الخيبة حين تضرب أطنابها


عبدالحميد برتو
2020 / 8 / 9 - 20:40     

إن الخيبة حالة شعورية مثل أي شعور آخر. تُوَلِدُها عوامل عدة خارجية تتفاعل مع الحالة السلوكية الداخلية لكل شخص. وهي حالة تضرب الصغار والكبار على حد السواء. ولكنها عند الخائبين المتقدمين في السن تُصَرَّفُ بعداونية بائنة. لا تحتاج الى مقدرة على التحليل أو الغوص في الأعماق. بل ينطبق عليها تماماً المثل القائل: (كاد المريب أن يقول خذوني).

كما إن الخيبة تكون عادة فردية، وتأخذ أحياناً صفة عامة عند جماعة إجتماعية: شعب؛ حزب؛ عصبة؛ جماعة دينية، فريق رياضي ... الخ. حين يُبشر الخائب بقضية ما أو موقف ما أو هدف ما، فإنه ينزل أفدح الأضرار بها من خلال الإنطباعات البشعة التي ترتسم في عقل وذاكرة المتلقي.

يتخفى الخائبُ دائماً وراء جماعة إجتماعة ليستمد بعض القوة النفسية على أمل دعم إرادته الخائرة. وكما تقول الحكمة "كل شيء زاد عن حده إنقلب الى ضده". أعني إن محاولة التستر تتحول الى فضيحة.

لا أريد في هذه الأسطر التركيز على الخيبة الفردية، لأنها أقل أهمية من أي خيبة عامة. لا تنشأ الخيبة العامة دفعة واحدة إلاّ في حالات قليلة، مثل نكبة العرب في 5/حزيران/يوليو 1967. كما أن العديد من الخائبين على الصعيد الشخصي يحاولون إعطاءها صفة الحالة العامة.

تتراكم حالة الخيبة العامة تدريجياً تأسيساً على أحداث جسام متعاقبة. تَرْتَسِمُ صورةُ هذه الحالة في الإطار الإجتماعي الأوسع، قبل أن تنتقل الى الجهة الإجتماعية الأصغر المعنية. ذلك الشعور لا يتولد من السقطات الذاتية فقط. إنما يدعم من جهات معادية من خارج إطار الجماعة. تستخدم في تلك المهمةِ الحربُ الناعمة وخبرات وتجارب التدمير الذاتي المعدة في مختبرات العلوم النفسية والإجتماعية القائمة على فكر النيوليبرالية، آيديولوجياً وسلوكياً.

تتحرك حالة أي مجموعة إجتماعية بإتجاهين في مجال نموها الإجتماعي صعوداً ونزولاً. حركة الصعود تبرز المحاسن في الجماعة. تلف حولها الأبطال والخائبين والإنتهازيين معاً.

تتخلص الجماعة الإجتماعية بإرادتها في حالة النزول من الأشخاص الذين يحملون مواصفات معينة، فيها درجات متفاوتة من حيث الإلتصاق والقوة والقناعات الراسخة بالإطار الفكري العام لتلك الجماعة. وعلى سور تلك الجماعة يتسع التعبير عن المعتقدات الذاتية بدرجة قوية وغير مسبوقة. هناك مَنْ يُحافظ على درجة معينة من الأمل في التخلص من الأدران العالقة في حركتهم. ويتركون مسافة بينهم وبين الهوامش والهواجس وغيرها من الحالات السلوكية القوية والهشة.

تنشأ عند سور الجماعة وداخلها جماعات منفصلة عن الهموم العامة الأساسية. ربما لا ينتظرون أكثر من نعي في صحيفة محدودة التوزيع، أو الإحتفاظ بإمتياز معيب حصل عليه، من غير وجه حق. حتى بعض التفاهات تصبح بنظرهم إمتيازاً. لاشك في أن ضفتي السور تضم نماذج إيجابية وسلبية. يمكن أن نشخص على عجل بعض صورها: الحريص؛ الصادق؛ الصابر؛ التابع؛ الصامت؛ القلق؛ المتربص؛ المجهض؛ المتحسر؛ المضطرب؛ الحاسد؛ المطلع؛ الجاهل؛ الصبياني؛ ضيق الأفق ...الخ.

لا يمكن أن يظهر تمرد ذو بال في جماعة إبتعدت عن الأمل كثيراً، وبصورة حاسمة. يصبح الحال حال الماء في القدر. إن التمرد من الخارج، من خارج بيت أي جماعة إجتماعية، ما هو إلاّ قوة ضغط غير بناءة تطفيء بصيص الأمل حتى لو كان مجرد وهماً.

نعم موضوع الشعور بالخيبة يستحق دراسات جدية ومعمقة كحالة نفسية مؤثر في السلوك العام لأفراد الجماعات. وفي بعض الأحيان على المجتمعات. هذه الومضة مجرد همسة صغيرة عن حالة برزت في الأيام الأخيرة بين أشخاص يحسبون على اليسار. لقد تعففت عن المشاركة فيها لإعتبار واحد. هو معرفتي بخطر التنابز على ما تبقى من نظرة شعبية إيجابية عن "التقدميين العراقيين".

إن التنابز من أبرز مؤشرات الهبوط الى القعر الموحل الذي لا يخدم إلا أعداء الشعب العراقي. هناك فرق شاسع بين أن تناقش إنسان من أي إنتماء على أفكاره، وبين الطعن الشخصي. خاصة إذا جاء الطعن من أكتاف رخوة في أكثر من مرحلة تاريخية وموقع وحالة ووو. إذا كان إنسان معنا في الحزب وتخلى عن هذه المسؤولية أو أُبْعِدَّ عنها. هل من حقنا أن نطالبه بمعايير حزبية صارمة؟

طبعاً حين يتعرض إنسان ما الى الطعن غير المنصف بكل المعايير. يصبح كل إنسان أمام إمتحان صعب لتقرير الموقف. وعليه أن يجيب على أكثر من سؤال، أخلاقي قبل كل شيء. مسبقاً قبل طرح الأسئلة أقول: إن حصيلة كل النتائج لن تكون في الصالح العام.

هل السكوت يخدم ضد التسعير الجائر؟ هل عليك أن تكتم الحقيقة الخطيرة من أجل مصلحة عامة حزبية أو وطنية؟ وقبل هذه وتلك، أين تقف الحقيقة إنسانية؟ حين ترى الشتائم فقط، أليس من حق الإنسان أن يسأل: أين نقاط الخلاف؟ وما هو الرد المبدئي عليها؟
أخيراً أقول: عيب أيها الرفاق!