فيروس كورونا يجتاح هوستن بالولايات المتّحدة : ازمة صحّية عامة سببُها نظام إجرامي


شادي الشماوي
2020 / 7 / 3 - 01:32     

قارئ ، جريدة " الثورة " عدد 654 ، 29 جوان 2020
https://revcom.us/a/654/coronavirus-rips-through-houston-en.html

باتت ولاية التكساس و مدينة هوستن مراكز وباء فيروس كورونا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة . فنسب العدوى و الإيداع بالمستشفيات قد تضاعفت ثلاث مرّات منذ نهاية ماي ، و خلال ال13 يوما من ال14 يوما الأخيرة ، و انا أخطّ هذا المقال في 27 جوان 2020 ، إرتفعت بصفة مطّردة . هذا الأسبوع ، صرّح الدكتور بيتر هوتاز ، أحد أبرز القامات العالميّة في مجال الأمراض المعدية و عميد المعهد القومي للطبّ الإستوائيّ في جامعة بلتيمور ، صرّح بجريدة " هوستن كرونكل" إنّ المدينة و الولاية " على حافة الكارثة " . و قال إنّه ما لم يحدث قلبٌ للمسار القائم ، ستعدّ هوستن ، على ألرجح ، أربعة آلاف حالة كوفيد -19 جديدة يوميّا مع أواسط جويلية ،و ستصبح " المدينة الأسوأ في العدوى في الولايات المتحدة ، ربّما تنافس ما نراه الآن في البرازيل ".
و في اليوم الموالي لذلك التصريح ، أعربت لينا هيدالغو ، الموظّفة العليا الأعلى في الانتخابات في منطقة هاريس التي تشمل مدينة هوستن ، " نجد أنفسنا اليوم نسير نحو وضع كارثي و غير قابل للتحمّل . إذ يكاد عدد المرضى راهنا يتجاوز طاقة إستيعاب مستشفياتنا و قد يحصل التجاوز في المستقبل المنظور". و كان موقفها رجع صدى لبيان أصدره الساهرون على إدارة 11 مستشفى و معهد طبّيين .
و مع ذلك ، في هوستن يوجد مقرّ المركز الطبّي للتكساس(TMC) ، أكبر مركّب طبّي في العالم . و إحصائيّات ذلك المركز
مذهلة و منها : تجرى مستشفياته 10 ملايين لقاء مع المرضى سنويّا ؛ و هناك يولد طفل كلّ عشرين دقيقة و يُشرع في القيام بعمليّة جراحيّة كلّ ثلاثة دقائق ؛ و تملك ثلاثة معاهد طبّية أكبر مستشفيات أطفال و مرض السرطان في العالم. و يُعلن موقعه على النترنت أنّه " مكان ألمع العقول في الطبّ " وهو يشجّع على " التعاون بين المؤسّسات " و الإبداع و التجديد لأنّه معا ، يمكننا أن ندفع حدود الممكن " . و بإستمرار، كان ترتيب المركز الطبّي للتكساس ضمن أرقى المستشفيات في الولايات المتّحدة ، حسب الدراسات الإستطلاعيّة المنشورة في " أخبار الولايات المتّحدة " و " تقارير عالميّة ".
كيف يمكن وجود مثل هذا الوضع ؟ ألا ينبغي لهوستن ببعض أكثر الخدمات الطبّية حداثة في العالم ، و بجيوشها الجرّارة من المهنيّين الطبّيين ، بما في ذلك عديد المخلصين و الواعين ، أن تكون بوجه خاص في موقع جيّد لتحديد إنتشار هذا الفيروس و للمساهمة في قتاله و تجاوز إنتشاره عبر الكوكب ؟
سجلّ هوّته سحيقة
لعقود ، كانت التكساس في مرتبة القمّة أو قريبة منها بتقريبا كافة معايير قياس الصحّة العامة . و المسيحيّون الفاشيّون الذين سيطروا على الولاية لعقود إتّخذوا بصة متكرّرة إجراءات قاسية و عقابيّة للحدّ من توفير الرعاية الصحّية . و قد شملت إجراءاتهم الإقتطاع في نسب تسديد ديون المساعدة الطبّية و العناية الطبّية بالمرضى، و التشديد من متطلّبات أهليّة الحصول على المساعدة الطبّية الأكثر إستعجاليّة في البلاد . و قد جاء في تقرير جريدة " تكساس تريبيون " أنّه قبل تفشّى الفيروس، كان للتكساس حوالي 5 ملايين مقيم لا يملكون تأمينا ، حوالي 18 بالمائة من سكّانها ، ما يمثّل أعلى نسبة عدم إمتلاك تأمين في الولايات المتّحدة .
و قد نبذت القيادة الجمهوريّة للتكساس توسيع تغطية المساعدة الطبّية . و ورد في تقرير للأن بى أر (NPR) أنّه في 2013
حينما كان الوالي ريك بارى وهو مسيحي فاشي، كان يعلن مغتبطا بأنّ توسيع المساعدة الطبّية شيء " جنوني " ؛ و نبذت كذلك " كمّية من المال تقدّر ب 100 بليون دولار من المال الفدرالي تعاد على 10 سنوات – وهو مال كان بوسعه أن يُصرف على التأمين الصحّي لأكثر من مليون من العمّال الفقراء هناك. "و يقدّر أنّ 11 مليون إنسان يكسبون مالا كثيرا ليتمتّعوا بالمساعدة الطبّية لكن قليلا جدّا لشراء التأمين الخاص كان من الممكن دمجهم في قائمة المساعدة الطبّية في ظلّ التوسيع المقترح .
و قد ساهمت الإجراءات المتّخذة من طرف هؤلاء الفاشيّين في وضع صارت تتميّز فيه مستشفيات تابعة للمدينة مثل هوستن بنقص في العاملين بالقطاع و من ثمّة صار العاملين بالقطاع يتحمّلون عملا يفوق طاقتهم – متصارعين التجهيزات القديمة و غير المناسبة . إنّهم مشمئزّون إلى درجة الإنفجار خاصة عند مواجهة أوضاع أناس في حاجة إلى الرعاية الصحّية و منهم مرضى يعانون من أمراض مزمنة قاسية ، و هم غير قادرين على علاجهم لأنّهم كانوا يتقدون إلى المال . و في المناطق الريفيّة ، يقع غلق المستشفيات في التكساس أكثر ممّا يحصل في ايّة ولاية أخرى ، أساسا شرقي التكساس الذى هو مركز تاريخيّ لسكّان الولاية السود ، و بالمناطق الساحليّة و الحدوديّة لجنوب التكساس التي يقطنها عدد كبير من المنحدرين من أصل مكسيكي.
و جاء في تقرير " التريبيون " أنّه منذ بداية جائحة فيروس كورونا ، أكث من مليون شخص في الولاية عانوا من ضربتين قاضيتين واحدة بخسارة مواطن شغلهم و تأمينهم الصحّي المعتمد على مشغّليهم. و ثانية بسقوط البعض ضمن شبكة الرعاية الصحّية غير المتكاملة للولاية و يقول المدافعون عنهم إنّه يمكن أن تقتطع الخدمات الصحّية الجسديّة و النفسيّة المقدّمة لهم بيما م يواجهون إنهاكا إقتصاديّا ناجم عن أزمة صحّية عامة . و يقدّر المشتغلون بالرعاية الصحّية أنّ 40 بالمائة من المعطّلين عن العمل حديثا في التكساس سيمسون بلا تأمين صحّي.
و يحاول المسيحيّون الفاشيّون و نظام ترامب/ بانس أن يصعّدوا من الهجمات على الرعاية الصحّية المدعومة من المنظومة العموميّة و التي تشمل عشرات ملايين الفقراء في هذه اللبلاد. و خلال هذا السبوع – في خضمّ أزمة رعاية صحّية شاملة يتواصل توسّعها – تقدّم محامون في خدمة إدارة ترامب / بانس بعريضة للمحكمة العليا للولايات المتّحدة داعمين دعوى قضائيّة لولاية التكساس و إلتحقت بها 19 ولاية تبحث عن وضع نهاية لإجراءات الرعاية الصحّية التي أدخلها أوباما . و مهما كان مآل هذه الدعوى القضائيّة ، فإنّ ذلك يؤشّر إلى نيّة جدّية لدى نظام ترامب / بانس و المسيحيّين الفاشيّين عموما لفض و بالفعل التشديد العنيف و القاسي للإقتطاعات في ميزانية الرعاية الصحّية كما حصل في التكساس و تعميمها على البلاد كلّها .
نظام فات أوانه تماما
لكن المشكل يمضى أعمق من السياسات الجمهوريّة و الهجمات على الرعاية الصحّية العامة و تفكيكها .
إنّ الموارد الكبرى المنتَجَة إجتماعيّا و المملوكة فرديّا التابعة للمركز الطبّي بالتكساس لم تقع تعبأتها مؤسّساتيّا و لم يقع إستخدامها لتلبية حاجيات الشعب في الغيتوات و الأحياء الشعبيّة على مرمى العين من ناطحات سحابهم ، أو لفاقدى المنازل المتراكمين على الأرصفة المؤدّية إلى تلك المباني الشاهقة ، أو الناس من العالم بأسره المصابين بهذا الوباء . و يشمل هذا التدريب و جهود العاملين به – الأطبّاء و غيرهم من العاملين بالقطاع ، و البحوث العلمية و عشرات آلاف المشتغلين بالمركز – رغم أفضل مساعيهم . و بالرغم من النوايا و أفضل جهود أناس من مثل بيتر هوتاز و كثيرون غيره ، ليس بوسعهم القيام بذلك – في ظلّ هذا النظام و نمط إنتاجه الرأسمالي – الإمبريالي.
و في المدّة الخيرة قرأت مقال " وهم " الحياة العاديّة " المميت و المخرج الثوريّ " حيث كتب بوب أفاكيان :
" قد أظهرت هذه الأزمة الناجمة عن فيروس كورونا بوضوح كبير واقع أنّ النظام الرأسمالي ليس ببساطة خارج المسار فحسب و إنّما أيضا هو في نزاع جوهري مع وهو عائق أمام ، تلبية حاجيات جماهير الإنسانيّة " .
و الآن بالذات من الأهمّية الحيويّة لكلّ إمرء بذل قصارى الجهد للحدّ من إنتشار هذا الفيروس القاتل ،و لتقديم المساعدة و الدفاع عن العاملين على تطوير لقاح و لإكتشاف طرق معالجة المرضى. لكن الأكثر أهمّية و ضرورة ملحّة بالنسبة للإنسانيّة – في ظلّ فيروس هائج و نظام فاشيّ يتوطّد بسرعة – هو بناء حركة من أجل ثورة فعليّة ...
و قد ختم بوب أفاكيان مقاله المذكور أعلاه بما يلى :
" تخطّى كلّ هذا يمكن تحقيقه – و يمكن تحقيقه فقط – من خلال الثورة الشيوعيّة و تنامى تركيز البلدان الإشتراكيّة عبر العالم منطلقين من قاعدة أمميّة و منجزين التغييرات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة و السياسيّة ، و كذلك التغييرات في طرق تفكير و ثقافة الناس ، ما سيساعد الإنسانيّة على تجاوز العراقيل و الإنعكاسات الفظيعة التي يفرضها " السير العادي " للنظام الرأسمالي - الإمبريالي ، هذه الإنعكاسات الفظيعة التي تشتدّ حتّى أكثر زمن الأزمات . و هذه الثورة غير المسبوقة ستمكّن البشر من مواجهة الواقع و مواجهة الأزمات بطريقة تعاونيّة حقّا كأعضاء في مجتمع عالمي متكوّن من بشر مجتمعين طوعا و بحرّية و ليسوا منفصلين و في صراع ضد بعضهم البعض نتيجة إنقسامات البلدان و الطبقات و القوميّات ( أو " الأجناس " ) ، و الجندر و علاقات إضطهادية أخرى . "