القومية العربية بين الحقيقة والأسطورة!


نبيل عودة
2020 / 8 / 16 - 23:41     

الظاهرة الوطنية في اوروبا هي نتاج تطور اقتصاد مشترك. ماركس أكد ذلك وكان مصيبا، الفرنسي متعصب لفرنسا، الألماني لألمانيا، الانكليزي لإنكلترا ودواليك. لكن ماركس ذهب بعيدا بموضوع التحالف الطبقي الذي لم تثبت صحته، وكل نظرية عن الحتمية التاريخية، حول الصراع الطبقي بين العمال والبرجوازية والذي سيقود لثورة وهزيمة البرجوازية واستلام البروليتارية السلطة وبناء النظام الاشتراكي لم تصمد بامتحان التاريخ.
ان من يكرر شعار "يا عمال العالم اتحدوا" يعيش عقليا بالقرن التاسع عشر. ولم يستوعب بعد ان الطبقة العاملة اصبحت جزءا من مجتمع مدني أكثر اتساعا من الظاهرة الطبقية الضيقة. والمفاهيم الطبقية تتلاشي وتختفي. لدرجة بات من الصعب وصف فئات عمالية بأسلوب عملها بطبقة عاملة، لأن مداخيلها مرتفعة جدا وتوفر حياة ثرية جدا. وهذه ظاهرة تتسع في الصناعة أيضا حيث لم يعد العامل مجرد أداة، بل عامل مهني يتعامل مع اعقد الأجهزة التكنولوجية. ونظام الحكم في العالم الرأسمالي لم يعد اقتصاد وسلطة، بل أضيفت له قوة ثالثة فأصبح: اقتصاد، سلطة ومجتمع المدني.
عالمنا العربي يفتقد للوطنية، ولن تتطور وطنية عربية ما دامت الدول العربية متخلفة اقتصاديا وغير متحدة لبناء اقتصاد عربي مشترك، بأسلوب اليابان او الصين الشعبية او حتى روسيا الجديدة. وطبقيا هي مشرذمة بين اتجاهات دينية متعصبة تلحق الضرر والدمار بالمجتمعات العربية.
الدين له دور ايجابي مؤثر إذا حث على العلم والتطور الصناعي والتكنولوجي والاعتراف بالحقوق المدنية للمواطنين والمساواة بين الجميع بغض النظر عن الدين والاثنية والجنس، وأحيانا مدمر بظاهرة الدواعش، او أي تطرف ايماني ولا أقول ديني.
اللغة ايضا لا تصنع قومية، هي عامل قد يكون مساعدا ولكن اللغة لا تخلق قومية ولا انتماء قومي. الاقتصاد هو الزنبرك لنشوء القوميات. وبدأ ظهور القوميات مع تقسيم القارة الأوروبية جغرافيا وبدء تطوير اقتصاد داخل الحدود الجغرافية لكل دولة، وتطوير اللغة بعد ان كانت اللاتينية هي اللغة السائدة.
لا ارى اليوم قومية عربية، بل قوميات جزئية غير متواصلة وغير فعالة الا بالشعارات احيانا.
الانسان الجائع يريد رغيف خبز وليس وطنا.
الانسان المتعصب دينيا يكره كل مختلف عن دينه.
حتى الدول المتطورة اقتصاديان اي دول النفط، لا يمكن اعتبار اقتصادها اقتصاد انتاجي صناعي. بل انتاج يرعي. نفط تبزقه الأرض ويجري بيعه وهذا ليس اقتصادا صناعيا. والأهم ان مدخولاته تذهب لجيوب السلاطين والأمراء والملوك وكل الفاسدين في جهاز الدولة الفاسد والمتخلف. ولا يجري استغلاله لبناء اقتصاد صناعي وعلمي وتكنولوجي. بناء ناطحات سحاب وشوارع وقصور لن يطور قومية.
بناء الأبنية الشاهقة لا يعني انه يتطور اقتصاد، بل تصرف اموال طائلة ولا اعرف ماذا سيفعلون بهذه الأبنية حين ينتهي عصر النفط؟
من هنا ما يجري بين اسرائيل والدول العربية، مصر سابقا ثم الأردن واليوم الامارات العربية والمخفي أعظم، هو نتاج غياب فكر قومي، وهو فكر لن ينشأ بالإعلام والدعايات بل بالبناء الاقتصادي.
ان تطوير العلوم وتطوير التكنولوجيات للصناعة والزراعة، وتطوير الابحاث التي تخدم الاحتياجات الملحة للدولة هي الطريق لنشوء دول عربية لها وعيها لقضاياها، وليس مجرد دول تبحث عن حماية المستعمر وحلفائه في المنطقة، هذه مغامرة لها ثمنها عاجلا ام آجلا.
نحن امام ظاهرة انتحارية لعالم يسمى عربيا زورا ولا شيء عربي فيه الا الثرثرة اللسانية والمظاهر التي قرفنا منها لأمراء وسلاطين يمارسون الحكم المطلق والقمع المطلق، ولا يترددون بقتل من يعارضهم حتى خارج بلدانهم، كما جرى مع الخاشوقجي.
ان اغراق الجماهير بالدين ليس تدينا وليس ورعا، بل لشل التفكير وشل العقل وشل ارادة التغيير!!
يؤسفني ان أقول انه في الظروف السائدة فيما يسمى العالم العربي لا أرى فرصا للتغيير وإذا حدث سيجيئ فاسدين جدد بدل الفاسدين السابقين.
حقا نجح عبد الناصر بتحريك الحلم العربي. لكنه بقي بإطار الحلم ولم يتطور كأداة لها قاعدة اقتصادية لا يمكن اسقاطها.
واليوم تحدث ردة أكثر خطورة. يحدث استسلام أطراف عربية يغطون على نهجهم بتهريج وتحريض ضد الضحية الفلسطيني في المناطق المحتلة او في معسكرات التشريد التي يحافظ عليها العالم العربي كأنها تحف فنية، وهناك رفض لإعطاء اللاجئين أي حقوق مواطنه تستحق الاحترام، او تحررهم من التركيز المهين بمعسكرات فقيرة ومكتظة بالسكان وتفتقد لأسباب النشاط الاقتصادي والدخل، ومعزولة عن محيطها العربي أيضا.