تحليلنا: مرحلتا دكتاتورية البروليتاريا

نهويل مورينو
2020 / 8 / 20 - 11:20     


من مؤلفه: الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا- الفصل الثامن


بعد ستين عاما من الثورة الروسية، بات واضحا أن ما كان ينظر إليه سابقا على أنه مرحلة واحدة لدكتاتورية البروليتاريا -بناء الإشتراكية، وتلاشي الطبقات الاجتماعية والدكتاتورية بحد ذاتها- بات الآن مرحلتين متمايزتين أو مهمتين تاريخيتين. المرحلة الأولى التي اختبرناها على مدى ستين عاما، هي المرحلة السياسية، النضال الصلب ضد الامبريالية الذي يستوجب تعزيز دولة العمال والدكتاتورية الطبقية، التي قد تكون إما بيروقراطية أو ثورية. في المرحلة الثانية، بعد هزيمة الامبريالية، فإن المهمة الأساسية هي بناء الاشتراكية ثقافيا واقتصاديا، حيث -كما توقع معلمونا- ستنقرض الدولة وستضعف دكتاتورية البروليتاريا وتحل مكانها الحريات المزدهرة كمالا، والتي لا يمكن تخيلها.

دولة العمال تعيش تناقضا حادا في هذه المرحلة الأولى. الإمبريالية تواصل هيمنتها على السياسة والاقتصاد العالميين، تماما كما تواصل استغلالها غير المباشر للطبقة العاملة في تلك البلدان بسبب وجود الحدود القومية، ونتيجة لتفوقها الذي سبق ذكره.

نتيجة لذلك، تعاني الطبقة العاملة اضطهادا مباشرا، وهو الثمن الذي تدفعه لدفاعها عن دولة العمال وظهور البيروقراطية التي تحتفظ لنفسها بفائض الإنتاج. إذا كان النظام بيروقراطيا، فإن هذا الاضطهاد يمكن أن يصبح قهريا، من أجل الحفاظ على حياة الموظفين الطفيلية وزيادة امتيازاتهم.
ومع هذا، إذا كان النظام ديمقراطيا وثوريا، يمكن أن تكون هناك أيضا تضحية ديمقراطية طوعية بفائض الإنتاج، تبذلها البروليتاريا لدفع كلفة مواجهة الإمبريالية، والارتقاء بالثورة الاشتراكية الوطنية والأممية وبموظفيها.

في هذه المرحلة، فإن بقاء معايير التوزيع البرجوازية سيكون مرتبطا باضطهاد يستند إلى أسباب وظيفية وسياسية، وليس إلى الاستغلال الطبقي.

وفقا لماركس، فإن المرحلة الاشتراكية تتميز بأن يتقاضى كل فرد وفقا “لعمله”، بعد اقتطاع ما يذهب “للصندوق المشترك”. ولكن ما يحصل فعلا في هذه المرحلة الأولى لدكتاتورية البروليتاريا هو أن يتقاضى كل فرد وفقا “للأجر” الذي يعتبر ملائما لمستوى الاضطهاد أو التضحية الوظيفية. يعني ذلك أنه لابد من انتزاع فائض قيمة من العامل دون أن يعود للطبقة العاملة ولا أن يذهب “للصندوق المشترك”، وبالتالي يشكل هذا اضطهادا أو تضحية.

“بهذا النموذج يتخذ حكم البروليتاريا طابعا مختزلا ومكبلا ومشوها. يمكن للمرء أن يقول بشكل مبرر تماما إن البروليتاريا، التي تحكم في بلد متخلف ومعزول، لاتزال طبقة مضطهدة”[i]

هذا لا يمكن أن يتغير إلا بالهزيمة النهائية للإمبريالية. منذ زمن الثورة البلشفية، ونحن نعيش مرحلة حرب ضد الإمبريالية شنتها بروليتاريا الدول المتقدمة، والجماهير المستعمرة، ودول العمال. بناء اقتصاد انتقالي، على أهميته، يخضع لهذا الصراع. هذه هي اذا المرحلة الانتقالية للاشتراكية في الانتقال إلى “الانتقال إلى الشيوعية”.

السياسات القومية والإصلاحية والبيروقراطية لدول العمال، والأحزاب الجماهيرية حول العالم، سمحت للإمبريالية بأن تحول هزائمها إلى مجرد انتكاسات، بل وحتى بأن تقوم بردة فعل مضادة وتحافظ على هيمنتها العالمية.

على المستوى الأممي، توجد مرحلة حرب أهلية محتملة وازدواج القوة بين دول العمال وجماهير العالم البروليتارية وبين الإمبريالية. هذه الحرب الأهلية وازدواجية القوة كامنة في كل بلد، وهذا بديهي في المراحل الثورية، لكنه بات موجودا على المستوى الأممي منذ 1917.

“الثورة الإشتراكية ليست ممكنة فحسب، بل هي حتمية في كل بلد. ما أؤكده أنه يستحيل بناء مجتمع اشتراكي في بيئة عالم رأسمالي”.[ii]

“الإمبريالية العالمية لا تستطيع العيش جنبا إلى جنب مع ثورة اشتراكية تقدمية منتصرة”.[iii]

المرحلة التاريخية الثانية لدكتاتورية البروليتاريا، بعد هزيمة الإمبريالية، ستكون بداية بناء المجتمع الإشتراكي، بداية تلاشي الدولة، والانتقال إلى الشيوعية.

“الإشتراكية تعني المساواة التقدمية، كما تعني الإلغاء التدريجي للدولة”. سيكون لهذا بالفعل ذات السمات التي وصفها ماركس ولينين قبل ثورة أوكتوبر. في هذه المرحلة، رغم أن الكل سيتقاضى لقاء عمله، ورغم أن معايير التوزيع البرجوازية ستبقى، وستكون هناك كثير من بقايا الرأسمالية، فإن اضطهاد الإنسانية وجوهرها، واستغلال البشرية على يد الإمبريالية، لن يعد لهما وجود.

ستكون هذه مرحلة ازدياد ثروة المجتمع، وتطور قوى الإنتاج سيبدأ أخيرا من مستوى أعلى من الرأسمالية. هذا التطور المتفوق سيتجنب وجود تناقضات حادة، وسيمنحها طابع إصلاحي لا ثوري، لأن موازنة المواقف المختلفة لن تكون عنيفة بعد الآن.

بناء الإشتراكية أو الانتقال إلى الشيوعية يجب أن يستند إلى تعبئة مستمرة لكافة السكان. تلاشي الاستغلال، والطبقات، بل وحتى الدولة سيتزامن مع ظهور منتجين ومستهلكين اشتراكيين موجودين في ذات الإطار الاقتصادي.

كخلاصة، يمكننا القول أن المرحلتين اللاحقتين للرأسمالية، (الانتقالية والشيوعية) واللتين تم إدراكهما منذ زمن ماركس، أصبحتا اليوم ثلاث مراحل: 1-الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. 2-الاشتراكية أو الانتقال إلى مرحلة الشيوعية، 3-الشيوعية.



[i] تروتسكي، ليون. “ليست دولة عمال وليست دولة برجوازية”، من كتابات ليون تروتسكي (1937- 1938)

[ii] تروتسكي، ليون: “عشية الحرب العالمية الثانية”، من كتابات ليون تروتسكي (1939- 1940)

[iii] ليون تروتسكي: الأممية الثالثة بعد لينين

ترجمة تامر خورما