الديماغوجيه المبتذله للخطاب القومي..ج2


ليث الجادر
2020 / 8 / 1 - 11:38     

اما اعتبار اقتصاد مصر ريعيا بما يتطابق مع ماهية الغنيمه التاريخيه فانه من اشد الحالة مداعاة الى الاستغراب , فما بين عام 1990 وعام 2012 لم تتجاوز نسبه مساهمة قطاع الغاز والبترول وعوائد قناة السويس في الانتاج المحلي ال11% وشكلت مع تحويلات العاملين في الخارج ما نسبته 18% فقط من مجمل الواردات الماليه ..بينما تساهم قطاعات إنتاجية زراعية و صناعية و خدمية كالسياحة والاتصالات والخدمات العامة بما نسبته 86% من الناتج المحلي وب 78% من الواردات الماليه ..في حين شكلت نسبه القوى العامله من عدد نفوس المصرين حسب احصائية 2018 والبالغ 92مليون نسمه ما نسبته 30% باجمالي بلغ 29,036 مليون يد عامله بين مشتغله ومعطله ..فبأي وجه اعتبر محمد الجابري هذه الاقتصاديات كوجه واحده مع اقتصاديات الريع النفطي واقحمها في الاداء مع الغنيمه ((ب- تحويل (الغنيمه الى اقتصاد (ضريبه ) وبعباره اخرى تحويل الاقتصاد الريعي الى اقتصاد انتاجي .. ان الاقتصاد العربي يطغى فيه الريع بكل مكوناته وتوابعه من عطاء وعقليه ريعيه ...الخ وهو يعاني في كل قطر عربي من مشاكل مزمنه لا سبيل الى التغلب عليها الا في اطار تكامل اقتصادي اقليمي جهوي وفي اطار سوق عربيه مشتركه تفتح المجال لقيام وحده اقتصاديه بين الاقطار العربيه هي وحدها الكفيله بارساء الاساس الضروري لتنميه عربيه مستقله ))؟ واذ كان للسفططه وجه يعرفها بانها تعني أتيان الحكمه بشكل يموهه عن الحقيقه , فان مقابلة الجابري للغنيمه مع اقتصاديات العرب باجمالها باعتبارها اقتصاديات ريع , ليمثل تجسيد مجسد لماهية هذا التعريف , انه يموه عن حقيقة وجود طبقه اجتماعيه كبرى ويحاول ان يطمس ملامح القوى المنتجه وامكانيات دورها المحوري الفعال في الواقع السياسي , واذا هذا التمويه عن الحقيقه قد جاء في خاتمة كتابه , فان بطن دراسته وكما اسلفنا كانت عباره عن بحث مشوه بين الفقه والحديث وبعض التفاتات السياسيه , ونستطيع ان نؤكد على الهزاله العلميه لهذا البحث من خلال استذكار حقيقه ثابته وملموسه لدى كل مطلع او باحث في الشأن الاسلامي وتاريخيته ,ومفادها ان لا مصداقيه ثابته ومتفق عليها ولامصدر واحد لكل مفرده من مفردات النص التاريخي للادبيات الاسلاميه , فالاحاديث مقسمه بين صحيح وضعيف ومستدرك ومنقطع ..الخ وتفسير الايات واسباب نزولها ..بين قال فلان عنها كذا .. وقال علان عن سبب نزولها كذا ..والاحداث تجد من يقررها هنا , وتجد من يشكك فيها هناك , لايوجد لحديث نبوي ولا لمروية في التاريخ الاسلامي وجه واحد الا النزر منها , والغريب ان واحد من هذا النزر وهي قصة نزول الوحي على محمد قد قام بعرضها السيد الجابري استنادا الى عرض شاذ عن الاجماع النادر , قدمه ابن هشام في سيرة النبوه وهي مرويه غير محبذه عند كل المسلميين , اذ يذكر الجابري في الفصل الاول من كتابه (نقد العقل السياسي العربي )ما نصه: ( ... اذا به ذات يوم وقد بلغ اربعين سنه من عمره , يسمع , بينما هو نائما هاتفا يهتف به ( أقرأ ) فيجيب : (ماذا أقرأ ؟) , فقال ذلك الهاتف : (أقرأ بأسم ربك الذي خلق , خلق الانسان من علق , اقرأ وربك الذي علم بالقلم , علم الانسان مالم يعلم – 1سورة العلق 96/1_ 5 , وعندما انتهت هذه التجربه الاولى التي كانت شديده عليه , هب من نومه فخرج من الغار الى وسط الجبل واذا به يسمع صوتا من السماء يقول : يا محمد انت رسول الله وانا جبريل ) ..فعلا يبدوا هذا الانتقاء غريبا على رجل يبحث جاهدا على لملمت الشتات العربي الاسلامي , فهذا النص لايمثل فقط جذرا خلافيا بين من يقول بتجسيد الملائكه وبين من ينفيه , بل انه يمثل واحده من اقوى الذرائع في الطعن بعقلانية نبؤه محمد ومصداقيتها ,وقد طال الجدال الفقهي فيها بين رافض ومؤكد ,في حين ان الجابري اعلن ومنذ البدء تاكيده على عدم الاقتراب الى كل ما من شأنه اثارة الشك والجدل في النبؤه المحمديه ..وها هو يستند الى اكثر الروايات المشككه في النبؤه , واستناده هذا يبدوا واضحا انه كان اضطراري , لان المرويه المتفق عليها تذكر بحضور الملاك جبرائيل حضورا ماديا كامل , وهذا ما لايتقبله العقل العلمي الذي يحاول الجابري ان يستخدم مفرداته , وهو ايضا لم يعاني كثيرا من هذه الانتقائيه الخطره لانه لعلى يقين بطبيعة العقليه التي يخاطبها والتي هي في كامل جهوزيتها لان تتقبل سلفا ما يقوله ..والاخطر من كل هذا فانه بتبنيه هذه الروايه يعني انه سيكون من اتباع التجسيد للذات الالهيه !؟ لان سوره النجم ((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى *مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى *أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى *وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى *عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى )) فهذا النص القراني يختلف فريقين في تفسيره , الفريق الاعم والاشمل يفسر ان الكائن المتجسد هو جبرائيل وليس الله , بينما يشذ عن هذا التفسير نفر من المتصوفه ورجال الفقه ويؤكدون على تجسيد الله في هذا النص ...الان انتقائيه الجابري المستهتره وضعت قدميه في مكان الزلق ..فهو الان ان اصر على تبني مرويه ابن هشام فهو بهذا يخالف الاجماع الاسلامي الرسمي بكله , لابل انه يعارض ما جاء في سورة النجم لانها وكما يبدوا واضحا كانت ردا على اعتراض رجال قريش الموجه الى محمد باخبارهم ان جبرائيل تزله اليه كحضور مادي واقعي ,وهذا كان في وقته غير وارد في ادبيات وعقائد الاديان القريبه منهم والتي كانوا على الاطلاع بادبياتها وتعاليمها ..كما ان الادبيات الاسلاميه المتاخره صارت تضم تأويلات متعدده لمعنى الوحي , وهكذا يقع الجابري في سؤ انتقائيته , ان ما يهمنا هنا ليس نقد وتعرية زيف اطروحات الجابري , بقدر ما اننا ندلل على ان الطرح القومي العربي يفتقر الى النسق والترابط بين مفرداته , وان كل مفصل في هذا الطرح تكمن تناقضات عقليه تنسف كل صوابيه له وتدلل على الكم الكبير من التزييف والتضليل الفكري المج ,والتضليل ياخذ عنده مديات متنوعه ومعبر عنها باساليب مختلفه , فالجابري حينما يتناول ( المخيال الجمعي ) في كتابه ( نقد العقل السياسي العربي ) فانه يؤطر وبعبارات تجريديه صوره الشخصيات التي تحولت الى رموز الخير والشجاعه والبطوله في المخيله العربيه ويشرح دورها الملهم في التكوينه العقليه ..وفي محل اخر وفي محاضره يليقها بالمناسبه السنويه للاستذكار ميشيل عفلق اقيمت في بغداد في التسعينيات من القرن المنصرم يقول بهذا الصدد ((وينتقل الاستاذ ميشيل بهذا النموذج من الماضي الى الحاضر فيتساءل: «فلو تخيلنا ان المسلمين الأولين الذين عرفوا النضال من اجل المبدأ وذاقوا كل مرارته واجتازوا امتحانه ودفعوا ضريبته، هذه الفئة او بعض أفرادها لو جاؤوا اليوم وهبطوا على حياتنا العربية الحاضرة، اي وسط يستطيبونه ويهدأون اليه ويشعرون اليه بالقرابة؟ هل هو وسط الظلم الاجتماعي، وسط الأغنياء والوجهاء والمستثمرين للشعب؟». ويجيب «أنا اعتقد أن المسلمين الأولين لو رجعوا اليوم لما استطابوا العيش الا في القرى المظلمة البائسة مع المظلومين والمستعبدين، إلا في السجون مع المناضلين، فأصحاب دعوة الحق هم دائماً الى جانب الحق»))..الان دعونا نستكشف ملامح واحد من (اصحاب الحق ) في مخيال الجابري وكيف انه فضحه لاشعوريا حينما كان يتناول قضيه اخرى وهي (حروب الرده ), فيقول (تذكر الروايات ان خالد بن الوليد الذي عقد له ابو بكر على جيش لقتال طليحه الاسدي و سار حتى وصل مكانا يقال له بزاخه , حيث التقى جموع جموع اسد وغطفان اللذين كانوا قد التفوا حول طليحه – حتى قتل من العدو خلق واسر منهم فأمر خالد بالحظر – الحظائر – ان تبنى ثم اوقد فيها النيران والقى الاسارى فيها , وكان ابو بكر قد كتب الى خالد رساله يقول فيها :ولا تظفرن باحد قتل المسلمين الا قتلته ونكلت به غيره وممن احييت ممن حاد الله او ضاده ممن ترى ان في ذلك صلاحا , فأقام خالد على البزاخه شهرا , يصعد عنها ويصوب ويرجع اليها في طلب ذلك , فمنهم من احرق ومنهم من قمطه ورضخه بالحجاره ومنهم من رمى به من رؤوس الجبال .....الخ )..واخيرا فاذا كان هناك مخيال جمعي حسب ما يطرحه الجابري , فان هذا الوصف كفيل بان يوصم هذا (المفكر القومجي ) بالفاشستيه الاجراميه , وتدلل على الصله الحتميه بين الطرح القومي وبين الاجراميه الاسلاميه ...