محاولة في نقد حزب الطبقة العاملة : ملاحظات عامة و أولية للنقاش.


أحمد زوبدي
2020 / 8 / 10 - 04:27     

محاولة في نقد أطروحة حزب الطبقة العاملة :
ملاحظات عامة وأولية للنقاش -

كتبت هذه البطاقة, السنة الماضية(غشت 2019). أعود لنشرها, بعد أن قمت بتنقيحها, نظرا لأهمية موضوع الطبقة العاملة والحزب الذي يتبناها.

في هذه الورقة المقتضبة والهادفة لفتح النقاش في هذا الموضوع الهام الشاق والمستعصي, أي موضوع بناء حزب الطبقة العاملة الذي مازالت تتناوله وتتبناه بعض الإطارات السياسية ( وهي قليلة جدا) منها في المغرب حزب النهج الديموقراطي, سوف لا أتطرق للأدبيات الكلاسيكية لحزب الطبقة العاملة أي الأطروحات الماركسية بما فيها طبعا نظرية كارل ماركس,كما أني لن أعرج على الحركات العمالية والإشتراكية التاريخية والقائمة بالفعل بتفاصيلها, سأتناول مباشرة صلب الموضوع أي كيف أن الظروف والشروط اليوم غير متوفرة لبناء هذه الأداة السياسية بل حتى أن بناءها لم يصبح ذي جدوى !
في سياق النقاش , يمكن الرجوع بين الفينة والأخرى إلى الركائز الفكرية والأيديولوجية والتجارب والأحداث والوقائع البالغة الأهمية لتأطير الرؤى.

تكونت وترعرعت الطبقة العاملة في أحضان الرأسمالية وخصوصا الرأسمالية الصناعية في أوروبا. عرفت الطبقة إياها العديد من النجاحات لكن كذلك العديد من الإخفاقات. احتضن حزب الطبقة العاملة الطبقة إياها وفتح لها الطريق الشاق والعسير لتتبلور وتنضج وتتطور. منحها الخط الأيديولوجي بشكل واضح لا غبار عليه أي أن الطبقة العاملة هي الطبقة النقيض للبورحوازية و فتح لها أوراشا تنظيمية من خلال خلق إطارات نقابية للدفاع عن مصالحها كطبقة مؤهلة لقيادة المجتمع. لكن الأمور لم تعرف ذلك المجرى أي أن الطبقة إياها بقيت طبقة محدودة في الدفاع عن مصالحها الخبزية. أما حزب الطبقة العاملة فقد انشغل بالسياسة وترك الطبقة العاملة تتصارع من أجل لقمة العيش وليس من أجل الدفاع عن شعب بأكمله.
في الدول المتخلفة لم تعرف الطبقة العاملة نفس التطور والتنظيم. الطبقة العاملة في هذه الدول بقيت طبقة باهتة سواء على مستوى التنظيم أو الوعي لأن الطبقات الاجتماعية في دول الجنوب رأت النور في أحضان الكولونيالية التي أفرزت بورجوازية كومبرادورية وليست بورجوازية وطنية كما عرف ذلك الغرب الذي عرف ولادة وتطور الطبقات الاجتماعية في إطار الصراع والمعارك السياسية التي بلورت ظهور الطبقة البورجوازية والطبقة العاملة في إطار تطور الدولة الوطنية المستقلة. الطبقة النقيض أي الطبقة العاملة لم تستطع أن ترى النور إذن لأن شروط الإنتاج في الاقتصاديات التابعة لم تؤهلها فضلا عن شبه غياب للحزب الموكل له تأطيرها. باختصار شديد, لم تتمكن إذن الطبقة العاملة في بلدان العالم الثالث من فرض أجندتها أي تحقيق مطالبها الاجتماعية, كما هو الحال في أوربا ( دولة الرفاه "Etat providence", نموذجا) . صحيح أن الطبقة العاملة قد حققت الكثير من المكتسبات في بعض دول الجنوب لكن للأسف لم ترق إلى مستوى يمكنها من فرض قوتها وبالتالي تصبح شريكا في العملية الإنتاجية بسبب القمع الشرس الذي تلقته من قبل الأنظمة الاستبدادية في هذه الأقطار.
باختصار شديد, مرة أخرى , وضع الطبقة العاملة اليوم تغير ظهرا على عقب حتى في الدول الغربية بحكم التحولات العميقة والمفاجأة للرأسمالية الناتجة عن الثورة التكنولوجية والرقمية, من جهة, والتحولات الديموغرافية والسوسيولوجية, من جهة أخرى. الثورة الرقمية خلقت ثورة غير مسبوقة في أنماط الإنتاج ومنها العمل طبعا, لكن للأسف الشديد لم يكن ذلك في اتجاه تحسين وضع الطبقة العاملة بشكل خاص وكل الطبقات المتضررة ومنها الطبقة الوسطى. كان الهجوم الجشع لرأسمال الإمبريالي على ثروات الشعوب عبر عابرات القارات والبنوك الأوليغارشية والدكتاتوريات هو القاعدة. هذا التطور الكبير (المعكوس أي المتناقض مع مصالح الأغلبية الساحقة من البشر ) الذي عرفته الرأسمالية أدى إلى تفكيك الطبقة العاملة والحركات العمالية حتى في الغرب من خلال تفكيك إطاراتها النقابية. في دول الجنوب, الطبقة إياها أصبحت اليوم غير موجودة تنظيميا ولو أنها حاضرة على مستوى الكم. علاقات العمل تغيرت كثيرا بحكم تحول أشكال وسيرورة الإنتاج "Processus de production" . تعقد وضع الطبقة العاملة مع تفكيك منظومة العمل حيث أصبح العمال غير مرتبطين مع بعضهم البعض في المصالح. مصالح العمال أصبحت غير مشتركة بحكم الصيغ التفكيكية الدخيلة التي عرفتها منظومة الإنتاج منها العمل بالعقدة والعمل الموسمي وغير ذلك من الآليات من خلال مسلسل مرونة العمل" Fléxibilisation du travail", فضلا عن تسريح العمال وتفشي البطالة وانعدام التغطية الاجتماعية, مما أدى بالطبقة العاملة ليتحول أكثر من نصفها إلى طبقة رثة "Lumpen-prolétariat ".
المشكلة هي كيف يمكن تحويل هذه الطبقة الحثالة الجائعة المنهكة المتسكعة إلى طبقة عاملة أو قل إدماجها في طبقة عاملة مشتتة مبلترة فيها نسبة كبيرة تحولت إلى أرسطوقراطية عمالية, حالة الإتحاد المغربي للشغل, نموذجا ?
ألا يمكن التفكير في منهج آخر قريب من الواقع للتقدم إلى الإمام, في ما يخص اجتتات الاستبداد والعمل على مد مقومات الدولة المدنية الديموقراطية التي تستمد قوتها من سلطة الشعب, ألا وهو التحالف الوطني الشعبي الذي يضم كل الفئات المتضررة من النظام الرجعي ?
تجاوز مفهوم الطبقة العاملة وحزبها وبناء تحالف وطني شعبي, من جهة أخرى, هو أفضل عمل يمكن إنجازه لتطوير الماركسية وإعطاء قيمة لفكر ماركس. ستكون الماركسية, حين يحقق مستوى جيد في التفكير, قد خطت خطوات مهمة لتفرض نفسها كخطاب لأجل الممارسة السياسية !
كل هذا التحول يمكن تلخيصه في هيمنة الثقافة الرأسمالية التي أدت إلى تسليع كل شيء بما فيها البشر من خلال إقتصاد المعرفة الذي أدمج قوة العمل العضلية/الذهنية في منظومة رأسمال, المسمى خطأ رأسمال بشري.
باقتضاب, هذه هي الأرضية العامة لوضع الطبقة العاملة, أما الحزب الذي باستطاعته أن يجسد برامج هذه الطبقة , ففي اعتقادي, أنه سوف لن يجد أمامه أدنى الشروط للملمة هذه الطبقة وبالتالي تحويلها إلى أداة للتغيير لأنه هو نفسه كان ضحية جشع الرأسمالية القائمة بالفعل . معنى ذلك أن الأمور تغيرت ظهرا على عقب والدليل أن الأحزاب شبه انتهت في الشمال كما في الجنوب وأدت وظيفتها التاريخية, كما فرضت عليها سخرية التاريخ ذلك , وأن التغيير أصبحت له معايير وأدوات مختلفة عما سبق, وهذه هي جدلية التاريخ والمجتمعات كما تمليها الصراعات السياسية و الإجتماعية بتعبير كارل ماركس. ما يمكن القيام به, في المغرب على سبيل المثال, هو بناء جبهة وطنية شعبية كقوة ضاغطة من أجل التغيير. الجبهة إياها تضم كل القوى الطواقة للحرية والعدالة الاجتماعية. على مستوى المعمور, يستلزم مواجهة الإمبريالية المكونة من الثالوث أمريكا, الاتحاد الأوربي, اليابان, بناء أممية الشعوب أو قل تحالف جبهات جهوية متعددة لدحض هيمنة الثالوث. في اعتقادي هذا ما يمكن فعله اليوم ,وربما أن الشروط متاحة للقيام بذلك من خلال دول البريكس"BRICS" ودول أمريكا اللاتينية.
على المستوى النظري, هناك بعض الاجتهادات التي تقول ببناء الحزب- الشعب "Parti-peuple", الذي يأخذ من اللجان العمالية و الشعبية والتنسيقيات وغيرها أهم عناوينه , كما يحاول القيام بذلك جاك بيدي Jacques Bidet , لكن أزعم أن محاولة التنظير هاته لا تخرج عن إطار التنظيمات الحزبية الكلاسيكية وإن كان الثنائي الحزب-الشعب يشير إلى أن العمل السياسي سوف لن يكن فئويا بل خاضعا للسلطة الشعبية إلا أن هذا التوليف النظري لا يتجاوز, مرة اخرى,التنظيم الكلاسيكي للحزب إذ أصبح هذا الإطار غير قادر على طرح الأسئلة الجوهرية والحلول الممكنة . المشكل اليوم ليس في طبيعة الحزب ( أو النقابة) المزمع بناؤه, لكن في تحول مناخات بناء هذا الإطار لأجل التغيير أي أن هذه المنظومة (أي الحزب) قد شاخت وأصبحت متجاوزة : حزب بوديموس (وأحزاب أخرى من نفس الطراز) لا يرقى لهذه المهمة أي قيادة الطبقة العاملة لأنه يبقى حزبا يمثل بعض الطبقات الشعبية لكن كذلك يمثل البورجوازية الصغيرة والمتوسطة فضلا على أن قيادته هي قيادة بورجوازية ولا يمكنها أن تنتحر طبقيا, كما فعل ماركس ولينين ولافارغ وغيفارا وغيرهم من رواد الثورات الفكرية والسياسية..
سيعرف الحزب إذن تفكيكا تدريجيا حتى ينتهي لكن بموازاة ذلك هناك بلورة بدائل للتصدي للظلم ومنها الحركات الاجتماعية والمثقفين العضويين المستقلين فضلا عن أشكال أخرى من التنظيمات المحلية في الأحياء كما في القرى والبوادي وعلى المستويين القاري والدولي تمارس أشكال جديدة من الاحتجاجات إلى حد الانتفاضات والثورات في وجه المتسلطين.
هذا الشكل من التنظيم المتعدد الأطراف يتبلور تدريجيا على مدى مرحلة طويلة لولادة بدائل سياسية جديدة ستعم معها نسبيا الفوضى ويكون الصراع على السلطة على أشده. كل هذا سيبلور, من ناحية أخرى, في هذه المرحلة الانتقالية, نواة وضع جديد للنظام-العالم بمفهوم فالارشتاين Wallerstein سيتوج بتجاوز الرأسمالية, التي غدت لا تنتج إلا الدمار والحروب, وولادة أنماط إنتاج جديدة لها طابع شعبي على حد تعبير سمير أمين ستؤهل في المستقبل لبناء المجتمع الاشتراكي كولادة عسيرة من رحم الرأسمالية المتهالكة, لأقول تعيش الإشتراكية العالمية الآفاق, بمعنى أنه إما أن تكون الإشتراكية ذات بعد كوني أو لا تكون !