الهجوم النازي،هل كان متوقعا؟


عبد المطلب العلمي
2020 / 7 / 12 - 19:17     

الأستعداد للهجوم النازي بدأ مبكرا و محاضر اجتمعات القياده العليا للجيش الأحمر تشير الى ذلك .كذلك العمل الجاد لتحضير الامكانيات اللوجستيه لنقل المصانع الى ما وراء الأورال .و يجب الاشاره الى اجتماع المكتب السياسي في ايار1941 و كلمه ستالين في ذلك الاجتماع و التي تلخص ما تبقى غير منجز من التحضيرات و اقتراحاته لتذليل الصعاب،و كذلك نقاشه مع العسكريين اعضاء المكتب السياسي و العسكريين المدعويين.لكن بين فينه و اخرى نستمع لإدعائات بان المخابرات حذرت و ذكرت التاريخ المؤكد للهجوم ،لكن ستالين سفه كل التقارير معتبرا اياها كاذبه.
لنتابع معا الأحداث المفصليه في تلك الفتره .في 18 كانون الأول 1940 ، وقع هتلر خطة بارباروسا للتحضير لهجوم على الاتحاد السوفياتي. حددت المواعيد النهائية للاستعداد لهذا الهجوم - 15 ايار 1941 (ليس هذا هو تاريخ الهجوم ، ولكن الموعد النهائي لإعداد القوات) ، و جاء في الخطه إنه يجب مهاجمة روسيا قبل الانتصار على إنجلترا ، وهزيمة الجيش الأحمر في العديد من المعارك الخاطفه.
وفقط في 30 نيسان 1941 ، حدد هتلر تاريخ الهجوم - 22 حزيران. لكن تم توزيع الأمر العسكري إلى القوات في وقت لاحق ، في 10 حزيران. علاوة على ذلك ، و ورد في الأمر إمكانية إلغاء العملية أو تغيير التاريخ الى18 حزيران.
وبعبارة أخرى ، لم تكن القيادة الألمانية العليا تعرف التاريخ الدقيق للهجوم حتى نهاية نيسان. في موازاة ذلك ، طالب هتلر بالحفاظ على التاريخ بسرية تامة وتنظيم حملة لتضليل الاتحاد السوفييتي.لماذا كانت حمله التضليل مطلوبة؟ بالإضافة إلى السبب الواضح الا و هو المفاجأة ، التي ستعطي مزايا للهجوم ، كان هناك سبب آخر.
كانت التواريخ التي "سربها" الهتلريون تشير بشكل ملحوظ إلى تواريخ تسبق التاريخ المُقرحول اليوم الحقيقي للهجوم. وهذا ، للوهلة الأولى ، غير مفيد للألمان. لأن العدو سوف يتحضر بشكل او بأخر انتظاراً للضربة. و سوف يعزز مراقبة تحركات القوات على الحدود.
ومع ذلك ، قد يكون هدف هتلر مختلفًا ،اي إجبار الاتحاد السوفييتي على الهجوم أو على الأرجح ، إعلان التعبئة العامة معتمداً على التقارير المدسوسه حول تاريخ بدايه الحرب.وهذا بدوره سيعطي الألمان سببًا شرعيًا لشن ضربة استباقية . التعبئة العامه تعادل إعلان الحرب. في هذه الحالة ، سيبدو الاتحاد السوفياتي هو المعتدي. مما يعني تلقائيًا أن اليابان حليفة ألمانيا المرتبطة معها باتفاق الدفاع المشترك يجب أن تعلن الحرب على الاتحاد السوفييتي.
أي أن ستالين سيضطر بعد ذلك للقتال على جبهتين. بالطبع ستالين كا مدركا للخطر ولم يرغب في منح اليابانيين سببًا لإعلان الحرب ، خاصة وأنهم لن يبادروا بالهجوم دون سبب (جاءت هذه المعلومات من الجاسوس ريخارد زورغه) ، و هم مشغولون الان بالسيطره على ممتلكات الولايات المتحدة في المحيط الهادئ و اراضي الصين الشاسعة.بالإضافة إلى ذلك ، فإن اتهام الاتحاد السوفييتي بالعدوان قد يحرمه من دعم الدول الأخرى.
لذلك ، فإن موقف ستالين النقدي تجاه التقارير الاستخباراتية يمكن تفسيره بالخوف من التضليل ، الأمر الذي سيدفع البلاد إلى الحرب وفقًا لسيناريو سيسبب خساره سياسة و عسكريه.
في نفس السياق ، ينبغي النظر إلى بيان تاس الشهير في 13 حزيران 1941 ، الذي يدحض "الشائعات التي تم تداولها في الصحافة البريطانية" حول الهجوم الألماني الوشيك على الاتحاد السوفييتي. وهكذا ، لمح ستالين مرة أخرى لالمانيا أن الاتحاد السوفييتي لا يريد الحرب.لم تكن الإشارة إلى الصحافة البريطانية صدفة أيضًا ، لم يستبعد الكرملين أن لندن بمثل هذه التصريحات ترغب في تشجيع الأتحاد السوفياتي على بدء حرب ضد ألمانيا ، لكي تتخلى المانيا عن خطط الهجوم على الجزرالبريطانيه.
على الرغم من أن القيادة السوفيتية بأكملها ادركت حتمية الحرب مع ألمانيا بعد هزيمة فرنسا. أي منذ حزيران 1940. كان السؤال الوحيد هو ما إذا كان الألمان سيهاجمون الاتحاد السوفييتي قبل عملية الانزال على الجزر البريطانيه أو بعدها.
في13 ايار أي بعد أسبوعين من إقرار هتلر تاريخ بدء الهجوم ، أصدرت هيئة الأركان العامة السوفييتية التوجيه الأول بشأن نقل القوات من شرق إلى غرب البلاد. وحتى انه في وقت سابق، في نيسان ، بدأت حمله تعبئة عامه سريه ، والتي ادت الى زياده عدد الجنود في بدايه حزيران بنحو مليون جندي.ومن الواضح انه قد تم ذلك بمبادره من ستالين ، الذي قال في 5 ايار متحدثًا إلى فوج خريجي الجامعات العسكرية ، إنه يجب الاستعداد للحرب مع الألمان ، مع الأخذ في عين الاعتبار دروس هزيمة فرنسا.
تم إنشاء جيوش كامله جديدة في أوكرانيا وبيلاروسيا وشبه جزيرة القرم ، اي على طول الحدود من الجنوب والغرب والشمال.إن جودة هذه القوات مسألة اخرى. في بعض النواحي ، كان الجيش الأحمر متفوقًا على الجيوش الأخرى في ذلك الوقت ،و من جهه اخرى الفيرماخت ، كان من أفضل القوات المسلحة في العالم. علاوة على ذلك ، لديهم خبره ما يقرب من ثلاث سنوات في الحروب و الانتصار في جميع أنحاء أوروبا.على ما يبدو ، كان هذا هو السبب في أن هتلر كان واثقًا من هزيمة الجيش الأحمر تحت أي ظرف من الظروف ،على الرغم من أنه ، كما أظهر المستقبل ، لم يستطع تقدير الإمكانات العسكرية للاشتراكيه.
ولكن لنعود إلى الاستعدادات العسكرية السوفياتية. من الواضح أن ستالين كان يستعد للحرب ، وليس بشكل عام ، بل في المستقبل القريب.في 18 حزيران بدأت الوحدات الحدودية في الليل الخروج من الثكنات إلى مناطق الإرتكاز. حيث بدأوا في حفر الخنادق و اعمال التمويه.ولكن فهم أن الحرب كانت على وشك أن تبدأ ، جاء في وقت متأخر مساء 21 حزيران ، عندما بدأ حرس الحدود في الحديث عن قيام القوات الألمانية بالتحضير لهجوم ، وهذا ما اكدته ايضا الأستخبارات العسكريه من خطوط الجبهه.أبلغ جوكوف ستالين بهذا ، وفي 22 حزيران في الساعة 0:30 صباحًا ، تم ارسال التوجيه العسكري بشأن الاستعداد القتالي الكامل إلى قوات جميع المناطق الحدودية،و ورد في التوجيه ان المانيا سوف تهاجم الاتحاد السوفييتي إما 22 او 23 حزيران ،و ضروره عدم الرد على الاستفزازات و البدء في اطلاق النار لحظه تجاوز الحدود،بالاضافه الى نقاط تتعلق بأمان المطارات الخ.
لكن استغرق وصول التوجيه إلى الوحدات و فك تشفيره من ساعتين الى ثلاث ساعات ، أي حرفيا قبل دقائق من بدايه الغزو ، ولم يكن له تأثير يذكر على أي شيء.على وجه الخصوص ، لم يكن هناك وقتا كافيا لاعاده توزيع الطائرات المقاتله وتم تدمير معظم الطائرات في غرب الاتحاد السوفياتي في المطارات.أي أن الضربة ، على الرغم من جميع الاستعدادات ، اتضح أنها مفاجئة للقوات السوفيتية ، مما حدد ولاسباب عديدة ، هزيمة الأشهر الأولى من الحرب.و هنا نتذكر اجتماع المكتب السياسي في ايار حين اوضح جوكوف انه في حال هجوم المانيا يجب التراجع الى التحصينات الموجوده على حدود1939،مما اثار تساؤلات ستالين الغير مرحبه بذلك،و تدخل فوروشيلوف بالقول ان جوكوف يبالغ في قدره القوات الألمانيه.
لذلك ، يجب طرح السؤال ،هل أعطت المخابرات ستالين بيانات واضحة حول تاريخ بداية الهجوم الألماني؟
لنبدأ بخطة بارباروسا. في كانون الأول 1940 ، ارسل عميل في ألمانيا خدم في وزارة خارجية الرايخ الثالث رسالة مفادها أن هتلر أمر بالاستعداد لحرب يمكن أن تبدأ في اذار. علاوة على ذلك ، كشرط مسبق لبدء مثل هذه الحرب يجب الانتصار على إنجلترا.على الرغم من أننا ، كما نعلم بالفعل من خطة بربروسا التي عُرفت تفاصيلها بعد الحرب ، أصر هتلر على الهجوم ضد الاتحاد السوفييتي ، من دون انتظار الانتصار على البريطانيين ، الذين اصبحوا "محتجزين" في جزيرتهم.اي ان المخابرات السوفيتية حصلت على تأكيد أن هناك خطة معينة للهجوم ،ولكن ليس الخطة نفسها بل فقط حقيقة وجودها.من ناحية أخرى ، ربط الهجوم في آذار بشرط الانتصار على بريطانيا لا علاقة له بالواقع. ومن المحتمل أنها كانت معلومات مضللة سربهاالألمان.
في بداية آيار ورد تقرير آخر من الملحق البحري السوفيتي في برلين ، مشيرا الى ان عميله زوده بمعلومات بشأن الحرب التي ستبدأ في 14 ايار بضربة عبر فنلندا ودول البلطيق ورومانيا.وأشار قائد البحرية ، الذي أحال هذا التقرير إلى ستالين ، إلى أن هذه المعلومات على الأرجح خاطئة و هدفها التحقق من رده فعل الاتحاد السوفييتي. و كما نعلم بدأت الحرب بعد ذلك التاريخ بكثير واتجاه الضربة الرئيسية كان مختلفا ، عبر بيلوروسيا و ليس من جهه البلطيق و رومانيا و فلندا.
لم يحدد التاريخ العميل الأسطوري ريخارد زورغه ، الذي قولوه التنبؤ الدقيق بيوم بدايه الحرب و تبين فيما بعد أن ما نُسب الى زورغه لا اساس له من الصحه ، لم يحدد زورغه اي موعد. في الواقع و من خلال عمله كملحق صحفي لدى السفاره ألألمانيه في طوكيو ، ارسل الكثير من البرقيات المربكة.
في 2 مايو ، أبلغ الكرملين أن قرار الحرب سيتخذه هتلر إما هذا الشهر ، أو بعد الانتصار على البريطانيين. كما رأينا بالفعل من البيانات المذكورة أعلاه ، لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا: حدد الفوهرر موعدًا للهجوم في أبريل ، وحتى في وقت سابق قال إنه سيهاجم الاتحاد السوفييتي دون انتظار النصر على بريطانيا.
أشار زورغه إلى السفير الألماني في اليابان كمصدر للمعلومه ، أي أنها لم تكن معلومه موثقة ، بل رأي خاص لدبلوماسي ألماني بعيد عن أوروبا.
في 19 ايار ، ذكر زورغه أن الحرب يمكن أن تبدأ في نهاية ايار ، ولكن من المحتمل ألا يرغب الألمان في القتال على الإطلاق هذا العام. إرساليات متناقضة تمامًا ، يصعب على أساسها اتخاذ اي قرار.كذلك أرسل تقريرًا قريبًا من الحقيقة في 30 ايار، قال فيه إن الحرب ستبدأ في النصف الثاني من حزيران. بعد ذلك بيوم ، حدد تاريخ 15 حزيران. ثم أرسل إخباريه مفادها أن الهجوم تأجل حتى نهاية الشهر.وأخيرًا ، قبل يومين من الهجوم الألماني ، أرسل تقريرًا مفاده أن "الحرب حتمية" ، دون تحديد تاريخ دقيق.ومع ذلك ، قدم زورغه مساهمة لا تقدر بثمن ، تقييم نوايا ليس ألمانيا ، بل اليابان و فرص دخولها الحرب ضد الاتحاد السوفييتي. واستناداً إلى تقاريره ، تمكنت القيادة السوفيتية من نقل جزء من القوات من الشرق الأقصى إلى الغرب.
الاوركسترا الحمراء ( شبكة مناهضة للفاشية كانت تعمل في جميع أنحاء أوروبا ) أرسلت تواريخ لا تقل تضليلا عن غيرها من التقارير. في أوائل اذار، أرسلت اخباريه مفادها أن الألمان سيهاجمون في الربيع. ثم اكدوا ان الحرب ستبدأ في 15 نيسان و من ثم في 20 ايار.بعد موجة من التقارير المضلله ، اتت عدة إرساليات صادقة. إرساليه 11 حزيران افادت أن خطه الهجوم على الاتحاد السوفياتي قد تم إقرارها نهائيا ،لكن دون مزيد من التفاصيل. جاءت هذه الارساليه بالضبط في اليوم التالي بعد التوجيه العسكري إلى القوات الألمانية المتضمن أمر الهجوم في 22 حزيران.و في 17 حزيران ، أبلغت الاوركسترا أن الاستعدادات العسكرية للألمان قد اكتملت ، ويمكن توقع الهجوم في أي وقت .
ومع أن مخبري الاوركسترا الحمراء أخطأوا عدرة مرات في تواريخ الهجوم ، إلا انه بالفعل في 18 حزيران ، و كما اشرت اعلاه بدأ الجيش بالتخندق و التمويه منفذا التوجيه الخاص لهيئة الأركان العامة. أي في اليوم التالي بعد ان وصل الى ستالين تقرير الاوركسترا الحمراء.
ما يجدر الاشاره اليه أن العديد من التقارير المضلله، لا تعني أن المخابرات عملت بشكل سيئ.لقد قام العملاء بمهمتهم ، نقلوا ما سمعوه من الألمان في محادثات خاصة.و هذا جزء لا يتجزأ من مهنتهم.
على الأغلب انه خطأ المحللين في المركز الذين عليهم مقارنه هذه المعلومات مع بيانات الاستخبارات العسكرية. والتي ، بالمناسبة ، أبلغت بانتظام عن حشود القوات الألمانية على الحدود السوفيتية. لكنهم لم يتمكنوا بدقة من تحديد عدد فرق العدو أو اتجاه الهجوم الرئيسي للقوات الألمانية.
كان تاريخ بدء الحرب ، قبل يوم أو بعد يومين، أقل أهمية في ذلك الوقت من معرفة المكان الذي ستتوجه من الضربه. للأسف ، أصبح اتجاه الضربه معروفًا بعد فوات الأوان ، قبل بضع ساعات فقط من الهجوم. كان هناك الكثير من التقارير حول تاريخ الهجوم ، ولقد اشرت الى جزء صغير منها. احتوت التقارير في الغالب على تواريخ متناقضه ،و من بينها بالمناسبة ، لم يتم تحديد يوم 22 حزيران،إلا في اليوم الأخير اي 21 حزيران ، عندما لم يكن من الممكن تغيير إلا القليل.
يذكر مولوتوف في مذكراته كيف تم تسليمه مذكره اعلان الحرب :بين الساعتين الثانيه و الثالثه صباحا اتصلت سكريتاريه السفاره الألمانيه بسكريتاريتي طالبين اجتماعا عاجلا مع مولوتوف، مفوض الشعب للشؤون الخارجية.و بما ان المكتب السياسي كان حينها مجتمعا لدى ستالين،اتصل سكرتيري بسكرتير ستالين موضحا له طلب السفير الالماني ، خرجت من مكتب ستالين متوجها الى مكتبي في الطابق العلوي و بقي أعضاء المكتب السياسي مع ستالين ، وصلت مكتبي بعد دقيقتين أو ثلاث دقائق. (...) استقبلت السفير في الثانية والنصف أو الثالثة صباحًا ، على ما أعتقد لم تكن الساعة قد تجاوزت الثالثة. سلم السفير الألماني المذكرة في نفس وقت بدء الهجوم. على ما يبدو تم الاتفاق على كل شيء بين السفير و وزاره خارجيته ، كان لدى السفير تعليمات للحضور في ساعه بدء الهجوم .
طبعا يوجد محضر اللقاء و هو طويل و لا اجد داعي لادراجه هنا.اقتبس فقط سبب اعلان الحرب حسب المذكره(التي اعلن السفير انه شخصيا غير موافق على فحواها): بالنظر إلى النسبة التي لا تطاق من التهديد الذي تشكل على الحدود الشرقية لألمانيا، بسبب التركيز الضخم والتحضيرات من قبل قوات الجيش الأحمر ، تعتبر الحكومة الألمانية نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات مضادة عسكرية على الفور.