الدين في أدبيات الحزب الديموقراطي الاشتراكي بألمانيا . بين روزا لوكسمبرج وكاوتسكي


معاذ محمد
2020 / 8 / 10 - 11:42     

إن تحليل روزا لوكسمبورج للظاهرة الدينية ظل داخل إطار الرؤية المزدوجة التي حددتها الماركسية الكلاسيكية : " المعاناة الدينية هي في آن ، تعبير عن معاناة واقعية من جهة ، واحتجاج على المعاناة الواقعية من جهة أخرى " .

وإن كانت تحليلات كاوتسكي المتعمقة في تتبع الطابع الاحتجاجي للمسيحية البدائية في كتابه ( الدين والصراع الطبقي في المجتمع الشرقي العبودي القديم ) مقاربة لتلك النظرة ، فإن روزا قد استفادت علي نحو أدق من :

1- نقد ماركس لبرنامج " غوتا " الخاص بحزب العمال الديموقراطي الاشتراكي بألمانيا 1875 :
حيث يقول ( إن الحزب الألماني يطالب بأن يكون أساس الدولة الروحي والأخلاقي قائم علي حرية الاعتقاد .. لم يكن بالإمكان تحقيق هذه الرغبة إلا على النحو التالي : ينبغي أن يكون في وسع كل امرئ أن يلبي حاجاته الدينية والجسدية على السواء دون أن يحشر البوليس أنفه في الموضوع )

فماركس قد أدان حرية الاعتقاد البرجوازية التي لا تعني سوي التساهل مع جميع الأنواع الممكنة من المعتقدات الدينية التي تبشر بالجبن و الهوان والضعة " باختصار بكل مزايا الرعاع "

ويضيف : ( كان على الحزب أن ينتهز الفرصة ويعلن أنه بالعكس يسعى جاهداً إلى تحرير الضمائر من الأوهام والخرافات الدينية . ولكن بعضهم عندنا يمتنع عن تجاوز المستوى البرجوازي )

2- نقد إنجلز لبرنامج إرفورت - الذي وضعه كاوتسكي و برنشتاين - ومطالب الحزب الديموقراطي الاشتراكي في عام 1891 : فكان من ضمن المباديء التي طالب بها " إعلان أن الدين شأن خاص . وإلغاء جميع النفقات من الأموال العامة للأغراض الكنسية والدينية . واعتبار الجماعات الكنسية والدينية جمعيات خاصة تنظم شؤونها بشكل مستقل تمامًا "
ويقول إنجلز ضمن ما يجب أن يدرج كتلميح أو بشكل غير مباشر ( الفصل التام بين الكنيسة والدولة . تعامل الدولة جميع الطوائف الدينية دون استثناء على أنها جمعيات خاصة ، يجب حرمانهم من أي دعم من الأموال العامة ومن أي تأثير على التعليم العام . ولا يمكن منعهم من تشكيل مدارسهم الخاصة من أموالهم الخاصة لتعليم هرائهم فيها )
علي هذا فإن ثورية روزا كانت أكثر اتساقاً من الاتجاهات الاصلاحية و التحريفية في الحزب الديموقراطي الاشتراكي ، كما أن الرؤية الانتهازية لهؤلاء لم تحدد المسار المنضبط في التعامل مع الدين ورجاله .
فالطابع الاحتجاجي النقدي للمسيحيين الأوائل كما بينته الماركسية الكلاسيكية لم يؤثر في رؤيتها للتعتيم علي الصراع الطبقي الذي مارسه الدين في العصر الإقطاعي و الكنيسة الرأسمالية بعد ذلك ، ولكنه أثر في تلك الرؤي التحريفية فأبعدها عن التحرر السياسي من الدين بإقصائه من العام إلي الخاص ، وحصرها في النقد البورجوازي الذي يعبر عنه ماركس في " المسألة اليهودية " : ( لم يحرر الإنسان من الدين بل منحه الحرية الدينية )




وأخيراً فإن هذا المضمون الاجتماعي للدين اقتصر علي زمان محدد و طابع مجتمعي خاص ، وفي هذا تتفق روزا مع كلاً من إنجلز ولينين

- في وثيقة ( مشروع تبني العقيدة الشيوعية ) يجيب إنجلز عن سؤال : كيف سيتصرف النظام الشيوعي إزاء الأديان القائمة ؟ . قائلاً " إن جميع الأديان المعروفة حتي الاّن كانت تعبيراً عن مراحل من التطور التاريخي لشعوب منفردة أو مجموعات من الشعوب ، غير أن الشيوعية هي تلك المرحلة من التطور التاريخي التي تجعل كافة الأديان القائمة دونما أهمية وتلغيها "

- وفي ( نصوص حول الدين ) يقول لينين : " قد حدث في التاريخ أن استعار النضال الديموقراطي ونضال البروليتاريا شكل نضال فكرة دينية ، لكن هذا الأمر تواري منذ زمن طويل ، أما الاّن ، فكل دفاع أو تبرير لفكرة الإله حتي في أكثر أشكالها رهافة وصدقاً ، فإنها تبرير للرجعية "

- كما تقول روزا في ( الكنيسة والاشتراكية ) : " من يدعم المستغلين والمضطهدين ويحاول تكريس النظام المجتمعي المشين القائم اليوم ، هو عدو لدود للشعب ، سواء ارتدي جبة القسيس أم بزة الشرطي "