كيف حاولت الأحزاب الصهيونية أسرلة المواطنين العرب


تميم منصور
2020 / 8 / 15 - 15:14     

حزب مباي
ليس من السهل الخوض في غمار هذا الموضوع لأنه مليء بالمواقف والقرارات الهامة ، لذلك يجب نبش ارشيفات هذا الحزب لمعرفة سياسته الحقيقية اتجاه المواطنين العرب ، لكن إصرار ونشاط بعض الباحثين اليهود ساعد في الكشف عن جوانب هامة في هذه الارشيفات ، لأن الأجهزة الأمنية حتى الآن ترفض السماح للصحفيين والباحثين العمل بحرية داخل هذه الارشيفات ، لأنها تخشى الكشف عن الأعمال الاجرامية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية على مر السنين .
نذكر من هؤلاء الباحثين المؤرخ " بيني موريس " وزميله " هليل كوهين " فقط تمكنا من تعرية القيادات الصهيونية العسكرية منها والمدنية ، كما أنه يوجد فضل للكشف عن الكثير من الحقائق لصحيفة " هآرتس " التي نشرت ولا تزال تنشر حقائق لها علاقة بسياسة هذه الأحزاب .
يذكر " بيني موريس " أن أحد قادة حزب مباي ويدعى " إسحاق لافون " كان من بين قادة الحزب الذين رفضوا طرد والحاق الأقلية العربية الفلسطينية التي بقيت في البلاد باللاجئين ، بعد الإعلان عن إقامة الدولة واتفاقيات الهدنة ، أثناء النقاش قال " لافون " أتركوا العرب في قراهم سوف نكسب أصواتهم في انتخابات الكنيست على الأقل ، أستقر الرأي في النهاية لدى الأغلبية بعدم طرد العرب على أن يتم استغلال طاقاتهم وقدراتهم في خدمة الأحزاب الصهيونية على اعتبار أن الأجيال الناشئة سوف تنسى هويتها وتندمج وتذوب في المجتمع اليهودي ، رغم هذا القرار إلا أن رئيس الحزب" بن غوريون " واتباعه أصروا على استخدام اشد الأساليب في الضغط على المواطنين العرب عن طريق الحكم العسكري ، وكان برنامجهم أسرلة من خلال اندماج أكبر عدد منهم في حزب مباي ومؤسساته .
قرر هذا الحزب الاعتماد على طبقة المشايخ والمخاتير والوجهاء ورؤساء الطوائف في القرى العربية، هذا الجيل الذي عاصر النكبة بقي مرعوباً ، لا يرى أمامه سوى صور قوافل اللاجئين والبيوت المهدمة وضحايا النكبة ، لذلك كان خياره الانصياع للنظام الجديد الذي سيطر على فلسطين ، أسوة بالجيل الذي سبقه وخضع للانتداب البريطاني والأجيال السابقة التي خضعت للحكم العثماني .
قرر حزب مباي اخضاع المواطنين العرب واذلالهم بلقمة العيش والعمل والسماح بإقامة سلطات محلية في قراهم ، كان يدرك أن رؤساء هذه السلطات سوف يكونون أدوات طيعة بأيدي قادة حزب مباي والحكم العسكري ، لأن السلطة الحاكمة كانت تعرف أن انتخابات السلطات المحلية داخل مجتمع شبه متخلف عائلي سوف تساهم في تعميق الخلافات بين الطوائف والعشائر والعائلات ، فكل واحد من هؤلاء سيعمل على خدمة الحزب أكثر من غيره ، تقدمت قيادة حزب مباي خطوة إلى الأمام عندما سمحت بترشيح بعض هؤلاء للكنيست تحت شعار المساواة وخدمة المواطنين العرب ، فقد كانوا يدركون بأن هؤلاء الأعضاء لم ولن يعارضوا سياسة هذا الحزب في الداخل والخارج ، خاصة فيما يتعلق باستمرار فرض الحكم العسكري .
انتقل حزب مباي الذي كان يترأس سياسة الحكومة الخاصة بالمواطنين العرب إلى أسلوب وطريقة جديدة لإخضاعهم واسرلتهم ، لأنه كان لا يرغب في دمجهم وانصهارهم بالمجتمع اليهودي ، لأنه اعتبرهم بؤراً للتخلف والفساد ، لذلك حاول ربطهم في قافلته لدعمهم له في انتخابات الكنيست ، فقرر إقامة قوائم عربية للانتخابات تحت أسماء مختلفة ، قوائم تشبه الأحزاب ، لكنها عربية بالاسم وصهيونية في سياستها وجوهرها ، مرتبطة ارتباطاً كاملاً بحزب السلطة وقياداته الذي أصبح بعد " حزب العمل " .
من أجل ذلك أقيمت قوائم عربية انتخابية آنية تتغير بين الحين والآخر تحت عناوين مزيفة كالتطور والإصلاح والازدهار ، ترأسها أعضاء عرب ، قائمة في الجليل وأخرى في المثلث مرتبطة ببدو النقب ، عن طريق هذه القوائم نجحت قيادة حزب مباي العمل بإثارة الخلافات وزرع الضغينة بين هذه القوائم ، وقد تمكنت هذه القوائم من خداع المواطنين العرب فترة من الزمن بالسيطرة على مشاعرهم الطائفية والقبلية والإقليمية ، وكانت النتيجة وصول عدداً من الأعضاء العرب إلى الكنيست تجاوز في بعض الأحيان الخمسة أعضاء ، كانوا رديفاً لدعم سياسة حزب مباي العنصرية الاحتلالية ، إلى درجة أن هؤلاء الأعضاء العرب رفضوا أكثر من مرة خلال التصويت على الغاء الحكم العسكري ، كما أنهم لم ينتقدوا سياسة الحزب أو الحكومة العنصرية اتجاه المواطنين العرب ، عندما تكشف أمر هذا الأسلوب الفاضح لجأ حزب مباي إلى أسلوب جديد لاحتواء المواطنين العرب ودمجهم أو اخضاعهم للحزب ، فقرر إقامة ما عُرف بالدائرة العربية في حزب مباي وأقيمت دائرة عربية أيضاً في الهستدروت وكانت رديفاً لحزب مباي ، لقد عملت هذه الدائرة العربية كل ما بوسعها لكسب وضم أكبر عدد من المواطنين لهذا الحزب العنصري ، عن طريق هذه الدائرة أقيمت فروع للحزب داخل القرى العربية ، كانت شكلية ووهمية لا تقدم سوى الدعاية الصهيونية للمواطنين ، ووصل الأمر إلى اصدار بطاقات انتماء وعضوية عن طريق تجنيد المئات من العملاء العرب لخدمة الحزب وتقويته دون أن يسألوا أنفسهم ، كيف يمكن أن يكون عربي فلسطيني عضو في حزب صهيوني ؟ كما سمحوا لإعضاء الحزب العرب المشاركة في المؤتمرات التي كان يعقدها الحزب بين والآخر وشاركوا في الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشحين للكنيست ومن بينهم الأعضاء العرب الذين تقرر ضمهم إلى قائمة الحزب المباشرة ، وكان هذا الإختيار غالباً يعتمد على الانتماء الطائفي والقبلي .
هكذا استمر هذا الحزب في سياسته على الصعيد التنظيمي ، لكنه لم يقدم أي شيء يذكر للمواطنين العرب على الصعيد العملي والخدماتي سوى بعض القشور البراقة ، كما أن سياسته الخارجية اتجاه الشعب الفلسطيني لم تتغير ، فقد تنكر لحقوقهم وصادر أراضيهم وشن الحروب عبر الحدود لملاحقتهم ، إن جعبة هذا وملفاته مليئة بالحروب وسفك الدماء .
بفضل وعي الأجيال العربية الصاعدة بدأت قوة هذا الحزب تتلاشى داخل الوسط العربي وفي الوسط اليهودي ، رغم أنه اندمج مع أحزاب عمالية يهودية أخرى مثل حزب مبام وأحدوت عوفودا وشكلوا ما عُرف بحزب العمل ، الذي أصبح في السنوات الأخيرة يحتضر ، وكل الدلائل تشير ان هذا الحزب سيختفي في السنوات القريبة القادمة . عن الخارطة السياسية