نتننياهو وترمب والفاشية المعولمة


سعيد مضيه
2020 / 8 / 15 - 13:42     

نتنياهو وترمب والفاشية العولمية – الحلقة الأولى
هيمنت الليبرالية الجديدة في أميركا وبريطانيا ثم انتشرت في بقاع العالم تذلل العقبات امام غزو الرأسمال الاحتكاري للأسواق باسم حرية السوق. اقترنت هيمنة الليبرالية بتعاظم مكانة المسيحية الأصولية، او المسيحية الصهيونية نواة التف حولها تيار المحافظين الجدد، يدشنون عولمة رأسمالية احتضنت في العلاقات الدولية نهجا إرادويا استثنائيا يعفي الدبلوماسية الأميركية وتوابعها من مستحقات القانون الدولي . وكانت الحركة الصهيونية ومشروعها في فلسطين مثالا وقدوة للنهج الجديد . وكان طبيعيا ان يحتضن المحافظون الجدد بالولايات المتحدة وبريطانيا إسرائيل الكبرى، دولة إقليمية مهيمنة وكيلا للهيمنة الامبريالية. وتشاء الصدفة ان تتكامل الكيمياء الشخصية لكل من نتنياهو وترمب في هذه المرحلة ، لدرجة التماهي بين الرجلين. كلاهما متمرد على القانون الدولي ، وكلاهما تحدوه في سياسته الداخلية نزعة الاستبداد وتشويه اليسار كشتيمة مع تعصب قومي يعتبر الأقليات القومية طابورا خامسا . وتشاء الصدف أيضا ان يواجه كل منهما معارضة من اجل البقاء في سدة الحكم بسبب الفشل في التصدي لوياء كوفيد 19 وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة واستفحال البطالة ، لكن بدون قيادة كاريزمية معارضة، بحيث ادعى كل منهما انه المنقذ من مخاطر محدقة.
اقتضى الإحساس بالهزال والعزلة الجماهيرية أن يتشارك الحليفان ترمب ونتنياهو في تحريك أحد أحجار الشطرنج السياسي من سلاطين الخليج ، للاتفاق على التطبيع مع إسرائيل. ادعى الحليفان إنجاز اختراق سياسي، وحلقا في بالون سياسي باتجاه النصر في الانتخابات. وسرعان ما ثقب البالون هاليفي، رجل المخابرات الإسرائيلية السابق، برأس دبوس؛ إذ كشف عن علاقات تمتد نصف قرن مضى مع سلاطين الخليج ممن يحكمون دولا ريعية استبدادية تنعدم فيها الهيئات التمثيلية والمعارضة، ينشدون حماية عروشهم من قوى امبريالة متنفذة بالمنطقة. تبعية هؤلاء السلاطين للامبريالية تضعهم تلقائيا حلفاء لإسرائيل ؛ وكم تكبدت الحركة القومية الفلسطينية ثم المقاومة خسائر فادحة بتجاهلها للعلاقة العضوية بين الامبريالية والصهيونية. دفع التجاهل قيادة المقاومة الفلسطينية بناء استراتيجيتها على آمال معلقة على دول الغرب الامبريالية للضغط على إسرائيل. وفي كل مواجهة مع إسرائيل تخيب الآمال. هكذا نظروا بخيبة أمل الى اتفاق دولة الإمارات مع إسرائيل بوساطة أميركية؛ ضخّم الإعلام العربي المضاد العملية الهزيلة وأعطاها بُعدا هزليا كتحول سياسي تاريخي.
نتنياهو وترمب يملكان من النرجسية ونزعة التفرد والفاشية والسادية الحاقدة وتجاهل المعارضة، حركات وميديا وقضاء، وازدراء العلم والقانون ما يمنحهما حرية الحركة في جميع الاتجاهات.
تدعم التيار الفاشي بإسرائيل والولايات المتحدة بظهور وتطور تيار قومي عنصري فاشي في اوروبا وبلدان أخرى في بقية القارات. تيار أوغل في الشوفينية القومية المتسلطة في اضطهاد القوميات الصغرى وأحيانا المناداة بإبادتها كحل. الفاشية الجديدة تيار قومي عنصري خرج من أكمام الليبرالية الجديدة، تمظهر بمعارضة عولمتها، مع تعميق تحيزها الطبقي؛ فقد تبنى نهم الاحتكارات الى الأرباح القصوى، وحمّل المسحوقين مسئولية بؤسهم، روج ثقافة الليبرالية الجديدة، ثقافة الكراهية والقسوة، وتجريم التكافل الاجتماعي والتضامن مع المحرومين وبين ضحايا الاضطهاد. ظهر على المسرح الدولي نتنياهو في إسرائيل و ترمب في الولايات المتحدة وبولسونارو في البرازيل واودي بالهند وجونسون في بريطانيا وآخرون تابعين أو يتبعون خطاهم في سدة الحكم و يوسعون قواعدهم الجماهيرية هنا وهناك في غياب اليسارأو إضعاف نفوذه. في زمن وباء الكورونا أبدت الأنظمة عدم اهتمام بالصحة العامة واستنكفت عن اتخاذ إجراءات وقائية وأهملت توصيات منظمة الصحة العالمية؛ فتصدرت بلدانها ، من حيث عدد الإصابات والخسائر البشرية ونسبتها لعدد السكان.
‏في الأنظمة القومية الفاشية، التي أبقت من الديمقراطية على صناديق الاقتراع، ‏نجد سياساتهم تركز على شيطنة اليسار وكيل التهم المحقرة للمعارضة. ينشرون الفساد في الداخل ، يعدلون الدستور لمنح أنفسهم مزيدا من السيطرة ، وينتهكون الحقوق المدنية والسياسية الأساس. وهذا ما يقوم به نتنياهو خلال السنوات الماضية ، ويمارسه ترمب : يهاجمان المؤسسات الهامة ويدعي كل منهما أنه الضحية للميديا الليبرالية والنظام القضائي. مؤخرا نظم نتنياهو مظاهرة ضد " ديكتاتورية القضاء". فجر قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الصادر في العاشر من الشهر الجاري، والقاضي بإلغاء أمر قائد جيش الاحتلال بهدم بيت الأسير الفلسطيني نظمي أبو بكر، حملة عنيفة قوضت الاستقلالية النسبية للسلطات الثلاث، وأعشت سر حكم شمولي؛ هاجمت الأوساط اليمينية الرسمية والشعبية المحكمة العليا، كاشفة الستر عن زعم استقلالية القضاء، حيث شارك في تأجيجها عدد من أعضاء الكنيست الاسرائيلي الذين هاجموا، بصورة غير مسبوقة، قضاة المحكمة العليا وحرّضوا عليهم بشكل مباشر وصريح. برز في المشهد تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي وصف فيه قرار المحكمة "بالبائس" وطالب، "بضرورة إعادة بحث القضية أمام هيئة موسعة من قضاة المحكمة" وأكد، بعد أن اتهم المحكمة بشكل مبطن على انها تشجع الارهاب، انه ما زال يتبنى، كما تبنى في الماضي، سياسة هدم بيوت "الارهابيين" وأنه لن يتراجع عن ذلك أبدًا.
نتنياهو، شان ترمب، يطعن في القضاء ويكيل التهم للصحافة والإعلام. شوارع البلدين و الأنظمة الفاشية قاطبة غدت ساحات معارك ومظاهرات ضد ‏سوء أداء الدولة وفساد قادتها وسوء أوضاعها الاقتصادية وتفشي العنصرية والتطرف وسوء إدارة الأزمات الصحية. بيّنت ازمة كورونا ‏ كيف أن الأنظمة كافة ، ونظامي إسرائيل والولايات المتحدة بوجه خاص، فضلت المال على الإنسان ‏ فخسرت الاثنين معاً . كما كشفت زيف اقتصادهما وأزالت عن وجهيهما المساحيق التي تمكنت ماكنات اعلامهما من إخفاء الوجه القبيح . واذا ‏ ب 45 مليون أمريكي يجدون أنفسهم بلا عمل ، وإذا بالولايات المتحدة تجد نفسها في أسوأ أزمة اقتصادية وكساد منذ قرن . قسوة النظام الأمريكي داء مستعص منذ الولادة، تعمد بالإبادة الجماعية للشعب الأصيل ثم ازدهر اقتصاده بنظام العبودية . ومن المفارقات التي يحاول المؤرخون الامريكيون أخفاءها أنه حين اختلفت الولايات الشمالية مع الجنوبية حول كيفية احصاء العبيد السود في الجنوب لتحديد عدد أعضاء كل ولاية في الكونغرس طلب الشماليون عدم اعتبارهم من السكان وأصر الجنوبيون على عكس ذلك وأخيرا تم الاتفاق على احتساب الأسود بثلاثة أخماس رجل!

يقول الكاتب الأميركي ، باتريك كوكبيرن، "ان نفس الأساليب الشرسة يجري استعمالها في كل مكان: الاعتقالات الجماعية، اختفاء المعتقلين ، التعذيب، تصفية أحزاب المعارضة والميديا المستقلة التي تتكلم بلسان المجموعات المضطهدة. كل معارضة ، مهما كانت سلميتها تغدو مرادفة للإرهاب وتقمع بعقوبات جد قاسية. من السذاجة التصور ان الاهتمام المفاجئ للغرب بمصير مسلمي الصين متعلق بعدالة قضيتهم؛ بات شائعا في السياسات الدولية تلفيق الوقائع المزيفة ونشر سلبيات الأعداء جرائم سياسية، مع الصمت حيال أفعال مماثلة من الاضطهاد يقارفونها هم او حلفاؤهم.
"ليست كشمير سوى ذروة الاضطهاد الذي تمارسه حكومة مودي وحزبه ،حزب بهارا جاناتا، ضد مائتي مليون مسلم هندي. برزت رغبة الحكومة في إذلال المسلمين حين شرعت تبني معبدا هندوسيا على أنقاض مسجد تم تدميره من قبل جماهير هندوسية يمينية عام 1992 ، حيث قتل حوالي الالفين في الاضطرابات التي أعقبت تدمير المسجد
تساءل الصحفي كوكبيرن: لماذا يقف الغرب بجانب مودي؟ ومعروفة أيضا علاقة الود التي تربط نتنياهو بمودي، وإسرائيل غدت موردا رئيسا للأسلحة الى الهند. يجيب كوكبيرن ، لكي يساند مودي الغرب ضد الصين .
وفي بريطانيا نظرت السياسات الرسمية والميديا بالعداء لانتخاب كوربين رئيسا لحزب العمال. ولعبت هيئات الحزب القيادية المشكّلة في زمن بلير دورا مفصليا في الإطاحة بكوربين. وفي تقرير لجنة من الحزب تقصت مجمل الأنشطة أثناء قيادة كوربين للحزب توصل التحقيق الى وقائع تدمغ أنصار بلير بالتواطؤ للتخلص من كوربين. تبين أن النظام السياسي البريطاني هو نظام الحزب الواحد ممثل الاحتكارات، او نظام الحزبين شريطة سيطرة عملاء البرجوازية على حزب العمال. وبتزعم ستارمر لحزب العمال خلفا لكوربين بات حزبا العمال والمحافظين يخدمان نفس المؤسسة ونفس السياسات ، مع خلافات تافهة لذر الرماد بالعيون. بذلت الهيئات القيادية داخل حزب العمال ما بوسعها لتخريب موقف الحزب في انتخابات 2017؛ فاتهمت كوربين باللاسامية وحرمت كوربين بفارق 3000 صوت من تشكيل الوزارة. وفي الانتخابات الأخيرة فضل عملاء بلير في قيادة الحزب نجاح حزب المحافظين وسيلة للتخلص من كوربين.
وفي البرازيل أجرى فيجاي براشاد، الباحث المتميز في قضايا العالم الثالث، مقابلة مع جوليانا رودريغيز، ممرضة ونائبة رئيس نقابة العاملين بالخدمات الصحية بالبرازيل؛ قالت ان نقابتها مع 56 نقابة ومنظمة برازيلية تمثل ملايين المواطنين رفعت قضية الى المحكمة الجنائية الدولية يوم 27 تموز الماضي، ضد جير بولسونارو رئيس البرازبل، بسبب مواقفة القاسية لحد الجلافة حيال وباء كوفيد 19 . قالت انهم طرقوا جميع الأبواب في بلادهم فلم يجدوا استجابة؛ حيث رفض المدعي العام ، أوغيستو أراس، المعين من قبل بولسونارو، التعامل مع أي من الشكاوى. ولهذا جاء في لائحة الاتهام المقدمة الى المحكمة الجنائية الدولية أن بولسونارو متهم بجرائم ضد الإنسانية. استقال اثنان من وزراء الصحة احتجاجا على إهمال بولسونارو معطيات العلوم وتوجيهات منظمة الصحة العالمية، وعين بولسونارو لوزارة الصحة جنرالا من الجيش لا خبرة له بأمور الطب.
حثت منظمة حقوق الإنسان ومنظمة الدول الإفريقية بولسونارو على حماية الهنود سكان البلاد الأصليين من خطر الإبادة ؛ كما طالبت المحكمة العليا حكومة بولسونارو تعيين لجنة تبحث حالة الوباء في مناطق السكان الأصليين، واتهم غيلمار مينديس ، قاضي المحكمة العليا الحكومة، بولسونارو بالإبادة العرقية. فنسبة الوفيات بين السكان الأصليين ضعفها في البلاد.
ويقول تقرير براشاد ان بولسونارو نقض قرارين أصدرهما الكونغرس: الأول طالب بجعل القناع إلزاميا ، والآخر اتخاذ إجراءات خاصة تكسر مسلسل الوباء بين سكان البلاد الأصليين.
وعلم براشاد من جوزيه ماركوس، أحد المحامين الذين ساعدوا في رفع الشكوى الى المحكمة الجنائية ان الحكومة تميز بين شغيلة الصحة وضد السكان الأصليين. أحد القرارات التي نقضها بولسونارو يطالب توفير المياه للسكان الأصليين.
أما في الكيان الإسرائيلي فقد أصبح اكثر من مليون من مستوطنيه من العاطلين عن العمل واذا به يواجه ازمة اقتصادية حادة وصفها وزير المالية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في حزيران/يونيو الماضي إن “الوضع الاقتصادي في إسرائيل هو الأصعب منذ قيامها”.
إن "عقوبات إسرائيل الجماعية بحق الفلسطينيين غير قانونية وإهانة للعدالة ولسيادة القانون (الدولي) وتنطوي على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان". هذا ما سجله البروفيسور مايكل لينك المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ؛ جاء ذلك في تقريره السنوي الذي قدّمه في 16 يوليو(تموز) 2020 بخصوص سياسة " العقاب الجماعي" التي تتبعها "إسرائيل" بحق الشعب العربي الفلسطيني.
تتبع إسرائيل منذ احتلالها نهجاً يستند إلى سياسة ذات وجهين متداخلين : الأول - الاستعمار الاستيطاني، والثاني- نظام الفصل العنصري "الأبرتايد"، وكلاهما يهدفان فرض عقوبات جماعية، وكان تقرير مايكل لينك قد قدّم تحليلاً قانونياً موسعاً أكّد فيه عدم شرعية الممارسات التي تنتهجها إسرائيل بحق الشعب العربي الفلسطيني، وذلك في محاولة شرعنة اللّا قانوني، من خلال المحاكم الإسرائيلية والقضاء الإسرائيلي، الذي ذهب في العديد من المرات إلى إضفاء "شرعية" على إجراءات السلطات الإسرائيلية في هدم المنازل واحتجاز الجثامين وغيرها من أساليب العقوبات الجماعية. والعقوبات الجماعية أياً كانت مبرراتها تعتبر محظورة بموجب القانون الدولي ويحرّم استخدامها تحت أية ذريعة، ولا توجد استثناءات مسموح بها ، حسبما تذهب إلى ذلك اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 وقواعد القانون الدولي العام المعاصر بشكل عام والقانون الإنساني الدولي بشكل خاص، سواء وقت السلم أم في وقت الحرب.
وكان لينك الخبير القانوني الكندي قد اختير في ربيع العام 2016 ليكون المقرر الدولي السابع لمراقبة حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ إنشاء هذه الهيئة العام 1993. وجميع المقررين انتقدوا سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة.
غير أن ترمب يرى رأيا مناقضا ، إذ يرفض الإقرار بوجود احتلال إسرائيلي ويروج لصفقة القرن.
- يتبع