تمرّد جميل : الصواب و الخطأ و المنهج و المبادئ


شادي الشماوي
2020 / 7 / 1 - 00:59     

بوب أفاكيان ، جريدة " الثورة " عدد 654 ، 29 جوان 2020
https://revcom.us/a/654/bob-avakian-on-a-beautiful-uprising-right-and-wrong-methods-and-principles-en.html

يتحدّى التمرّد الجميل ضد العنصريّة الممأسسة و عنف الشرطة و جرائم قتلها و الذى إندلع نتيجة قتل جورج فلويد ، يتحدّى بقوّة " النظام القائم " و " القتاليد " المتجذّرة ، في موجة تلو الموجة من الإحتجاج و التمرّد المتنوّعين . و ردّا على ذلك ، و بالتوازي و في الوقت نفسه ، يمضى أولئك المصمّمون على الحفاظ على و تعزيز و تكريس تفوّق البيض المبنيّ في أسس هذا النظام منذ بداية هذه البلاد ، إلى حدّ إنكار وجود تفوّق البيض بينما هم بحييّة يدافعون عنه و يمسكون و ينفخون بصفة مبالغة تماما في نزعات سلبيّة ثانويّة داخل المدّ الإحتجاجي قصد إطفاء نيرانه .
و النسخة الأخيرة لهذا الكورال الرجعي ( الذى يمكن سماع هذيانه المجنون بصورة متكرّرة بأفواه القائد العام العنصري في البيت البيض و في البثّ على القناة الفاشيّة " فوكس " نيوز") شملت عمليّا الدفاع عن تفوّق البيض – و أجل ، على القلّ موضوعيّا ، عن العبوديّة – في شكل خطابات طويلة ضد إسقاط التماثيل المكرّمة لقادة و جنود الكنفدراليّة ! إنّ الأشياء أبعد من مجال النقاش العقلاني حين يصبح من الضروري أن نشير إلى أنّ هذه التماثيل تكرّم الذين قاتلوا للحفاظ على العبوديّة هي على وجه التحديد معالم تاريخيّة لتفوّق البيض ، و إلى أنّ العويل ضد تحطيمها من أوضح مظاهر الوجود السام لتفوّق البيض القائم من البيت الأبيض إلى البيض ( و بعض العملاء السود ) الذين ينافحون عن هذه التماثيل كجزء من " التاريخ و الإرث العظيمين لهذه البلاد ! ".
المناهج و المبادئ الحيويّة :
بدلا من محاولة الحديث عن كلّ جبهة من جبهات هجوم " جنود " تفوّق البيض العدوانيّين ، أو عن كلّ نوع من أنواع الأوضاع حيث يصبح شخص أو شيء هدفا للهجوم في علاقة بالتمرّد المشروع ، من الأهمّ و الأوفر فائدة أن نتحدّث عن المناهج و المبادئ الأساسيّة التي يمكن أن تساعد في التمييز بين الصواب و الخطأ و الإيجابي و السلبي ، بصدد كلّ هذا . و ينبع الفهم الجوهري لكلّ هذا من منهج و مقاربة ماديّة علمية ( الواقع – ما هو مؤسّس على أدلّة ) ، هو الإعتراف الجدليّ بأنّ الواقع بأكمله – كلّ شيء و كلّ شخص – متناقض . و حتّى الأشياء التي تبدو طاغية على نحو واح لها مظهر مناقض صلبها . لذا ، ليس مفاجأ أن يكون لهذا التمرّد الجميل الذى هو بصفة طاغية إيجابي ، بعض المظاهر السلبيّة المرافقة له . و الأشياء ليست " ثابتة " و إنّما هي بإستمرار في حركة و في سيرورة تطوّر ، لذلك يمكن لطابع شيء ما أن يتغيّر. إنّه لمن الأهمّية الحيويّة أن نشخّص الشيء الأساسي ( المظهر الرئيسي المحدّد لجوهر هذه الظاهرة ( النظام ، الحركة ، الشخص ) ، في زمن معيّن ،و بصفة إجماليّة ز و لنضرب على ذلك مثالا . كلّ من نات ترنر و جون براون اللذان قادا تمرّدات بطوليّة ( على أنّها مُنيت في النهاية بالهزيمة ) ضد العبوديّة ، كانا متديّنين إلى اقصى الحدود – و ليس من الخطأ رؤية كلاهما كنوع من المتعصّبين الدينيّين بيد أنّ حماسهما الديني كان في خدمة قتال الشكل الأساسي ( الأكثر مرارة ) للإستغلال و الإضطهاد وقتها – العبوديّة . و ليس يمكننا أن ندين نات ترنر أو جون براون لأنّهما لم يُدركا أنّه لقيادة النضال في سبيل التخلّص من كافة الإضطهاد ، من الضروري التخلّص من العراقيل الذهنيّة للدين و تبنّى منهج و مقاربة علميّين صريحين – بالضبط مثلما ليس يمكننا أن ندينهما لعدم قتالهما ضد ما هو اليوم النظام الأساسي للإستغلال و الإضطهاد الذى يُعرّض جماهير الإنسانيّة إلى العذاب المريع ، النظام الرأسمالي - الإمبريالي ، لأنّه في زمن كلّ منهما المسألة الأكثر حيويّة و مباشرة لم تكن (بعدُ) القضاء على النظام الرأسمالي – الإمبريالي و وضع نهاية لكافة علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، بل القضاء على نظام العبوديّة الصريحة . ذلك كان التناقض الأساسي ( الرئيسيّ ) الذى كانا يواجهانه . و المظهر الأساسي ( الرئيسي ) لما قاما به ، في النهوض ضد العبوديّة ، كان بصفة طاغية مظهرا إيجابيّا ، حتّى و إن كان مع بعض النقائص الثانويّة المعنيّة ( و منها أنّه خلال التمرّد الذى قاده نات ترنر ، جرى قتل ليس الكهول فحسب من عائلات مالكى العبيد بل أيضا الأطفال ).
و ذات المنهج و المقاربة ( المادية الجدليّة ) نحتاج إلى تطبيقهما على جميع الظواهر لأجل التمكّن من تحديد الطابع الأساسي و المحدّد لشيء ما ( أو شخص ما ) ، و للتمييز بين الصواب و الخطأ ، و بين الإيجابيّ و السلبيّ .


مسألة التجاوزات و النزعات السلبيّة و " ثقافة الشطب "
في كلّ حركة شعبيّة شرعيّة و عادلة موجّهة ضد الظلم و الإضطهاد ، توجد نزعة لظهور بعض الجوانب السلبيّة ، إلى جانب تلك الجوانب الرئيسيّة الإيجابيّة ز و في ما يتّصل بهذه النزعات السلبيّة ، من الضروري هنا أيضا أن نشخّص تمايزات هامة . في كلّ حركة إجتماعيّة ذات أهمّية كبرى ، توجد نزعة نحو بعض " تجاوزات الحدّ " يقترفها أناس ينحدرون من المكان الصحيح عامة ، لكنّ غضبهم المبرّر تمام التبرير و حماسهم يفيضان إلى حركات تمضى ضد و / أو تكون زائدة عن الحدّ ، أبعد من مبادئ و أهداف النضال و المفيد لتطوير ذلك النضال في الإتّجاه الإيجابي . في معالجة التناقضات على نحو لا يقوّض بل يوطّد الحركة ، من الضروري ، قبل كلّ شيء ، أن نحدّد إن كان شيء عمليّا يمثّل تجاوزا غير مرغب فيه أم هو شيء يساهم فعلا في النضال ، و ذلك دون السماح للسلطات القائمة و المتحرّكين بإسمها بإملاء ما هو الإحتجاج و التمرّد " الشرعي " ( و ما ليس " شرعيّا ") . و حتّى مع ما تعتبر عمليّا تجاوزات ضارة ، لا بدّ من جهة من الإقرار بوجود نزعة لحدوث تجاوزات ، حتّى من قبل أناس شرفاء ، في وضع سنوات أو عقود من الغضب المكبوت جرّاء فرض الخضوع لإضطهاد مذلّ ، إنفجر في نهاية المطاف بفضل تمرّد صريح ، لكن في الوقت نفسه ، لا بدّ من العمل على التأثير على فهم أنّ هذه التجاوزات ينبغي التصدّى لها و محاصرتها . و يقتضى هذا خوض الصراع ضد هذه التجاوزات دون " صبّ ماء بارد " على الإلتزام الحماسي لدي مقترفي مثل هذه الأخطاء ، أو على النضال ككلّ .
ثمّ ثمّة أصناف أخرى من النزعات السلبيّة حيث المظهر الرئيسي و المحدّد للأشياء هو ( على ألقلّ موضوعيّا و أحيانا عن وعي ) في تعارض أساسي مع ما ينبغي أن يكون مبادئ الحركة و أهدافها . ثمّة الإنتهازيّون سياسيّا -مثلا ن المنشغلون ب " ملكيّة " الحركة أكثر من إنشغالهم بتشريك أكبر عدد ممكن من الناس ،و جعل النضال أقوى ما أمكن ، على قاعدة الوحدة حول ما ينبغي أن تكون الأهداف المشتركة . و ثمّة ممثّلو و عملاء السلطات الحاكمة الذين يسعون بصفة منهجيّة على توجيه النضال نحو قنوات تجعله بلا معنى أو حتّى تحوّله إلى شيء يُعزّز عمليّا الظلم و الإضطهاد.
و فضلا عن ذلك ، توجد كامل " ثقافة الشطب" . و بشكل خاص منتشر جدّا و متجسّ> في البحث في مجمل حياة شخص بُغية العثور على أمر سلبيّ يتمّ المسك به لألغاء ( " شطب" ) ذلك الشخص ؛ و هذه النزعة السرطانيّة إلى أقصى الحدود تتسبّب في قدر كبير من الضرر ، ليس للأشخاص المستهدفين بهذه الطريقة فحسب ، بل عادة لقضايا و نضالات إجتماعيّة حيويّة ز
بوضوح ، يذهب هذا الصنف من المقاربة تماما ضد المنهج الصحيح للنظر في مجمل " محطّات " حياة الإنسان و تبيّن ما هو المظهر الرئيسي و المحدّد فيها ز و الإخفاق في القيام بهذا – و بدلا من ذلك السقوط في التبسيطيّة و غالبا الخبث المتعمّد لذهنيّة و مقاربة " ضربة واحدة و تجد نفسك خارج الحلبة " ل"ثقافة الشطب " السرطانيّة هذه- و يمكن أن يؤدّي إلى كافة أنواع الإستنتاجات و الحركات الفظيعة .
و على سبيل المثال ، العبد السابق و الذى كرّس حياته لإلغاء العبوديّة ، فردريك دوغلاس ، قد أخفق ( أو رفض ) أن يدعم حقّ النساء في التصويت خلال الانتخابات ، و ذلك بُعيد الحرب الأهليّة ، مؤكّدا علوضا عن ذلك على ضرورة التركيز (فقط ) على الحصول على حقّ التصويت للسود الذكور ( و تاليا ، بعد فترة ، سيتبع ذلك بالنضال من أجل حقّ النساء في التصويت ). هل يجب " شطب" فدريك دوغلاس؟!
أم ينبغي " شطب " محارب لاكوتا ، كرايزى هورس ( هل ينبغي إيقاف أشغال بناء نصب تذكاري له جنوب داكوتا أم يجب تحطيم ما تمّ بناءه إلى الآن ) إعتبارا لأنّه عقب القتال ببسالة و بطولة لسنوات ضد جيش الولايات المتّحدة ، في نهاية حياته ، عندما مُني في آخر المطاف ، بالهزيمة و وقع في ألسر ، يبدو أنّه تعاون و ساعد ذات جيش الولايات المتّحدة في قمعه لشعوب من السكّأن ألصليين لأمريكا ؟!
ما الرئيسي ( و ما الثانوي ) في مجمل حياة و دور كريزي هورس و فردريك دوغلاس ؟
و يمكن إيراد عدّة أمثلة أخرى . بيد انّ ما تسجّله بشدّة هذه الأمثلة هو مرّة أخرى الأهمّية الحيويّة لتطبيق المنهج و المقاربة العلمية المادية الجدليّة على كافة الظواهر بما فيها النضال ضد الظلم و الإضطهاد ، لأجل التقدّم بذلك النضال ، عبر كافة العوائق ، و أصنافها المختلفة ، التي تطرح في طريق بلوغ الهدف النهائي لإلغاء و إجتثاث ليس مجرّد شكل واحد بل جميع أشكال الإضطهاد و الإستغلال ، في كلّ مكان .