مقاييس جديدة للقصيدة بعد ثورة الحداثة - ثورة التجديد الشعري- مع الشاعر والصحفي مكي النزال - الحلقة الرابعة من – لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا- في بؤرة ضوء


فاطمة الفلاحي
2020 / 8 / 6 - 12:22     

صالح أبو أصبع، يقول: الشعراء لم يهملوا القافية في القصيدة الحرة بل طوروها أكثر مواتاة للبناء في القصيدة الحديثة

7: بعد ثورة الحداثة التي تعرضت لها القافية، هل أخضعتَها لمقاييس جديدة تنسجم مع طبيعة هذه الثورة وقوانينها؟ وهل اضطررت إلى التضحية بجزء من قيمتها الدلالية كي تحافظ على الشكل العام للقصيدة؟

يجيبنا الشاعر مكي النزال، قائلًا:
من مسمّى (قصيدة حرَّة) نستنتج أنها تفلَّتت من القيود، وأنها (الحريّة) نسبيّة كما في كل مكان تحل فيه.
هنالك قصائد تتحرر من القافية، لكن معظم الشعراء لا يلغون القافية نهائيًّا وإنما ينوّعونها وإن نجحوا في ذلك التنويع يكن كلام د صالح صحيحًا. مع إصراري (وأنا أكتب قصيدة التفعيلة) على أن القافية الواحدة والبحر الواحد في الشعر العمودي ليسا قيدين ضارين، وأن الشاعر المتمكن لا يعجز عن تنويع الإيقاع (فطريًّا أو صناعة) ليجعل المتلقي لا يمل قراءتها، بل ويترنم بها.
وإليكم عيّنة (عشوائية) مما كتبت ملتزمًا كثيرًا ومنوِّعًا قليلا:

ساهِرُ الطَّرْفِ حَبيبي
ليسَ شَوقًا
لَيسَ عِشقًا
لَيسَ تَذكارًا لطيبي

بَلْ هُمومٌ
ووجومٌ
وعِثارٌ في الدُّروبِ

وَأَنا السّاهِرُ وَحدي
أَتَمنّى لو حَمَلْتُ العِبءَ عنهُ
وإن اشتدَّ وجيبي

يا طويل الليل إني
لستُ آتي بعجيبِ
إنَّما أَرقيكَ بالنَّبْضِ يُصَلّي
وَتُسَلّيكَ جراحاتي تُغَنّي
فَأَنينٌ قَد يُغَنّى
فَيُسَلّي

نَمْ بِعَيْني
وَالتَقِطْ سِلْمَكَ مِن بَحرِ حُروبي

وانسَ جُرحي
فهوَ لاهٍ بكَ عن نزفٍ رهيبِ
لَيْسَ بِالأَمرِ الغَريبِ

فَأَنا الصّامِدُ والصّابِرُ
ما دُمتَ طبيبي
وَأَنا الواهبُ والحارِسُ
ما دُمتَ حبيبي.

والشاعر المضحي بجزء من شعرية قصيدته هو شاعر خاسر؛ فالأساس في القصيدة وقيمتها هو كم الشعريَّة الموجود فيها والباقي كله مجرد شكليات قد تكون مكملة أو مقيِّدة وفق العوامل المعروفة للقصيدة: (الشاعر؛ الملهم؛ الظرف؛ القيود؛ التمكن من اللغة بالإضافة للجو العام).
وربما في هذا يتمايز الشعراء، فربما كان في عصر المتنبي مئات أو آلاف الشعراء الذين اندثر ذكرهم أو كاد، لأنهم لا يمتلكون الأدوات الداخلية (الفطرة الشعرية المطبوعة) والخارجية المذكورة أعلاه.
انظروا مثلًا لشاعر مطبوع لكن لغته ضعيفة؛ كيف سيعبّر عن شعريته؟ ونظرة أخرى لمعلم لغة عربية يتقن العَروض ولغته العربية راقية لكنه لا يمتلك الملَكة الشعرية؛ ماذا سيكون وقع قصيدته؟

انتظروا قادمنا .