الهوية القومية واللاهوية والصراع الطبقي


كوسلا ابشن
2020 / 8 / 5 - 22:20     

هناك هرطقات يكررها مؤدلجوا الاستعمار لتبرير الوجود الاستعماري وهي مثل " مر بشمال إفريقيا شعوب مختلفة" أوالنبش في " مسألة البحث عن ألأصول الخارجية للامازيغ"أو ما أصبح شائعا في أوساط "اليسراوية الاستطانية" "تناقض الهوية والصراع الطبقي", وأصبحت هذه الهرطقات حاليا من الزمن الفكري السكولاتي الماضوي, بعد الاكتشافات العلمية الأركيولوجية الجديدة والابحاث التاريخية الجادة والأبحاث الانتروبولوجية والابحاث الجينية, و لم تعد الهرطقات إلا في أفواه العامة الذين لم يصلهم بعد أبجدية العلوم الحقة و كشف العلاقة الجدلية بين النضال القومي والطبقي.
العلوم الاركيولوجية حتى الأن توصلت بدون غموض الى أن أجداد البشرية (هوموسابيان), إنطلقوا من موطنهم الاول شمال فريقيا وبالضبط منطقة إيغود ليستوطنوا العالم, وأصول الامازيغ ترجع الى السلالة الأيغودية, لم يمروا مر الكرام ولم يهاجروا من منطقة خارج شمال افريقيا, وهم صناع حضارة شمال إفريقيا, وكانوا وما زالوا وسيظلون بالهوية الامازيغية, الأمة الأصلية لشمال إفريقيا.
القوى العابرة لبلاد الامازيغ إنتهى زمانها العبوري سواء كان زمن الضيافة أو زمن الاستعمار الاستطاني, بطردها الابدي, وإنتهت الهويات الزائفة ولم يبقى الا الأصل والاصيل, الامازيغ, أمة شمال افريقيا, وعلى قول محمود درويش :" أيها المارون بين الكلمات العابرة,احملوا أسماءكم وانصرفوا, واسحبوا ساعاتكم من وقتنا, و انصرفوا", أما موجة التبني و الارتزاق التي أبدعها و دعمها و نشرها الاستعمار الفرنسي, ستعود يوما الى أحضان الاب البيولوجي مع التحولات والتغيرات القادمة.
المستوطن المسالم دائما يتخذ من هوية ارض الاقامة هويته, وهو نفسه ما حصل مع الناجين من الابادة الجماعية للأقلية الوندالية الغازية, وهو نفسه ما حصل للجماعة الصغيرة من "الفينيقيين" إن بقي منها أفراد معدودين بعد حرق قرطاج, لأن أغلبية سكان قرطاج "المدينة-الدولة" كانوا أمازيغ تفرقوا في بلادهم بعد تدمير المدينة, إن ارض الاقامة والثقافة واللغة المحليتين من تعطي الهوية للساكنة الاستطانية وليس العكس.
القاعدة العلمية تقول: "من حل على بلدا وأستوطن فيه يصبح بهوية أصحاب البلد وليس العكس", وان حل العكس تكون المعادلة غير شرعية لتصبح إستعمارا إستطانيا, يجب محاربته شرعيا والقضاء عنه.
الهوية الذاتية هي وحدة الثوابت والجزئيات النسبية المتفاعلة بينها و محيطها في توافق كامل في الخصائص الذاتية وهذه الهوية ملموسة في ماديتها.
الديالكتيك لا ينكر الهوية في حد ذاتها وإنما يرفض التفسير الميتافيزيقي للجمود المطلق ( أن الاشياء لا تتغير بالاطلاق), لكن لا يعني أن الديالكتيك لا يفهم الاشياء إلا في حركتها و تغييرها المستمر, بل يأخذ في الاعتبار نوعية الاشياء المستقرة نسبيا, هذا الكائن من الثبات النسبي والمستقر في الحركة هو ما ينعكس في مبدأ الهوية. والثبات والهدوء ليسا سوى لحظات للحركة الكونية, وإن الهوية المجردة تمثل لحظة هوية جدلية ملموسة بأشكالها وجزئياتها المختلفة في ترابطها, يتطابق التقدم من الهوية المجردة الى الهوية الملموسة في التفكير, مع إنتقال معرفة المظهر الى معرفة الكائن. الهوية الملموسة المادية للكائن الجمعي (الامازيغ) يحدد في الحالة العامة بسماتها الخاصة وخصوصياتها في مكانها الثابت و زمانها المتحول بطبيعة وظيفتها المنطقية في علاقته بالكائن الجمعي الآخر أو الهوية الملموسة لأطراف مختلفة (الأمم) في ثوابت أماكن تواجدها وجزئياتها المتحولة (التأثير والتأثر).
اللاهوية هي المظهر المجرد للحالة العامة الغير المشخصة في زمكان الا في لحظات جدلية تحولات البنية القديمة لتبني البنيات الجديدة. اللاهوية هو العجز النفسي في مقاومة المعطيات الجديدة في صراع الهويات الإثنية في واقع المنعطفات التاريخية, لتتشكل من الهويات المقهورة (دونية الذات) عناصر اللاهوياتية أو عناصر التحول الهوياتي, وهذا الواقع الجديدة ما يشكل اللاهوية في حركة إرتزاقية وظيفية لاعادة الاعتبار للذات الفردانية الانانية في زمن العجز المجمعي, إنعكاس الواقع المادي الجديد في الادراك والحواس, يقدم في مثل هذه الفرضية معرفة مغلوطة و مزيفة. هذه المعرفة تتمظهر في السيكولوجية الإنهزامية والإدراك اللاواعي السالبة للفرد حرية الارادة الطبيعية في العلاقات الاجتماعية (عقدة النقص), وهذه السيكولوجية استجابة لفعل موضوعي ورد فعل لمثيرات الوسط الاجتماعي المؤثرة في الفكر والسلوك والمنتجة لعادات وسلوكات سلبية تستجيب للذهنية السائدة بأوهامها وطقوسها وخرفاتها و رمزيتها في رفض هوية الامة والإعتراف بهوية الصراع الطبقي في تصوره الميتافيزيقي.
الفكر المادي التاريخي يدحض الهرطقات والمفاهيم المغلوطة للفكر الكولونيالي (اليسراوي-اليميني) حول تشكل الهويات والمجتمعات البشرية أو الصراع الاجتماعي, المادية التاريخية تنظر للأمم ( الاقوام ) من خلال اختلاف جغرافيتها وثقافتها ولغتها وعلاقاتها الانتاجية في مرحلة سسيو-إقتصادية محددة التي افرزتها عبر السيرورة التاريخية في عملية تحولات الانماط الاقتصادية وما ينتج عنها من تناقضات إجتماعية, والفكر الماركسي اللينيني لا يلغي هويات الامم المختلفة ودورها في تطور المجنمع البشري ولا يلغي نضالها التحرري.
يعرف الكتاب الاكاديمي في الفلسفة ب (الاتحاد السوفياتي), ( أسس الفلسفة الماركسية اللينينية) основы марксистсколенинской философии
"ألأمة هي مجموعة من الناس, مستقرة في أرض محددة جغرافيا وتربطها لغة مشتركة وحياة اقتصادية مشتركة و يجمعها بعض السمات السوسيو نفسية المحددة وثابتة لثقافة أمة معينة هذه الخصائص التي تميز ثقافتها عن ثقافة الشعوب الاخرى"
هوية الشعب والارض لا تحددها إرادة أجنبية إستعمارية في زمنها العابر ولا دساتيرها الظرفية, ولم تظهر الهوية بمحض الصدفة ولا تتكون بإرادة فرد أو جماعة ( لقاء مراكش 1989), الهوية تتكون عبر الاف السنين من الوجود الانسان الجمعي في زمكان محددين بخصائصها السوسيو-إقتصادية والثقافية واللغوية والنفسية.
الحقيقة الموضوعية ان الشعوب والامم تختلف فيما بينها في خصوصيات ومميزات كثيرة , وهي تدرك وتعي هذه المميزات والخصوصيات , مثلما تدرك اي طبقة اجتماعية مميزاتها المحددة والمختلفة عن طبقة اخرى , فاذا كان هناك اختلاف بين الطبقة العاملة وبين الطبقة البرجوازية حسب مكانتهما من النظام الانتاجي وحسب علاقتهما بوسائل الانتاج (في المجتمعات الطبقية), وكذلك الشعوب في الحالة الجمعية في تطور التاريخي, تعي في حياتها السوسيو- اقتصادية والتاريخية و الثقافية واللغوية والجغرافية, انها تختلف عن التجمعات البشرية الاخرى , وبالتالي عندما تحتل قوة اجنبية بلدها وتضطهدها , فإن الحالة الإضطهادية, تنتج بدورها الوعي الذاتي الرافض لهذا المحتل الاجنبي, وعي قومي - وطني تحرري مناقض للفكر الاستعماري الاضطهادي الاستغلالي, الوعي المدرك ان هذه التناقضات لا تزول الا بزوال الاستعمار وزوال ثقافة الاغتراب و زوال السياسة الإضطهاد القومي والإضطهاد الاجتماعي, فالصراع الكبقي لا ينفصل عن الصراع التحرري الشامل.
الشعب الامازيغي وهويته معطى مادي تاريخي بعلاقاته الاجتماعية وأنماطه الاقتصادية والثقافية وتناقضاته الطبقية. في الحالة الجمعية تصادم الامازيغ عبر التاريخ ببنيات استطانية استعمارية وإستغلالية وقهرية متعددة حاربها بأشكال مختلفة, والحالة المعاصرة هي نسخة للتاريخ الاستطاني الاستعماري. الطرح الماركسي-اللينيني في عملية الصراع لا ينفي التحرر القومي للشعوب المقهورة, التحرر القادر لمد القوة للطبقة المقهورة في نضالها الطبقي.
في المؤتمر 3 للاممية الشيوعية 1921 , قال لينين :" من الواضح تماما ان حركة التحرر الوطني لغالبية شعوب العالم لها دورا ثوريا أكبر بكثير في الحسم القادم في الثورة العالمية الموجهة ضد الرأسمالية والامبريالية, وربما ستلعب دور ثوري كبير, كما نتوقع. فجماهير الشغيلة والفلاحين في الدول الاستعمارية, على الرغم من تأخرها, ستلعب دور ثوري مهم جدا في المراحل اللاحقة للثورة العالمية", المؤلفات 32, ص.505.
التحليل الماركسي للمسألة الاجتماعية, بلا شك يجب ان تحدد في اطارها التاريخي وهو نفس المنهج في تحليل واقع المجتمعات المختلفة, بالاخذ بعين الاعتبار الخصائص الملموسة التي تميز هذا المجتمع عن الاخر في نفس المرحلة التاريخية, ومنها مرحلة النضال الوطني- القومي, الذي يلعب فيه العنصر السياسي والاقتصادي دورا بارزا في اهداف حركة التحرر من اجل تقرير المصير وبناء الدولة المستقلة, وبهذا من الضروري الترابط النضالي الوطني - القومي والاجتماعي, الذي قد ينتج الظروف الملائمة للمرور الى عصر جديد يكون مقبرة للكولونيالية والرأسمالية معا, تحقيق الاستقلال الوطني-القومي والانتقال الى مجتمع العدالة الاجتماعية, (حالة الفتنام).
جدلية النضال القومي والاجتماعي يستمد واقعيته من كون الاضطهاد الاجتماعي نتاج النظام الطبقي وجزء من البنية الكولونيالية, فالفئة الاجتماعية المسيطرة على المجال الاقتصادي هي نفسها المسيطرة سياسيا (الحاكمة), فهي الفئة المكونة للنظام الكولونيالي والمضطهدة للامة الامازيغية قوميا واجتماعيا.
في مرحلة مناهضة الاستعمار تشارك جميع الطبقات والفئات الاجتماعية في النضال القومي التحرري ضد الاستعمار, بغض النظر عن الموقع الاجتماعي لهذه الفئة او تلك , ففي هذه المرحلة تضع حركة التحرر القومي في استراتيجيتها قضية تحرير الارض والشعب من السيطرة الكولونيالية في الدرجة الاولى كقوة دافعة في الصراع بين المضطهد ( كسر الهاء ) الاستعماري وبين المضطهد ( فتح الهاء ) المستعمر. تميز الماركسية ثلاثة أشكال أساسية في الصراع الطبقي, النضال الاقتصادي والنضال السياسي والأيديولوجي, وفي هذا المنحى يتجه النضال القومي-الوطني التحرري, فالثورة التحررية بإستهدافها تحرير البلاد من المغتصب الاجنبي تخوض كل هذه الاشكال النضالية, فمنطقيا تحرر كل الفئات الاجتماعية من الرأسمال الاستغلالي الكولونيالي.
يقول لينين في المسألة القومية :" في عصر الصحوة وتفاقم الحركات القومية في عصر ظهور الأحزاب البروليتارية المستقلة, يجب أن تكون مهمة هذه الأحزاب في السياسة القومية, ذات وجهين: الاعتراف بحق تقرير المصير لجميع الدول, مع تقريب تحالف غير قابل للانفصال للنضال الطبقي للبروليتاريين من جميع الدول , حسب التقلبات والانعطافات التاريخية".
يولد الصراع الطبقي بسبب الواقع الاجتماعي المتناقض والمصالح المتناقضة لمختلف الطبقات , هذه المصالح محددة بموقع ودور هذه الطبقة او تلك في نظام الانتاج الاجتماعي. البورجوازية والعمال طبقتين عدوتين لدودتين ومصالحهما متناقضة, فالطبقة العاملة في المجتمع الرأسمالي الاستغلالي من موقعها الطبقي فهي اكثر اهتمام بالاطاحة بالنظام الرأسمالي عبر ثورة عمالية لانها الاكثر من يعاني من الاستغلال الرأسمالي واكثر تضررا من هذا النظام, الا ان مصالحها هي مصالح الشعب في جمعه المتضرر من الاضطهاد والاستغلال البورجوازي , الكل يواجه عدو واحد , هو النظام الغير العادل, ومنطقيا فهذه الفئات الاجتماعية المتضررة من النظام الاستغلالي تقدم للعمال وضعية موضوعية للتحالف والنضال المشترك للاطاحة بالنظام الرأسمالي.
الظروف الموضوعية كذلك في البلدان المستعمرة او شبه مستعمرة تحتم على كل القوى القومية - الوطنية التحررية, من عمال وفلاحين ومثقفين وجميع الكادحين, التحالف ضد الاضطهاد الاستعماري, واذا كان نضال الطبقة العاملة يستهدف القضاء على برجوازيتها , فان النضال الشعبي القومي - الوطني التحرري يهدف لتحرير البلاد و جميع فئات الشعب ومن بينها العمال من النظام الوحشي والاستغلالي الكولونيالي. يقول لينين في (المسألة القومية):" يجب أن تدافع الطبقة العاملة, أولا وقبل كل شيء, عن حق تقرير المصير لكل أمة"
تزييف الوعي الاجتماعي وتهميش دور الشغيلة في النضال القومي التحرري من الاستعمار, جزء من الايديولوجية الاستعمارية لتحييد قوة الشغلية في الكفاح التحرر القومي وصنع وظيفة محددة للشغيلة مرتبطة بالصراع الطبقي "اللامنتهي " على الأقل في عصرنا هذا ,فقط دون الخوض في الصراعات الاخرى كيفما كانت محورية اوهامشية , وكأن الشغلية ليست جزء من الشعب ولا هي منتمية للوسط الاجتماعي تؤثر فيه وتتأثر منه . تجريد الصراع الطبقي والنضالي العمالي نظرية ميتافيزيقية رجعية تفصل الكفاح الطبقي عن الواقع المجتمعي وعن قضايا الشعبية الاساسية وفي مقدمتها التحرر من السلطة الكولونيالية و ايديولوجية ابادة الشعوب واحتلال اراضيها, وهذه ايديولوجية القوى الكومبرادورية وعملاء النظام من حفنة (اليسراوية).
يعتبر كل الثوريين أن الدول الكبيرة هي الأفضل دائما على الدول الصغيرة. لكن مجرد افتراض فكرة تكافؤ الظروف والمساواة بين الجميع في هذه الدول الكبيرة في ظل الوجود الاستعماري يصبح ألأمر من المتخيلات الغير القابلة للتطبيق.
لا يمكن أن نتصور وجود حركة تدعي الثورية والنضال الطبقي والتحرر, أن تساهم في دعم القوى المضطهد للقومية الامازيغية, وتحارب المشروع التحرري الامازيغي فمن يدافع عن مرتكبي الجرائم العرقية ويقمع الحركات المدافعة عن الحقوق الطبيعية للامازيغ فهو مشارك في الجريمة العرقية, ولا يمكن أن يكون إلا مخزني شوفيني عروبي بقناع ثوري, متشدق بالعبارات الثورية, في خدمة المشروع الكولونيالي, يقول لينين :"نحن بروليتاريا وهم البورجوازية, نحن بروليتاريا رأينا عشرات المرات كيف خانت البورجوازية مصالح الحرية والوطن و اللغة والأمة عندما تقف أمامها الثورة البروليتاريا. نحن رأينا كيف خانت البورجوزية الفرنسية في زمن ظلم وإذلال الامة الفرنسية من طرف بروسيا. ..".
حتى قبل الحرب العالمية الاولى أعلن لينين حق أكرانيا في تقرير المصير في الوقت كان القوميون الروس ( الاكثر ثورية) يميلون الى إنكار وجود الشعب الأكراني
يجب النضال ضد الشوفينية المهيمنة في صفوف الحركة ""الثورية""" الاستطانية, فمن أجل النضال من أجل قطعة خبز علينا أن لا ننسى أولوية النضال من أجل الوجود الذاتي السيادي والكرامة الانسية, فالشوفينية "اليسراوية العروبية لا تنظر الى الامازيغ الا في عبوديتهم "ملكية خاصة" للعروبة و مادة خصبة للسخرية مثل أبناء الشيخات أو النكة على "العرق المعين" أو "البربر ببساطة هم غير المتعلمين","النقد" والتهجم و الاهانات و التدمير الذاتي من نصيب الامازيغ و الامازيغية المنبوذة في بلادها الشاسعة, فنظرة التحقير والعبودية والقهر الاجتماعي والقومي, من أولد لدى الامازيغ الشعور بالسخط والإشمئزاز والشعور بالعزة القومية و ساهم في الوعي القومي وتبني المشروع النضالي التحرري.
سياسة تجاهل الحقوق الطبيعية للامة الامازيغية,تعد سياسة رجعية وعنصرية وبشكل منهجي تحرف الوعي الشعبي في النضال الاجتماعي والقومي-الوطني. في خضم النضال من أجل الحقوق والمصالح المختلفة للأمم تارة بالهرطقات وتارة آخرى بتمييع الصراع الطبقي.
تحاول القوى القوى الرجعية-"الثورية" تسميم وعي المنبوذين واللامفكري فيهم (الامازيغ), فالمتصفح لكتابات دعاة "الصراع الطبقي" طبعا أبناء العروبة بالتبني, تجعل النضال "الثوري" في تضاد مع القضية الامازيغية لتجعل منها العائق ل"لثورة الاشتراكية" و في موقع الثورة المضادة ( الثورة الافتراضية المبرمجة في ألعاب الفيديو)هذا من جهة ومن جهة آخرى في كل إنتقاداتهم للأوضاع الاقتصادية والسياسية لا تجد ولو جملة واحدة منتقدة لسياسة التمييز العرقي والاضطهاد القومي للامازيغ. فسياسة تجاهل القضية القومية هي سياسة إستعمارية, لا تختلف عن سياسة الشوفين "الثوريين" في روسيا القيصرية ضد استقلال فنلدا وبولندا والجمهويات الخاضعة أنذاك للسيطرة الروسية القيصرية.
في كل ثقافة قومية تحتوي على عناصر تقدمية ودموقراطية, وتحتوي كذلك عناصر رجعية ومتخلفة, يقول لينين: " نقول لجميع الاشتراكيين القوميين, هناك ثقافتان قوميتين في كل ثقافة قومية. هناك نفس الثقافتين عند الأوكرانيين, كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا واليهود الى آخره", فلماذا يهاجم الشوفينيون "الماركسيون" أبناء العروبة بالتبني, الامازيغ و الثقافة الامازيغية واللغة الامازيغية دون غيرها ويمجدون الهوية العروبية والثقافة واللغة العربيتين, فهل يعقل أن الهوية الامازيغية و الثقافة الامازيغية رجعية وعنصرية والهوية العروبية قدسية والثقافة العربية تقدمية وإنسانية؟؟؟.
الامازيغ أكثر الشعوب تعاني من الاضطهاد الاجتماعي(الطبقي), فالطبقة تضطهد إجتماعيا فقط , أما القوم (الامازيغ) يضطهد بكل فئاته الإجتماعية, يتعرض للتمييز العرقي و التهميش والإقصاء والإضطهاد الشامل, الاقتصادي والإجتماعي والسياسي والثقافي واللغوي. الامازيغ لا ينكرون الصراع الطبقي ( طبقة مستغلة (فتح الغين) وطبقة المستغلة(كسر الغين) ), بل يؤمنون أن الطبقة المستغلة(كسر الغين) هي نفسها الممثلة للسلطة السياسية المنفذة لأجندتها العرقية, فالامازيغ يخوصون نضالا مزدوج, قومي وطبقي ضد الطبقة المسيطرة إقتصاديا وسياسيا, الطبقة التي تضطهد طبقة المأجرين (الطبقة الاجتماعية), تضطهد في نفس الوقت القوم الامازيغي. والاضطهاد القومي(التمييز العرقي) له تفسير واحد في شمال إفريقيا أن الحاكم أو المسيطر إقتصاديا و سياسيا لا ينتمي لنفس القوم الذي يمارس ضده التمييز العرقي, بمعنى أوضح انه إستعماري لا ينتمي للبلاد ولا ينتمي للقوم الامازيغي, وفي هذا السياق يجب ان يفهم النضال الامازيغي بإعتباره نضال مزدوج قومي - وطني وطبقي وأممي فضرب الاستعمار في مكان محدد يؤثر عليه في مكان آخر.
مع بداية الحرب العالمية الثانية, كتب لينين عن العزة القومية عند الروس العظماء. يوضح كيف يمكن التوفيق بين حب القومية مع الأممية ، دون تغيير الموقف من مصالح الطبقة العاملة وعدم الخيانة لها. فمن يدافع عن استقلالية هويته القومية وتقرير مصير شعبه ووطنه ليس عدو للطبقة العاملة وليس ضد الاممية بالضرورة, بل العكس فالقوى الثورية في معسكر الدفاع عن الاستقلال الامة هي الاكثر دفاعا عن طبقتها العاملة وعن التضامن الاممي, فهي من تدرك حقيقة الاضطهاد والاستبداد, من المتشدقين بالعبارات الثورية والمدافعين عن الهويات الاستعمارية, هوية المضطهد (كسر الهاء) القومي والطبقي.
الحديث عن الإمتداد العربي للمروك (طوبوية الامتداد العربي), هذا ما يتبناه التوجه "اليسراوي", لا يعني التضامن الأممي, وإنما الاعلان عن الهوية العربية لشمال إفريقيا وهذا ما يجهله أو يتجاهله البعض, أما التضامن العروبي فهو تضامن عرقي ومذهبي, فلم يسجل التاريخ قط تضامن عروبي مع الشعب الكردي, أو التضامن مع الشعب الطوارقي, أو التضامن مع شعب جنوب السودان,ناهيك عن التضامن مع مأسي الامازيغ, بل عوض التضامن نلاحظ العداء المطلق للشعوب المناضلة من أجل حقوقها الطبيعية, لكن بالمقابل هناك تضامن عرقي مع كل من يتبنى إيديولوجية العروبة مثل التضامن مع مرتزقة جماعة (بوليساريو) أو مع مرتزقة حركة "تحرير" (عربستان), أما الامازيغ فهم أكثر الشعوب تضامنا مع المقهورين في العالم, لأنهم يعيشون القهر القومي والطبقي ومنطقيا أن يتضامنون مع الشعوب الاخرى وينددون بالسياسات القهرية والعرقية للكولونيالية والامبريالية العالمية.