حوارات (4)آلان تورين: نحن نعيش في ظل الفراغ وسقوط المعنى وفي عالم بلا فاعلين * ت. عبد المجيد السخيري


عبد المجيد السخيري
2020 / 8 / 10 - 01:15     

ينتمي عالم الاجتماع الفرنسي لآخر أحياء جيل طبع الفكر الغربي. ويقول أنه يشعر اليوم بفراغ كبير. آلان تورين(Hermanville-sur-Mer, 1925) يعد واحدا من آخر أحياء الجيل اللامع الذي طبع العلوم الاجتماعية والفكر الغربي ابتداء من منتصف القر ن العشرين إلى غاية بدايات القرن 21.
وكعالم اجتماع، فقد امتد حقل دراسته إلى المعامل التي قادت البلاد إبان فترة ما بعد الحرب إلى المجتمع ما بعد الصناعي، وإلى الحركات الاجتماعية عند أزمة الحداثة. وقد صار تورين، من خلال مداخلاته في النقاش العمومي بفرنسا، لكن أيضا في بلدان أوروبية أخرى كما في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، مرجعا في أوساط ما يُدعى في فرنسا ب"اليسار الثاني" ذو الصفة الاجتماعية-الديمقراطية والمناهض للشمولية بشكل واضح. وقد أجرى عالم الاجتماع، الحاصل على جائزة الأمير d’Asturies، حديثا بالهاتف مع Ideas لجريدة El País من مكان حجره الصحي بباريس.

نص الحوار:

-نحن في حالة حرب، كما يقول إيمانويل ماكرون، بيدرو سانشيز ودولاند ترامب. هل هذا صحيح؟

-آلان تورين: تقنيا تُفيد الحرب مواجهة جيش "أ" الذي يغزو أراضي البلد "ب". وهذا على الأقل يهم بلدين وهي تجري بين بني البشر . هنا، من ناحية أخرى، فإن ما نراه هو بني البشر ضد غير البشر. أنا لا أنتقد توظيف كلمة الحرب إنما ستكون حربا بلا مقاتلين. وليس ثم استراتيجي: فالفيروس ليس رئيس حكومة. ومن الجانب الانساني، أعتقد أننا نعيش في عالم بلا فاعلين.

-بلا فاعلين؟

-آلان تورين: لم أر مطلقا رئيسا للولايات المتحدة غريب الأطوار مثل دولاند ترامب، بقليل من الصفات الرئاسية، وشخصية بعيدة جدا عن المعايير وعن دورها. وهذا ليس بصدفة: فقد تركت الولايات المتحدة وراءها دور القائد العالمي. واليوم لا يوجد شيء. وفي أوروبا، إذا ما عُنينا بالبلدان الأكثر قوة، فهي غائبة. لا يوحد أحد في أعلى الهرم.

-ماذا عن الأسفل؟

-آلان تورين: لا توجد حركة شعبوية، إذ ما لدينا هو سقوط ما كان، إبان المجتمع الصناعي، يخلق المعنى: الحركة العمالية. أي بمعنى، أنه ليس لدينا اليوم فاعلين اجتماعيين، لا سياسيين، لا عالميين ولا وطنيين ولا طبقيين. لذلك فإن كل ما يجري هو تماما نقيض الحرب، بآلة بيولوجية من جهة وبأشخاص ومجموعات بلا أفكار، وبلا قيادة، بلا برنامج، بلا استراتيجيات، وبلا لغة من جانب آخر. إنه الصمت.

-هل تتذكرون لحظة مماثلة من حياتكم؟

-آلان تورين: نفس الشعور ربما وُجد إبان أزمة 1929، وكنت قد ولدت قبلها بقليل: كل شيء كان يتوارى ولم يكن هناك أحد، لا بأوساط اليسار ولا في أوساط الحكومات. لكن صحيح أن هذا الفراغ جرى ملأه بسرعة من قبل السيد أدولف هتلر. وما يبهرني أكثر اليوم، كعالم اجتماع بقدر ما كمؤرخ للحاضر، هو أنني لم يسبق أن شعرت بهكذا فراغ منذ زمن بعيد جدا. هناك غياب للفاعلين، والمعنى، والأفكار، بل وحتى المصالح: فالجاذبية الوحيدة لهذا الفيروس هم المسنون. ولا يوجد حتى دواء ولا لقاح. وليس لدينا أسلحة، ونذهب لملاقاته بأيدي عارية، ونحن محبوسون وحدنا، معزولون، ومهجورون. لا ينبغي لنا الاتصال وينبغي أن نظل محبوسين بمنازلنا. وهذه ليست بحرب !

-كنت في الرابعة عشرة من عمرك عام 1944، مع بداية الحرب الحقيقية، الحرب العالمية الثانية. هل تتذكرون هذه اللحظة؟

-آلان تورين: لا. في تلك اللحظة، لم يكن هناك، بالنسبة لفتى فرنسي في سني في تلك الحقبة، ما هو أكثر عبثا من حرب فرنسية – ألمانية. فقد سبق لهما أن تحاربا من قبل لأكثر من مرة. نعم، بعد ذلك، طبع الاحتلال فترة شبابي كلها. اليوم الأمر مختلف: نحن في ظل الفراغ، و نُرد إلى العدم. لا نتكلم، ولا يجب أن نتحرك ولا أن نفهم.

-كيف حدث أن وصلنا إلى هنا؟

- آلان تورين: لقد أمضينا قرنين جيدين في مجتمع صناعي، وفي عالم محكوم من قبل الغرب طيلة ما يناهز 500 سنة. واليوم اعتقدنا أننا كنا نعيش، وذلك كان صحيحا في الخمسين سنة الأخيرة، في عالم أمريكي. ربما سنعيش الآن في عالم صيني، لكني لست أيضا متأكدا تماما. فأمريكا تغرق والصين توجد في وضعية متناقضة، والتي لن تستمر إلى الأبد: فهي تريد ممارسة الشمولية الماوية من أجل تدبير النظام العالمي الرأسمالي. نجد أنفسنا في وسط لا شيء، وفي ظل انتقال موجع لم يكن لا مُحضَرا ولا مفكرا فيه.

-هل تتحدثون عن لحظة الحاضر، في عز الحجر الصحي، أم عن عصركم بشكل عام؟

-آلان تورين: عن الاثنين. لكن أريد أن أعطي وجهة نظر شخص محجور عليه. أنا نفسي لا أدري أين أوجد، بما أنه ليس لدي الحق في الخروج إلى الشارع.

-هل يقلقك هذا الوضع؟

-آلان تورين: لا، لأن حياتي تقتضي أن أظل في المنزل من أجل العمل. فأنا أشعر، نوعا ما، بأنني محمي بنفس الشروط كما في باقي الأيام الأخرى.

-وأين أوروبا من كل هذا؟

-آلان تورين: استمعتم إلى رسائل أوروبية كثيرة في الأيام الأخيرة؟ أنا لم أفعل. فأنا جد موالي لأوروبا بل وكثيرا إلى حدما. خروج المملكة المتحدة ليس بأمر بلا أثر. وليس كذلك أيضا صعود اللا-ليبراليين مثل ماثيو سالفيني بإيطاليا. وهذا الوباء يأتي في مرحلة حيث لا نعرف فيها لا كيف ولا لماذا. وإنه لمن السابق لأوانه جدا أن نعرف ما سنفعل بالنسبة للاقتصاد وبالنسبة للسياسة، ويُطلب منا فقط أن نظل محبوسين بمنازلنا. فنحن في ظل اللا-معنى، وأعتقد أن أناسا كثيرين سيصبحون مجانين بسبب هذا اللا-معنى.

-هل ستكون هناك عودة للنزعة القومية والشعبوية بنظركم؟

-آلان تورين: لكن كل ذلك كان موجودا من قبل. والآن ثم قرارين أساسيين يطرحان على أوروبا. بادئ ذي بدء، التحرر عن طريق النساء. أي سقوط العقل في مركز الشخصية وإعادة تشكيل العواطف من حول العقل والتواصل، مجتمع الرعاية care (بالانجليزية، الرعاية). بعد ذلك، استقبال المهاجرين، الذي أعتبره مشكلة ذات وزن. فبلداننا الأوروبية تتحدد في أيامنا بموقفها إزاء المهاجرين.

-ألا يخلخل الفيروس كل شيء؟ التداعيات الاقتصادية، العادات الاجتماعية الجديدة مع المزيد من التباعد، وأولويات أخرى...

-آلان تورين: لا أعتقد ذلك. ستكون هناك كوارث أخرى. سيكون من المذهل أن لا تقع كوارث إيكولوجية مهمة في السنوات العشر القادمة، وهذه السنوات العشرة الأخيرة ضاعت. حذار، ليست الأوبئة كل شيء. وأعتقد أننا نلج إلى نوع جديد من مجتمع الخدمات، كما كان يقول الاقتصاديون، إنما الخدمات ما بين بني البشر. إن هذه الأزمة ستدفع إلى الأعلى بفئة مقدمي الرعاية: فلا يمكن أن يستمروا بالحصول على أجور متدنية. وفي نفس الوقت، هناك مع هذه الأزمة، احتمالات أن تنتج الصدمة الاقتصادية ردود أفعال ما أسميه من طبيعة فاشية. لكني لا أريد أن أتتحدث كثيرا على المستقبل، وأفضل أن أنكب على الحاضر.

-في هذه اللحظة الفيروس هو يحكمنا.

--آلان تورين: لا ليس الفيروس، إنما عجزنا عن مكافحته، لكن هذا سينتهي حالما يتم التوصل إلى لقاح.

ترجمة عبد المجيد السخيري
* العنوان من اقتراح المترجم
العنوان الأصلي:
“Cette crise du Covid-19 va pousser les soignants vers le haut” .
D’après El País (Espagne) Traduit par Kaissa Aite
الرابط
http://www.espaces-latinos.org/archives/90174
-