ابطال قصائد مظفر النواب في شعره الشعبي الجزء الخامس


سعدي جبار مكلف
2020 / 7 / 9 - 11:02     

أبطال مظفر النــواب
الحلقة الخامسة
عند قراءة قصائد مظفر النواب سنجد أمامنا شعرا ونصوصا كثيرة جدا تتحدث كلها بالسياسـة حتى إن إستشهدنـا بالعشرات والمئات من الشواهـد والنصوص من الشعر السياسي للنواب فإننا لم نأتِ بشيء جديد فشعره السياسي في كل مكان من قصائده..
كل مهجـه ..ثـريّه تلاليلـك يمطيّح.. نجمـات الورشـن
عفيه إبكسريتـك.. شتهلهل كل فشگه إبخـاين.. تتفطـن
وان ذلـو خيط...من إذيالك تتمزگهيبه ..إبكل معـدن
فـوگ إتشامر..مامش موزر..توصل حـّدك.. إلـّه إلعيبي
ولعـب إعيونـك... ضمينـه الحنـّه إتـانيكـم
هـاي الگـذله تموت إبحزنـك
والروح إخضيـره إبطـاريكـم
إنـه لا يحتاج الى شواهـد وإثبات بل لعـل ما يحتـاج الى إثبات ودليـل هو شعره في الأغـراض الأخرى غير السياسية إلا أن ما النظـر ان شعـره في السياسة يأتي على شكل عتاب مرير يخاطب به الوطن ويستنجده مما وصلت إليه الحالة من تفكك وتردي وأزمات وإغتراب وضياع....
أركض إگبـالك وأنـده الحلوات رّد الغالي رّد الغالي
إحنـه إبنگيصـة ...مـاي يـا نـاعـور وجـرفـك عالـي
فـات الـوكـت ..والليـل حّـط حـّزه إبكتـر دلالـي
ومن قصيدة ( جنـح غنيـده)......
أتلمّس ثلاثيني وأزتهـن شَـدة إمفاتيح
مـا رهمـن ولا مفتـاح
لا إفتـّك العمر بيهن ولا إفتكيت
وفي قصيدة ( چـذاب ) ...
ردتك ولو چـذاب يملـي حيـاتي إتراب
ردتك ولو صبيره حمره
تفـّي وجهي من حچي الچـذاب
ورغم عناده وقوة شكيمته وروحه الوثـّابة الدؤوبة إلا إنك تجد في شعره السياسي مسحةمن اليأس الساخر والأسى المشبّع بالفجيعة والخيبة والإحباط والإغتراب ، إن مثل هذا الشعور يمكن أن ينتاب المواطن والمثقف العربي كنتيجة طبيعية لسقوط الشعارات الثورية وفشل برامج الإصلاح السياسي الرنانة التي نادت بها الأحزاب والحركات المختلفة وله من الشعرما يقوله...
تتجـادح عيـون الخيل وعيون الزلـم بارود
ويآخذنه الرسن للشمس من زود الفرح ونزود
يسعود إحنه عيب إنهاب يا بيرغ الشرجيّه
هـذي إيشـامغ الثـوار تجدح نار حـربيـّه
غير أن ما يجب أن نذكره ونثبته هنا هو الشعر السياسي الذي يغلب عليه طابع الحزن والأسى يكاد يكون قليل وقد يتركز في عدد من المقاطع في بعض القصائد ليس أكثر إذ أن الطابع العام السياسي هو تميز هذا الشعر بالروح الهجومية الثورية ويدعو الى الخلاص والنهاية ، أما الأغراض الأخرى كالغزل والخمرة والتداعيات الذاتية والفلسفة والهجاء فتأتي على شكل مقاطع متناثرة كالنجوم النتلآلئة في سماء صافية...
چثيره إگزازك إبروحي وأگولن هاي حنيـّه
من أتلـّك بالحلـم يسمـر يجـي قـّداح بيـديـّه
وأعتـّك وأطبگ إبحرگه رفيف الريه عالريّه
وتسيل إدموعـي بچفوفـك نبـع برمال نجـديـّه
وأگلـك ويـن هـالغيبـه سنـه وبـالحلـم مگضيّه
شگلـك وإنتـه هـالمايـع وأنه من الحرگه زهديّه
نشاهد هنا وهناك في قصائده المختلفة التي تجمع كل واحدة عدة أغراض تأتي مصادفة أو عفوية وفق مشيئة الإلهام الشعري وإيحاءه الغيبي والتداعيات الفكرية والنفسية وتفاعل الشاعر مع قضايا الكون وشؤون الحياة المختلفة خلال بنائه لهيكل القصيدة ففي قصيدة (زرازير البراري..)
آنه من أشوفك يمتلي الماضي الجذب
زهرات بيض من الوفه
وروحي سواجي إمن الحنين إتصير
وأأنتبه وكت بيهـه غفـه
يـا محجـل إن مريت بيّه إردود
أرد إردود للعشريـن من عمر الچفه
وأنصف عمر منك نصفتـّه بالهجـر
والهجـر منـك مـا كفـه
حته الهجر.. يا روحي منك مـا كفـه
وگلبـي إعله هجـرك گـام إيحـّن
حِـن بـويه حِـن
ولابد من كلمة نقولها في هذه المقالة ذلك أن شعرا غزيرا بليغا كشعر النواب يتدفق عذبا سلسا دون تكلف وشاعرا مقتدرا ذو جرأة لا تكل وموهبة شعرية مقتدرة ولسان فصيح وبراعة لغوية متمكنة أنه أسطورة الشعر الشعبي العامي الحديث بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني وما ملحمة (حسن الشموس) فهي الدليل القاطع على إمكانية النواب الشعرية ....
وإجت نجمـه وغفت بالبـردي النواطير
ولن الـريح........ طرتنـّه
حسافه...... إنچفـت دلتنـّه
وتگلگل بيت المعـازيب
يـا كِّـل الحسـافـه
إمشردين إبشمي ديرتنه
وتطشـرن كـل سـوالفنه
وتمـزگت ذيـچ.. لمنتـّه
وغدت لـّن السلف مجزره
ولا چنهه بيارغنه سمه الدنيه
ولا چنـه
يـا عيبة العيبه يهلنه وخيبة الضِنـّه
حزبنـه.. اليوم يبني إمعکّل إحزنـه
حزبنـه إيـدير عينـه إيگلـّب الدنيه
وسكته ..تمطر الصحوه المشمسه
مطــرة المزنـه
حزبنـه مـا يريد إزلام تتمايل
عگلهه ويـه الهوه وتتـوهم.. إبجنه
حزبنه اليـوم يتهمهم عليهـه
وما يعـرف الگعــده..... والهـدنـه
الطريج الزين المغنـي المرابع
والهـلاهـل ..........طـّرزن ردنــه
والآن وبعد هذه المقاطع والشواهد الشعرية بماذا يتغزل النواب ،ما هي الصفات التي يتصف شعره فيها ، إن لكل شاعر رموز وشخصيلت وأساطير وأماكن وقصص تذكر لإي أشعارهم ز
إن النواب يذكر دائما الشخصيات المناضلة التي ضحت في سبيل القضية والفكر وقد عايش قسما منهم وزار أبطال قصائده في بيوتهم من الفلاحين الذين قتلوا في ظروف مختلفة وبمناطق الأهوار وإلتقى بأهلهم وزوجاتهم وذويهم وإستمع الى أحاديث أولئك الأقرباء ووصفهم للحادث ورواياتهم عن الاقعة وتفحص عن قرب مسرح الأحداث وعاين كل التفاصيل بدقة واعية القرية والبيوت والزوارق والبردي والقصب والأسلحة ، أغراضهم وحاجاتهم وبعد أن يستوعب جميع الدلالات وعناصر الموقف فيعود ويضيغها ويسطرها بطريقته الشعرية فكانت تلك القصائد التي نقلت الألوان والأحجام والأصوات والمشاعر الإنسانية لإولئك الفقراء في لوحات دقبقة متكاملة هزت وجدان الناس ، إن النواب يكتب لإبطال الموقف والكلم والأماكن ولقصص البطولات الخالدة السرمديه لكل شاعر يتم التعرف عليه من قراءة قصائده وميزة يتميز بها في شعره ونزوع ينهج نحوه في موضوعاته وهويميل اليه في سبكه وصياغته الشعرية فإن ما يميز شعر النواب وهو الشاعر المحب لوطنه ولشعبه والحريء يتغزل بالعتاب السياسي الرمزي والتعنيـف والتهديـد والشمـوخ وخاصة ذكـر الشخصيـات المناضلة وذكـر الأماكـن التـأريخية والمـدن هـذه الصفـات واضحـة وظـاهـرة محـددة الأبعـاد والملامح في شعـره يمكـن تـأكيدهـا بالنصوص والشواهـد ، إن صفـة التحريض السياسي والثورة والأمل من ميزات شعر النواب المعروفة ، فلكل شاعر ميزة معينة معروف بها من خلال قصـائده .
فإذا كـان السيـاب مولعـا بذكـر الأساطير القديمة وخاصة الأساطير اليونانية والإستشهاد بأعمال الأدبـاءالأجانـب وإذا كـان أدونيس غارقـا في الرمزيـة لايخـرج منها إلا نـادرا ونزار قباني لا يفـارق عالـم المـرأة ولغـة المجتمع المخملي وما تعـج بـه من تسميـات وألفـاظ وكلمـات أجنبيـة ومحمود درويش لا ينفك عاشقا أشجار الزيتـون والبرتقـال رمزا لفلسطين ، إذا كان كل هـؤلاء وغيرهـم متمسك بما هو مولع به ورمزا أصبح طابعـا له في شعـره فإن النواب يتميز شعره في الرمـز السياسي والعتـب والفخـر والأمل للثـورة وتمجيـد الأشخاص والحوادث التأريخية وكذلك فإنـه يلتـزم بحبه وإلتزامه وحنينه الى أفكـاره السياسية والأشخاص والحـوادث التأريخية والمدن والأماكن والوقائع والأبطال وأحداثهم وقصصهم لذلك فإن مقارنة مدعومة بالشواهد والنصوص بيـن أولئـك الشعراء ستكون مفيـدة وتعيننـا على إستجلاء أمـرين هاميـن الأول.. إننا سنتمكن من إثبات وتأكيـد الصفـات التي يتميـز بها كـل شاعـر من الشعـراء الذين ذكرناهم والدليل من خلال قراءات في شعرهم على الطابع واللـون والتمـيز الذي وصفناهـم به أنفا دون أن ندخل في شرح وأسباب وخلفيات ودوافع ذلك من النواحي الـتأريخية أو الثقافية أوالتربوية أو النفسية .الثاني .. إننا نستطيـع بفضل المقارنـة أن نحـدد بوضوح ما يتميزأو ينفرد فيه شعر النواب وإعطاءه فكرة واضحـة عن هـذه الظاهـرة التي تحدثنا عنها في شعـره ألا وهي إستشهـاده بأسماـء الشخصيـات التأريخية والفخروالوعيد والأمل،وتأتي هذه كلها بصورة عفوية من خلال وصفه لحالة أو حادثة أو قضيـة أومـن خـلال التداعيـات التي تثيـرهـا الدلالات السياسيـة أو النضاليـة أو التأريخيـة أو الفلسففية أو الذاتية ولنبدأ بالشعراء المذكورين بـدر شـاكر السيّـاب يقـول الكاتب (ناجي علوش ) في مقدمة ديوان بدر شاكر السياب ما يلي.... لقد كانت الأسطورة جـزءا من قصائـد الشاعـر وخاصة في مرحلتـه الواقعية ولعـل قصيـدة (المومس العمياء) أكـثر قصائده تخمـة بالأساطيـر التي تبدأ ب(ياجـوج وماجـوج ) وتنتهي ب( ميدوزا) إنـك وأنت تقرأ قصائـده تشعـر أنه صرف أيـام وليالـي وهـو يجمعـ الأساطيـرمن كـل كتاب حتى يقدمها لك في قصيدة ترابط في كل جوانبها الهوامش وبالفعل كانت الأسطورة جزءا من قصيدة السيّاب ولنأخذ مثلا قصيدة المومس العمياء ...
الليـل يطبق مرة أخرى.. فتشربه المدينه
والعابـرون الى القرارة مثل أغنية حزينه
وتفتحت كأزاهر الدفلـى مصابيح الطريق
كعيون ميدوزا تحجّـر كل قلبٍ بالضغينه
وكأنهـا نـذر تبشـّرأهل بابل.... بالحريق
ففي هذا المقطع إشارة الى إسطورة ميدوزا في الأدب اليوناني وفي نفس القصيدة يقول....
أحفاد أوديب الضرير ..ووارثوه المبصرون
جوكست ...أرملة كأمس وباب طيبة لا يزال
يلقي أبو الهول الرهيب عليه من رعب ظلال
والموت يلهـث بالسـؤال
وفي هذا المقطع يشير الى قصة أوديب المعروفة لننظر الى هذا المقطع من القصيدة نفسها...
المال شيطـان المدينـه
أم يحظ من هذا الرهان بغير أجساد المنيبه
فاسـت في أعمـاقهـن يعيـد أغنية حـزينـه
المال شيطان المدينه
رب فـاوست الجديـد
حارت على الأثمان وفرة ما لديه من العبيد
الخيـر والأسمـال حظ عبيـده المتذللين
مما يوزّع من عطايا لا اللآليء والشباب
ففي هذا المقطع يذكر (لسبوس) الجزيرة التي إتخذت الشاعرة الأغريقية (سافو) هيكلا فيها كما يشير أيضا الى ما تتحـدث بهالأسطورة الإغريقيـة عن عشق (نرسيس) لظلـه وجـوع (تتلوس) الأبدي ...لننظر الى هذا المقطع من قصيدة (أم البروم)... وأم البروم مقبرة كانت في قلب مدينة البصرة ثم تحولت الى ساحة عامة وحديقة وافرة الأشجار وأصبحت مركز المدينة
يقول صديقي السكران دعها تأكل الموتى
مدينتنـا لتكبر تحضن الأحيـاء..... تسقينـا
شرابا من حدائق برسفون تقلنا حتى
تـدور جماجم الأموات من سكر مشى فينا
فهو يذكر (برسفون) إبنةآلهة الخصب اليونانية التي إختطفها (أبلوتو) سيد العالم السفلي عالم الموتى فصارت تعيش معه هناك .
أدونيس ...
أما الشاعر الثاني (أدونيس) فإن أبرز ما يميز شعره عموما هـو إنصرافـه نحـو الرمزيـة فهو غارق في الرمز يكاد ما يكتبه أحيانا أقرب الى الكيمياء منه الى الشعرلننظر الى النص التالي من ديـوان (وقـت بين الرمـاد والورد) ففي قصيدة أسمها (مقدمـة لتاريخ ملوك الطـوائف) نقرأ....ا
دم الذبيحة في الأقداح قولوا جبانه
لا تقولوا كان شعري وردا وصار دماءا
ليس بين الدماء والورد إلا خيط شمسٍ
قولوا رمادي بيت لم يكن في البداية
غير جذر من دمع....أعني بلادي
هكذا تبدأ الحكاية أو تنتهي الحكاية
والمدى خيطي إتصلت أنا الفوهة الكوكبية
وكتبت المدينة
حينما كانت المدينة مقطورة
والنواح سورها البابلي ...كتبت المدينة
مثلما تفضح الأبجدية
لا لكي آلام جراحلا..لاكي أبعث المومياء
بل لكي أبعـث الفـروق الـدمــاء
تجمع الـورد والغبـار...لكي أقطع الجسور
ولكي أغسل الـوجـوه الحـزينــة
بنـزيـف العصـور
للنظر الآن الى هذا المقطع من قصيدة (مرثية عمر بن الخطاب)....
صوت.. بلا وعـد ولا تعله
يصرخ والشمس لـه مظلّـه
متى.. متى تضرب يا جبله
ويا صديقي اليأس والرجاء
الحجـر الأخضـر فوق النار
ونحـن في إنتظـار
موعـدكم الآتي من السماء
إن هذا الرمز الذي يبدو أحيانا عند أدونيس هو الوسيلة والغاية في وقت واحد وكأنه لغة خاصة ثابتة لا يخرج عنها ولا يريد التحدث بغيرها ، والرمزعنده عالم وكيان متكامل وليس هو البديل الإرادي المؤقت عن التعبير المباشر ، إن هـذه الشواهـد تـدل كلها على إهتمام الشاعـر بالرمـز وولعه اللا محدود بالصياغة الرمزية لكل المعاني والأغراض التي أراد أن يعبّر عنها ويسوقها لنا في مجرى شعره حيث لا يعاني أدونيس كما هو معـروف من ضغط الخوف من الحكومات أو القهروالتعسف الإجباري على المستوى السياسي والإجتماعي لذلك فهذه الرمزية التي يسوقها لنا بإضطـراد وتتابـع وتواصل شبه دائـم لم يلجـأ لها إضطرارا أو تعبـرعن رأي ومـوقف معين وفي قصيدة (مـزمور) حيث لا يبـدي أي إهتمام بالـوزن الشعري أو الموسيقى الشعرية الواحدة
أخلق للريح صدىٌ وخاصرة
وأسند قامتـي عليها
اخلق وجهـا للرفض
وأقارن بينه وبين وجهي
أتخـذ من الغيوم دفـاتري
وصبري وأغسل الضوء
للشقـائق زينـة أتزيا بها
للصنوبر خصر يضحك لي
ولا أجد من أحبـه
هل كثير إذن أيها الموت
لنا لقاء في جزء آخر