الناقص في العقل والدين والقديس أوغسطين ؟


احمد مصارع
2006 / 6 / 25 - 09:24     

الناقص في العقل والدين والقديس أوغسطين ؟
(1)
من هو الناقص في العقل والدين ؟
ليس كل من والى ,وسفط كلماته وقال , , صار حاخاما يهوديا أو قديسا مسيحيا أو إماما مسلما , وفي هذه المقالة سنعتني بالقديس أوغسطين , بوصفه الحاضر الغائب , بل والشاهد على زوال أعظم إمبراطورية شهدها التاريخ , وتحتل أكبر مساحة بالتاريخ الإنساني تحت عنوان الحضارة الرومانية , ولأن دروب الحضارة الإنسانية واحدة , وكل الدروب تقود نحو روما , المتجددة على الدوام , حتى عصرنا الراهن .
انه وبالرغم من أن التأريخ يصنفه كانسان حقيقي عاش حياته في القرن الرابع الميلادي,ليعرف فيما بعد باللقب العظيم : القديس أوغسطين , إلا أنه سيبقى معاصرا بنظرياته وآرائه الدينية والفكرية, بكل معنى الكلمة , بما يفوق غالبية أهل الفكر المعاصر ؟.
من أقوى النظريات عن العلاقة الجدلية , بين الإنسان والتاريخ , تضع بكل ثقة تخوم الفصل بين الحضارة المادية والروحية , منطلقا من فرضية : أن الإنسان ليس كائنا عقلانيا بطبعه ,وأن العقلنة المطلوبة دائما هي التي تأخذ بعين الاعتبار , مسالة( العقلنة) متجهة بطبيعة الحال أي نحو عقلنة نسبية لكائن بشري غير عقلاني بالمطلق .
اللاعقلانية البشرية بالمطلق ؟
الدولة الأفلاطونية أو المثال العقلي ,تجاهلت بسبب الصلف المغرور عن العجزية العقلية في السيطرة على العمليات اللااراديه, وجموحها , بل وجنوحها ألشروري ,فحياة الكائن البشري ليست عقلا وحسب , بل عاطفة جياشة تصل الى حد الجنون بسرعة قياسية , وهي روح تتعذب خارج سجون اليوتوبيا العقلية المثالية .
عند القديس العظيم أوغسطين ,باقتراضه أن الإنسان ليس كائنا عقلانيا بطبعه , بل ولا يصلح أن يحكم ذاته , وعدالته أمر مشكوك بامكان تمامها , مبينا سذاجة الاعتقاد , من أن تحول الإنسان الى مواطن داخل دولة عادلة وعقلانية ,وهذا يوضح بجلاء أن القديس أوغسطين يعتبر الإنسان بوجه عام , وبدون تخصيص , رجلا كان أو امرأة , هو الإنسان الناقص في عقله ودينه ؟
نظرية الخطيئة والفداء , أو طغيان الشر وبروز التضحية كثمن خلاصي منه , في دورة مستمرة مادامت الحياة قائمة , ومادام التاريخ لم الى نهايته بعد .
من الأساطير الدينية , من التاريخ أو التوراة , وبقية الكتب المقدسة , تظهر الخطايا من نوع الخطيئة الأولى : آدم وحواء والطرد من الجنة , عبر فكرة الخطيئة والفداء , كما نرى مقتل قابيل أو هابيل وصراع الأخوة , ونرى فداء اسما عيل لإبراهيم وذبح عظيم , وكذلك المسيح كلمة الله وخطيئة الصليب , ولسنا بصدد استعراض كل الأساطير لتوثيقها , ولكن لبيان أمثلة عابرة عن الخطيئة والفداء .
لقد وضعنا أمام اللغز بدون حل , وهو لغز الخطيئة الأولى , ماهي الخطيئة , أي من الخطايا السابقة أهم من غيرها وأكثر أهمية في الغفران , وماهو نوع الفداء أو التضحية المقابلة , كي لا يظل الإنسان ضحية للأنانية واللاعقلانية , وكيف يمكن له أن يستكمل معرفته الناقصة , وصولا لامكان قيامه بضبط ذاته , ليتم تصوير امكان وجود الضوابط الذاتية , بوصفها طوباويات غير ممكنة التحقيق , لتناقض المفروض والمطلوب , ولتباعد الفجوة بين المثال والواقع .
لو تأملنا فكرة ( النساء ناقصات عقل ودين ) ,المنسوبة لحديث شريف , ليس بالأصل منسوبا للمرأة , بل نحو الكائن البشري بوجه عام , وعن كونه ضحية للتاريخ والقدر , وقد تم إسقاطه على المرأة , بوصفها الأضعف مثلا , وماهو مقياس القوة هنا , عضلية أم عقلية , أم نفسية وروحية , أم أن الأمر يختلف بحسب مرجعية خطيئة ما , ولنتصور أن المقصود بان خطيئة حواء هي الأكبر , بل هي خطيئة الخطايا مثلا ؟ والخطايا الأخرى أقل من الناحية القيمية , ولكن كل التاريخ يشير الى دور الرجل الكبير عبر عشرات القرون بإشعال اكبر خطايا الحروب والسيطرة , بل وابادة أجناس من البشر , فهل سنحمل ذلك لخطيئة الخطايا ؟!.نحملها عن كاهل الأب الأول , ونضعها على الضلع الناقص أمنا الأولى ؟!.
- الإنسان ليس كائنا عقلانيا .
- لا يستطيع الإنسان أن يحكم ذاته , وأن يتحكم بغرائزه .
- العدل غير ممكن أبدا في الدنيا , وهو ممكن وحيد في الحياة الآخرة .
- منطق الحضارة الرومانية القديم والمعاصر مخطئ , إذا اعتقد بأن تحقيق الذات الإنسانية , سيكون عبر تحول الإنسان في العالم الى مواطن في دولة عادلة وعقلانية .
وقبل أن نتحول الى الفجاجة , فلابد من التذكير بمقولة الفيلسوف هيجل , عن الإنسان بكونه كائن ميتافيزيقي , واستخدام الفيلسوف كارل ماركس لل ميثولوجيا في رأس المال بالقول : الميت يمسك بالحي , ومن مقولة الفيلسوف لينين في دفاتره الفلسفية , بأن غشاءا رقيقا يفصل مابين المادي والمثالي , ولا يتسع المجال للمزيد .
الأصل في العدل , الديني أن يساق كل البشر الى جهنم , فهم سيظلون حتى نهاية التاريخ أبناء وأحفاد الخطيئة الأولى , للأب آدم وللأم حواء , وكل ميراث لهم هو ميراث للخطيئة , إلا من رحم ربي , ولا أحد يدري إن ثمة أبناء آدم من الذكور , مختلفين عن بنات حواء من الإناث , تلك شراكة أو قسمة ضيزى , كما الصوت المقدس : أللكم الذكر وله الأنثى ؟!.
"وراء كل عظيم امرأة " و "فتش عن المرأة " و ( الخير امرأة والشر امرأة ) , والمرأة هي التي ورطتنا نحن أبناء الجنس البشري وللأبد لفضولها الشديد في قطف تفاحة المعرفة , هل كانت التفاحة , تفاحة للمعرفة العقلية الجهنمية , ولعنة الشقاء الأبدي ؟!.
أن نتكلم عن مسؤولية بشرية عامة , فيها وجهة نظر معقولة , أما أن تتحمل المرأة وحدها وزر نقص العقل والدين , فهذا مالم يرد ذكره في دولة الله ( مدينة الله ) , وهو من اللامعقول الذي يعيدنا من جديد نحو السياق اللاعقلاني للجنس البشري عامة .