من مفكرة سجين بحريني عن غزو الكويت ( 3 )


رضي السماك
2020 / 8 / 20 - 22:20     

قبل أن أتناول أهم المواقف العربية والدولية ، كما دونتها في مفكرتي منذ بداية اجتياح قوات دكتاتور العراق الكويت في الثاني من أغسطس 1990 ؛ حتى طردها منها في أواخر فبراير 1991 ،لعل من المفيد هنا أن أعطي لمحة خاطفة سريعة عن " قلعة المنامة " التي يقع فيها السجن الذي كنا في غياهبه وقتذاك وهو الأكثر شهرة في تاريخ المعتقلات السياسية في البحرين ، إلى جانب جزيرة جدا ، وإن تم الغائهما ؛ ففي الثمانينيات اُلغي سجن جزيرة جِدا ، واُلحقت الجزيرة بأكملها بممتلكات إحدى الشخصيات الكبيرة من العائلة الحاكمة . كما يوجد سجن آخر يُعرف بسجن " سافرة " يقع بين مدينة عوالي التي كانت مخصصة لسكن موظفي شركة النفط " بابكو " الاوروبيين وبين مدينة الرفاع التي تقع على ربوة مرتفعة والخاصة بسكن العائلة الحاكمة . وفي أواخر التسعينيات اُلغي سجن القلعة التي تم اقتصارها على عدد من مكاتب إدارات وأقسام وزارة الداخلية ، وبضمنها مكتب وزير الداخلية ، ومبنى الاستخبارات الذي كان يُعرف ب " القسم الخاص " وملحق به أربع زنزانات حديثة بُنيت أوائل الثمانينيات وتُعرف بالثلاجات حيث تعمد سلطات السجن بتشغيل مكيّف مركزي شديد البرودة جداً ، وهي زنزانات مظلمة بلا نوافذ ، وقد تم استضافتي في واحدة منها لمدة إسبوعين مع أربعة من الرفاق مطلع صيف 1985 . كما تم الإبقاء على إدارة التدريب لتخريج دفعات جديدة من الشرطة ، وكانت إدارة المرور في القلعة أيضا قبل انتقالها إلى مبناها الجديد في الرفاع . وكل الإدارات التي كانت موجودة في القلعة تحيط بالسجن إحاطة السوار بالمعصم حيث يقع في قلب القلعة الواسعة ذات المساحة المترامية الأطراف .
ويتكون سجن القلعة العريق من ثلاثة عنابر : العنبر الشرقي والعنبر الغربي وعنبر المحكومين في قضايا جنائية ، وكل زنزانة من زنزاناته لا يتعدى اتساعها ثلاثة أمتار . و توجد زنزانات مستقلة خارج العنابر الثلاثة موزعة على أماكن متفرقة من القلعة ، منها على سبيل المثال زنزانة تُسمى " زنزانة العقاب " وتقع في أحد أبراج القلعة ؛ وتخصص عادة إما للسجن الإنفرادي أو لعقاب مجموعة من السجناء . وهناك زنزانه في الدور العلوي لمبني قديم صغير من المكاتب مكث فيه كاتب هذه السطور مع الرفيق عبد الرحيم الساعي صيفاً كاملاً عام 1985 ، وهي أسوأ زنزانات القلعة من جيث ظروف المعيشة فيها على الإطلاق ، حيث تتعمد سلطات السجن بحشر مالا يقل عن 40 موقوفاً فيها بينما لاتتسع بأمتارها الأربعة أو الخمسة عن استيعاب أكثر من سبعة موقوفين ونافذتها متناهية الصغر ، وفوق ذلك فإن بابها المصنوع من قضبان حديدية عليه باب آخر خشبي يُغلق معه في آن واحد فنشعر جميعاً عند إغلاقهما من قِبل السجان وكأن غطاء القبر قد اُطبق علينا ، أما أرضية الزنزانة فهي أسمنتية عارية ، أما فترة ذهابنا إلى الحمام فلا تتجاوز كل منها عشرين دقيقة ؛ ومن يمكث داخل الحمام -وقت قضائه الحاجة- أكثر من خمس دقائق يتم اقتحام باب الحمام وسحبه منه بالقوة والضرب بالهراوات للتعجيل بارتداء ملابسه للعودة للزنزانة . أما أبرز السجون الجديدة التي بُنيت : سجن " جو " وجاء بنائه قبيل الغاء سجن المنامة ، والحوض الجاف ، وسجن مبنى التحقيقات الجنائية الجديد في العدلية بالمنامة .
و تتفاوت المصادر التاريخية في تقدير تشييد قلعة الشرطة المعروفة ب " قلعة الديوان " ؛ فبينما ترجح أغلب الروايات تاريخها إلى سنة 1729 في عهد نادر شاه الذي احتل البحرين مرتين ؛ الأولى عام 1735والثانية عام 1737 ، تذكر مصادر اخرى أن الحاكم نصر آل مذكور استخدمها مقراً لسلطته بعدئذ قبل مجيء آل خليفة للبحرين ، وإن كان الباحث التاريخي علي أكبر بوشهري يرجح أن عمر القلعة يصل إلى ما يقرب من 500 عام . وبُني بيت بداخلها خاص بسئ الذكر تشارلز بلجريف مستشار حاكم البلاد غداة وصوله البحرين في النصف الثاني من العشرينيات ، وقد عُرف بلجر يف باحتقاره الصريح لشعب البحرين وبقبضته الحديدية ضد الانتفاضات الشعبية وقادة الحركة الوطنية طوال إقامته في البلاد على مدى ثلاثة عقود ونيف وحيث ختم هذه الإقامة بالدور الكبير الذي قام به في قمع انتفاضة أواسط الخمسينيات التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني وصدور أحكام متفاوتة على أبرز هؤلاء القادة ثم عاد إلى وطنه بريطانيا فور صدور هذه الأحكام ، معترفاً في مذكراته التي أصدرها بعدئذ بأنه رحل بعد أن ازدادت المطالبة بترحيله إلى بلاده ( حول تاريخ القلعة أنظر : صحيفة الوسط الصادرة بتاريخ 19 نوفمبر 210 ، وحول مذكرات بلجريف ، أنظر : مذكرات بلجريف ، ترجمة مهدي عبدالله ، دار البلاغة ، بيروت ، 1991 ) .
هذا وقد شهد " سجن القلعة " السيء الصيت أحداثاً مهمة ، بدءاً من تعذيب الكثير من المعتقلين السياسيين ، وليس انتهاءً با ستشهاد العديد منهم فيه ، ومنهم على سبيل المثال : المناضل في الجبهة الشعبية محمد غلوم بوچيري في ديسمبر من عام 1976 والذي استشهد معه في العام نفسه الرفيق سعيد العويناتي ( في معسكر يتبع الجيش ) بعد عامين فقط من تخرجه من جامعة بغداد ؛ وذلك على خلفية اغتيال الشهيد الصحفي عبد الله المدني ( رئيس تحرير مجلة المواقف الإسلامية شبه الرسمية )، والمعتقل الطبيب خريج الاتحاد السوفييتي الرفيق هاشم العلوي 1986 ، وهو العام نفسه الذي اُعتقلت فيه مجموعة من الرفاق الذين كانوا معي إبان فترة الغزو الصدامي للكويت . هذا فضلاً عن تعذيب واستشهاد العديد من دفعات المعتقلين الإسلاميين . كما شهد سجن القلعة أيضاً أحداثاً خطيرة ؛ مثل العملية التي قام بها المناضل الراحل والفنان الموسيقار الكبير الرفيق مجيد مرهون بتلغيم وتفجير سيارة ضابط الاستخبارات البريطاني بوب المتوقفة داخل القلعة عام 1966 ومساعده أحمد محسن ، ، وصدر بحقه بعدئذ حكماً استعمارياً جائراً بسجنه لمدة ربع قرن ؛ ولم يفرج عنه حتى بعد استقلال البلاد عن الاستعمار البريطاني عام 1971، وصادف خروجه مطلع التسعينيات من السجن في وقت شبه متزامن مع خروج المناضل العالمي الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا " . كما شهدت القلعة استعمال صفارات الإنذار في مناسبتين حربيتين : الأولى خلال الحرب العالمية الثانية ، والثانية خلال حرب التحالف على قوات صدام إبان فترة اعتقالنا التي كنا شهوداً عليها .
أما عن أبرز والمواقف العربية والدولية والقرارات الصادرة عن الامم المتحدة ، مما أمكنني تدوينها في مفكرتي اعتماداً على ذاكرتي بعد استماعي لنشرة البي بي سي من " راصدنا الإخباري " ، منذ بداية بداية الغزو في أوائل أغسطس / آب 1990 ؛ حتى أواسط يناير 1991 عشية هجوم قوات التحالف على قوات صدام فهي على النحو التالي :
- مجلس الجامعة العربية يصوت في العاشر من اغسطس بارسال قوات حفظ سلام إلى السعودية ، والعراق وليبيا ومنظمة التحرير يعارضون القرار .
- في 11 اغسطس طلائع القوات القوات المصرية والمغربية تبدأ بالتوافد إلى السعودية .
- في 16 أغسطس من الشهر نفسه علمنا من البي بي سي بأن دكتاتور العراق هدد باحتجاز أربعة آلاف أميركي وبريطاني كانوا موجودين في الكويت وقت الغزو .
- في اليوم نفسه أنباء عن هروب جماعي للأجانب من الكويت والعراق وحدوث حوادث اغتصاب في الكويت .
- الدكتاتور يلجأ إلى المناورة الديماغوجية بتوظيف الورقة الفلسطينية في قضية احتلاله الكويت لكسب تعاطف الشارع العربي إلى صفه ؛ وذلك من خلال طرح مبادرة تقوم على انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية مقابل وضع ترتيبات لانسحاب قواته من الكويت .
- في 18 اغسطس من الشهر نفسه أصدر مجلس الأمن قراراً يطلب من سلطات الاحتلال العراقية السماح بمغادرة الأجانب من الأراضي الكويتية .
- 25 بعثة دبلوماسية في الكويت ترفض قفل مقراتها وقوات صدام تطوق تسع سفارات من بينها السفارتان الاميركية والبريطانية .( الخبر مدون عندي بلا تاريخ لكن على الأرجح خلال النصف الثاني من شهر اغسطس نفسه ) .
- في25/ اغسطس مجلس الأمن يقرر تنفيذ العقوبات الدولية المفروضة على النظام العراقي
- مجلس الأمن يوجه إنذاراً - غالباً في أواخر نوفمبر لبغداد يحدد فيه 15 يناير 1991 كموعد نهائي ، لسحب صدام قواته من الكويت وإلا فإن قوات التحالف ستقوم بكل الوسائل الضرورية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بإجبار القوات المحتلة على الانسحاب الكامل .
- في 15 أغسطس دكتاتور العراق وفي مسعى منه لكسب إيران إلى جانبه أو تحييدها - سياسياً وعسكرياً - من أزمة غزوه الكويت ؛ يعلن سحب ما تبقى من قواته في الأراضي الإيرانية وإعادة اعترافه بما وقع عليه -بناء على مطالبة الشاه عام 1975 - باتفاقية تنازلاته عن الحقوق العراقية في شط العرب والتي سبق أن أعلن تنصله منها عند حربه مع إيران ، والأخيرة ترحب بالمكتسبات الجديدة المستعادة التي حققها الشاه ، تماماً مثل تمسكها غداة انتصار ثورة 1979 بالمكتسبات التوسعية التي حققها الشاه باحتلاله الجزر الإماراتية الثلاث وادعائه بأنها جزر إيرانية ؛ كما جرى إعادة العلاقات البلوماسية بين البلدين
- في 26 اغسطس أنباء متسربة من داخل العراق عن إقدام الدكتاتور على إعدام عشرات الضباط من المعارضين للغزو ، أو من المشكوك في ولائهم العسكري له ، أو لابداء مخاوفهم من نتائجه الكارثية على مستقبل العراق والمنطقة .
- في 14 سبتمبر جورج بوش وجورباتشوف في مؤتمر صحفي في هلسنكي يطالبان - بموجب عدد من قرارات مجلس الأمن التي فاتني تذكر ارقامها عند تدوينها - العراق بالانسحاب من الكويت .
- وفي تطور لاحق الدكتاتور صدام حسين يرسل المزيد من قواته لتعزيز قواته المحتلة بما يقدر - وفق الرقم المكتوب باهتاً في مفكرتي بكسرة قلم رصاص - 20 ألف أو 200 ألف . وواشنطن بدورها تقوم بتعزيز قواتها المتواجدة في السعودية بإضافة 200 ألف عسكري . كما تقوم بريطانيا وفرنسا بنشر قواتها على الأراضي السعودية ؛ لكن أرقام عديدها المدونة عندي لم أتمكن من رؤية أصفارها المكتوبة بالعربي .
- وبات واضحاً خلال خريف 1990 وبعد نهاية صيف ساخن- سياسياً ومناخياً- أن الغزو وضع الخليج والمنطقة برمتها على برميل بارود ؛ إثر فشل كل المساعي والمبادرات لحمل دكتاتور العراق على التراجع عن مغامرته المحتوم فشلها مقابل اعطائه شيء من ماء الوجه وضع ، بما فيها مساعي أمين عام الامم المتحدة دي كويار ومندوبي الاتحاد السوفييتي وفرنسا الموفدين إلى بغداد بلا جدوى وغيرهم من الدول والشخصيات الدولية الاخرى .
- وفي أواخر نوفمبر مجلس الأمن يوجه انذاراً لبغداد يحدد فيه 15 يناير كموعد نهائي ، لسحب صدام قواته من الكويت وإلا فإن قوات التحالف ستقوم بكل الوسائل الضرورية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بإجبار القوات المحتلة على الانسحاب الكامل .