كيف ينظر الحزب الشيوعي السوداني للثقافة الديمقراطية؟


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 7 / 11 - 11:31     

تعني كلمة ثقافة كل ما يضيء العقل ويهذب الذوق وينمي موهبة النقد . وتعني ايضا الاطلاع الواسع في مختلف فروع المعرفة , والشخص ذو الاطلاع الواسع يعرف على انه شخص مثقف . وتدل الثقافة على مجموعة من السمات التي تميز أي مجتمع عن غيره كالفنون والموسيقى التي تشتهر بها والأعراف والعادات والتقاليد السائدة والقيم وغيرها .
ولأهمية الثقافة في المجتمع فقد قال ( لينين ) : ( اعطني منبرا للكلام وخذ كل الأسلحة ) , وكان نابليون القائد الفرنسي يخاف من الجريدة اكثر من خوفه من السلاح . اما وزير الدعاية النازي ايام هتلر فكان يقتل المثقفين ويطاردهم ويحرق الكتب الثقافية واشتهر بقوله (( كلما سمعت كلمة مثقف( او ثقافة ) تحسست مسدسي )) .
تتنوع الثقافة بتنوع المجتمعات الصغيرة والكبيرة بحيث يمكن الحديث عن ثقافات محلية ذات ابعاد اثنية ودينية ومذهبية وفئوية , اضافة الى ثقافات وطنية ذات ابعاد اجتماعية ( طبقية ) وتاريخية في اطار الثقافة الانسانية العامة . كما تتنوع الثقافة بتنوع مجالات المعرفة / العمل بحيث يمكن الحديث عن ثقافة دينية وثقافة ادبية وثقافة فنية وثقافة فلسفية وثقافة علمية ..الخ ... و الديمقراطية ثقافية ولا يمكن ان تكون الا ثقافة , ولا ديمقراطية من دون ثقافة ديمقراطية . وهناك اشكالية بخصوص الديمقراطية في الثقافة العربية وهذه الانسدادات الاشكالية تتجلى في فكرتين :
1) الفكرة الاولى تقول بأن الديمقراطية ثقافة وان شرطها الثقافي هو العلمانية .
2) اما الفكرة الثانية والتي تعتبر ردا على الفكرة الاولى فتقول بأن الديمقراطية ليست ثقافة ولكنها مجرد آلية ومجموعة من الاجراءات , وهذه الفكرة يروج لها اتباع التيار الاسلامي عموما .
تشير الثقافة الديمقراطية الى ما هو قائم من افكار ومعتقدات وممارسات عند الشعب وما
يجب ان تكون عليه الأفكار والمعتقدات لتحدث المواءمة المطلوبة مع منهج الحياة الجديد . فالثقافة هنا معلومات وافكار ومعارف ومفاهيم يتفاعل الفرد معها ويسهم في رقيها عندما يصل الى مستوى المتعلم المثقف . ومن الأسس التي تميز الثقافة الديمقراطية عن غيرها هي شرط الوعي والهدف العام والحركة والتجدد. لأن الديمقراطية تعني اتاحة الفرص لجميع الأفراد البالغين والمستعدين ليكونوا اعضاء في الهيئات السياسية والتشريعية والقضائية والرقابية وتفاضلهم بحسب درجات اقتدارهم .
موقف الحزب الشيوعي السوداني :
يقر الحزب الشيوعي السوداني وكما ورد ذلك في برنامجه المجاز من المؤتمر الوطني السادس للحزب , بواقع التعدد والتنوع للشعب السوداني كسمة شاملة للسودان , فالبلد متنوع الأعراق والقوميات واللغات والمعتقدات والثقافات . ويهدف الحزب الى ان يشكل هذا التعدد والتنوع المكون العضوي للثقافة الوطنية السودانية .
ويؤكد الحزب الشيوعي السوداني على ان نشر وتعزيز الثقافة الديمقراطية يعتبر هدفا محوريا من اهداف الحزب , ومن خلالها يتم بعث الوعي الضروري لتحرر المواطن السوداني من الخوف والفزع من قوانين الطبيعة ومن الجهل الذي عرضه للاستغلال الاجتماعي على اختلافه وللتعصب الأعمى أيا كان منشأه . كما يؤكد على انه يستند الى الفكر الانساني العلمي كمنهج واداة يشمل في ما يشمل ما دشنته الماركسية من أفق للفكر والممارسة تحت عنوان التراث التحرري للبشرية , مؤمدا على نشر المعرفة بين جماهير الشعب السوداني وبتطوير ما للشعب السوداني من سليقة ديمقراطية يمكن اعتمادها مفتاحا لثورة ثقافية تخرج من منابت المجتمع واستكشاف الحقيقة .
ويرى الحزب الشيوعي السوداني ان الثقافة الديمقراطية هي وسيلة الحزب لبعث التراث القومي بمختلف جذوره العربية الاسلامية والأفريقية ببصيرة نقدية لا تنكفيء على الماضي وانما تستشرف المستقبل محاربة ما في التراث السوداني متعدد المصادر من تخلف وانغلاق وقهر خاصة في شأن المرأة والطفل , وتعزيز لما فيه من عناصر تقدمية وثورية بحيث تكون الثقافة الديمقراطية سلاحا لمحاربة التعصب والاستعلاء العرقي والديني والنوعي والانغلاق والجمود الفكري واداة تمحو عن الشعب عار الأمية والجهل والخرافة . مؤكدا عللا رعاية اللغات السودانية دون تمييز كونها وسيط للثقافة , والتوسل بها في التعليم الأساسي وفقا للتجارب العلمية التربوية في هذا المضمار أمر لا بد منه لاستنهاض الثقافات السودانية المتعددة ودفعها للانفتاح على الآخرين وتحريرها , تشجيعا للحوار والتبادل المنتج فيما بينها سعيا للتماسك والوحدة الوطنية على اساس من التنوع الخلاق .
ويرى الحزب الشيوعي السوداني بأن الأمية ما تزال تشكل عائقا صلدا امام التطور الديمقراطي للشعب السوداني , ولا يكتفي الحزب بمحو الأمية الكتابية كهدف من اهدافه دائما وانما يسعى الى دحر الأمية المعرفية التي تحول دون انعتاق الشعب السوداني افرادا وجماعات من ظلام الاستغلال .ولا يتم ذلك الا من خلال اصلاح نظام ومناهج التعليم في البلاد بحيث تتسق مباديء الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية ومن ذلك حرية البحث والابداع العلمي والفكري دون قيود تصديا لما لحق بالعلم والتعليم في البلاد من تدهور مأساوي في عهد ظلامية ( الجبهة الاسلامية ) وفتحا للخلق والابداع العلمي والفكري.
ومن الأمور التي يؤكد عليها الحزب الشيوعي السوداني في برنامجه ان الثقافة الديمقراطية هي منهج الحزب لإلحاق الشعب السوداني بعصر الثورة العلمية التكنولوجية, عنصر انتصار العلم والعقلانية كمساهم فاعل في خلقها وتشكيلها عبر اقامتها وتطوير المهارات التقنية المتوارثة المحلية بوصفها احدى مكونات تراث الشعب وجذرا من جذوره الحضارية . ويقف الحزب موقف التصدي لدعاوي الانغلاق والعزلة والانكفاء على التراث بحجة الغزو الثقافي .
ان الثقافة الديمقراطية لا تقوم الا على اساس حرية الابداع ولذلك يدعم الحزب هذه الحرية ويعتبرها منطلقا لتجاوز ازدواجية الفن الشعبي والفن الرسمي الناجمة عن الفتق الاستعماري وتبعاته وكذلك عن الانقسام الطبقي , من ثم ليس للدولة ان تطلب بعث الثقافة الديمقراطية بالقهر والتحكم ايا كانت اداته , وانما بالمساعدة والتشجيع والتمويل وانشاء البنى الأساسية فيتخرج من اعماق الشعب المبدع والمتلقي الواعي بما يساهم في تطوير وتنمية الفن الشعب الذي يبدعه الكادحون المغمورون من ابناء الشعب السوداني وتتلقاه الجماهير في حياتها اليومية .
ويرى الحزب الشيوعي السوداني انه بالثقافة الديمقراطية يمكن مواجهة التفسخ والانحلال واستنهاض الشباب السوداني ليكون قوة طليعية لا تهاب الصعاب ولا تعرف الوجل ولا تستكين للركود والتقليد والتبعية , فهي غذاء المواطن الروحي . وان الثقافة الديمقراطية التي يؤكد عليها الحزب هي ليست بمعزل عن مجمل مهام الثورة الوطنية الديمقراطية انما هي ركن من اركانها وترتبط موضوعيا بما تطرحه من قضايا ومسؤوليات وبها تم استجلاء الغموض والاسترشاد في البحث عن الحلول المناسبة لما استعصي وبالاستناد الى الفكر الانساني العلمي يتم شق الطريق نحو المستقبل نحو بناء الاشتراكية .
ديمقراطية راسخة ... تنمية متوازنة .. سلم وطيد .. والى وطن حر وشعب سعيد .