الكون القمعي على قيد الوطن - ثورة التجديد الشعري- مع الشاعر والصحفي مكي النزال - الحلقة السابعة من – لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا- في بؤرة ضوء


فاطمة الفلاحي
2020 / 8 / 20 - 17:19     

12. متى وجدت أن ماتكتبه كان أداة تحريضية ضد القمع السياسي والاجتماعي والفكري وكل ما يشوه إنسانية الإنسان؟ وهل عوقبت على ذلك؟

يجيبنا النزال قائلًا:
أول مقطوعة شعرية كتبتها كانت:
"إننا نحن القوافي والقصائد
نحن زغرودةُ أُمٍّ
نحن أنشودةُ عائد
كان شعبي صامدًا ويظل صامد"

كتبت للثورة والحزن والجياع في زمنٍ كان هادئًا موادعًا وعائلتي تغدق عليَّ المحبَّة والعطاء، لكنِّي تأثرت بفلسطين الثائرة وجياع الأحياء الفقيرة وأحزان نساء فقدن أحبتهنَّ وجعلن السَّواد عباءات وبكين وهنَّ بأوج الفرح!
لم أكن مع السُّلطة لكنِّي وقفتُ مع الوطن وكلَّما تنافر الاثنان وقفت مع الثاني بعنفوان حتّى يفيء الأول له لأعود لخيالي ومناجاتي.
وحين احتلَّ المجرمون بلدي ثرت ككثيرين غيري، فالعراقي ثائر بطبعه، لكني لم أُعاقَب يومًا على ما قلت وكأنِّي (كما قالت عرّافة لجارتنا العجوز): هذا الولد محصَّن بسور سليمان، فضحكتُ من أعماق قلبي ولكني تذكرت قولها في كل قصف على مدينتي وعند كل حاجز عسكري للاحتلال الأمريكي وذيوله المدمنين على المخدرات والدم. ثرتُ بكلِّ ما أملك من عنفوان ووقفت مع بنادق المقاومين الأبطال في (الفلوجة) العظيمة وبغداد المجد وقدتُ حملات الإغاثة وهاجمت الطغاة بظهوري على شاشات التلفزة الفضائية من خلال قنواتها العربية الكبرى وبعض القنوات الأجنبية، وكذلك بكتاباتي باللغة الإنجليزية، ولم أُبقِ فعلًا يُغضب الطغيان إلّا وفعلته، ولا قولًا يكرهونه ويحبُّه الأخيار إلّا وقلته.
كلُّ هذا وأنا محاط برعاية ربِّي ورحمته حتّى حلَّت سنة 2007 وفيها كانت عقوبتي على كل ما فعلت حين اضطررت للرحيل عن العراق أو أن أُلقى في سجون اشتهرت بإهانة نزلائها وسلبهم كرامتهم.


13.هل شعرت بأن الوطن يشبه القيد، وأن الكتابة خارج الوطن أفضل من داخله، فتمنيت أن تطول دروب المنافي كي تنتج أكثر؟

يحدثنا قائلًا:

الوطن مُلهمٌ كبير ولا يمكن أن يكون قيدًا، لكن الغربة تضيف للشاعر والأديب دوافع أخر للكتابة ومنها الشوق للوطن ومن فيه والشعور بالظلم إضافة للانفتاح على أجواء جديدة مختلفة وعوامل كثيرة كلها تحفِّز على الإبداع وتفجِّره.
حين سافرت لبريطانيا لغرض الدراسة كان هنالك الكثير من الجديد كالضباب والمطر في الصيف واختلاف المباني والشوارع وأجواء الجامعة، وربما الأهم هو الشعور بالحريّة في مرحلة ريعان الشباب.
وحين اخترت المنفى كان اختياري عربيًّا بين سوريا والأردن وهما بلدان مختلفان عن العراق مهما تشابها معه في الكثير؛ فكان الزيتون والياسمين واختلاف اللهجات وأجواء الحياة. كل هذا وغيره يضاف لما سبق ليكوّن واقعًا جديدًا يتعاطى معه الشاعر والأديب ليقول شيئًا جديدًا.
لا أنسى أن الوطن المحتل فجّر براكين الثورة التي كانت ينابيع جمر تدفَّقَ ليثري ما كتبت بروح الانتماء وحب المقاومة والالتصاق بالقيم. تذكرت فرسان الصهوات وفرسان المنابر الذين خلدهم التاريخ وعتبت على سجن أبي فراس الحمداني الأمير والفارس والشاعر، بل ربما عاتبته هو لأنه فقد عنفوانه في قصيدته المشهورة المغناة فقاطعتها بقصيدة تشيد به بالرغم ما شابها من عتاب.
وقاطعت رائعة عنترة الشاعر الفارس وجوهرة امرئ القيس وحزينة ابن الأحنف وغيرهم كثر من الفحول الذين تركوا لنا إرثًا وجب علينا الحفاظ عليه والعناية به.
وطننا اليوم هو ابننا الأسير وأبونا الجريح وأمنا الثكلى وشرفنا المنتهك فسيّان إن بقينا فيه وإن غادرناه لأنه يبقى وطننا الجميل الذي إن عدنا له سنكتب له وفيه البشريات ونكون من يعيد زراعة نخيلة الذي اجتثه الهمج مضيفين له ما نجلب معنا من أشجار الزيتون والفستق الحلبي. سنزرع الياسمين جوار الرازقي؛ والعنّاب جوار المشمش.
سنجلب معنا القهوة التركية لتكون أختًا لقهوة مضايفنا العربية وشاينا المهيَّل.
ولا بأس أن يتذكَّر الشعر جراحنا فينبش آلامها من عمق الذِّكريات لتكون الملح في أطباق سرورنا فنكتب ما يُضحِكُ ويُبكي ولا ننسى أن تكون دبكة الشام مرافقةً لدبكتنا (التشوبي) في أعراس أولادنا وأحفادنا وفي احتفالات نصرنا وحريَّتنا.
وإذا وافتنا المنية قبل ذلك فلا بأس أن نُدفن في مقابر الغرباء فاقدين آخر أحلامنا في أن نجاور رفاق دربنا الَّذين دفنّاهم في ملعب كرة القدم في فلُّوجتنا العظيمة فنكون مالك ابن الرَّيب المعاصر.

انتظروا قادمنا