نجيب علوان الأسدي عرفته انساناً شيوعياً صلباً


نبيل عبد الأمير الربيعي
2020 / 7 / 29 - 14:34     

من أبناء الديوانية الكرام، ومن أسرة وطنية اعتنقت الفكر الشيوعي اربعينات القرن الماضي، كان شقيقه البكر المهندس والمقاول طه علوان أول من اعتنق الفكر المارسي، ومن المشاركين في انتفاضة عام 1948م و1952م و1956، وهو أحد أعضاء الجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في مدينة الديوانية منذ ثورة تموز 1958م ولغاية شباط 1963م.
تعرفت على الراحل نجيب علوان الأسدي من خلال لقائنا قرب محله في سوق الديوانية الكبير ومن ثم عملي كعامل في محلة منذ سنة 1975 ولغاية عام 1979م، حتى الالتحاق بالدراسة الجامعة في كلية الادارة والاقتصاد جامعة بغداد.
أول ما لفت نظري من أدبه وإنسانيته، كونه الداعي للخير والمحب للناس جميعاً، وتفيض المحبة من خلال علاقاته فيضاً، يؤثر صدقه ووفائه ومروئته في المقربين منه، فهو لطيف في وده ولا يعرف التبجح والاستعلاء شأنه شأن الذين طهرت نفوسهم من الخبائث، فهو من أهل الخير، ومن أجمل ما تحلى به نجيب هو الصدق، والبعد عن الخداع والغش والمجاملة الكاذبة، أو أن يثني على أحد ويؤيد فكرة لا يؤمن بها، أو يجاري عناصر الأمن والبعث بداعي المجاملة، وإنما هو مجامل ضمن الحدود والأخلاق التي توجب أن يكون الانسان بشوشاً لطيفاً متواضعاً.
كان يثق بيَّ ثقةٍ عالية بسبب تقارب الفكر والمبادئ، منها إيداعه أسراره، وروئيته لمستقبل التحالف بين البعث والحزب الشيوعي، فهو غير مطمأن لهذا التحالف، فضلاً عن اسرار امكانياته المالية، فكان يكلفني بالذهاب إلى مصرف الرافدين في الديوانية للسحب والايداع، علماً إنني عامل اعمل بأجر شهري لديه.
لذلك خُلق أبا ظافر صريحاً، والخُلق الذي يرفع عنه التحدي والتعالي، أما أن غضب أبا ظافر فهو لطيف يَنمّ عن نفسٍ وديعةٍ وذات طيبة رائعة. في محلاته لبيع الأحذية في سوق الديوانية الكبير عمل الكثير من العمال، منهم من هاجر ومنهم من اكمل دراسته واصبح استاذاً جامعياً، ومنهم من بقي ولم يطور حالته المادية، اتذكر منهم رعد محمود القولجي ومصديق جلال غريب (مقيم حالياً في روسيا/ الاتحاد السوفيتي سابقاً) وعماد عبد الكريم عبد المهدي والدكتور مازن مكي (استاذ في المعهد التقني في النجف الأشرف) وحسن حسين (صاحب محلات للألبسة الجاهزة في سوق الديوانية الكبير) وأنا.
قبل انفراط عقد الجبهة مع حزب البعث كان أول من سقط سياسياً من اعضاء محلية المديوانية للحزب جواد رضا الخالدي ومن ثم المحامي عبد الأمير ناصر، لا نعرف الدافع الذي أخذ الأستاذ جواد رضا الخالدي للأنضمام لحزب البحث والاعتراف على التنظيم، ثم بدأت الاعتقالات، وأول من اعتقل الاستاذ أحلام عبد الكريم، مسؤول التنظيم الطلابي في منظمة الحزب في مدينة الديوانية، بعد ثلاثة أيام من اعتقاله خرج من دائرة امن الديوانية، وبدأت حملة الاعتقالات في صفوف اعضاء التنظيم، كان اعتقالي من قبل مفوض الأمن (حمزة علي) من محل نجيب علوان في شهر تشرين الثاني 1978م، كان ضابط التحقيق الذي حقق معي في مديرية أمن الديوانية النقيب (محمد عباس)، دام اعتقالي اكثر من (12) ساعة من ممارسة التعذيب والضغط والنتيجة التوقيع على المادة (200)، أي توقيعي على اعدامي المؤجل وهذا ما حصل.
عند خروجي من مديرية الأمن وعودتي إلى مقاعد الدراسة ومن ثم العمل، كان أبا ظافر يشجعني على أن لا يؤثر اعتقالي على سلوكي ونفسيتي، واستمر العمله في محله، كان يزودني بجريدة طريق الشعب السرية بعد انفراط عقد التحالف، وكراس نشرة (مناضل الحزب) السرية الخاصة بالأعضاء، كانت هناك ثقة العالية المتابدلة بيننا، يعتبرني أخيه الأصغر في تعامله، كان في كل مناسبة عيد هديته لعماله قاط رجالي نختار قماشه من محلات حاتم الدعمي رحمه الله وخياطة ولده عبد الأمير الدعمي، فضلاً عن اختيارنا لأفضل وأغلى الأحذية دون أن نسدد ثمنها.
بمرور الأيام ازدادت أواصر الأخوة والصداقة بيني وبينه، وعلى مر الأيام كان الاعجاب بخلقه الرفيع الكريم، ولم ينقطع التواصل عندما كنت ادرس في بغداد، فكان مروري لزيارته ايام الجمعة من كل اسبوع، اتتبع اخباره.
كان لعناصر الأمن في المدينة الدور في محولة جذبه للتعاون معهم إلا أنه يرفض ذلك، فلم يتركوا أبا ظافر لحاله كونه شخصية وطنية يسارية ومن عائلة شيوعية، بين الترهيب والترغيب للغرض اسقاطه سياسياً في التعاون معهم، كان يرفض ويرفض دون خوف من العواقب حتى مطلع التسعينيات، استدعى لمديرية أمن الديوانية، ولا اعلم ماذا قدم له من شراب، حتى أنه بعد خروجه من هذه الدائرة اللعينة شعر بوعكة صحية أدت به إلى الرحيل وتسليم النفس إلى بارئها.
رحم الله اخي العزيز أبا ظافر، كان صديقاً وفياً وعزيراً.