا عريضة الى الحاكم السياسي الميجر نوربري يحتجون فيها على نفي ابن الشيرازي .
وفي يوم الثلاثين من حزيران استدعى رئيس عشيرة الظوالم شعلان ابو الجون الى السراي الحكومي في الرميثة بدعوى انه عليه ديون للحكومة تبلغ (800) روبية , وعقد العزم على ارساله مخفورا بالقطار الى الديوانية بعد لقاء متوتر مع الحاكم العسكري الانكليزي , فطلب ابو الجون من تابعه ان يرسل له عمه غيث الجرجان عشر ليرات عثمانية عثمانية قبل قدوم القطار , فعرف عمه ان ابو الجون يقصد عشر رجال شجعان لاطلاق سراحه , فبعثهم حالا وهجموا على السراي , واطلقوا سراحه . وعرف ابو الجون ان علاقته مع الحكومة قد انتهت , واعلن الحرب عليها , واعتبر هذا اليوم هو بداية انطلاق ثورة العشرين .
بقيت عشائر الرميثة تقاتل الانكليز وحدها مدة اسبوعين دون ان تسارع الى نجدتها او تخفف عنها الضغط اي عشيرة اخرى من عشائر الفرات الاوسط , مما اثار الم المرجع الشيرازي , خاصة بعد ان بلغه كثرة الجنائز المنقولة من الرميثة الى النجف , واخذ يعلن تذمره من تقاعس العشائر الاخرى . وقد حاول التوسط لايقاف القتال , وارسل وفدا بهذا الصدد من هبة الدين الشهرستاني والمرزا احمد الخرساني للتفاوض مع الانكليز شرط سحب القوات الانكليزية من منطقة القتال واعلان العفو العام واعادة المنفيين , الا ان ويلسون رفض مقابلتها والشروط التي حملوها . وخلال تلك الفترة انتشرت الفتوى الشهيرة للشيرازي التي تجيز الثورة المسلحة المعروفة بالفتوى الدفاعية وهى (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم رعاية السلم والامن , ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع الانكليز عن قبول مطاليبهم) . وقد اختلف الباحثون حول تاريخ اصدار هذه الفتوى , فمنهم من يقول انها صدرت قبل نفي ابن الشيرازي يوم 22 حزيران , فيما يقول اخر انها بعد النفي , وهناك من يقول انها صدرت يوم 30 حزيران ابان الثورة في الرميثة , واخر يرجعها الى يوم 29 تموز . ويرحج الوردي اصدارها بعد اشتداد المعارك بالرميثة ورفض ويلسون الوساطة ومقابلة الوفد الذي ارسله , اذ ادرك ان الافتاء بالثورة المسلحة ضرورة لتشجيع العشائر على مساعدة عشائر الرميثة في القتال . وقد اراد الشيخ فتح الله الاصفهاني - الذي حل لاحقا مكان الشيرازي بعد وفاته - التوسط لوقف القتال في الثامن من تموز , من خلال ارسال رسالتين واحدة الى العشائر والاخرى الى الحاكم السياسي ويلسون , الا ان المحاولة فشلت فقد امتنع ويلسون عن الاجابة والعشائر من جانبها لم تتوقف عن القتال .
اختص الفصل الخامس عشر باستعراض اساليب الانكليز في حصر الثورة بالرميثة من خلال اغراء العشائر بالاموال والاراضي الزراعية , او القاء العداوة والفتن فيما بينها . وقد لعب الحاكم السياسي في (ام البعرور) الكابتن (مان) دورا كبيرا في ذلك . كما طلب الميجر (نوربري) من رؤساء العشائر بالفرات الاوسط الاجتماع من اجل التداول في الاحداث , وحضره جميع الرؤساء الذين عرفوا بالتحريض ضد الانكليز وعرضوا اربع من المطالب وهى :
1 . منح العراق الاستقلال التام
2 . ايقاف القتال في الرميثة حالا
3 . جلاء الحكام البريطانيين عن الفرات .
4 . اطلاق سراح ابن الشيرازي وجميع الاحرار المسجونين
الا ان الاجتماع لم يؤدي الى نتيجة تذكر , واستقر راي السيد علوان الياسري وعبد الواحد سكر واصحابهم على اعلان الثورة من اجل ان يضعوا العشائر امام الامر الواقع فتضطر الى اعلان الثورة ايضا , واتفقوا على توزيع الاموال والتبرعات على العشائر المترددة . وفي يوم الحادي عشر من تموز اجتمع رؤساء المشخاب في مضيف عبد الواحد سكر وقرروا البدء باعلان الثورة , على ان تكون اول راية ترفع راية السيد نور الياسري , لما لها من تاثير معنوي على العشائر . وفي اليوم التالي رفعت الراية وانطلقت الهوسات وتقدمت العشائر نحو ابي صخير لمحاصرتها ثم الشامية والكوفة , ورغم حصول بعض اللقاءات والمفاوضات , الا انها ايضا فشلت وامتدت الثورة الى مناطق اخرى .
اهتم الفصل السادس عشر بانتشار الثورة في الفرات الاوسط وتحرير مدينة الكفل والانتصار الكبير في معركة الرارنجية . والرارنجية هى منطقة تبعد عن الكفل ثمانية اميال اراد الانكليز اعادة احتلالها من خلال ارسال رتل عسكري من الحلة عرف باسم (رتل مانجستر) بلغ عدده حوالي (800) مقاتل بقيادة الكولونيل (لوكن) وتعرضوا لهجوم من ثلاث محاور من عشيرة ال فتلة بقيادة عبد الواحد سكر , ومع الاهزوجة الشهيرة (رد مالك ملعب ويانا) استطاعوا الحاق الهزيمة به , وتكبيده خسائر كبيرة بالارواح والمعدات . ووصف الجنرال هالدين الهزيمة بالكارثة , واعتبرت نقطة تحول كبيرة في ثورة العشرين , واعظم معاركها على الاطلاق , واصبحت محور دعاية كبرى للثورة , جعلت العشائر المترددة تندفع نحو الانضمام لها واحدة بعد الاخرى . كما امتدت نيران الثورة بعدها الى الديوانية وسيطروا على عفك وهجموا على الديوانية , وانسحب الانكليز بالقطار الى الحلة بعد معارك وتاخير استمرت احدى عشر يوما . ويبدو ان الثوار اخذهم الحماس بعد الانتصارات الكبيرة فنظموا حملة للهجوم على الحلة , الا انهم تعرضوا لخسائر كبيرة , الامر الذي اثار المرجع الشيرازي , فكتب رسالة للسيد علوان الياسري يطلب فيها تبيان الامر , فرد عليه الياسري برسالة هون فيها من امر الهزيمة , وذكر انتصارات الثوار من خلال تحرير سدة الهندية والمسيب , الا ان الانكليز سرعان ماعادوا للسيطرة عليهما من جديد .
واما الفصل السابع عشر فهو عن عشائر بني حجيم ومواصلتها للقتال ضد الانكليز . حيث ذكر الوردي ان عشيرة بني حجيم تتميز عن عشائر المشخاب والشامية بانها اقرب الى البداوة وتمسكا بالتقاليد العربية الموروثة , وبعيدا عن نعومة الحضارة , وخاضوا خلال ثورة العشرين معارك عدة اهمها معركة الخضر في اب 1920 التي حرروها من سيطرة الانكليز , الامر الذي ادى الى تطويق حامية السماوة والتضييق عليها .
اهتم الفصل الثامن عشر باحداث كربلاء خلال عهد الثورة . فقد اكد الوردي ان لكربلاء اهمية خاصة لسببين : اولهما وجود المرجع محمد تقي الشيرازي فيها , والذي كان يتولى امر المرجعية الدينية لدى الشيعة . والثاني قربها من جبهة القتال في الوند وطويريج , حتى يمكن القول انها اصبحت (عاصمة الثورة) رغم ان كربلاء بقيت حتى الشطر الاكبر من شهر تموز لم تحرك ساكنا , ولكن مع وصول اخبار معركة الرارنجية في 25 تموز , قررت الانضمام للثورة والسيطرة عليها بعد انسحاب الشرطة منها .
كان الحدث الابرز في كربلاء خلال تلك الفترة هو وفاة المرجع الشيرازي في 17 اب 1920 والثورة في اوج احداثها . فقد كان يولي للثورة اهتماما بالغا , ويرسل اليها كل الحقوق الشرعية . وقد انتشرت الفوضى بوفاته في مدينة كربلاء , بسبب الاحقاد والمنافسات بين رؤساء الاحياء والعشائر , واستقر الراي على اختيار محسن ابو طبيخ متصرف لكربلاء , وشكل حكومة مؤقتة , وقد وصفها ابو طبيخ بانها (حكومة وطنية مؤقته) وجرى التنصيب في 6 تشرين الاول 1920 في دار البلدية , الا ان الحكومة لم تستمر سوى ستة ايام , فقد احتل الانكليز طويريج , فارسلت كربلاء وفدا للانكليز للاستسلام والخضوع لهم , وهرب ابو طبيخ من كربلاء .
استعرض الوردي في الفصل التاسع عشر احداث النجف في ثورة العشرين . وبين ان النجف هى اول بلدة عراقية تعلن الثورة على الانكليز عام 1918 , وقتلت الحاكم البريطاني مارشال , وتعرضت في سبيل ذلك الى حصار استمر اربعين يوما , واعدام احدى عشر مشاركا بالعملية , مما جعلهم غير متحمسين للمشاركة بثورة العشرين بعد اندلاعها , الا ان هذا لايمنع من الانضمام الى الثورة في 19 تموز عندما بادر احد افراد الشرطة بقتل رئيسه في مشهد امام الاهالي , مما ادى الى هجومهم على السراي الحكومي ونهبه والسيطرة عليه . وشكلت على اثرها لجنة من العلماء والوجهاء قرروا ان يكون هناك مجلس تنفيذي يضم رؤساء المحلات الاربعة في النجف , وان يكون هناك مجلس تشريعي يضم اثنان من كل محلة يكون اختيارهم بالانتخاب , الا ان الخلاف سرعان مادب بين اعضاء المجلس التشريعي , وانعكس على المجلس التنفيذي , وشكلت النجف متطوعين بلغ عددهم (300) مقاتل للذهاب للمشاركة بالثورة .
وبعد وفاة الشيرازي في 17 اب 1920 عادت المرجعية الى النجف بعد اختيار فتح الله الاصفهاني ليكون خليفته في الاشراف على الثورة , الذي سرعان ما اعلن (ان الشيرازي انتقل الى رحمة الله , ولكن فتواه بقتال المشركين باقية , فجاهدوا واجتهدوا في حفظ وطنكم العزيز , واخذ استقلالكم) . وبما انه عاجز عن الحركة فقد اناب عنه السيد ابو الحسن الاصفهاني ليقوم مقامه في ساحة القتال , وعندها تسلم ابو الحسن الراية , وتوجه للمرقد العلوي وبمعيته مجموعة من العلماء قاصدا جبهة الوند . وقد ذكر الحسني ان الاصفهاني بدا كلامه بالعبارة الشهيرة للخليفة ابو بكر بعد وفاة النبي وهى ( ايها الناس من كان يعبد منكم محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لايموت) ولم يستبعد الوردي ذكرها , لان التقارب الطائفي انذاك كان سائدا بين الناس .
كما شهدت النجف تجمع الاسرى البريطانيون فيها , وكان عددهم (144) منهم (80) بريطانيا و(66) هنديا , الذين نقلوا الى الكوفة ثم الى ابو صخير (مقر الاسرى) ثم اودعوا في خان كبير في الجعارة يعود للسيد هادي زوين . وكان محسن شلاش يتولى الاشراف والانفاق عليهم , ثم تحولوا للنجف مرة اخرى في بناية كبيرة تسمى (الشيلان) وقد تصاعد عددهم حتى وصل الى (167) اسيرا .
واختصت مدينة النجف خلال الثورة بانها المركز الاعلامي لها . فقد كانت في البدء تصدر المنشورات الحربية والحماسية التي يشرف عليها الشيخ محمد باقر الشبيبي , ثم اصدرت جريدة اسبوعية في اب 1920 تحمل اسم (الفرات) ثم بعدها جريدة (الاستقلال) والتي صدرت في شهر تشرين الاول لصاحبها ورئيس تحريرها محمد عبد الحسين , ومدير شؤونها عبد الرزاق الحسني , وصدر منها ثمانية اعداد فقط .
فيما اهتم الفصل العشرون باحداث مدينة الكوفة ابان الثورة , واهمها استمرار حصار حامية الكوفة التي تحصن فيها الانكليز مدة ثلاث اشهر متتالية , وفشل الثوار في احتلالها والسيطرة عليها , رغم القصف المستمر والحصار الدائم واستخدام المدفع لقصفها .
واما الفصل الحادي والعشرون والاخير من القسم الاول من الجزء الخامس الخاص بثورة العشرين , فقد اختص بعرض الحاكم السياسي العام ويلسون للصلح . فقد انتهز فرصة وفاة الشيرازي وانتقال المرجعية لفتح الله الاصفهاني , فعرض عليه الصلح من خلال رسالة مؤرخة في 27 اب 1920 طبعت الحكومة منها الاف النسخ والقتها من الطائرات . وعندما وصلت الرسالة الى الاصفهاني استدعى حاشيته ومستشاريه للتباحث حول العرض , وانقسموا الى فريقين : فريق يستحسن المفاوضة مع الانكليز , وفريق راى ان مفاوضة الانكليز لافائدة منها , وانه (لامفاوضة قبل الجلاء) . وقد اشتد الجدل بين الطرفين , واستقر الراي على الرفض , وارسال رسالتين , الاولى للحاكم السياسي العام من الاصفهاني , وتكون معتدلة وتتناسب مقام المرجعية . والثانية تكون باسلوب حماسي وشديد اللهجة . فيما ارسل رؤساء العشائر والوجهاء في جبهات القتال من جانبهم رسالة - او مضبطة - يوجهونها للدول الحرة يشرحون فيها حالهم ويضعون اللوم على الضباط الانكليز , وانهم لايطلبون سوى الحرية والاستقلال . كما كتب محمد باقر الشبيبي مقالا شديد اللهجة في جريدة (الفرات) للرد على ويلسون , اكد فيها على النقاط الاتية كشرط لوقف القتال وهى
1 . سحب الجيش من البلاد.
2 . ارجاع المنفيين .
3 . حضور قناصل الدول في مجلس المفاوضة .
وفي خاتمة القسم الاول ادرج الوردي ملحقا عن اسباب انتشار ثورة العشرين وعوامل انهيارها , من خلال نقاط عدة . فعن اسباب انتشار الثورة وانتصارها في شهر اب عام 1920 اكد انها ترجع للنقاط الاتية :
1 . كانت القوات الانكليزية في العراق ضعيفة ومبعثرة من جراء خطا اقترفه القائد العام الجنرال هالدين , ادى الى تحقيق الثوار انتصارات باهرة .
2 . كانت العشائر العراقية تملك من البنادق والاسلحة الاخرى مقادير كبيرة جدا حصلوا عليها خلال الحرب العالمية الاولى , من جراء ما وقع من كر وفر بين الجيوش المتحاربة في العراق .
3 . ان الانتصارات التي نالها الثوار في الفرات الاوسط وصلت اخبارها الى مختلف انحاء العراق بشكل مضخم ومبالغ فيه , فصارت الاشاعات تنشر بين الناس حول جسامة الغنائم التي فاز بها الثوار , والوف الاسرى الذين وقعوا بايديهم .
4 . كانت بعض العشائر عند انضمامها الى الثورة تبتغي الفوز بالغنائم والفرهود اكثر من المطالبة بالحرية والاستقلال , وهذا امر طبيعي لاداعي للعجب منه , فالعشائر اعتادت على النهب والسلب مئات السنين ويصعب عليها ان تترك هذه العادة تحت تاثير حب الوطن .
5 . كان العامل الديني من اهم العوامل في انتشار الثورة - ان لم يكن اهمها جميعا - وهو اتهام من كل من لايؤيد الثورة بانه كافر نصراني , وان عدد من الشيوخ التحقوا بالثورة تحت تاثير هذا العامل .
واما اهم عوامل اضعاف الثورة وانهيارها وتفكيك صفوفها , ولاسيما في الفرات الاوسط فقد ارجعها الوردي الى :
1 . كان انضمام العشائر للثورة طوعيا , ولم تكن هناك قيادة موحدة من شانها تنظيم العشائر الثائرة في خطة حربية عامة .
2 . ان الاموال الوفيرة التي كانت عند بعض رؤساء العشائر لم تبقى على حالها , فهى كانت تتناقص شيئا فشيئا , وليس هناك مصدر خارجي يمدهم بالاموال .
3 . نفاذ اساحة الثوار واعتدتهم مثلما نفذت اموالهم , رغم ازدياد نشاط تهريب الاسلحة من الكويت للعراق , الا انها كانت غالية الثمن جدا .
4 . ان مناطق الثورة مفتوحة لاعوان الانكليز وجواسيسهم يجولون فيها دون رقابة , ويصدق هذا في مناطق الفرات الاوسط لوجود العتبات المقدسة حيث ياتي الجواسيس بحجة (الزيارة) .
5 . كانت خسائر الثوار بالرجال كثيرة جدا يصعب تحملها مدة طويلة , اذ قدرها الجنرال هالدين عقب انتهاء الثورة (8450) رجل بين قتيل وجريح .
6 . كان بعض رؤساء العشائر الذين التحقوا بالثورة تحت ضغط الراي العام والخشية من الاتهام بالكفر , انما فعلوا ذلك مرغمين , غير انهم ما ان لمحوا بوادر الضعف والانكسار حتى بدلوا مواقفهم واخذوا يدعون للحكمة والتعقل .
كما ذكر الوردي عددا من الملاحظات عن الثورة اهمها :
1 . ان ثورة العشرين صعدت بسرعة ثم هبطت بسرعة , وسبب ذلك انها لم تلجا لحرب العصابات على نحو ما فعلت الجزائر وكوبا وفيتنام , بل اعتمدت المواجهة العسكرية المباشرة . وقد ساعدتها الظروف في البداية من تحقيق انتصارات , الا ان الانتصار لم يدم طويلا .
2 . ان العشائر في هذا العصر لن تنجح في حروب طويلة الامد تجاه جيش منظم لدية المدافع والمصفحات والطائرات .
3 . هل في مقدور ثورة العشرين ان تلجا لحرب العصابات ؟ ذكر الوردي ان هناك شرطين لحرب العصابات يجب توفرها حتى تنجح : اولها وجود مكامن للثوار يصعب الوصول اليها كالجبال او الغابات . والثاني ورود مساعدات متواصلة للثوار من مصادر خارجية . وطبعا كلا الشرطين غير متوفران في العراق خلال ثورة العشرين .