نقد كتابات موقع 30 غشت، ورقة -الصراعات الطبقية وحركة 20 فبراير ...- الحلقة الرابعة


امال الحسين
2020 / 7 / 13 - 13:34     

في مستهل مقدمة هذه الورقة، حدد الكاتب الفترة التي يريد تناولها بالمغرب في "12 سنة من الصراعات الطبقية التي تهز أعماق تشكيلته الاجتماعية والاقتصادية التابعة" حسب قوله، معتبرا أن جمبع الطبقات دخلت في "حلبة الصراعات الاحتماعية والسياسية"، وأن ما يسميه "مسلسل التراكم الرأسمالي الكومبرادري" هو محركة هذه التناقضات، سواء على مستوى "الكلتلة الطبقية السائدة" أو في "الحركة الجماهيرية الواسعة" وخلص إلى أن "السياسة الاقتصادية والاحتماعية الطبقية لنطام الكومبرادور" هي التي تفجر "الحركة الجماهيرية الواسعة"، السؤال المطروح هو : هل احتجاجات الجماهير في 20 فراير ينطبق عليها مفهوم الحركة حسب الفهم الماركسي للحركة ؟ ذلك ما سنتناوله بعد نقد هذه المقدمة.
ويأتي لتحليل هذه التناقضات من منظوره الأيديولوجي "الماوية"، محاولا تطبيقه على الصراعات الطبقية بالمغرب، في قوله :"من جهة: العمال (وهي القوة الأساسية) ــــ الفلاحين (وهي القوة الرئيسية) المرتبطين جدليا (مرتبطين موضوعيا وفي وحدة جدلية)، ومن جهة ثانية: البنية الإمبريالية ــــ كمبرادورية.".
هنا حصر الصراعات الطبقية بالمغرب، واعتبر العمال غير المنظمين سياسيا قوة أساسية مما يتناقض ومفهوم البروليتاريا، أي الطبقة العاملة في حزبها الثوري كما وضعه ماركس وبناه لينين، أما الفلاحون فهم بالنسبة إليه قوة رئيسية بدون طليعة ثورية تقود نضالاتهم السياسية، مما جعل محاولته لإبراز منظور ماو في كتابه "في التناقض"، الذي تناولناه سابقا بالنقد، لا يفي بالغاية من التحليل للوضع السياسي، إلا في غاية سياسوية واحدة وهي أن منطور ماو ناجع في التحليل السياسي للصراعات الطبقية بمغرب القرن 21، وهو يتحدث عن العمال والفلاحين في مستوى "الحركة الجماهيرة"، أي في مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية : الإصلاحية، في مستوى أدنى مما وصل إليه ماو في التنظيم الحزبي.
وتكلم عن الارتباط بين العمال والفلاحين في "وحدة جدلية"، لكن دون أن يحدد أين تتجلى هذه الوحدة ؟ وكيف حددها ماو ؟ أما بالنسبة للينين فقد حدد علاقة البروليتاريا بالعمال في التحالف، في خلاصته حول الحرب الأهلية، ولم يتحدث أبدا عن "الوحدة الجدلية"، حيث الوحدة لا يمكن أن تشمل إلا طبقة معين، في التحالف بين العمال والفلاحين الحربي والاقتصادي، في الحرب والبناء الاشتراكي وليس في النضالات المطلبية، حيث الصراعات الطبقية تجري في مستوى الاشتراكية والإمبريالية، ليس كما جاء قول الكاتب، في وحدته الموهومة بدون أداة تنظيمية بين العمال والفلاحين في مواجهة ما سماه "البنية الإمبريالية ــ كومبرادورية"، المنظمة تنظيما سياسيا، اقتصاديا وعسكريا، وهكذا يقع الكاتب في ورطة منهجية باستعماله لمصطلحات لا أساس طبقي لها.
وسرعان ما يسقط الكاتب في منهجه التجزيئي المعتاد، في مزيج من الصحافوية والشعبوين في قوله "إن الصراعات الطبقية في مغرب العشرية الأخيرة، تجري في سياق أزمة مفتوحة ل"ديمقراطية الواجهة"، التي يحاول النظام الكومبرادوري ترميمها بطلاء جديد، منذ حكومة "التوافق المخزني"(حكومة اليوسفي) إلى حكومة بن كيران الأكثر رجعية، ومن دستور 1996 إلى دستور 2011، الذي أطلق عليه الشعب المغربي "دستور العبيد""، وهنا اختفي مضمون كتاب "في التناقض"، في تحليل الصراعات الطبقية بالمغرب في العقد الأول من القرن 21، حيث الواجهة التي تحدث عنها تسقطه في تناوله لواجهة الأحداث دون الغوص في أساسها الاقتصادي، كما عهدناه في التحليل الماركسي للوصع السياسي.
وأبرز من جديد منظوره اللاعرفاني، حيث تغيب وحدته الموهومة بين العمال والفلاحين فيما تبقى من مقدمته هذه، كقوله :"تتعمق الأزمة السياسية للنظام الملكي الكومبرادوري باستمرار، وذلك بارتباط مع تعمق الأزمة الاقتصادية البنيوية للرأسمالية التابعة ببلادنا، كانعكاس لطبيعتها الكومبرادورية القائمة على الاستغلال المكثف للطبقة العاملة وعموم الكادحين، وعلى النهب الذي لا يعرف حدودا للموارد العمومية والطبيعية للبلاد، بارتباط وثيق مع شريكها وحليفها الرأسمال الامبريالي، خاصة الفرنسي، الذي يزداد شراسة منذ انفجار الأزمة الاقتصادية الامبريالية، خاصة منذ 2008"، واختزل القوة التي تتعرض للاستغلال في "الطبقة العاملة وعموم الكادحين"، بالرجوع إلى منظوره الذي ينفي الفلاحين المنتجين كقوة يمكن تنظيمها، بل عبرت عن قوتها ضد الإمبريالية في مرحلة حركة التحرر الوطنية، لكن منظوره اللاعرفاني لا يسمح له بالتحليل العلمي المادي للتاريخ.
وكل ما يأتي بعد ذلك ليس إلا اسهابا فيما تعج به الصحف الورقية والإلكترونية، ولا تحمل مقدمته هذه أي جديد يذكر، بقدر ما تكرس المنظور الشعبوي للخطاب السائد في هذه الصحف، ورغم مرور عقد آخر من الصراعات الطبقية عليها، فالكاتب عاجز عن إدراك تطور الأحداث خلال العقد الثاني، مما يفنذ كل اعتقاداته السابقة وتخميناته المستقبلية حول الوضع السياسي وتطور الحركة الاجتماعية.
وفي محاولة منه للهروب إلى الأمام يضع نفسه حكيما، يوجه حكمته التاريخية إلى الماركسيين اللينينيين بالمغرب، بارتباطهم بنظرائهم بأوروبا، بعد وقوفه على الوضع السياسي نتيجة الأزمة الاقتصادية "التي امتدت إلى كل المراكز الإمبريالية العالمية، وخاصة في أوروبا وأمريكا، مؤججة في نفس الوقت حدة النضالات الطبقية التي تخوضها الطبقة العاملة والفئات الكادحة في هاته البلدان"، مأكدا نفيه ل"القوة الرئيسية" التي تحدث عنها، أي الفلاحون، بإدماجهم ضمن "فئات الكادحين" كما جاء في قوله، متجاهلا أن الفلاحين هم منتجون والذي يربطهم مع العمال هي عملية الانتاج الرأسمالية، ويتميزون بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج خاصة منها الأرض، وأن نضالهم يختلف تماما مع نضالات الكادحين الفئة التي لا يمكن أن تستوعبهم.
ويسقط في خلط بين السياسي والأيديولوجي وأولوية النضال السياسي على حسم التنظيم السياسي، كما جاء في قوله أن الأزمة "واضعة من جديد على جدول أعمال الماركسيين - اللينينيين ضرورة الإعداد للثورة الاشتراكية في هاته البلدان، التي وحدها تستطيع القضاء على الرأسمالية الامبريالية المتعفنة وبناء المجتمع الاشتراكي على طريق الشيوعية"، وهنا يتحدث عن دور الحركة العمالية بأوروبا وأمريكا، ويعلق عليها آماله في القضاء على الإمبريالية وتحقيق الاشتراكية حيث لا جدوى للحرب الشعبية من المنظور الماوي، في خطاب ملغوم موجه للماركسيين اللينينيين المغاربة، وهو يجهل أن الحركة العمالية بالبلدان الإمبريالية سواء الغربية أو الشرقية التي استثناها، لا يعول عليها في أي صراعات كبقية فقد تبرجزت كما قال عنها ذلك إنجلز منذ قرن ونصه.
وهو يضع نفسه فوق التنظيم، معتقدا أن "الماركسيين ـــ اللينينين" في البلدان الإمبريالية منظمين، إلى حدا يمكن الاعتماد عليهم في الثورة الاشتراكية، لا ينقصهم إلا وضع برنامجهم لتحقيق الثورات الاشتراكية، وهنا يسقط في السياسوية التي يذهب بها بعض من يوافقه الرأي، إلى مستوى تأسيس الحزب الشيوعي المغربي خارج الطبقة، أي في أفكارهم الخاصة باعتبار الفكرة هي كل شيء، بالرجوع بالماركسية إلى الهيكلية وطلي المادية بمسحوق المثالية، انسجاما مع منظورهم المثالي الذاتي، كتعبير عن "الماوية" باعتماد الحزب ــــ الجماهير، عكس المظور اللينيني الذي حدد الصراع ضد الإمبريالية في : الحزب ـــ الطبقة ـــ الجماهير.
وبعد ملامسته لوضع الانتفاضات الشعبية، يحاول الخلط بين منظوره "الماوي" والمنظور الماركسي اللينيني، حيث يتحدث عن التغيير الذي حسب رأيه "لن يتحقق بدون ثورات وطنية معادية للإمبريالية، وديموقراطية مناهضة للأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية، تعمل على اجتثاث جذورها الطبقية والفكرية والثقافية، وشعبية، ترسخ سلطة الجماهير الشعبية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الثوري الماركسي اللينيني، و من أجل دولة مجالس العمال و الفلاحين الثورية."، في خليط من حسائه الاختياري كما يقول إنجلز.
حاول الكاتب هنا الظهور بمظهر البلشفي، لكن في صفة "الماوية"، بالدمج بين "سلطة الجماهير" و"دولة مجالس العمال والفلاحين الثورية" واستثناء الجنود الثوريين، من أجل تحقيق "ثورات وطنية" دون تحديد من يقود هذه الثورات، وهي فالحقيقة لن تتم إلا بعد "حروب وطنية ثورية" كما قال لينين، حيث لا يكفي العداء للأمبريالية كما قال حتى تتحقق الثورة، لابد من مواجهة الحروب الإمبريالية على الشعوب المضطهدة، ويسير من منظلق الفكرة فوق الواقع الموضوعي إلى انسجام تام، وفي تكامل تام بين اللاعرفانية والمثالية الذاتية، السوليبسيسم أيديولوجيا وسياسيا من أجل بناء تنظيم هلامي وبرنامج غير مثالي.
وسرعان ما يرجع إلى خطابه الصحفي الشعبوي بقوله "أما في المغرب، وبعد الحملات التشكيكية للنظام الكمبرادوري، وأبواقه الإعلامية حول ما يسمى ب "الاستثناء المغربي"، وبعد ادعاء التحريفيين بوجود حالة خاصة بالمغرب، تبرئ النظام من الدكتاتورية، وتدعي أنه حقق عددا من المكتسبات الديمقراطية خلال سنوات التسعينات، وأنه "نظام ديموقراتوري"، أي خليط من الديموقراطية والدكتاتورية (كما جاء في بعض التصريحات التحريفية لإحدى المجلات الإسبانية، وتبني نادية ياسين لنفس الفكرة)".
وهنا يعبر الكاتب في خطابه هذا عن الصحافوية، وهو خطاب لا يختلف عن التقارير الصحفية المعتمدة في الصحف الحزبية وغير الحزبية، مما يدل على أن الكاتب لم يعتمد في ورقته هذه على التحليل الماركسي، من أجل تحديد التشكيلة الاجتماعية والصراعات الطبقية في مغرب القرن 21، بقدر ما اعتمد على التقارير الصحفية، التي لا تمث بصلة بالتحليل العلمي المادي للتاريخ، الذي أشار إليه في مقدمته هذه.
ولا عجب أن نجد مثل هذا التحليل السياسوي، إن على مستوى المفاهيم أو على مستوى انتقاء الحدث وتقديمه مادة تاريخية، بارباطها بالأساس الاقتصادي الذي أنتجها، كما هو معهود في التحاليل الماركسية، ففي قوله :
"لقد جاءت الحركة في سياق وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي ازداد تأزما، خاصة منذ مجيء الملك الجديد، وعرف هذا الوضع احتدادا للصراعات الطبقية وتناميا هائلا للنضالات الجماهيرية المتنوعة الأشكال، والتي عمت كل القطاعات، وعرفت امتدادا وتوزيعا قطاعيا وجغرافيا، وما كان لانفجار الوضع العربي إلا أن يساهم في إنضاج شروط ظرفية سياسية، تتجمع فيها عوامل السخط الطبقي تغذت منها حركة 20 فبراير، التي انبثقت في ظرفية مأزومة بنيويا، وضعت على خط المواجهة النظام الكومبرادوري ومؤسساته السياسية من جهة، وقوى اجتماعية بمطالبها، ودخول قوى سياسية ببرامجها السياسية وتصوراتها للوضع القائم من جهة أخرى."
تبرز هذه الفقرة مدى بعد الكاتب عن الفهم الماركسي للوضع السياسي بالمغرب، فهو يتحدث عما سماه "خاصة منذ مجيء الملك الجديد، وعرف هذا الوضع احتدادا للصراعات الطبقية"، محددا هذا الحدث وقدمه مادة تاريخية اعتمدها في تحليله للوضع السياسي، في انسجام مع نفس التحليل التجزيئي المقتبس من السوسيولوجي بول باسكون، عبر شخصنة الأحداث في ارتباطها يالمؤسسات في قطيعة تامة بدراسة عملية الإنتاج الأساس الاقتصادي للصراعات الطبقية.
واكتفى في الشق السياسي لحدث 20 فبراير، بتناول موقع الأحزاب، وتحديد الطبقات والفئات، والشعارت المرفوعة في تظاهراتها، ذلك الحدث البعيد كل البعد عن مسرح الصراعات الطبقية الحقيقي، في مواقع الإنتاج والصراع، بين العمال والفلاحين المعزولين عن هذا الحدث، في مواجهة استغلال الرأسمال، مما جعل عمله لم يأت بجديد يذكر، بقدر ما تم تقديم هذه الورقة على أنها تاريخية، تم إنتاجها بشكل سري كما هو الشأن، وتم نشرها بعد فوات الأوان، كما هو الحال بالنسبة لأوراق منظمة إلى الأمام التي تم نشرها.