ما هي الخيارات المتاحة أمام الكاظمي في حكم العراق


كاظم حبيب
2020 / 8 / 2 - 02:26     

عند متابعة مجرى الأحداث الراهنة في العراق وتعليقات جمهرة كبيرة من السياسيين والإعلاميين والمتابعين لأوضاع العراق على صعيد الداخل، وكذلك كثير من التحليلات الصادرة عن مراكز البحث العلمي وعن الصحف والمجلات الإقليمية والدولية، يمكن تشخيص ثلاث مسائل جوهرية يجري التركيز عليها، وهي:
1، لا يحسد رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي على الوضع الذي هو وحكومته فيه، بسبب التعقيدات والتشابكات السياسية، الداخلية منها والإقليمية والدولية، الجارية منذ 17 عاماً في البلاد، والتي لم يكن الكاظمي بعيداً عنها، بل مشاركاً فيها من خلال رئاسته لجهاز المخابرات العراقية منذ عام 2016 حتى الآن. وقبل ذاك كان مع القوى المدنية المطالبة بالتغيير.
2. المصاعب الاقتصادية والمالية والأمنية وانتشار السلاح خارج المؤسسة العسكرية الرسمية التي تواجه الحكومة الراهنة، بسبب السياسات الكارثية والفاسدة لحكومات نظام المحاصصة الطائفية الفاسدة والمتعاقبة التي نهبت وفرطت بخزينة الدولة وموارد البلاد النفطية، والتي نشرت المزيد من الميليشيات الطائفية المسلحة، إضافة إلى تهديدات داعش المستمرة، والمعبرة عن عملية تحالف وصراع بين قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية من جهة، وبين القوى القومية العربية والكردية في الحكم من جهة ثانية. وأغلب هذه القوى تمسك بأيديها قوى الدولة العميقة وكثير من أجهزة السلطات الثلاث للدولة العراقية وتعرقل محاولات الإصلاح والتغيير التي يطالب بها المنتفضون وعموم الشعب الذين قدموا أغلى التضحيات لها، وأُسقط بسببها الجزار عادل عبد المهدي ورهطه، إلا إن دورهم التخريبي الإجرامي لم ينته بعد.
3. المصاعب الكبيرة التي تواجه المجتمع العراقي، لاسيما الغالبية العظمى المسحوقة والمحرومة منه، بسبب سياسات النظام المحاصصي الفاسد وعواقبه على المجتمع التي تضغط بشتى السبل وتواصل انتفاضتها الشعبية لتحقيق الإصلاحات الجذرية والتغيير المنشود في وضع الدولة والاقتصاد والمجتمع والأمن الداخلي ورفض التدخلات الخارجية.
إن هذا الواقع قد وضع الكاظمي بين عاملي ضغط مباشرين: بين القوى والأحزاب الطائفية والأثنية الفاسدة والجائرة التي حكمت العراق طيلة 17 عاماً وخربته وجوعت الشعب وأنهكته، وتريد بإصرار قاتل مواصلة الحكم بأي ثمن حتى لو جاء على المزيد من جثث ضحايا الشعب المستعدة لقتلهم، كما فعل الجزار عادل عبد المهدي وأعوانه، لكي لا تخسر حكمها الجائر والفاسد من جهة، وبين قوى الشعب المنتفضة والمطالبة بالتغيير والمستعدة لتقديم التضحيات لإنقاذ البلاد من براثن القوى الطائفية الفاسدة الداخلية والخارجية التي لا تزال تهيمن عبر قوى ومؤسسات الدولة العميقة على مفاتيح الوضع في البلاد من جهة ثانية.
ليس هناك أمام الكاظمي غير أحد هذين الخيارين: إما أن يصطف مع القوى التي أذلت الشعب وقسمته ونهبته وجوعته وقتلت الكثير من أبناءه وبناته وتسببت في كوارث لا حصر لها في الموصل ونينوى والمحافظات الغربية، وبالتالي يصبح واحداً منهم لا غير، أو أن يصطفَ مع الشعب وانتفاضته ومطالبه العادلة والمشروعة ليكون واحداً منه ويجسد طموحاته وأهدافه المشروعة. وهناك كثير من العوامل الداخلية والخارجية المساعدة التي تدفع به للاصطفاف إلى جانب قوى الشعب والانتفاضة.
يدرك الكاظمي بأنه لا يملك وقتاً طويلاً أو مفتوحا للاختيار. فهو قد جاء ليكون رئيسا لمجلس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة لعام واحد لينجز فيه مهمات محددة أساسية، أعلن هو عن تبنيها والعمل على تحقيقها بأكثر من خطاب وتصريح. فـ 17 عاماً المنصرمة عانى الشعب الأمرين من بطالة وفقر وجوع وحرمان ومن نقص الخدمات، ثم من اجتياح واحتلال داعشي تعرض الملايين إلى النزوح والهجرة لاسيما الإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان، لقد تعرضوا لإبادة جماعية من قتل وسبي واغتصاب للنساء وخطف للصبية الإيزيديين... ولم يعد الشعب قادراً على تحمل المزيد من عبث وإجرام من حكم العراق 17 عاماً وحوله إلى خربة ملوثة ومعدمة.
والسؤال العادل: متى وكيف سيحسم الكاظمي موقفه؟ الخطب الأخيرة تشير إلى أنه يعيد تأكيد التزامه بالوعود التي قطعها على نفسه حين تسلم رئاسة مجلس الوزراء، والأفعال بهذا الاتجاه ليست بطيئة فحسب بل مترددة ومتعثرة. لا شك إنه بحاجة إلى الحكمة والحسابات الدقيقة والقدرة الفعلية على اتخاذ القرارات المناسبة، ولكن بحاجة أيضاً إلى الحسم السريع. فمن تابع الخطبة الأخيرة للكاظمي، أي بتاريخ 31/07/2020 يلاحظ وضوحاً أكثر وإيجابية في مواقفه من القضايا الأساسية التي يطالب بها الشعب. وبالتالي سيضع نفسه في مواجهة مباشرة مع تلك القوى التي ترفض الإصلاح والتغيير وتتحين الفرص للتخلص منه.
لقد حدد السيد الكاظمي الـسادس من حزيران/يونيو 2021 موعداً للانتخابات المبكرة. وهو أمر جيد يحظى، كما اعتقد، بتأييد قوى الانتفاضة والشعب. إلا أن القوى المناهضة لتهيئة مستلزمات ضرورية لخوض انتخابات حرة ونزيهة وعادلة، ستسعى إلى الاعتراض والمطالبة باتباع "القواعد البرلمانية!" لإجراء الانتخابات المبكرة، والهدف إعاقتها. وأبرز هؤلاء رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الحليف السني منذ سنوات للنظام الإيراني وبعض الأحزاب الشيعية، لاسيما حزب الدعوة، وهو اللاعب المتعدد الأوجه والراقص على حبال إيران وتركيا والسعودية والخليج دفعة واحدة، إذ المهم له من يغنيه ويبقيه في موقعه.
إن الأهم من كل ذلك، وبعد هذه الخطوة المهمة للكاظمي، تأتي السياسات والإجراءات والخطوات المنهجية والمدروسة والمنظمة بعناية التي يفترض أن يخطط لها ويمارسها الكاظمي لتأمين سلامة هذه الانتخابات، التي يهدف الشعب من خلالها تغيير الواقع الراهن جذرياً والخلاص من النظام الطائفي الميليشياوي الكليبتوقراطية أو اللصوصي الفاسد والفاحش والتابع. جاء في التقرير المهم للصحفي الأميركي روبرت وورث، الذي كشف بجرأة ووضوح عما يجري في العراق من فساد وإجرام بحق الشعب والوطن ودور الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لإيران وأحزابها السياسية وإعاقتها الفعلية للتنمية والتقدم الاجتماعي، قوله: "يمكن الآن اعتبار الفساد قضية حياة أو موت، يجب على العراق أن يختار بين إطعام شعبه أو إثراء اللصوص الحاكمين. "(راجع: ’ناس’ ينشر النص الكامل لتقرير نيويورك تايمز عن فساد العراق: أسماء وجهات حساسة، .2020.07.31.).
نحن أمام جملة من السياسات والإجراءات التي بدونها لا تستقيم نزاهة الانتخابات المنشودة، إذ بدونها سيكون الأمر ضحكاً على ذقون الناس وعودة الطغمة الفاسدة الراهن إلى مجلس النواب والتحكم بسير العملية السياسية وجعلها مشوهة كما الوضع عليه حالياً. ويبدو هنا مفيداً أن أبرز بشكل أكثر وضوحا ما جاء في خطاب الكاظمي حول شروط انتخابات حرة ونزيهة وعادلة، والتي بدونها لا يمكن تحقيق ما يسعى إليه الشعب:
1. إخراج ملفات الفساد الأكثر خطورة والأكثر نهباً وسلباً لموارد البلاد والهيمنة على مفاصل الحياة لتقديمها للقضاء وتقديم الحماية للقضاة لممارسة مهنتهم باستقلالية.
2. نزع سلاح الميليشيات الطائفية المسلحة وجعل السلاح حكراً على مؤسسات الدولة العسكرية لا غير، وتقديم المتورطين منهم بالفساد والجرائم إلى القضاء.
3. إعادة النظر بقانون الانتخابات على وفق مطلب الشعب وليس كما وضعته الطغمة الحاكمة الفاسدة ولمصلحتها حتى بعد تعديله الجزئي الخائب له.
4. إعادة النظر بالمفوضية المستقلة للانتخابات وجعل أعضاءها قضاة مستقلين حقاً وصدقاً، وليسوا ممثلين أو تابعين للأحزاب الإسلامية والحاكمة الفاسدة.
5. استكمال بنية المحكمة الاتحادية لتصبح قادرة على المصادقة على نتائج الانتخابات المبكرة القادمة.
6. حرمان اللصوص الذين تثبت إدانتهم وكذلك من تسبب بكارثة الموصل ونينوى من الترشيح للانتخابات المبكرة القادمة، وكذلك أولئك الذين تورطوا بشراء المقاعد النيابية بملايين الدولارات الأمريكية التي استعادوا أضعافها بسلوكهم الفاسد والمفسد.
7. السماح بمجيء من يمثل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والمحلية ومحامون بلا حدود للرقابة على الانتخابات ومواجهة محاولات شراء ذمم المحرومين والجائعين والمؤمنين البسطاء من قبل من يمتلك المليارات من الدولارات المسروقة من قوت الشعب.
8. مشاركة شبيبة الانتفاضة والنقابات والجمعيات المستقلة في محافظات العراق كافة في الرقابة على الانتخابات وعلى صناديق الاقتراح أثناء التصويت وفتح الصناديق لنظافة وصدقية هذه العناصر الثورية وخشية من عودة التزوير الذي حصل خلال الدورات الانتخابية السابقة دون استثناء.
9. كما يُفترض هنا أن يوفر الجهاز المركزي للإحصاء الإحصائيات السكانية الضرورية لتحديد من يحق له الإدلاء بصوته في الانتخابات المبكرة القادمة في جميع محافظات البلاد لمنع التلاعب وتسجيل موتى وفضائيين كناخبين فعليين، حيث تصدر لهم بطاقات للمشاركة في الانتخابات. وهنا يفترض التعاون بين هذا الجهاز ومفوضية الانتخابات وبرقابة شعبية نوعية.
لا شك أن الكاظمي، وهو رئيس جهاز المخابرات، قد تعرَّف جيداً على تلك الأساليب غير النزيهة والشريرة والمحبطة التي مورست في تشويه الانتخابات السابقة وتزويرها، سواء أكان ذلك عبر شراء المقاعد النيابية أم دفع مبالغ وهدايا (رشوات) للفقراء والمحرومين، أم بدعم من مرجعيات وقوى دينية لإلزام المؤمنين البسطاء غير المتنورين منهم على انتخاب قوائم الأحزاب الإسلامية السياسية الفاسدة، إضافة إلى أساليب التهديد والاختطاف والتغييب والاغتيال التي مارستها الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشياتها الطائفية المسلحة التي تتوزع على مدن ومحلات العراق باعتبارها حصصاً ثابته للهيمنة عليها لابتزاز سكانها واخضاعهم لإرادتها. (راجع، تقرير روبرت رووث المذكور سابقاً).