دولة تحكمها الميليشيات والعشائر ليست حرة ولا ديمقراطية!


كاظم حبيب
2020 / 8 / 18 - 11:41     

أينما يدير الإنسان العراقي وجهه يلتقي مباشرة بمظاهر مثيرة للقرف والخذلان، تكشف له عن حجم هائل من الخراب والرثاثة اللذين يعمان البلاد، وكذلك حجم التخلف والردة الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية العميقة الذي بلغته الدولة العراقية المهمشة والهامشية والتابعة، أو الجمهورية الخامسة الطائفية الفاسدة التي أقامتها الولايات المتحدة وبريطانيا تحت شعار مهووس حمله جورج دبليو بوش وهرج به في انحاء العالم مفاده: أن الولايات المتحدة الأمريكية حاملة راية الحرة في العالم تعمل على إنقاذ الشعب العراقي من الفاشية الصدامية، وعلى أنقاضها تقيم "دولة حرة وديمقراطية" على وفق النمط أو "النموذج الأمريكي!". علماً بأن الحرية الأمريكية قائمة عملياً على ثلاث قواعد فاسدة هي: 1) التمييز العنصري بأبغض وأبشع صور ممارسته ضد الأمريكيين السود من أصل أفريقي، وضد سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر، وضد اللاتينو، وكذلك ضد بقية الأقليات غير الأوروبية؛ 2)غياب العدالة الاجتماعية بين الطبقات والفئات الاجتماعية في ظل نظام نيولبرالي- إمبريالي متوحش؛ 3) دولة كبرى ذات توجهات هيمنة وتأجيج الحروب وتنشيط الحرب الباردة وزيادة وتسريع سباق التسلح التقليدي الحديث والنووي والصواريخ البلاستيكية...الخ، وهي سياسات تهدد العالم كله بعواقب وخيمة، إضافة إلى رفضها النظريات العلمية التي تشير إلى المخاطر الجدية لتلوث البيئة عالمياً، والتي تسببت بخروج المهووس الجديد والجشع مالياً دونالد ترامب، بخروج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ والحد من مخاطر التلوث. إن سياسات الولايات المتحدة القائمة على إشاعة "الفوضى الخلاقة" في الشرق الوسط، ومنه العراق، قد عم العراق منذ الاحتلال عام 2003 وأدى بدلاً من الحرية والديمقراطية إلى التفتت الوطني والصراع الديني والطائفي والقتل على الهوية والفساد المالي والإداري والخراب والدمار والبطالة والبؤس والفاقة واحتلال الموصل وعموم نينوى من المجرمين الدواعش، ثم سادت عملياً السياسات الفاشية لقوى الإسلام السياسية المتطرفة المتسمة بالعنف والقوة واحتكار السلطة وتبعية مفضوحة وصارخة لإيران وميليشياتها الطائفية الشيعية المسلحة المهيمنة على الدولة والمجتمع. وهذه السياسات هي التي لعبت وماتزال دورها ودفعت بالبلاد الى الابتعاد التام عن بناء الدولة الديمقراطية العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي، وإلى السير على طريق الدولة الضعيفة المهمشة والخاضعة لأوامر الدولة العميقة. ومن جانب آخر سمحت أوضاع الدولة الهشة وغير المدنية إلى نهوض جديد ومميز للعشائر العراقية، وإلى إقرار العمل بقانون جديد للعشائر بجوار دستور حمال أوجه وبعيد عن التنفيذ، بحيث أصبحت العشائر تتحكم بجزء كبير من الدولة والسلطة التنفيذية وبجزء كبير من المجتمع العراقي، إضافة إلى تعاون وتنسيق البعض منها مع أجزاءٍ من الدولة العميقة وميليشياتها المسلحة. فمن يتابع شبكات التواصل الاجتماعي يدرك بوضوح الدور الذي بدأت تمارسه العشائر العراقية. فعلى سبيل المثال لا الحصر يقدم الفيديو المرفق رابطه إلى الاستقبال العشائري وخطب الشيوخ في استقبال مديرة جديدة لمصر الرافدين في مدينة النجف، وهو مصرف حكومي تابع للدولة العراقية https://www.facebook.com/100015748178049/posts/830327477502184/?sfnsn=wa&d=w&vh=i، أو صور المعارك العشائرية التي دارت بالسلاح الخفيف والمتوسط وربما الثقيل أيضاً في مدينة البصرة بين عشيرتين، ودور المسؤولين الترحيبي بالعشائر، رغم ذلك، أو التهديد العشائري لما يجب ان يحصل من قبل الدولة وإلا ستقوم القيامة..!!! (راجع المقال المهم للزميل علي حسين، العمود الثامن، في جريدة المدى ليوم الأحد المصادف 16/08/202)، أو معركة بين عائلتين بسبب ديك وتدخل عشائري قاد إلى قتلى وجرحى.
ليس هناك من مصداقية لأقوال حكام العراق. إليكم بعض الأمثلة: في أي دولة يعيش الشعب العراقي حين يقول ويؤكد رئيس وزرائها بأنه لن ينام الليل الا بعد ان يكشف ويعتقل قتلة د. هشام الهاشمي. لكن بعد مرور أربعين يوماً لم يعلن عن القتلة فحسب، بل قتل في اربعينية الهاشمي تحسين أسامة الشحماني بالبصرة، رغم أن وزارة الداخلية قد تعرفت على الجهة الموجهة والمنفذة لجريمة قتل الهاشمي؟ في أي دولة تحترم نفسها تسقط صواريخ كاتيوشا بين يوم واخر على اهداف محببة لإيران وميليشياتها وتعجز الأجهزة الأمنية عن إلقاء القبض عليهم رغم معرفتها التامة بالجهة الموجهة وتلك الفاعلة بل والأشخاص الذين نفذوا هذه العمليات؟ أي دولة هذه، وبعد استشهاد الهاشمي، سقط شهداء آخرون اخيرهم، ولن يكون آخرهم، هو الشهيد المدني تحسين اسامة الشحماني، وهو أب شاب لثلاثة أبناء وزوجة شابة، إضافة إلى تعرض أربعة مدنيين نشطاء بالبصرة على هجوم مسلح غادر أصابهم بجروح بليغة؟
من المضحك المبكي أطل علينا بعض فرسان الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشياتها المسلحة كنوري المالكي وقيس الخزعلي ومن لف لفهما، بالمطالبة بوقف الانفلات الأمني ومسلسل الاغتيالات. ويذكرني هذا بالقول الذي سادَ في فترة حكم البعث: يقتلون المناضلين ويمشون بجنازاتهم مع المشيعين وكأنهم ليسوا القتلة الجبناء!
منذ 18 عاما والشعب العراقي يعيش في دولة فاقدة لكل القيم والمعايير الدولية لدولة حرة وديمقراطية ولمجتمع مدني ديمقراطي، رغم ادعاء حكامه بأن العراق حر وديمقراطي، بسبب وجود أحزاب سياسية ومجلس نواب وقضاء! وهذا الادعاء الفارغ والكاذب يذكرني بالحديث الذي جاء في كتب تاريخ ثورة العشرين العراقية الذي دار بين الثائر شعلان أبو الچون والحاكم البريطاني. "يروي الضابط البريطاني الكبير غلوب باشا (ابو حنيك) انه كان بصحبة شعلان ابو الجون في سيارة، بعد قيام الحكومة العراقية في عهد الملك فيصل الاول، ومروا بمنطقة شهدت احدى المعارك الكبرى أيام الثورة، انفعل وقتها ابو الجون وقال لغلوب باشا « شوف، هنا كانوا عمامك ( ويقصد عساكر الجيش البريطاني) وهنا كانوا خوالك «(ويقصد الثوار، الذين كان هو من بينهم).... وعندما رأى ابو حنيك شدة انفعال أبو الچون قاطعه مهدئاً: محفوظ، لكن الآن صار عندكم ملك، وحكومة وبرلمان من ابناء البلد ...» فرد عليه شعلان أبو الچون: «إيــــه، بس تراهم يرطنون«، (اي نعم لكنهم يرطنون – اي انهم لا يتكلمون بشكل صحيح). (راجع: خليل علي حيدر، "تراهم يرطنون"، موقع الأيام، العدد 7765 الأربعاء 14 يوليو 2010 الموافق 2 شعبان 1431هـ).
واليوم، يعيش العراق في دولة قائمة على ميليشيات مسلحة وارهابية شيعية وسنية ترطن، دولة أمراء حرب يحملون العداء الكامل للشعب والحياة المدنية والديمقراطية ويرطنون، دولة احزاب إسلامية سياسية طائفية وفاسدة ومتخلفة وتعيش في فكر هو أسوأ من فكر القرون الوسطى وترطن، وهي تابعة قلبا وقالبا لإيران، العراق يعيش في دويلات عشائرية حاكمة فعليا بقوة السلاح وبتأييد جزء مهم من الدوائر الحكومية الفاسدة والمحافظين والأجهزة الأمنية. (هنا لا يجري الحديث عن المواطنات والمواطنين المسلمين الطبيعيين المؤمنين، بل عن أحزاب وميليشيات إسلامية متطرفة). هذا هو عراق اليوم، هذه هي أوضاع الدولة التي لا تقوم بأدنى واجباتها إزاء حماية الشعب من القتل والاغتصاب والاختطاف والابتزاز، أو في توفير الخدمات الأساسية له، هذه الدولة الخاضعة للدولة العميقة وهي التي تسببت في انطلاق مظاهرات 2011 و2014/2015 أو 2018 وكذلك انتفاضة تشرين الأول 2019 لتغييرها. فكسرت بذلك حاجز الخوف رغم القمع الذي يتعرض له المشاركون والمشاركات فيها وإلى أبشع صنوف القتل والاعتقال والتعذيب والحبس والاختطاف والتغييب والسجن القسري في سجون سرية أو التغييب في سجون إيران في الفترة بن 2006-2014، وكذلك فترة حكم الجزار الخبيث، وربما الآن أيضاً.
الانتفاضة المقدامة لا بد لها أن تعيد ترتيب أوضاعها لترسم لنفسها خارطة طريق متجددة في ظل اشتداد انتشار وباء كورونا وعجز الحكومة عن مواجهته كعجزها عن مواجهة العلل الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والبيئية السائدة في البلاد، بل وهناك في الدولة من يبادر لها ويساهم فيها. لا شك في أن الانتفاضة الشعبية بقيادتها الشبابية ستواصل مسيرتها السلمية حتى تحقيق النصر المبين على قوى الظلام والظلم والطائفية والفساد والخنوع لإيران.