هل التغيير امر ممكن؟


نادية محمود
2020 / 7 / 8 - 16:32     

تقول التقارير بان نسبة الاصابات في العراق بكورونا وصلت الى 600%. الان اطفال يلدون من امهات مصابات بالكورونا، في مستشفيات يتصارع فيها اهالي المرضى على قناني الاوكسجين، يتلقون ادوية اخرجت من التداول البشري من عقود. دولة يجرها حصانين يركضان باتجاهين متعاكسين: الاول يوقع على اتفاقية استراتيجية مع امريكا، والثاني يعلن نفسه " فصائل مقاومة". حكومة على درجة من الهشاشة تشكو من "التنمر"، حيث بامكان اية مجموعة عشائرية مسلحة ان تهجم على موظفيها، وتقطع الطرق بقوة السلاح. النساء يخترن الموت حرقا على ان يواصلن الحياة، اب يحرق اطفاله عقابا لزوجته!!
السؤال هو هل هنالك امل بالتغيير؟
ثلاثة تصورات تسود بدرجات متفاوتة سواء في اوساط الملايين المتضررة من هذه الاوضاع التي اقل ما يمكن ان توصف بها انها بربرية، او داخل اوساط سياسية معّينة معنّية بالتغيير. التصور الاول: فقدان الامل والثقة بالتغيير. فقدان الثقة بالنفس وبالاخرين بان في مستطاع(نا) ان نغّير شيئا. التيئيس من قدرة البشر على التدخل في تغيير المصير الكالح الذي نعيش، والتصور بان القوة التي تحكمنا تتمتع بقدرات " الهية" ليس بوسع "العبد الفقير" اي شيء حيالها.
التصور الثاني يتطلع للتغيير في العراق، ولكن من وجهة نظر اخرى، وهي النزول الى ساحة الخصم و اللعب في ملعبه. اي تعليق الامال على احداث تغيير في النظام، من داخل النظام نفسه. اي عبر "تطعيم" النظام الفاسد، بعناصر "جيدة". مثل الانتظار من شخصيات شاركت بالاحتجاجات الجماهيرية لتقوم باحداث تغيير في سياسة السلطة على امل انه "سيوصل صوتنا ويكون لدينا في الحكومة من يدافع عنا". او، وهذا هو الطريق الثاني لهذا التصور، دفع ناشطي الاحتجاجات للدخول في الانتخابات.ويتوقع اصحاب هذا التصور انه 20 نائبا مخلصا و" وطنيا" سيغيرمسار سفينة الدولة الطائفية النيولبرالية الى مرسى وبّر حقوق الناس. اي تعليق الامال على انتخابات، كانت80% من الجماهير قد عزفت اساسا عن المشاركة بها في 2018. هذا التصور هو الذي جعل ناشطي التظاهرات وخاصة في شهريها الاخيرين يمضون بحمية نحو "التنظيم".
لكن، من الواضح ان كلا الطريقين: التيئيس و تحبيط الايمان بقدرة البشر على تغيير مصيرهم، خضوعهم وتسليمهم للامر الواقع، او حرف الجماهير عن مسار نضالها الى طريق اخر، الى اللعب في ساحة الخصم، هما اسلحة مجربة من قبل الطبقات الحاكمة لاخضاع او خداع الجماهير وحرف نضالهم عن مساره، فان عجزت عن تيئيسيها فانها تسعى الى حرف نضالها من اجل تحقيق اهدافها.
ما يتبقى هو التصور الثالث: وهو الذي ينطلق الثقة بالتغيير، واحداث التغيير. يثق بالبشر كقوة متدخلة وقادرة على تغيير مصيرها بنفسها. ولديه الاليات والاستراتيجيات لعمل هذا التغيير. واصحاب هذا التصور هم في عمل، وعمل دائب. ويواجهون تحديات عديدة. اولاها هي محاربة السموم البرجوازية بان التغيير له طريق واحد وهو طريق الترشيح للانتخابات او الدخول فيها. ان اصحاب هذا التصور كان ولازال لديهم شغلهم المستمر مع اولئك الذين يرفضون " التنظيم" ان هذه هي المعضلة الاولى والكبيرة التي تواجهنا، نحن اصحاب الثقة بامكانية وبوجود فرصة للتغيير. ان معضلتنا الكبيرة هي تشبه، ان كان بالامكان الاستعارة من ميدان الطب، ان يرفض المريض الاقرار بانه مريض، ليستطيع ان يعالج نفسه. الاقرار بانه بدون تنظيم لا يمكن لنا ان نتحرك من المكان ألف الى مكان ب، هو معضلة علينا ان نعمل على التصدي لها.
لقد رأينا كيف كان هنالك رفض شديد وواسع في اوائل الانتفاضة لمسالة التنظيم، تحت دعاوى وشكوك ومخاوف من ان التنظيم يعني: "تسلط قيادات، التفرد باتخاذ القرارات، وان شهداؤنا هم قادتنا، الخوف من "ركوب القضية"، تجيير القضية لمصالح فردية والخ.
وحين ختفت تلك العبارات، وبدأت في الشهور الاخيرة للانتفاضة مساع واضحة للتنظيم، لم يكن المقصود به هو تنظيم صفوف الجماهير المتضررة من سلطة الطبقة الحاكمة من عاطلين، ونساء وعمال، وشباب، وزجهم في الحرب الطبقية مع السلطة القائمة، بل تنظيم وتشكيل ائتلافات وتحالفات، للدخول الى الانتخابات من اجل ان يحوزوا مقاعدا، ومن هنالك يمارسوا دورهم في التغيير!!. هذا الجمع يسعى للحصول على " وطن"، الذي هو تعبير مكثف ويختزل كل المطالب التي تريدها الجماهير، ولكن دون ان يكون لديه المزاج والطاقة والنفس والصبر على تنظيم وزج وقيادة الجماهير "صاحبة الوطن" نفسه. فيريد الوصول الى " وطنه" بالطريق الاسهل- الانتخابات. اي يرى اصحاب هذا النمط من التفكير انه اسهل ان يلعب في ملعب عدوه على ان يقوم بتنظيم جماهيره.
يملك هذا التيار الثقة بامكانية التغيير رغم الصورة المأساوية التي تجري امام اعيننا كل لحظة. ويملك القدرة على العمل والتدخل والنشاط لتغيير الامور ونقلها من نقطة الف الى نقطة باء، وفق افق طبقي واضح لا يخطأ تعريف الصراع بانه صراع طبقي. يؤمن هذا التيار باهمية التنظيم كسبيل وحيد واوحد لتغيير المعادلات السياسية. يرى هذا التيار الى وجود قوى مليونية ان لم تكن مليارية ناهضة للتصدي للطبقة الرأسمالية التي تزج البشرية في رحمة قوانينها البربرية.
اذا القينا نظرة ليس على صعيد العراق فحسب بل حتى على صعيد عالمي نرى ان الوعي بدأ يتشكّل لدى الملايين، بان الرأسمالية هي اساس البلاء والوباء، وبان لا سبيل الى التغيير الا العمل والتنظيم لاقتلاع هذه الطبقة وحكمها، كشرط اول واساس لانهاء تأريخ من البربرية. لنأخذ بعض النماذج من اعتى قلاع الرأسمالية كمثال على بروز تيارات اشتراكية تمتلك الثقة بالنفس وتربط النضال من اجل انهاء التمييز العنصري بالنضال ضد الرأسمالية مثال حركة الدفاع عن السود والتي اشعل مقتل جورج فلويد جذوتها، اصبحت الحركات النسوية تربط بين اضطهاد المرأة واضطهاد الطبقة العاملة باعتبارهما شيء واحد، حركة واحدة. اصبح الاكاديميون الماركسيون في امريكا قبل العمال يتحدثون عن مناهضة الرأسمالية بتشكيل تنظيمات مختلفة، ليست حركة نحن ال99% الا واحدة منها.
في العراق، امتلك تيارنا منذ بدأ بتأسيس حزبه عام 1993باعتباره امتداد لماركس وانجلس ولينين، تصورا واضحا و بدون اي لبس بان ما يحكم العراق هو طبقة رأسمالية ترسل سكان هذه البقعة الجغرافية الى البربرية ان لم نلم قوانا الطبقية للاطاحة بها كشرط مسبق لاقامة حياة تليق فعلا بالبشر. هذا التيار هو تيار وحزب الشيوعية العمالية. ليس الخضوع والاستسلام بالنسبة لنا خيارا، ولا تنطلي علينا اكاذيب البرجوازية.