بيروت وبغداد .. مابين الانتحار والاغتيال


رضي السماك
2020 / 7 / 11 - 14:45     

في لبنان كما في العراق وقع حادث قتل مروّع في عاصمتي كليهما في وقت شبه متزامن من الإسبوع الماضي هزا الرأي العام في كلا البلدين ؛ الحادث الأول راح ضحيته مواطن لم يصمد في مواجهةالعوز والجوع فخارت رباطة جأشه وانتحر احتجاجاً على الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة المستفيدة وحدها من غنائم المحاصصة الطائفية والمتستر أقطاب أحزابها ، بمن فيها الحزب الذي يطلق على نفسه " حزب المقاومة اللبنانية " ويحتكرها وكل من يختلف مع حزبه يٌوصم بأنه من أعداء المقاومة الذين ينفذون الأجندة الأميركية والأسرائيلية ذلك الفساد ومنهما . أما حادث البلد الثاني فقد راح ضحيته اغتيالاً بالرصاص الكاتم للصوت الخبير الاستراتيجي الأمني هشام الهاشمي المستهدف من ميليشيات الأحزاب الشيعية المستفيدة هي الاخرى من المحاصصة الطائفية بدعم من طهران ؛ حيث دأب الشهيد على فضح فسادها وجرائم اغتيالاتها بحق أصوات الرأي الآخر وشباب انتفاضة تشرين اقتناصاً في ساحة التحرير . وكان لافتاً أثناء زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لمنزل الشهيد معزياً أفراد عائلته حرصه التأكيد على أن مرتكبي الجريمة ليسوا عراقيين في ايماءة واضحة للميليشيات التابعة لإيران بأن مرتكبيها وإن كانوا عراقيين إلا أن قوى أجنبية تقف وراءهم ؛ كما كان لافتاً عند تعزيته زوجة الشهيد قوله لها : أنتِ بنت عرب طيبة وعراقية أصيلة " .
حادث انتحار إبن الجنوب علي الهق أثّر بشدة في مشاعر رجل الدين المستقل الشيخ ياسر عودة فأطل على الشاشة معبراً عن غضبه بأعلى صوت في التنديد بكل الطبقة الحاكمة وساخراً من الرقص على دمائه بافتعال جدل عن عاقبة المنتحر الجنة أم النار . ومع أن الضحية الذي اختار أن يترك بجوار جثته المضرجة بالدماء في وسط بيروت بشارع الحمراء في أوج ازدحامه بالمارة ورقة السجل العدلي التي تفيد بأنه غير محكوم عليه بجنحة أو جريمة أي وكتب عليها " أنا مش كافر بس الجوع كافر " والمأخوذة من مطلع إغنية للفنان التقدمي الملتزم زياد الرحباني نجل الفنانة الكبيرة فيروز أهتز لحادث انتحاره في حينه بتلك الطريقة الشعب اللبناني بمختلف طوائفه ؛ ووقف المئات بجوار جثمانه وهم يهتفون منددين بقوة بحكومة المحاصصة الطائفية الفاسدة الفساد ، إلا أن ذلك لم يستدعِ أصلاً من " سيد المقاومة " ما يستوجب الإشارة إليه كحادث وقع للتو وهز الرأي العام اللبناني مادام الضحية " الجنوبي " قد أختار إثم الانتحار ! ملقياً مسؤولية الجوع في البلد بكاملها على الولايات المتحدة وسفيرتها في بيروت ؛ معلنا رفع راية " الجهاد الزراعي والصناعي " كحل اقتصادي في مواجهة الحالة المعيشية المتأزمة ؛ لا راية الجهاد ضد الفساد . تماماً مثلما كانت الألوف تنتظر على أحر من الجمر ماذا عساه سيقول في كلمته منتصف يونيو الماضي عن الأحداث الجسام التي شهدتها حينئذ شوارع بيروت وطرابلس بسبب الانهيار الحاد في سعر الليرة ففاجأهم " السيد " بأن أستهل خطابه الطويل برثاء مسهب في مناقب الراحلين ، زعيم الجهاد الفلسطيني رمضان شلّح ، والقيادي في حزب " سماحته " الحاج حسن فرحات ، دون التطرق للأسباب الاقتصادية والمعيشية الحقيقية لتلك الأحداث ؛ مستغرقاً في الرد على أحداث " المخربين " ومن يقف خلفهم . وكالعادة فإن قناتي المنار والميادين اللتين درجتا على بث كل خطبه لا تستضيف بمعقب يحلل في الخطاب فور انتهائه إلا بواحد من الوجوه المعروفة بتحيزها الكامل لحزبه . وقد تلا هذا التحليل بث حلقة من مسلسل إيراني يومي مدبلج باللهجة السورية ممل ذي قصة اجتماعية عادية لا صلة لها بالواقع الحالي المعيشي الذي بات يطحن المواطن في إيران كما في لبنان طحناً بما يشعر المتابع للقنوات التي تبث هذا المسلسل في إيران ولبنان بأنها منفصلة تماماً عن واقع الجماهير أو تتعمد تخديرها بقضايا تستفزها أكثر من قدرتها على الهائه عن قضاياه الملحة الآنية .
والحال باتت أحزاب الإسلام السياسي تلعب في الوقت الضائع وهي تدرك جيداً بأن الجماهير سحبت البساط من تحت أقدامها بعد كشفت بالملموس ليس إفلاسها في التعبير عن همومها والتعبير عن تطلعاتها فحسب ؛ بل وأدركت أيضاً دور هذه الأحزاب في مفاقمة أزماتها ؛ إن بفساد ممثليها في السلطة ، وإن بفساد شعاراتها الخاوية وخذلانها لانتفاضات شعوبها على نحو ما جرى وتابعنا في لبنان والعراق خلال انتفاضة شعبيهما في تشرين الأول الماضي واللتان لم تتوقفا إلا على إثر انتشار جائحة كورونا في المنطقة .