نهاية الصراع الطبقي إلى غير رجعة (2/1)


فؤاد النمري
2020 / 7 / 20 - 16:05     

نهاية الصراع الطبقي إلى غير رجعة (1/2)

علق أحد الرفاق متسائلاً عن نهاية الصراع الطبقي الواردة ضمنياً في مقالي الأخير واحتمال انبعاثه من جديد، وهو تساؤل بالغ الأهمية إذ يشكل علامة فاصلة على طريق الإشتراكية . حاولت الرد على هذا التعليق رداً شافياً وافياً وعبثاً حاولت . لذا قررت أن أكتب مقالة تبحث في انتهاء الصراع الطبقي إلى غير رجعة بالرغم من أن الكتابة باتت عبئاً ثقيلاً علي .

إنهيار العوالم الثلاث الموروثة عن الحرب العالمية الثانية بات حقيقة راسخة لا ينكرها سوى السياسيين الأفاقين الأوغاد وقد فقدوا بالإنهيار وظائفهم السياسية وأصابهم الإفلاس في عقولهم .
القراءة الموضوعية للتاريخ وهي القراءة المرفوضة إطلاقاً من قبل السياسيين الأفاقين الأوغاد تقول بالوقائع أن العوالم الثلاث الموروثة عن الحرب العالمية الثانية انهارت بسبب الحرب نفسها . انهارت الرأسمالية في أكبر إمبراطوريتين إمبرياليتين، فرنسا وبر يطانيا، في بداية أربعينيات القرن العشرين بسبب هزيمتهما الحربية في مواجهة النازي فكان إحتلال فرنسا وهزيمة بريطانيا في دنكيرك (Dunkirk) ومحاصرتها تحت القصف في جزيرتها المعزولة مقطوعة عن مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشس ؛ فكان أن انهارت الطبقتان الرأسماليتان في تينك الإمبراطوريتين الإمبرياليتين .

ما فات على سائر المراقبين السياسيين وسائر الشيوعيين أنصاف الماركسيين أيضاً هو أن الاتحاد السوفياتي بعد الحرب لم يعد اشتراكياً كما كان قبل الحرب . كانت شروط الحرب، وقد واجه الاتحاد السوفياتي وحيداً كل قوى النازية والفاشية في أوروبا والتي ضمّت 4.5 مليون عسكرياً مسلحين بأحدث الأسلحة، واجهها في حرب مباغتة وخاطفة، وهو ما حول الإتحاد السوفياتي من دولة اشتراكية إلى دولة عسكرية، كل قوى الإنتاج فيها أخذت تعمل في الانتاج العسكري . طبعاً مثل هذا الاقتصاد يشد البلاد بعيداً عن طريق الاشتراكية . ستالين وحده كان يعي خطورة أثر هذا الإبتعاد عن طريق الإشتراكية فكان أن أمر لأول مرة في تاريخ الحزب بعقد ندوة متخصصة تبحث في "المسائل الإقتصادية للإشتراكية قي الإتحاد السوفياتي" في العام 51 . ما سمعه ستالين في تلك الندوة زاد في إحباطه حيث اتضح بجلاء أن أحداً من المنتدين من كبار رجال الدولة والحزب ومن أخصائيين في علم الإقتصاد من خارج الحزب أيضاً لم يلمح على الإطلاق إلى الخطر المحدق الذي يحيق بدولة دكتاتورية البروليتاريا المفترضة .
تحت كل تلك الشروط الصعبة في العام 51 ، حيث كان قد نزلت أفدح خسائر الحرب بالبروليتاريا السوفياتية التي تقدمت كل الصفوف لتواجه النازي بايدي عارية مما سمح للبورجوازية الوضيعة المعادية بطبيعتها للإشتراكية لأن تتقدم الصفوف ؛ أضف إلى أن الحزب الشيوعي كان قد اعتراه الوهن ولم يمارس نشاطه السياسي منذ العام 1938 وكان قد خسر أفضل قياداته في الحرب . تحت كل تلك الظروف المعاكسة قرر ستالين أن يقوم بشخصه وحيداً بالثورة التي تعيد الاتحاد السوفياتي إلى الخط الإشتراكي وتبعث دولة دكتاتورية البروليتاريا من جديد بعد أن اعتراها التهرؤ وما كانت لتبقى لولا ستالين على رأسها، قرر أن يقوم بثورة سلمية تحقق أغراضها بدون إطلاق النار على الأعداء، ثورة تفتح طريق التطور الإشتراكي من جديد للعالم وليس للإتحاد السوفياتي فقط بعد أن أغلقتها الحرب .
لم يكن بإمكان ستالين أن ينتظر أكثر لإطلاق ثورته فكلما تأخرت الثورة كلما إزدادت البورجوازية الوضيعة قوة في المجتمع السوفياتي وتفاقمت أخطارها على الثورة . لهذا طلب ستالين عقد الؤتمر العام التاسع عشر للحزب في أكتوبر من العام 52 وطرح ستالين بعبقريته المعهودة مشروعين على المؤتمر كفيلين فعلا خلال فترة قصيرة بالعودة إلى طريق الإشتراكية وتحويل الاقتصاد الحربي إلى إقتصاد مدني اشتراكي وعودة البروليتاريا إلى مقدمة المجتمع وامتلاك سلطتها العليا في دولة دكتاتورية البروليتاريا . كل ذلك كان سيوفره التطبيق الأمين والكامل للخطة الخمسية 1951 – 55 التي وافق عليها المؤتمر بالإجماع .
أما المشروع الثاني الذي طرحه ستالين على المؤتمر فكان التغيير التام والكامل لكل قيادة الحزب المتقادمة ولم تعد قادرة على القيام بوظيفة الشيوعي الصعبة ولا تستطيع أن تؤمن الشروط اللازمة لإنجاز الخطة الخمسية . بالرغم من أن ستالين تجاوز الحدود الديموقراطية في هذا السياق وناشد المؤتمرين من على منبر المؤتمر ألا ينتخبوا أحداً من أعضاء القيادة القديمة بمن في ذلك ستالين نفسة إلا أن المؤتمر رفض طلب ستالين وهو ما اعتبره ستالين فائق الخطورة على الثورة الاشتراكية . نعم كان ستالين نبي الشيوعية الذي لا يخذل العمال فلم تمضِ شهور قليلة قبل أن تغتال ذات القيادة المنتخبة ستالين وتلغي الخطة الخمسية وتسلم قيادة البلاد للجيش الذي حول كل مقدرات البلاد لإنتاج الأسلحة بدعاوى كاذبة تزعم بأن الولايات المتحدة تشكل خطراً داهماً على أمن الاتحاد السوفياتي . استكمل الجيش "الأحمر" الأهداف البعيدة لحملة هتلر "باربروسا" وهي تقويض النظام الإشتراكي والقضاء على دولة دكتاتورية البروليتاريا . تكريس كل قوى الإنتاج لإنتاج الأسلحة التي لا تعود على المنتجين بأية عوائد إنتهى إلى القضاء على طبقة البروليتاريا فكان أن تحقق سريعاً نهاية دولة دكتاتورية البروليتاريا وهو ما أعلنه مؤتمر حزب الخونة بقيادة خروشتشوف في العام 1961 . وهكذا كانت القيادة السوفياتية بعد ستالين أكثر براعة من هتلر فحققت أهداف باربروسا وزادت أن نَسَبت كل جرائم هتلر لستالين كما جاء في خطاب خروشتشوف الشخصي بعد انتهاء المؤتمر العشرين للحزب .
الضربة التي وجهها الخونة في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي بعد رحيل ستالين إلى البروليتاريا السوفياتية أثبت التاريخ أنها كانت الضربة القاضية على البروليتاريا في العالم وليس على البروليتاريا السوفيتية فقط فمنذ العام 53 لم تقم قائمة للبروليتاريا في العالم .
أهمية هذا القاطع في التاريخ تعيدني بالذاكرة إلى خلافي مع الحزب الشيوعي الأردني ؛ ففي لقائي الأخير مع الأمين العام المساعد في أيار 65 أكدت له أن قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي باتت مجموعة من الخونة في حين كان هو يؤكد أن الحزب الشيوعي الأردني ليس أكثر من جمعية أصدقاء للإتحاد السوفياتي بغض النظر عن سياساته . فكان طلاقي الأخير للحزب .

وكيف انهارت طبقة البورجوازية الوطنية في العالم الثالث ؟
نبتت طبقة البورجوازية الوطنية وتطورت على هامش العلاقة الإستعمارية بين المركز المتروبول والدولة الطرفية المستعمَرة . التناقض بين قوى الإمبريالية في المركز وقوى الإنتاج في الأطراف تطور بنهوض قوى الإنتاج في الأطراف بقيادة البورجوازية الوطنية الدينامية تطالب بالتحرر والاستقلال وقطع كل علاقة مع المتروبول . اختلال ميزان القوى بين الطرفين لم يكن يسمح لأي من الأطراف بالتحرر والاستقلال . سالت دماء كثيرة في الأطراف دون أن ينجح أي طرف مهما كان كبيراً كالهند أو الصين في تحقيق ولو هامشاً من التحرر والاستقلال . تفجرت ثورة التحرر الوطني بقيادة البورجوازية الوطنية في مختلف قارات العالم حال انتهاء الحرب وبروز الاتحاد السوفياتي دولة التحرر والإشتراكية كأعظم وأقوى دولة في العالم . ما بين العام 1946 والعام 1972 تحررت واستقلت جيع دول الأرض تحت مظلة القوى السوفيتية الجبارة . هنا مرة أخرى تتأكد الوحدة العضوية بين الثورة الإشتراكية والثورة الوطنية والتي كان أول من أكدها فلاديمير لينين في رسالته الشهيرة إلى زعماء الشرق الإسلامي المجتمعين في باكو من أذربيجان في العام 1921، تلك الوحدة العضوية التي لا يجوز إغفالها في مختلف المقاربات السياسية .
لكن الإتحاد السوفياتي لم يعد اشتراكياً منذ العام 53 ، وقرار الحزب الخياني بإلغاء الخطة الخمسية والاتصراف إلى التسلح رتب بطبيعة الأمور أن يعلن الخائن خروشتشوف وضع خط فاصل بين الثورة الإشتراكية وثورة التحرر الوطني، وهو ما صار إلى الانهيار الآلي لثورة التحرر الوطني . كان عبد الناصر القائد الأبرز لطبقة البورجوازية الوطنية في لعالم أول من اكتشف خيانة الاتحاد السوفياتي للثورة فكان أن وبخ بريجينيف في لقاء معه وجهاً لوجه في شباط فبراير العام 70 بالقول .. "كانت الحرب في 67 حربكم ونحن حاربنا بالنيابة عنكم وقد ارتكبنا أخطاء ولم نكن كفوئين لكنكم وقفتم تتفرجون علينا ننهزم " . عبد الناصر اكتشف خيانة السوفييت للثورة لكن عريكته وأمانته لقضية شعبه لم تسمحا له حتى بالتراخي في مقاومة أعداء مصر، على العكس من أنور السادات الذي سرعان ما قفز لحضن أميركا وتصالح مع الصهاينة في خيانة مشهودة لشهداء مصر وللقضية الفلسطينية التي قدم الشعب المصري في سبيلها عشرات ألوف الشهداء .
لعب أنور السادات دور العراب لانهيار طبقة البورجوازية الوطنية في مصر وفي العالم معتمداً على خيانة القادة السوفييت للثورة وقد أساء فهم خيانة السوفييت للثورة واعتبرها مجرد غباء وكان يشدد على فكرة غباء القادة السوفيات في مواجهة الإمبريالية في خطاباته آنذاك حيث ثقافته السياسية لم تؤهله للتمييز بين الغباء والخيانة .
كان مشروع البورجوازية الوطنية في دول العالم الثالث ينطلق أساسا على طريق بناء اقتصاد وطني مستقل تفيض عوائده عليها وعلى مختلف طبقات الشعب . لكن الحزب الشيوعي السوفياتي الخائن خذلها فانهارت تبعاً لانهيار الثورة الإشتراكية التي كان من المفترض أن تؤمن قوى الإنطلاق للثورة الوطنية .