تونس : غيوم سياسية .


فريد العليبي
2020 / 7 / 10 - 15:23     

تلبد الغيوم في سماء السياسة التونسية الرسمية ، وتجد حكومة الفخفاخ نفسها في وضع حرج ، وفي الأثناء تحتدم التناقضات وتتفجر جزئيا هنا وهناك ، بما يشير الى إمكانية تحولها الى انفجار شامل .
وفي قسم أول من لوحة الأحداث نجد الاحتجاج الاجتماعي المتصاعد الذي واجهته الحكومة بعنف في عدد من الجهات ، ولكن دون نجاح يذكر في إطفاء لهيبه.
وفي قسم ثان تتصاعد التناقضات صلب السلطة بقصورها الثلاث ، ويسري مناخ من انعدام الثقة المتبادل ، ويشحذ كل سكينه للفتك بغريمه في الوقت المناسب ، وعاد الاستقطاب الثنائي بين الدستوريين والإسلام السياسي الى سالف عهده .
وتلك التناقضات غير منفصلة عن الصراعات العربية والإقليمية و الدولية وهى مرشحة لتطورات قد تكون دراماتيكية. ولئن اتخذت الآن طابعا قانونيا وسياسيا فإنها قد تصبح غدا عنيفة.
ومع نموها ترسم حركة النهضة خطتها لعزل الحزب الدستوري الحر، تمهيدا للتخلص منه بتكوين تحالف جديد ، محاولة فرضه على الحكومة الحالية التي إن لم تستجب لها ستجد نفسها في مواجهة سحب الثقة، بما يُذكر بسياسة العصا والجزرة .
تقول الحركة إنها ستقدر الموقف مُجددا من حكومة الفخفاخ السبت القادم لترى ما إن كان الأمر يتعلق بتضارب مصالح وشبهة فساد ، مُعتبرة أن ضررا أصابها بسبب الكشف عن ملفات الفخفاخ المالية ، وكان راشد الغنوشي قد طالب قبل شهر بتغيير الحكومة للوصول الى ما وصفه بالوضع الطبيعي ، حيث تلتقي الأغلبية الحكومية مع الأغلبية البرلمانية . ورغم استعمالها عبارات ديبلوماسية مثل حرصها على مواصلة الحكومة عملها فإن الحركة تبتغي واقعيا سقوطها ، لتحقيق السيطرة على الحكومة التي ستليها ، بالتحالف مع حزب قلب تونس، فمهمتها معه ستكون سهلة ، فهو يريد المناصب من جهة ومن جهة ثانية هو حزب هش قابل للمزيد من التفتيت ،بعد انشقاق بعض نوابه عنه قبل مدة ، مكونين كتلة خاصة بهم ، ولكنها ستكون سعيدة لو أغرت الفخفاخ جزرتها .
كما تريد الحركة استثمار التطورات الحاصلة في ليبيا ،على ضوء تعزيز تركيا لوجودها بعد سقوط قاعدة الوطية وتراجع قوات الجيش الوطني الليبي حتى محور سرت الجفرة . ويبدو أنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة للتخلص من حكومة الفخفاخ التي ينظر اليها على نطاق واسع على أنها حكومة الرئيس ، الذي يجد نفسه في حالة حرج فهو قد بنى خطابه خلال الحملة الانتخابية وبعدها على قاعدة حل المعضلة الاقتصادية الاجتماعية وتلبية مطالب الجهات المحرومة ، ولكن الحكومة عجزت عن ذلك بل تبين أن رئيسها يراكم الأرباح لصالح شركاته الخاصة .
وفي الأثناء يبدو أن الفخفاخ قد انتهى أخلاقيا وسياسيا ، ولكنه يُكابر مثلما كابر رؤساء حكومة سابقين ، وفي الأخير سيسلم بمصيره ، رغم انه يمنى النفس بالبقاء خمس سنوات كاملة ، واللافت ردود فعله المتوترة تجاه رئيس لجنة مكافحة الفساد واعتراضه عليه باعتباره غير مؤهل قضائيا للبت في ملفاته المالية ، وشيئا فشيئا فإن حكومة الوضوح وإعادة الثقة تجلت لعموم الشعب على أنها حكومة الغموض و انعدام الثقة ، حتى أن تضارب المصالح لم يشمل رئيسها وحده وانما أيضا عددا من وزرائه .
والنتيجة هي أن الثابت الوحيد في السياسة الرسمية التونسية هو عدم استقرار الحكومات المتعاقبة ، وفشلها في تحقيق وعودها ، والسبب هو الأزمة المتواصلة منذ سنوات فهي متأصلة في النظام السياسي نفسه، ولا فكاك منها الا بتغيير الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ولكن الحكام ظلوا عاجزين عن القيام بذلك وكشفوا عن أنهم مهما كانت أحزابهم فإنهم من نفس الطينة ، والجامع بينهم غربتهم عن الانتفاضة التونسية الموؤدة ، رغم حديثهم عن الواجب الوطني والمطالب الشعبية ، وترديدهم أنهم جاؤوا من رحم الثورة ومن أحضان الشعب ، بما في ذلك تلك الجملة التي أضحت موضع سخرية ، عن علبة السردين لصاحبها رئيس الحكومة ، بينما كان يجمع المال ويُعدده .
وبينما يسوء الوضع وتتلبد الغيوم السوداء في سماء تونس يتساءل كثيرون ما الفائدة من تغيير حكومة الفخفاح والحال أن من سترثها لن تختلف جوهريا عنها ؟ ويبدو أن الوضع سيظل على ما هو عليه ، حتى تلك اللحظة التي تستعيد فيها الانتفاضة التونسية ألقها وتنجز شعاراتها ومهماتها المغدورة .