لبنان فوق صفيح ساخن!


عادل احمد
2020 / 8 / 10 - 03:17     

وقع انفجار ضخم في المرفأ التجاري في قلب بيروت عاصمة لبنان يوم الثلاثاء الرابع من اغسطس، وأدى هذا الانفجار الى قتل اكثر من ١٥٠ شخصا وجرح الآلاف من العاملين والساكنين في المنطقة وأطرافها. وتشير المعلومات الأولية عن انفجار حوالي 2750 طنا من نترات الأمونيوم القابلة للانفجار كانت مخزنة في المستودع وفي أماكن غير آمنة منذ عام 2013. ولم يعلن بعد بشكل رسمي سبب الحريق والانفجار وكذلك الجهة المسؤولة عن هذه الحادثة، ولكن قبل هذه الحادثة كانت لبنان ولازالت تحت وطأت الصراعات الطائفية والتدخلات الإقليمية أضافة الى وجود ازمة خانقة وضعت الأطراف الحاكمة في لبنان على وشك الإفلاس الكامل سياسيا واقتصاديا، وكانت هنالك تظاهرات واحتجاجات يومية بالضد من الفقر والبطالة والغلاء الفاحش وبالضد من الفساد الإداري والسياسي للنخبة السياسية البرجوازية والطائفية. ان هذه النكبة والمأساة أضيفت الى المائدة الفارغة للطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمحرومة في لبنان في ظل فايروس كورونا..
تعاني الجماهير المحرومة في لبنان طوال عشرات السنين الماضية بدا من الحرب الأهلية في نهاية السبعينات والى يومنا هذا من الصدام الطائفي السياسي الرجعي ومكان التقاء المصالح الدول العالمية والإقليمية ومنها إسرائيل، والتي أدت الى بروز التيار الديني الشيعي بعد قيام الجمهورية الإسلامية في ايران من جهة والقوميين السنيين بدعم من السعودية والإمارات من جهة ثانية، أضافة الى ووجود إعداد هائلة من المستوطنين الفلسطينيين في أراضيها.. وفي الآونة الأخيرة دخول فرنسا وروسيا سياسيا بعد فشل سياسات أمريكا المتتالية في الشرق الأوسط. وان كل الحكومات المتعاقبة في لبنان لازمتها الأزمة والفشل بعد الفشل بسبب الصراع والمصالح المتضادة. وبعد كل هذه الكوارث السياسية والأقتصادية جاءت كارثة الانفجار الأخيرة والتي ستبقى اثارها لسنين طويلة على الجماهير المحرومة. ولا تزال الدول الأقليمة والقوى العالمية الكبرى تتسارع بان تتدخل الكل حسب مصالحه ومنافعه بحجة المساعدة الإنسانية للمتضررين.. تركيا التي تمر بأعمق ازمة اقتصادية، تعلن بانها مستعد ان تبني المرفأ على حسابها الخاص، وفرنسا أعلنت عن مؤتمر لمساعدة لبنان وروسيا أعلنت بانها ستزيد مساعداته الميدانية بقدر اكبر، وهكذا.. ولكن الحقيقة تكمن بان الكل يريد ان يتدخل لمصلحته وليس لمصلحة الشعب اللبناني.. والكل كان يدري بان دولة لبنان تمر باسوا مراحلها السياسية والاقتصادية وعلى حافة الهاوية والإفلاس ولكن لم يقدموا سنتا واحداً للجماهير المحرومة في لبنان، ولم يحسموا المشاكل السياسية والصراعات الطائفية ولا ديونها الخارجية.. ولم يتدخلو لمساعدة المتظاهرين ومطالباتهم وحقوقهم.. ولم يتدخلوا لمساعدة الجياع والمعطلين عن العمل، ولم يتدخلو لرفع شوكة حزب الله والحريريين والتي تجثم في صدور الطبقات المحرومة والكادحة منذ عشرات السنين.. ولم يتدخلو لوقف التطاولات والاعتداءات المستمرة لإسرائيل على جنوب لبنان وقصفه بالصواريخ.. إذن الاستعدادات التي تقدمها الدول هي من اجل موطئ قدم في رسم الخريطة الجديدة في المنطقة مرورا من لبنان والى بقية مناطق في الشرق الأوسط.
من حق الجماهير في لبنان ان تعلن بعد الكارثة والانفجار والضحايا والمفقودين، وضع منصة الاعدامات الرمزية في قلب بيروت لمحاسبة المسؤولين عن الانفجار والأوضاع الحالية التي تمر بها لبنان. ان الجماهير المحتجة والغاضبة كانوا في الشارع لشهور من اجل الدفاع عن معيشتهم وحياتهم، والآن يواجهون الموت والكوارث بسبب السياسات الغير إنسانية لأحزابها وحكوماتها ونخبها السياسية الطائفية والفاسدة ويواجهون المسقبل المظلم طالما تبقى كل هذه النخب على راس الدولة والسياسة. بعد هذه الكارثة المدمرة وبعد هذا الكم من الضحايا البشرية وجروحها، حان الوقت لكنس كل المخلفات السياسية والطائفية ورميها في سلة المهملات وتقديم مسؤليها الى المحاكم الشعبية بطريقة ثورية. لقطع يد وتطاول الدول الإقليمية والقوى العالمية على لبنان. أثبتت الجماهير في لبنان من خلال التظاهرات اليومية بانهم لن يقبلوا باي حل طائفي وأي حل توافقي ومطلبهم الرئيسي هو رحيل جميع السياسيين وتجاربهم والتي لم تجلب غير المعاناة والمأساة والفقر والبطالة والغلاء، ولم ينام لبنان يوما بأمان في ظل سياساتهم وحكوماتهم الملطخة اياديهم بدماء الأبرياء منذ الحرب الأهلية والى الان. صحيح يعيش لبنان على صفيح ساخن منذ سنوات ولكن وصوله الى درجة الكوارث المميتة حيث الضحايا بالمئات والجرحى بالألاف، فسوف يصل الى نقطة لا يمكن الرجوع عنها وهي محاسبة كل المسؤلين عن الأوضاع الحالية مع اشتداد مآسيهم ومعاناتهم.
ان التظاهرات والاحتجاجات والغضب الشعبي كي توصل الى نهايتها وكي تصل الى تحقيق مطالباها، عليها ان تكون منظمة وان تكون واعية بخطواته وبأهدافه وإلا ترجع لبنان مرة أخرى الى حرب أهلية كما راينا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ان مأساة لبنان السياسية هو هذا التقسيم الطائفي والمثبت في دستورها. لذا أن لم تنهي الجماهير في لبنان هذا التقسيم ولم تنهي دور جميع السياسيين والطائفيين فان احتمال كوارث ومأسي اكثر سوف تنتظرهم، لن يعيش لبنان في أمان. ولكن هناك بوادر أمل اجتماعي في التظاهرات والاحتجاجات من اجل خلق لبنان خالي من الطائفية، الجماهير المحرومة من العمال والكادحين والناس الشرفاء والتحرريين لن يثقوا بجميع النخب السياسية الحالية وتقسيماتها الطائفية. وان وجود المشانق الرمزية في وسط المدينة يعني جاء دور محاسبة المسؤلين عن الأوضاع الحالية في لبنان بعد الانفجار الأخير والذي ستبقى آلامه لعشرات السنين القادمة.