حديث عن البرلمانات العربية!


فهد المضحكي
2020 / 7 / 25 - 10:13     

الأداء البرلماني الضعيف لا يرتقي إلى مستوى المسؤولية، ولا يقدر على المواجهة وقت اشتداد الأزمات، من المسائل شديدة الأهمية في تحليل هذه الوضعية هو أن البرلمانات متى ما كانت مقيدة بلوائح تحد من الصلاحيات وبوجود برلمانيين لا يعرفون كيفية استخدام أدواتهم الرقابية، فإن الاصلاحات التي يحلم بها المواطن في الدول العربية تكون بعيدة المنال!

على هذا المستوى يقول أحد البرلمانيين العرب إن غالبًا ما يرتبط البرلمانيون في العالم العربي ارتباطًا وثيقًا بالأنظمة، ويتهمون بأنهم يرشون الناخبين بالمال والوظائف!

يعتقد البعض أن المشكلة تكمن في حداثة التجربة الديمقراطية العربية وفي حاجتها إلى وقت حتى يقوى عودها ويستقيم.

هناك من يتساءل – كالكاتب والمسرحي التونسي حكيم مرزوق عن البرلمان في الدول العربية، هل هو مجرد مبنى ضخم ذي جدران عالية وحراسات مشددة أم إن لهذا المبنى – رمزية أخرى ويعد حاملاً لبنية فوقية تتمثل في منظومة تشريعية تأخذ صفة المؤسسة في ثباتها وليس الشخصية في قراراتها وأمزجتها؟

كيف يمكن تشخيصها وسط هوامش ضعيفة للحريات وسيطرة واضحة لسلطة الدولة الممسكة تقريبًا بجميع السلطات والمؤسسات؟

أمر آخر لا يتعلق بهوامش الحريات المعطاة لممثلي الشعب داخل البرلمانات فحسب، بل بذهنية النائب نفسه ومدى تشعبه بالثقافة البرلمانية المبنية على المسؤولية والأمانة والثقة والنزاهة، ولماذا يعتقد أغلب النواب العرب في محل حالاته أن الفوز بمقعد في البرلمان هو حقيقة (فوز) من حيث هو مكسب شخصي وامتياز وظيفي وليس مسؤولية الفرد في خدمة المجموعة؟

ومع ذلك، لا يمكن إنكار تجارب مشرقة ومستقبلية في الوطن العربي نجحت فيها الحياة البرلمانية بشكل لافت.

الاشكاليات في الحياة النيابية العربية تأخذ أبعادًا مختلفة وتبرز هذه الاشكاليات خاصة تجاه القضايا المصيرية، وذات البعد الوطني الهام فمن اشكالية هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والعلاقة بين النائب والحكومة، إلى اشكالية النائب الخدماتي، كل ذلك ينعكس على البرلمان الذي يمثل السلطة الأهم في الوطن، فهذه العلاقة تؤثر في كثير من الأحيان على الأداء البرلماني وتخلق نوعًا من التبعية وتجعل ممثلي الشعب يلهثون وراء الحكومة على اعتبار أن بيدها كل شيء وتحقق كل شيء!

هذا الحديث دار في إحدى الفعاليات البرلمانية العربية قبل عدة أعوام كان محورها (العلاقة بين النائب والحكومة.. والتأكيد على استقلالية النواب ودورهم الرقابي والتشريعي).

إذا كان لما يرى أساتذة القانون إن البرلمان يشكل العمود الفقري للديمقراطية وله وظائف كبيرة وهامة، أولاها التشريع وثانيها وظيفة مالية تتعلق بالرقابة على المال العام وطرق إنفاقه من خلال الموازنة العامة وهناك وظيفة سياسية وهي مهمة جدًا، والوظيفة الرابعة هي المراقبة على تصرفات السلطة التنفيذية من خلال آليات تتمثل في الاسئلة والاستجوابات والمناقشات العامة والاقتراحات برغبة، فإن غياب الديمقراطية وضعف الأداء النيابي يقود، وهو ما تشهده العديد من الدول العربية، إلى تفرد السلطات وخاصة التنفيذية!

وفي ضوء دور النائب في البرلمان يربط المواطنون بين تقديم الخدمات لهم وتحقيق مطالبهم التي لا تقتصر على المطالب الحياتية اليومية فقط، وانما كذلك على ضمان مستقبلهم المتمثلة في تغيير أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

من هناك تؤكد تجاربنا العربية إن الحكومات لو وفرت جميع حقوق المواطنين وعملت بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة لما برزت ظاهرة نائب الخدمات!

تشير أغلب الدراسات إلى أن غياب مثل هذه القيم يشكل اشكالية أمام النائب، حيث يضطر في بعض الأحيان يؤدي جوانب خدمية لأن ذلك جزء من الثقافة السائدة التي تشكل عائقًا أمام الديمقراطية خاصة وإن الثقافة حاضنة للديمقراطية، ولكن إذا كانت الثقافة السائدة إفرازًا لطبيعة المجتمع الاستهلاكي الذي تنمو فيه الشللية والأنانية والمحسوبية والفردية، فإن مثل هذه الأمور تقف عائقًا كبيرًا أمام الديمقراطية، في حين إن الطموح يتمثل في تعزيز دور البرلمان، وأن يكون هذا الدور متلازمًا ومتكاملاً مع واجبات السلطة التنفيذية.

إذا قادنا ما سبق إلى أهمية إشاعة الديمقراطية في المجتمعات العربية، فإن أحد أهدافها أن نصل إلى مرحل سيادة القانون، وهذه المرحلة تفرض على الشعوب أن تناضل من أجل الوصول إليها لأن سيادة القانون عنصر قوة المجتمعات.

يقول أحد المتخصصين في الشأن البرلماني إن أحد أبرز عيوب السياسة الداخلية في العديد من الدول، يتمثل في الخطاب البرلماني السياسي والرقابي والتشريعي، الذي يتسم بالضعف في مقاربة المشكلات السياسية والقانونية، على نحو يؤدي إلى تفاقم الاحتقانات، وتراجع شعبية السلطة التشريعية في العديد من الدول وعدم ثقة الشعوب فيها وفي أعضائها لدى قطاعات اجتماعية واسعة، وليس النخب السياسية والثقافية في البلاد ومن ثم إلى تآكل شرعيته، وهو أمر يحتاج في هذه الدول إلى وقفة للمراجعة والتبصر وإعادة النظر في الأداء البرلماني.

إن أهم وأشهر عيوب الخطاب البرلماني المسيطر على عمل وأداء البرلمانات في معظم الدول يتمثل في التركيز على دعم الحكومة وذلك دون مناقشة نقدية حول السياسات العامة والاجتماعية، من حيث جدواها ونفقاتها السياسية والنفسية على العلاقة بين المواطنين والدولة، والتوازن بين «الطبقات» الاجتماعية، لا سيما الفئات الأكثر عسرًا والتي تعاني في محاولاتها وقف السقوط الاجتماعي، ومن العيوب أيضًا ان الخطاب البرلماني متردد في ممارسة دوره في توظيف الآليات الرقابية التي وضعها الدستور لأعضائه!

إن انتقاد الأداء البرلماني الضعيف لا يعني الإساءة للسلطة التشريعية المنتخبة التي تمثل الإرادة الشعبية.