هل تعرف وطنية البورجوازية عودا أبديا ؟


سعيد العليمى
2020 / 7 / 19 - 09:52     

حول قضية الاستقلال والنضال المعادي للامبريالية
ِ
يكتسب الاستقلال اشكالا متابنية ، فيمكن لبلد معين ان يحقق استقلاله بحيث يقوم هذا الاستقلال فى المحل الاول على عاتق الطبقات الشعبية ، مع ورود احتمالات التحالف مع البرجوازية الكبيرة أو المتوسطة فى بعض التجارب الثورية. ومثل هذا الاستقلال يعنى ان البلد المستقل بصورة حقيقية يخلو من طبقة استغلالية كبرى داخل البلاد، ذات صلة وثيقة بالامبرييالية .ويمكن من ناحية ، أن تحقق طبقة قومية نوعا من الاستقلال النسبي ، أي المللئ بالثغرات ، غير الشامل لكل المجالات ، والذى لا يتناقض مع الاستعمار الجديد بصورة شاملة وثابتة ، ويتيح الاستغلال للامبريالية بشكليه المالي والتجاري ، ويكون غير قادر على تقديم حل حقيقي للقضية الوطنية ، ولا على تحطيم النمط الانتاجي المرتبط فى عمومه بالامبريالة ، وفى النهاية غير القادر على البقاء طويلا. فمثل هذا الاستقلال النسبي لا يقوى على الحياة ، ولا بد ان يفضي الى أشكال جديدة من العلاقات بالامبريالية . وهذا الأمر يتضمن ثلاث أمكانيات .
1- استقلال مرتبط مباشرة بالاشتراكية مثل الصين ، وكوريا الشمالية . وفيتنام الديمقراطية .
2- استقلال مرتبط بدكتاتورية مشتركة للطبقات الشعبية " ديمقراطية ثورية " مثلما حدث فى كوبا قبل تحول الكاستروية الديمقراطية الاولى الى الأشتراكية ، ومثلما يحدث الان فى غينيا بيساو ، او منذ سنوات في اليمن الديمقراطية ، ومثل هذا الاستقلال امامه طريق الثورة الكوبية ( الثورة المستمرة ، ( بالمعنى اللينيني ) ولكنه قد لا يكون من الحزم بما يكفى لتفادى استعادة الرأسمالية بصورة كاملة اقتصادا وسلطة ، وأخيراً فان هذا الاستقلال يختلف عن الاستقلال الشيلي الذي حققه اليندي .
3- الاستقلال النسبي كما تحقق فى مصر وفى عديد من البلدان بصورة متفاوته فى مداه ، ومثل هذا الاستقلال ينتهي بصورة حتمية الى استعادة العلاقات بالامبرالية ، ما لم يرتبط هذا الاستقلال بأوضاع خاصة من حيث نمو حركة الجماهير الشعبية ، وقدرتها على الاستفادة من تناقض البرجوازية المحلية فى فترة صعودها الطبقي، وما لم تتمكن حركة الجماهير الشعبية من قطع الطريق على ردة البرجوازية ، ومن تصفية هذه البرجوازية في النهاية من خلال ثورة شاملة لا يمكن بدونها اقامة استقلال حقيقي جذري . لقد اثبتت البرجوازية الكبيرة ان استقلالها النسبي لا يمكنها حتى الحفاظ عليه برغم أنه استقلال نسبي مشوه ، لا يعرف انتزاع البلاد نهائيا من السوق الامبريالية ، وأشكال الاستغلال الامبريالي .
ان انواع الاستقلال السابقة ، مختلفة ومتباينة فى مغزاها التاريخي وفى اهميتها الحقيقية والقابلة للاستمرار، فالضمانة الحقيقية لجذرية اي استقلال او استمراره هى تحقيقه على ايدي قوى الثورة الحقيقية اى الطبقة العاملة وحلفائها . اما أي استقلال نسبي تحققه البرجوازية الكبيرة ، فأنه لا يمكن ان يتطور تلقائيا الى استقلال جذري ، ولا يمكن ان تعود مكاسبه بشئ على الطبقات الشعبية ، فتلك المكاسب تلتهمها البرجوازية الكبيرة ، ثم أن هذا الاستقلال النسبي لا يمكنه ان يكون وضعا ثابتا كما تتصوره المفاهيم الميتافزيقية ، بل أن البرجوازية غير قادرة على الحفاظ علية ، فضلا عن تطويره او السير به الى الأمام .
وهناك شكل معين من الاستقلال ، وهو تحقق استقلال بلد معين ، استقلالا نسبيا عن الامبريالية مع وجود طبقة استغلالية كبرى مثل البرجوازية القومية التقليدية حتى عام 1961 او البرجوازية البيروقراطية بعد ذلك ( بالنسبة لمصر) . ومثل هذا الاستقلال لا يمكن ان يكون الا فى حدود الاستقلال النسبي . كما تحقق بأروع شكل بالنسبة لبعض البلدان الاكثر تخلفا فى العالم ، غير ان وضعا استثنائيا قد حدث فى أعقاب الحرب العالمية الثانية فى اطار حلول الاستعمار الامريكى محل الامبراطوريات الاستعمارية القديمة ، وفى حدود احتياج بعض البرجوازايات القديمة لتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية ، على حساب تلك الامبراطوريات ، وبالاخص جلاء القوات المسلحة الاجنبية ، وفى اطار تغيير مركز القيادة الامبريالية العالمية . وتحت ضغط هائل من الحركة الوطنية وأجنحتها . وفى بلادنا احاطت مشاكل عديدة بتلك العمليات التاريخية ، مما فتح امام السلطة البرجوازية فى مصر طريقا للاستقلال النسبي لم تحلم به البرجوازية القومية ذات يوم – ولم تحلم به سلطة يوليو نفسها فى سنواتها الاولى – وهنا يمكن القول ان تعقد الموقف على المستوى العالمى والعربي والمحلى ، قد أدى الى ان يلعب الاستعمار دورا بالغ الاهمية فى مصر بالنسبة لقضية الاستقلال ، فقد ادت مقاطعته الحادة ، الى مزيد من المواقف التى لم تضعها البرجوازية اصلا فى مخططها ، والى تفكيرها فى الصداقة الانتهازية مع المعسكر الاشتراكي ، وخاصة الاتحاد السوفيتي ، وسلسلة المواقف التى لم يحتمها منطق البرجوازية القومية فى الاستقلال ، ولم يحتمها ايضا موقف سلطة يوليو من الاستقلال الذي كان يركز على الجلاء ، مع فتح مجالات أرحب أمام الامبريالية العالمية . لقد أدى ذلك كله الى شكل (متطرف) من الاستقلال النسبي بالقياس الى المنطق السابق للبرجوازية القومية قبل 1952 او بعدها ، او الى بلدان اخرى ، من زاوية التأميم الواسع للمصالح الاستعمارية ، برغم ان ذلك تم بصورة تدريجية تؤكد المنطق السابق ، ( متطرف) من هذه الزاوية ، ولكنه فى نفس الوقت مستعد للتفاهم والمهانة ، على أساس أوضاع دفعته اليها الظروف الخاصة دفعا ، وهذا الشكل من الاستقلال ، كان مرتبطا بديكتاتورية بوليسية تهدم أسس تحويل امكانية بناء استقلال حقيقي قادر على الاستمرار ، وتحطيم القوى الوطنية الحقيقية ، عماد أي استقلال وضمانة استمراره . وفى كل الاحوال فان هذا النوع من الاستقلال ليس فقط مليئا بالثغرات واشكال التسلل الامبريالي ، بل أنه ، ايضا غير قادر على البقاء ، ومحكوم عليه بالانهيار بعد فقدان تدريجي للمواقع والمكاسب التى انجزها . وهذا لا يعنى ابدا ضياع مصالح وممتلكات البرجوازية بل يعنى بالاساس تزاوج المصالح الاقتصادية والسياسية مع الامبريالية والرجعية العربية والمحلية . ان جوهر القول باستحالة الاستقلال عن هذا الطريق ، يعنى بطلان الموقف الذى يعتمد على البرجوازية القومية فى تحقيق الاستقلال القومى ودفعه للامام .
ويتصور بعض مراجعى الحركة الشيوعية المصرية ، ان قضية الاستقلال النسبي فى الاطار البرجوازي والذى تحقق فى مواجهة الامبريالية ، يمكن ان تعرف نوعا من (العود الابدى) ، أي تصفية الاستقلال لدى البرجوازاية ثم استعادتها إياها ، ثم تصفيتها ثم إستعادتها ، وهكذا الى الأبد .. ان الاستقلال كشكل محدد حققته البرجوازية ينبغى ان يفهم كظاهرة لها ظروفها المحددة لا شكلا دائما مستمرا لحياة البرجوازية القومية ، ولابد حتى نفهم ذلك من التمييز بوضوح بين مرحلتين اساسيتين في حياة البرجوازية القومية ، انتهيت الاولى بتحقيق الحد الادنى من اقتصاد رأسمالي مستقل نسبيا عن الامبربالية ، لتبدأ الثانية التى لن تنتهى سوى بالاطاحة بالبرجوازية القومية ، البيروقراطية والخاصة فى بلادنا.
ففى المرحلة الاولى كان المجتمع المصري تسيطر عليه الامبريالية ، وكبار ملاك الارض ، وعلى رأسهم السراي ، أما البرجوازية القومية فقد كانت ، برغم مواقعها الاقتصادية والسياسية ، ما تزال طبقة مقهورة ، ولهذا ارتبط شعار الاستقلال لديها بالدستور ، أى انها كانت فى حاجة الى نوع من الديمقراطية حتى تحقق الاستقلال ، وان كان منطقها التدريجي البطئ يكاد ينتهى بها الى نوع من التكامل والاندماج مع الامبريالية وكبار ملاك الارض ، مع تغييرات تبدو ضرورية فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ، واتجاه الامبراطوريات الاستعمارية القديمة الى الانهيار ، وبروز دور الاستعمار الامريكي ، ويعنى هذا ان سلطة الدولة لم تكن في أيدي البرجوازية القومية ، بل شاركت فيها فقط فى اطار معين وان الطبقة الاستغلالية الاساسية المترابطة المصالح مع الاستعمار ليست هى ، بل كبار ملاك الاراضي ، وان مصالحها ليست هى الاساس فى الترابط العضوى بين الاستغلال المحلى والاستغلال الامبريالي العالمي ، برغم ان البرجوازية القومية لم بكن اقتصادها منفصلا نقيا ، بل مترابطا مع اقتصاد كبار ملاك الارض ، والاقتصاد الامبريالى ومن ثم خرجت لظروف خاصة بقضية الاستقلال من اطارها الاول الى اطار جديد تماما وارتبطت تلك الظروف بمشاكل حلول الاستعمار الامريكى محل الامبراطورية البريطانية ، وكانت قد شغلت بمشاكل معقدة . والمهم انها أدت الى اطار جديد تماما في قضية الاستقلال القومي ، لم تخطر للبرجوازية القومية او سلطة يوليو على بال ، ولكن احتياجات البرجوازية وطاقاتها تفتحت على هذا الاطار بصورة تدريجية وبتوازان دقيق رغم المواقف الاضطرارية التى فرضها الاستعمار الامريكي عليها . أى أن الظروف الجديدة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ، ثم الظروف الخاصة المعقدة التى احاطت بموقف الاستعمار الامريكي في السنوات الاربع الاولى لحركة يوليو ، ثم بعد ذلك ايضا والتى دفعته الى التشدد واحتدام الصراع ، لم تكن تلك الظروف تحدد وحدها طريق التطور البرجوازى في مصر ، بل لعبت احتياجات وطاقات البرجوازية المصرية دورا اساسيا في بروز الاطار الجديد تماما لقضية الاستقلال ، وفى المدى البعيد الذى تفتح امامها .
ففى المرحلة الاولى ، اذن ، تضافر عاملان تاريخيان اساسيان : طاقة ضخمة للبرجوازية القومية ، وظروف عالمية جديدة تماما وقد تضافرا ليعطيا تلك الابعاد وذلك الوزن لقضية الاستقلال القومي ، لكن الوضع الجديد لم يكن قابلا للحفاظ على عناصرا اساسية في مقدمتها الخصومات والصراعات مع معسكر الامبريالية والرجعية العربية ، والصداقة مع المعسكر الاشتراكي ، كما ان الاستقلال القومى الذي تحقق كان ينطوي على تناقضات وثغرات خطيرة وبدا عاجزا عن معالجة الازمة المستفحلة ، بدا عاجزا عن السير فى الطريق الذي شقته البرجوازية منذ انتهت الصراعات مع الامبريالية الامريكية والرجعية العربية الى مشاكل لا يمكن ان تحل فى غمضة عين ، ولا بمجرد استعداد البرجوازية البيروقراطية لذلك ، بل جاء عدوان 1967 والهزيمة بوضع خاص وفتح امام الاستعمار الامريكي الباب لفرض حل عدوانى لتلك المشاكل بحيث تتم التسوية ليس بالطريقة والمعدلات والشروط التى تراها البيروقراطية مناسبة لها ايضا ، بل بفرضه طريقة ومعدلات وشروط عليها بصورة صارمة ، ولا يمكن الحديث هنا عن تخلى البرجوازية عن مصالحها الطبقيه وخيانتها لها او عن عدم وعيها بها ، فهذا تصور غريب على الواقع الفعلى وعلى الماركسية ، انها تعمل على تحقيق مصالحها فى ظروف متغيرة مدركة انه لا مفر من تقديم التنازلات . ودفع ثمن الهزيمة ، والمساومة على الانسحاب الاسرائيلي ، انها بذلك لا تخون مصالحها هى بل تخون مصالح الشعب المصري والشعوب العربية لحساب مصالحها الانانية الضيقة التى لا يمكن النظر اليها في أي لحظة منفصلة عن تحقيقها فى ظروف خاصة متغيرة . وفى هذه المرحلة الاساسية الثانية يتم الالتقاء مع الامبريالية ، ليس فقط بسبب ميلها الموضوعى لذلك بل لتحقيق ذلك بالشروط والمعدلات والخطوات والاساليب التى يضعها مخطط الاستعمار الامريكي ، ولا تفرض البيروقراطية انفتاحها على الامبريالية لتسوية مشاكلها الاقتصادية ، بل يجرى تحقيقة بشكل مرتبط مع الاستسلام للامبريالية ، فالانفتاح شكل من اشكال تحقيق الاستسلام ، برغم انه كان ميلا موضوعيا لدى البرجوازية البيروقراطية ، لان تلك الميول لا تتحقق في فراغ ، بل لابد لها من ظروف محددة يملك الاستعمار الامريكى مفتاحها . اي ان الهجوم الاستعمارى يجب ربطه بالاستجابة الاستسلامية التى تتضمن اتجاها اصليا . ولكن يجب الا ننسي بالطبع ان الانفتاح الاقتصادي والسياسي على الغرب الامبريالي يتم بصورة اجبار على الانفتاح بشكل محدد ، يضع فى مكان الصدارة مصالح الاستعمار الامريكى ، وان كان لا يتجاهل المصالح المباشرة للبرجوازية البيروقراطية . ويكفى دليلا على ذلك ان كل ما يقال عن الضمانات في الا يشكل الانفتاح خطرا على الاقتصاد القومي هو مجرد هراء ، طالما ان تلك الضمانات لا تجد ترجمة فعلية محددة ، ومن الطريف ربطها بخطة للتنمية غير موجودة فى اى مكان ! ويجري كل هذا بقيادة البرجوازية البيروقراطية ، وليس من قبل ( الطبقة الوسطى) او الشرائح الاجتماعية ( المؤثرة فى مصر الأن)، بل وبإندفاع البرجوازية البيروقراطية الكامل فى هذا الاتجاه بل انها اكثر من ذلك تقوم بدور رجعى واسع النطاق على صعيد ربط الاطراف العربية المختلفة فيما يسمى بأزمة الشرق الاوسط ، بالتسوية الامريكية الاسرائيلية والضغط عليها للأسراع فى معدلات قبولها لخطوات التسوية . ان السلطة البيروقراطية تتخذ خطوات مترابطة ترتدى صورة الانقلاب فى الاوضاع بنفس السلطة .
نخلص من ذلك الى ان الاستقلال القومى البرجوازى وارتباطه فى احدى الفترات التاريخية بالعداء للإمبريالية لمدى معين ، قد تحقق واستنفد كل طاقاتها . ولكن هل وجود الاستعمار الجديد وسيطرته على مجالات تضيق او تتسع يكفى لاعتبار البرجوازية البيروقراطية او الخاصة ، طبقة مقهورة ؟
فى حالة البرجوازية المصرية بفرعيها البيروقراطي والخاص ، فانها تشكل الطبقة او الطبقات الاستغلالية الكبرى داخل الامة ، وهى تمثل حلقة ضرورية لا يمكن ان يتم بدونها الاستغلال والاضطهاد الامبرياليين ، بعد كل التطور الرأسمالى الذى حدث فى بلادنا . ان العمليات الاستغلالية المشتركة بين الامبريالية والبرجوازية البيروقراطية والخاصة ، تبتعد بنا عن اوضاع لا يجوز فيها الحديث عن طبقة مقهورة ، بل يجب الحديث هنا عن التنظيم المشترك للأستغلال والأضطهاد والمواجهة المشتركة للثورة الشعبية اى ان الحاجة متبادلة ، ولا يمكن لاي من الطرفين ان يحقق مشروعه الاستغلالى بدون الطرف الآخر ، اى ان التقدم البرجوازي النسبي فى مصر قد حطم نهائيا الاوضاع التي يمكن ان تكون فيها البرجوازية المصرية طبقة مضطهدة بالاشكال القديمة ، واعتماد الامبريالية على اوضاع وطبقات سابقة على الرأسمالية ، فقد اصبح الاعتماد المتبادل الآن بين البرجوازية المصرية والامبريالية ( والاضطهاد) الواقع على البرجوازية ، هو عجزها عن الانفراد بالسيطرة على السوق القومية وهذا قدرها الذى لا فكاك منه ، بسبب عجزها عن احراز نفس التقدم الذى حققته البرجوازيات الامبريالية فى مضمار التقدم الاقتصادي . فتطور البرجوازية البيروقراطية الكبيرة ، او الخاصة لا يمكن ان يدفعها الى مصاف اكثر الرأسماليات تقدما فى العالم ، ولا داعي للاستفاضة هنا فى امرين : اولهما ... ان هذا مستحيل فى عصر اضمحلال الرأسمالية العالمية وقيام الثورة الاشتراكية ، مستحيل لبلد رأسمالي متخلف ، ان يبنى رأسمالية قادرة على الانفراد والسيطرة الكاملة على مقدرات البلاد . ثانيهما : ان الرأسمالية العالمية فى اطار تفاوت القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للامبرياليات المختلفة ، وعلى سبيل المثال الامبريالية الامريكية مع البلدان الامبريالية الاخرى .
ان البرجوازية القومية الكبري لا توجد ابدا منفصلة عن الامبريالية ، لقد كانت قبل 1952 موجودة تحت السيطرة الامبريالية تشارك في السلطة التابعة ، وتشترك معها الامبريالية حتى فى شركاتها ( "بنك مصر" على سبيل المثال كانت له شركات كثيرة من الاحتكارات الامبريالية ) . وظلت البرجوازية القومية حتى اوائل الستينات وقبل الخطة الخمسية الاولى بصفة خاصة ، وثيقة الارتباط مع رأس المال الاستعمارى بصور مختلفة ، ولم تغلق البرجوازية البيروقراطية أبوابها امام الامبريالية فى أي لحظة ، بل استمر وجود درجة واضحة من الاستغلال وبالذات استمر الاستغلال التجاري مع استثمارات مباشرة فى بعض المجالات ، كالاستثمارات البترولية والاستثمارات الالمانية الغربية ، والمشاركة مع الامبريالية فى بعض شركات القطاع العام ، تم اساسا فى عدم التجاوز الحقيقي لنمط فى الانتاج خلقه الاستعمار وفقا لاحتياجاته .
ان البرجوازية البيروقراطية فى اشد لحظات استقلاليتها لم توجد بدون روابط مباشرة بالامبريالية ، وليس الكمبرادور- اى الوكلاء المباشرين للمؤسسات الاستعمارية – وحده هو الذى يرتبط بالامبريالية ، بل اى راسمالية كبيرة تفعل ذلك ، ليس بنفس الصورة الكمبرادورية ولكن بالصورة التى تلائمها.
وما يجرى الان فى مصر يتم عل حساب الاستقلال النسبي الذي تحقق، ولا يجب تصور أن التطور الرأسمالى فى بلادنا قد بلغ درجة من النضج تكفى لاستحالة التبعية ، ولا تكون التبعية كما يتصور بعض ضيقى الافق من المرتدين الماركسيين بتطهير البلاد كليا من البرجوازبة البيروقراطية والخاصة واقتصادهما ، بل تكون بارتباطهما عضويا وبصورة غير متكافئة ومشاركة غير متساوية مع الامبريالية الامريكية . ليست البرجوازية البيروقراطية كما يصورها البعض ( مجنونة) بالنضال المعادى للامبريالية فقد كان ذلك ضرورة ملحة فى فترة النشأة والطور الأول الذى كان فى حقيقته استمرارا للنشأة التدريجية بسبب من العوائق الضخمة أمام التطور البرجوازى القومى ، ولكن ذلك لم يعد له ما يبرره اليوم فقد استنفد كل اغراضه ، وحقق اهدافه الاساسية ولا يمكن للبرجوازية الا ان ترى فى الوضع الحاضر ، والاوضاع المقبلة فى مصر تحقيقا لنوع الاستقلال الذى كانت تطمح اليه ، فهى لم تتطلع يوما الى ما ابعد منه ، وقد انساقت اضطراريا فى طريق الاستقلال النسبي الذى تحقق فى الخمسينات والستينات ، فهو لم يكن الشكل الاوحد لنظرتها الاستقلالية . اما ان تظل البرجوازية ( تناطح) الامبريالية وتعمل على الانفراد بالسوق ، فان هذا مجرد خرافة فى أذهان المثقفين البرجوازيين الصغار ادعياء الماركسية . ان البرجوازية ليست ولوعة بأسطورة سيزيف، فهى اكثر ادراكا لمصالحها المباشرة والاستراتيجية ، وهى لا ترى فى الامبريالية شرا، "عداؤنا لامريكا ليس مسألة مبدأ – السادات " ، بل مثلا اعلى للراسمالية ، ورفيق سلاح فى النضال المشترك ضد الثورة البروليتارية ، ولا يعنى هذا ان علاقات البورجوازية بالامبريالية تعرف ( الوحدة المطلقة) لكن القضية انها لا يمكن ان تشكل تناقضا عدائيا رئيسيا فى رحم المستقبل . ويؤدى تطور الحركة الوطنية الديمقراطية والشيوعية فى بلادنا فى المستقبل ليس الى منطق اتخاذ مواقف مترابطة ضد الامبريالية ، كتنازل امام الحركة الثورية ولكن الى منطق المزيد من الترابط مع الامبريالية ضد هذه الحركة.
والآن .. لابد من طرح السؤال التالي : هل يمكن ان تنبثق "برجوازية وطنية " تسهم فى النضال الوطنى داخل البرجوازايات المتوسطة بقطاعاتها وفئاتها المختلفة لتحل مثلا محل ما كانت تمثلة البرجوازية القومية الكبيرة قبل 1952 ؟
يبدو طرح هذا السؤال ضروريا لان بعض الفصائل المراجعة تفتش بدأب هذه الايام عن طبقة تكرر اسطورة البرجوازية الوطنية ، وترفع من جديد راياتها ، وهى مقوله يتبناها بعض ادعياء اليسار الذين جعلوا رسالة حياتهم البحث عن دور " البرجوازية الوطنية" وليس عن دور الطبقة العاملة ، فها هم يأتون حيث تبرز أهمية الدور النضالي للعمال المصريين كطبقة ودورهم فى القضية الوطنية ، دورهم فى الثورة الاشتراكية وتراهم يصرون على الحديث الطويل الممل منتظرين مجئ العصر الالفي السعيد، حيث تظهر برجوازية وطنية جديدة متناقضة مع الاستعمار .
لقد كانت البرجوازية المتوسطة قبل 1952 ، واقعة تحت هيمنة البرجوازية القومية الكبيرة وتسير فى ركابها فهى لا يمكن ان تنفرد بموقف ولا تقوى على ذلك ، خصوصا وأنها ليست الطليعة البرجوازية فى مجتمع اقطاعى عليها ان تحقق التراكم الاولي وتناضل ضد العوائق أمام تطورها كطبقة ، انها تتطلع دائما الى سلوك ومواقف البرجوازية الكبيرة ، فهى لا تستطيع الحياة الا على هامشها ، اما قمم البرجوازية المتوسطة ، فأنها تشكل وضعا انتقاليا خاصا يتجة بها غالبا الى اعلى بينما الطبقة البرجوازية المتوسطة بأسرها تشكل وضعا انتقاليا خاصا يتجة بها الى اعلى والى اسفل ، ولا يمكن لهذه الطبقة ان تشكل طبقة سائدة اقتصاديا ، وحاكمة أى فى السلطة ، فى نظام اجتماعي رأسمالى . وفى الفترة الراهنة ، بعد ان ارتبط ذلك النوع من الاستقلال النسبي الذى حققته البرجوازية البيروقراطية ، ليس فقط بعلاقات العداوة مع البلدان الرأسمالية ، وليس فقط بالصداقة المرحلية مع المعسكر الاشتراكي ، الأمر الذى يبعث على الذعر المميت من الشيوعية ، وليس فقط بتأميمات واسعة ضد البرجوازية القومية الكبيرة ، بل بضربات كثيرة نالتها البرجوازية المتوسطة ، واشكال من تضييق الخناق على اقتصادها فى مجالات متعددة ، وبصفة خاصة وضع حدا لآمالها فى النمو ، بعد كل هذا فان هذه الطبقة ترحب بكل طاقاتها ، بالانفتاح الراهن على الامبريالية، وتقف كما منتظر منها ، وراء البرجوازية البيروقراطية ، والخاصة فى أفضل الفترات التى تمر بها سلطة يوليو من وجهة نظرها !
ضد مفاهيم المراجعة : حول النضال ضد الامبريالية وبصدد قضية الجبهة
ما زال مراجعوا الماركسية يرددون المقولة البالية التى افرزتها تنظيماتهم الشيوعية التى جرى حلها على ايديهم . وهذه المقولة ما زالت تمثل غذاء نظريا لفلولهم الباقية ، ولبعض المراجعين الجدد . فمقولة " البرجوازية الوطنية " هى وثيقة الارتباط بما هو مطروح الان فى الساحة السياسية ، والتأكيد من جانبهم على وطنية البرجوازية يستند على مواقفها فى حقبة تاريخية ضد الامبريالية فى فترة صعودها الطبقى وبدلا من ان يلجأ اصحاب هذه المقولة الى اعتماد التحليل الطبقى الماركسي فى تحديد طبيعة هذه البرجوازية ، وتحليل سياساتها المتغيرة فى مراحل مختلفة من حياتها ، بمعرفة موقعها الذى تشغله فى عملية الانتاج الاجتماعي وصلتها بوسائل الانتاج ، نجدهم يختزلون الامر فى تحديد موقفها السياسي تجاه الامبريالية فى احدى الحقب التاريخية ، ويسعون الى اطلاق وتعميم هذا الموقف حتى يشمل كافة فترات وجودها ، ويغفلون انها تخضع موقفها من الامبريالية لمصالحها الانانية الضيقة فى مرحلتى صعودها وهبوطها ، وان تناقضها مع الامبريالية لا يمثل نفس الموقع على الدوام عبر الظروف المتغيرة بينما يكون تناقضها مع الجماهير الشعبية تناقضا رئيسيا لا ثانويا على الدوام .
ولقد اعتمد طارحو هذه المقولة على موقف البرجوازية القومية ، ثم البيروقراطية ، فى فترتى عدائها للامبريالية ، فى تحديد الطبيعة الطبقية للسلطة ، وتعميم جانب من سياسة ترتبط اوثق الارتباط بمرحلة الصعود الطبقى لتشمل الفترة الراهنة .
وقد بنت التنظيمات الشيوعية التحريفية قديما خطوطها السياسية استنادا على ذلك . فما دامت البرجوازية وطنية فيجب التحالف معها – لا التحالف الذي يعنى المشاركة فى الحكم – وتأييدها الذيلي ، فالصراع ضد الامبريالية هو التناقض الرئيسي ، والنضال ضد الاستغلال الرأسمالى للطبقة العاملة او طرح مطالب الحريات الديمقراطية ، كل ذلك يعد " انحرافا يساريا" وتغليبا للتناقض الثانوى على التناقض الرئيسي واحراجا للسلطة الوطنية .
ان مقولة " البرجوازية الوطنية " فى ارتباطها بمسألة التناقض الثانوى والرئيسي ، وقضية الجبهة كما تطرحها المراجعة – تضلل العمل الثوري ، وتقوده الى هاوية تدعيم السلطة الطبقية البرجوازية القائمة ، خاصة ، وان هذه المقولة التى تنبعث من جديد – وفى طنين مزعج كطنين الذباب ، تطرح فى المرحلة التى يلتقى فيها الميل الموضوعى لدى البرجوازية البيروقراطية بارتباطات التبعية الجديدة مع الامبريالة وهى تموه طبيعة هذه البرجوازية ووجهها الاستسلامى ، وسياساتها المعادية للجماهير الشعبية التى تؤدى الى الكارثة الوطنية .
أن البرجوازية المصرية تحل تناقضاتها فى الفترة الراهنة مع الامبريالية – وهى فى مرحلة هبوطها – بعقد المساومات وتقديم التنازلات وايا ما كانت الشروط النهائية للتسوية ، فهى تقود الى مرحلة جديدة وشكل جديد من أشكال التبعية ، وأسلوب حل البرجوازية للمسألة الوطنية يؤدى الى انتكاسة تضر بمصالح الجماهير الشعبية ، وكما اسلفنا فان البرجوازية لا تخون مصالحها بسياستها هذه ، بل انها تخون مصالح الشعب المصري . لذلك فان التناقض بين الجماهير الشعبية المصرية ، وبين البرجوازية البيروقراطية والخاصة ، لا يمكن الا ان يكون على صلة وثيقة بالتناقض بين الجماهير الشعبية والامبيريالية ، ولم يعد ممكنا الحديث عن نوعين مختلفين من التناقضات . ان النضال ضدهما بهدف الاطاحة بهما عملية ثورية تاريخية واحدة فالتناقض مع الامبريالية لم يعد هو العامل الحاسم فى توجية سياستها ، واسلوب حلها للقضية الوطنية ، يضع أمام قوى الثورة العراقيل .
وبرنامج القوى الثورية بفصائلها الوطنية الديمقراطية والشيوعية ، يقضي بالنضال من اجل قطع الطريق على سياسة البرجوازية الاستسلامية التى خانت القضية الوطنية ، وبلورة النقيض الثورى سياسيا ، ودعائيا، وتنظيميا ، وجماهيريا، هذا النقيض القادر على انتهاج سياسة ثورية وذلك يقتضى العمل الدؤوب من اجل جبهة متحدة ، ليست البرجوازية الكبيرة البيروقراطية او الخاصة طرفا فيها ، كما يطرحها مراجعوا الماركسية ، جبهة تتشكل من الطبقات الوطنية والشعبية المعادية عداء جذريا للامبريالية بقيادة الطبقة العاملة من اجل اقصاء خط السلطة الاستسلامى ، كحلقة فى سياق النضال الثورى من اجل الاطاحة بالبراجوازية وحلفائها وابراز الخط البروليتاري نقيض خط البرجوازية فى حل المسألة الوطنية ، وهذا النقيض سيتم تقويض دعائمه والحاقه بذيل البرجوازية ، اذا تبنى رؤية احادية الجانب فى التسوية التى تجريها الطبقة الحاكمة ، وهو ما يتعلق باستعادة الارض الخاضعة للاحتلال الاسرائيلي ، لان الجانب الرئيسي فى التسوية هو التبعية الجديدة للامبريالية الامريكية ، ان كل وطنى ديمقراطي متماسك ، وكل شيوعي مصري حقيقي ، يرفض التموية عليه بالارض المحتلة التى يمكن استعادتها ، لكي يمرر عليه الجانب الرئيسي فى التسوية ، وهو الردة الوطنية المتمثلة فى التفريط فى استقلال بلادنا وتدعيم قبضة الامبريالية على المنطقة العربية ، ومساندة الحلف الرجعى حارس المصالح الامبريالية .
ومهام وواجبات القوى الثورية لن تبرز ، ولن تلف حولها الجماهير كمهام وواجبات ثورية ضد الاعداء الطبقيين الا بتحديد التخوم ، ووضع الحدود الفاصلة بين خطين متناقضين ، خط الطبقات الثورية الكادحة والمعادية عداء جذريا للامبريالة بقيادة الطبقة العاملة ، وبين خط البرجوازية البيروقراطية والخاصة ، الذي يتصدى حتى الان لحل المسألة الوطنية ! انطلاقا من مصالحه الانانية وعلى حساب مصالح الجماهير الشعبية المصرية والعربية .
ووضوح المهام والواجبات يتسم بأهمية بالغة – ايضا- نظرا لبروز الاتجاهات السياسية التحريفية ، لبعض المثقفين ضيقى الافق ، الذين يتسترون وراء راية الماركسية ، ان هؤلاء المراجعين يطرحون على الجماهير زبدة تحليلاتهم التى تقود الى جعل الحركة الثورية ذيلا تابعا يدور فى فلك البرجوازية ، فهم ما زالوا يراهنون بدرجة او بأخرى على هذا القطاع او ذلك من قطاعات البرجوازية البيروقراطية او الخاصة ، على هذه الشريحة الاجتماعية او تلك ، ويؤكدون على طاقاتها الثورية الكامنة وقدرتها على استكمال وانجاز مهام الثورة الوطنية ، وقيادة النضال المعادى للامبريالية ، ولا يدركون ان مهام النضال المعادى للامبريالية ، قد انتقل من الاطار البرجوازي الى الاطار الاشتراكى ، وان القوى الوطنية الديمقراطية لا يمكن ان تتجاوز واقع الاستسلام الراهن ، الذى تفرضة البرجوازية عليها ، الا بأن تضع ضمن اهدافها معاداة الرأسمالية ، ولا تنجز هذه القوى اهدافها الا بالاطاحة النهائية بالنظام الرأسمالي القائم ، وبالحلف البرجوازي الحاكم .
كتب لينين " اذا اردنا ان نؤسس العمل المشترك بين طبقات مختلفة ، وجب علينا ان نكون واضحين تجاه النقاط التى تلتقى فيها مصالح هذه الطبقات ، وتلك التى فيها تفترق . ان اى وهم او خلط فى المفاهيم فى هذا الصدد وتشوية الموضوع بعبارات لا معنى لها سيعود حتما بأكثر الاثار ضررا" . ( حول مفهوم الديمقراطية لدى كل من العمال والفلاحين ).
مازال هذا الاتجاه المراجع يردد فى ذيلية ما بعدها ذيلية ، وفى عشق صوفي جدير بمنظرية ، مقولة التناقض الثانوى والرئيسي هذه المقولة التى كانت دعامة نظرية فى فكر التنظيمات الشيوعية التحريفية ، وقد بررت هذه المقولة طوال حياة هذه الحركة ، بل وبعد موتها فيما يبدو ، بررت انضواء الشيوعيين تحت راية البرجوازية ، وفى اطار القضية الوطنية مما ادى الى اعتماد الخط البرجوازى كخط وحيد يدور النضال ضد الامبريالية فى حدوده ، بل وطمس الخط البروليتاري الثورى المناقض جذريا لخط البرجوازية .
ان البرجوازية المصرية ، لا تعرف تصفية البقايا الاقطاعية فى الريف ، لانها تحكم الاستغلال الرأسمالي من خلالها ، وهى لم تعرف طوال حياتها تصفية العلاقات مع الامبريالية العالمية . لذلك فان انجاز هذه المهام يقع على عاتق الطبقة العاملة فى سياق ثورتها البروليتارية .
ان البرجوازية الحاكمة تنفرد بالسلطة ، وتسيطر على السوق القومي ، وعلاقات الانتاج السائدة هى علاقات انتاج رأسمالية والايديولوجية السائدة هى الايديولوجية البرجوازية وذلك يجعل الثورة المقبلة من ناحية محتواها الطبقى وهدفها الرئيسي : ثورة اشتراكية . ان جوهر الاتجاه المراجع يكمن فى انه يراهن على وجود طاقات وطنية مازالت لدى البرجوازية وهو يعنى بشكل محدد السلطة – الطبقية البرجوازية البيروقراطية ، والتى تقود بذاتها عملية الانتقال الى ضفاف الاعداد التاريخيين لبلادنا ، وهى التى طرحت قضية الانفتاح على الغرب الامبريالي، وعقدت الصداقات والتحالفات مع الرجعية العربية ، وهى التى تقود دفة اجراءات التسوية السياسية مع اسرائيل ، وتعد العدة للاعتراف بحدودها الآمنة ، وكيانها الاستيطانى الاستعماري ، على حساب دولة ديمقراطية فلسطينية ، وهى التى توجه الضربات الى علاقاتها القديمة بالمعسكر الاشتراكي ، واخيرا هى التى تقوم ببعث الرأسمالية الكبيرة الخاصة . وبناء على الطاقات (الكامنة) فى البرجوازية ، وتأسيسا على مقولة " التناقض الرئيسي والثانوي" يطرح هؤلاء الجبهة بمعنى وحيد هو تحالف الشيوعيين مع السلطة ، تحالفهم معها فى فترة انتقالها الى ضفاف الاعداد الامبرياليين ، تحت صيغة ( الجبهة الوطنية )، وهؤلاء المراجعون فيما يبدو يعتقدون ان البرجوازية هى طبقة مقهورة ، اى انها ليست الطبقة الاستغلالية الكبرى فى البلاد والتى تسيطر على الاقتصاد والسلطة . ان الجبهة الوطنية مع البرجوازية لا تطرح الا فى مرحلة صعودها الطبقى حيث تكون هذه الطبقة مقهورة فى اطار سيطرة الهيمنة الامبريالية وكبار ملاكي الارض، او اثناء نضالها ضد الامبريالية وخوضها المعارك لتثبيت الاستقلال النسبي . وفى مصر لم تستطع علاقات القوى بين الجماهير الشعبية ، وبين البرجوازية ، ان تفرض حلا طبقيا ، اى جبهة وطنية حين كانت البرجوازية طبقة صاعدة ، بيد ان هناك من يتوهمون ( ضرورة) ذلك بل واهميته فى الفترة الراهنة . ان البرجوازية بحكم طبيعتها الطبقية كرأسمالية بلد متخلف لا يمكن ان تواصل مهام استكمال الثورة الوطنية ، لذلك فان الصيغة التى لابد للقوى الثورية ان تطرحها هى صيغة الجبهة الشعبية المتحددة ، فالجبهة هى تحالف طبقى من اجل السلطة ، فالقضية الجوهرية لكل ثورة هي دون شك قضية السلطة . وهى لابد وان ترتبط بطبيعة الثورة واهدافها . وهى تنبع دائما من الاوضاع الملموسة فى الواقع الموضوعى . والقوى الثورية ، وفى طليعتها الحزب الشيوعي ، لن تلف الجماهير ، الا اذا تبنت موقفا سياسيا ثوريا من الطبقة الحاكمة ، وبتقديم برنامج وطنى معاد للامبريالية والبرجوازية المسيطرة . وعوضا عن ان يمارس هذا الانجاة "فعاليته الثورية " فى اقامة التنظيمات السياسية للطبقات الوطنية الشعبية ، وفى مقدمتها التنظيمات الشيوعية ، وتوعية هذه الطبقات بأيديولوجيتها وبرسالتها التاريخية ، نراة يلقيها بين براثن البرجوازية التى لم تستطع الجماهير الشعبية ان تفرض عليها حلفا وطنيا اثناء فترة عدائها للامبريالية ، ومن ناحية اخرى يبدو ان لدى هذا الاتجاه تصورا عن امكانية تجاور خطى البرجوازية والطبقات الوطنية والشعبية " بحيث يتم تفادي مساوئ كل منها، ويبدو انه لا يدرك انهما خطان متناقضان متعاديان لا يمكن التوفيق بينهما عبر وحدة تلفيقية ما ، بل ان اى خط منها لا ينمو الا بمقدار ما يموت الاخر ."ما دامت هناك قوى معادية للثورة ، فلابد ان توجد ايضا قوى ثورية لتقف فى مواجهتها ولا يمكن ازاحة القوى المعادية للثورة بدون قوى ثورية ، واية دولة توجد فيها الطبقات المستغلة فى السلطة هى قوى معادية للثورة ، . ان الشيوعيين الحقيقيين عليهم ان يتمسكوا باستقلال حركة البروليتاريا ، باستقلال سياستها الطبقية المعبرة عن مصالحها ، حتى " ان كانت تلك الحركة فى اقل اشكالها الجنينية ". ويناضل الشيوعيون من اجل انجاز المهام العاجلة للطبقة العاملة وتحقيق مصالحها المباشرة ، ولكنهم فى وسط هذه الحركة يمثلون مستقبلها ويرعون ذلك المستقبل . كتب انجلز " ان الاشياء وصورها العقلية ، والافكار ، بالنسبة للميتافيزيقى معزولة بعضها عن بعض ، انه يراها اشياء جامدة ثابتة وخالدة ، (انتى دوهرنج).
ان خط الجماهير الشعبية هو خط النضال ضد الامبريالية ، هو استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية ، هو انتهاج اسلوب الحرب الشعبية الطويلة الامد ، خط تبنى الحريات الديمقراطية التى تتيح امكانية التعبئة المنظمة سياسيا وايديولوجيا وتنظيميا وعسكريا ، ضد كل انواع القهر والنفوذالامبريالي ، اما خط البرجوازية فهو خط التهادن والمساومة وفقدان الاستقلال والانفتاح على الغرب الاستعمارى والدخول فى علاقات الصداقة والتحالف مع الرجعية العربية ، هو الاتجاة نحو معاداة المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتى .
ان التحالف مع البرجوازية رغم انه لا توجد اهداف مشتركة بينهما وبين الطبقات الوطنية الشعبية ، وفقا لمفاهيم المراجعة ، لابد وان يفترض انها هى التى ستقوده ، ومعنى هذا هو تبنى خطها ومنهجها فى حل القضية الوطنية ، اى تبنى البرنامج البرجوازى فى " معاداة" الاستعمار . خصوصا وان مواثيق البرجوازية تشكل برنامج الحد الادنى الذي يمكن " قبوله" فى الفترة الراهنة، وفقا لافكار فصائل المراجعة .
وهذا المنهج الذيلي يطمس الحدود بين سياسات الطبقات المتناقضة تناقضا جذريا . ويؤدي الى تحويل الجماهير الشعبية الى زائدة سلبية فى ذيل البرجوازية تقاتل فى اطارها ومن اجل مصالحها الانانية ، وهو منهج يؤدي الى تدعيم سياسة البرجوازية فى قمع الثورة وممثليها السياسيين .
وفى الوقت الذى تتبنى فيه المراجعة " مواثيق الثورة " ، تتخلى السلطة عنها . لان اغلب المواثيق كان انعكاسا لفترة النضال ضد الاستعمار ، او يتم تكييف هذه المواثيق وفقا لظروف الارتباط بالغرب الامبريالي .
ان قضية الجبهة كما تطرحها فصائل المراجعة ، انما تطرحها خارج سياق حركة الصراع الطبقى فى بلادنا ، واتجاهها الثورى نحو الاطاحة بالنظام الرأسمالي واقامة الاشتراكية .
لقد انجزت البرجوازية البيروقراطية مهامها التاريخية ، وهى الان فى مرحلة انحدارها كطبقة اجتماعية حققت اهدافها ، وتتجة الى التحالف مع الامبريالية ، لذلك فان الجبهة الشعبية المتحدة ، اى التحالف الطبقى بين الطبقات الوطنية والشعبية ، من اجل الاطاحة بالرأسمالية واقامة الاشتراكية فى نهاية المرحلة الاستراتيجية ، هى التى تقوم باستكمال مهام الثورة الوطنية كمهمة تكتيكية لا تفترض مرحلة استرتيجية بكاملها فى سياق الثورة الاشتراكية . وقوى هذه الجبهة تتكون من : الطبقة العاملة اشد الطبقات ثورية الى النهاية ، الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين، والبرجوازية الصغيرة . وبديهى ان نقول ان البرجوازية الكبيرة البيروقراطية او الخاصة ، ليستا حلفتين فى هذه الجبهة ، حيث لابد ان يمر النضال ضد الامبريالية عبر النضال ضد الحلف البرجوازي القائم والاطاحة به
ان كل المراجعين فى صفوف الحركة الشيوعية يلتقون الان ( رغم تلاوينهم المختلفة ، حسب القطاعات البرجوازية التى يعقدون علية امالهم) عند مسألة رئيسية ، وهى ان اى ربط لمسألة النضال المعادى للامبريالية ، واستكمال مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ، وتحقيق استقلال جذري حقيقي بقيادة غير برجوازية والقاء مهام استكمال الثورة الوطنية على عاتق الطبقة العاملة المصرية كمهمة تكتيكية لا تفترض مرحلة ثورية بكاملها وفى سياق الثورة الاشتراكية بعد حرقا للمراحل ،. وخلطا ما بين طبيعة الثورة الوطنية والاشتراكية . انهم يتعامون جميعا عن واقع ان التناقض مع الامبريالية لم يعد هو العامل الحاسم فى توجية سياسة البرجوازية البيروقراطية فى المرحلة التاريخية الراهنة ، وبصفة خاصة فى اعقاب حرب اكتوبر بنتائجها المعروفة .
ان واجب القوى الثورية ، وعلى رأسها الحزب الشيوعى ، ان تناضل ضد الامبريالية الامريكية واسرا ، واسرئيل والرجعية العربية ، ضد البرجوازية البيروقراطية والخاصة ، ضد فصائل المراجعة التى تعوق مسيرة الحركة الثورية فى بلادنا من اجل مصر مستقلة واشتراكية .
عام 1974 - الإسكندرية