الكاظمي وآفاق التغيير في العراق


رضي السماك
2020 / 7 / 19 - 17:57     

خلال ثلاثة أسابيع مضت حدثت تطورات دراماتيكية غير مألوفة ولافتة للنظر على المشهد العراقي الداخلي ، وعلى وجه التحديد فيمايتعلق بأسلوب تعاطي القيادة الجديدة للحكومة ممثلةً في مصطفى الكاظمي مع المظاهر المنافية لسلطة الدولة وهيبتها ازاء سطوة وتغوّل الميليشيات الحزبية المدعومة من إيران ؛ بدءاً من مداهمة موقع لإطلاق الصواريخ يتبع كتائب حزب الله واعتقال 13 عنصراً من مقاتليه في أواخر الشهر الماضي ، ومروراً باغتيال الباحث والخبير الاستراتيجي الأمني هشام الهاشمي في أوائل الشهر الجاري وهو ما أثار غضب وسخط رئيس الوزراء الكاظمي ، وليس انتهاءً بقيامه بزيارة للمنافذ الحدودية البرية ، وبخاصة تلك التي على الحدود مع إيران والتي تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة ومن ثم توعده بتطهيرها منها وإعادة سيطرة الدولة عليها .
وعندما زار رئيس الوزراء الكاظمي عائلة المغدور الهاشمي لتعزيتها كان لافتاً تأكيده أن من ارتكبوا الجريمة ليسوا عراقيين في إيماءة لا تُخفى على أي لبيب بأن القتلة وإن كانوا " عراقيين " إلا أنهم ينفذون أجندة أجنبية ، وكان المغدور تلقى تهديدات بالقتل من إحدى الميليشيات الموالية لإيران ، كما كان لافتاً عند تعزيته أرملة الشهيد قوله لها : " أنتِ بنت عرب طيبة وعراقية أصيلة " . و مما شك فيه بأن مسارعةالكاظمي بتعزية عائلة الشهيد الهاشمي خطوة موفقة في الاتجاه الصحيح ، ومثلها قراره بتسمية أحد الشوارع بإسمه ، وكذلك اجراءاته الأخيرة - كما ذكرنا - بزيارة وتفقد عدد من المنافذ الحدودية التي عاث فيها المفسدون فساداً طوال ما يقرب من عقد ونصف ؛ إذلم يكن نزيف الميزانية العامة ؛ الذي لم تشهد له الدولة العراقية مثيلاً منذ تأسيسها قبل قرن كامل ، يقتصر على فساد ممثلي أحزاب الإسلام السياسي في الحكومة والبرلمان فحسب ، بل وتقاسم الإيرادات المالية للجمارك الحدودية فيما بينها والميليشيات الاخرى ، وكانت واحدة من أبرز تلك الزيارات تلك التي قام بها لمعبر "المندلي " حيث يجري حلب الموارد المالية الجمركية لصالح الميليشيا المسيطرة فيه ، حيث يجري تهريب المخدرات والعملة والمنتوجات الغذائية الفاسدة . ومن المعروف بأنه كان يسمح لما يقرب من ثلاثة ملايين زائر إيراني في المواسم الدينية - وبخاصة خلال زيارة الأربعين - بالعبور من هذه المنافذ بلا تأشيرات دون أن تعامل طهران الزوار العراقيين لإيران بالمثل ! وأغلبهم يحلون ضيوفاً على العراقيين يملأون شوارع كربلاء وبيوت أهاليها ويتلقون وجباتهم من المضايف الحسينية والقلة هي التي تسكن منهم الفنادق ، ولك أن تتخيّل مقدار الخسارة التي يتكبدها الاقتصاد العراقي أو التجارة الداخلية من هذه السياحة الدينية بلا مقابل ! على العكس تماماً فإن عوائد السياحة الدينية الإيرانية كبيرة بما في عائدات فنادقها ذات الاسعار العالية وأسواقها الداخلية .
الكاظمي أكّد أيضاً خلال زيارته لمنفذ المندلي بأنه لن يسمح بسرقة المال العام بعد الآن وستخضع المنافذ جميعها لسيطرة الدولة وقواتها . من جهة اخرى وفيما معظم محافظات العراق تغرق ساعات طويلة في الظلام في عز الصيف كشف تقرير للجنة النفط والطاقة البرلمانية أن وزارة الكهرباء أكثر الوزارات استحواذاً على مخصصات مالية لمشاريعها ، وبلغت خلال 15 عاماً أكثر من 62 مليار دولار ذهبت في الفساد وسوء الاداء والتخطيط . وأكّد الكاظمي في ضوء هذا التقرير الصادم بأن ملف قطاع الكهرباء أحد أهم التحديات التي تواجه حكومته ، وأنه سيتم سد منافذ الفساد في هذا القطاع ، وأمر بتفعيل مشاريع الكهرباء المتوقفة وتزويد المولدات الأهلية بالوقود مجاناً .
ولعل ثمة بصيصاً من الأمل بات يلوح في الأفق إذا ما تمكن الكاظمي من منصبه المؤقت -كمرحلة انتقالية في شغله الفراغ الدستوري - بالمضي قُدماً في تطهير جهاز الدولة من المفسدين المتنفذين والاستجابة الكاملة لمطالب انتفاضة تشرين ، وتقديم قتلة شهدائها للمحاكم العادلة . ومع أن رئيس الوزراء يمتلك شجاعة وحزماً واضحين ؛ لكن سيظل السؤال القائم : هل سينجح في تنفيذ أجندته الإصلاحية بلا عراقيل ؟ وهل شبكة الفساد المتغلغلة في مفاصل الدولة والمحتمية من مواقعها بالمحاصصة الطائفية وبالميليشيات الطائفية والمدعومة من إيران ستدعه وشأنه وستسلم طواعية وديمقراطيةً أسلحتها وترفع الراية البيضاء بعد بحبوحة الفساد التي استنزفت من خلالها جيوب الفقراء طويلاً ؟ والحال ثمة شكوك أن تكون الأرضية ممهدة أمام الكاظمي لينفذ أجندته الإصلاحية بكل حرية بلا عراقيل ومعوقات ستوضع أمامه ؛ ومن هنا فإنه بلا شك إلى دعم القوى الوطنية والديمقراطية العراقية ، وكذلك هو بحاجة إلى دعم داخلي وإقليمي عربي ودولي. ولربما تتضح مقادير ومدى هذا الدعم في ضوء النتائج التي ستسفر عنها زياراته الاقليمية والدولية خلال الاسبوع الجاري بدءاً من الرياض .