((الاقتراض يجب ان يكون آخر الحلول)) , في ضوء حديث سكرتير الحزب الشيوعي العراقي للمركز الاعلامي للحزب في 5 /6/ 2020


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 6 / 25 - 10:43     

أشار سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي في حديثه للمركز الاعلامي للحزب الشيوعي العراقي في الخامس من حزيران 2020 الى الوضع الاقتصادي في العراق وضرورة عدم تحميل المواطنين أعباء الأزمة الاقتصادية والوبائية الراهنة والتي هي نتيجة الفساد والسياسات الاقتصادية الفاشلة وضرورة ان تجد الحكومة معالجات تضمن للمواطنين احتياجاتهم. كما شدد الرفيق رائد فهمي على عدة نقاط مهمة لمعالجة ازمة البلاد الاقتصادية وكما يأتي :-
1) الاقتراض يجب ان يكون آخر الحلول .
2) وجود مصادر مالية غير مستنفذة مثل المنافذ الحدودية التي يجب على الدولة ان تفرض سيطرتها عليها .
3) ضرورة استحصال الضرائب.
4) فتح ملفات عقارات الدولة التي يتلاعب المتنفذون بها بعيدا عن المصلحة العامة .
5) استعادة الأموال المنهوبة والموجودة في الخارج وملاحقة الفاسدين الذين ما زالت الرقابة غائبة عنهم مقابل الحمل الثقيل الذي يوضع على عاتق المواطنين .
وفيما يتعلق بمسألة القروض فلها مخاطر كبيرة على الاقتصاد العراقي خاصة وان العراق لديه الكثير من الأموال اضافة الى الكثير من السراق الى جانب سوء الادارة وغياب الرؤى الاستراتيجية والفساد الكبير ولذلك يتم قضم هذه الأموال على حساب مصلحة الوطن والشعب .
اشار تقرير لصندوق النقد الدولي الى ان مجموع الدين العام ارتفع من 32 في المائة الى اكثر من 60 في المائة من اجمالي الناتج المحلي للفترة من 2014 – 2016 في ظل اعتماد الاقتصاد العراقي على انتاج وتصدير النفط الخام الذي انخفضت أسعاره وتهميش القطاعات الانتاجية غير النفطية كالصناعة والزراعة والسياحة والتعدين والنقل وغيرها. وبحسب دراسة للبنك الدولي فإن الدين العراقي يشكل نسبة 70 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2016 , بينما كان 56 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2015. هذا الوضع الذي يتميز بزيادة اقبال العراق على الاقتراض ناجم عن المرحلة الصعبة التي يمر بها البلد بسبب سوء الادارة وتفشي الفساد المالي والاداري في معظم اجهزة الدولة والذي اصبح ميزة تميز كبار الموظفين من وزراء ومحافظين ورؤساء مجالس محافظات وغيرهم اضافة الى الاشكالات السياسية والازمات المتواصلة منذ التغيير في 2003 والى اليوم, الى جانب عدم توفر الأطر التشريعية اللازمة والناتجة عن عدم توفر رؤية واضحة لبناء الدولة حيث الاهتمام بالمصالح الطائفية والحزبية الضيقة والاعتماد على نظام المحاصصة المقيت, ما ادى الى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي صاحبت ازمة انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية, وكذلك عدم ادراك القوى المتنفذة لطبيعة المرحلة واكتفاؤهم بالنظر لمصالحهم ومكتسباتهم التي حققوها بعد التغيير بمساعدة الأمريكان متجاهلين احتجاجات المواطنين ومطالبهم المشروعة.
اقدمت الحكومات المتعاقبة كجزء من جهودها لتقليل عجز الموازنة العامة للدولة بالتوجه الى الاقتراض والاتفاق مع المؤسسات المالية الرأسمالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين للحصول على القروض وبمباركة الجانب الامريكي.
في ظل كل الاوضاع السلبية فإن العراق يحتاج الى تنمية وتنشيط الصناعة والزراعة والاستثمار المحلي مع تقليل الامتيازات لكبار الموظفين والدرجات الوظيفية العالية من اجل التمكن من ايفاء الدين وان لا يتحول الى حجم يفوق طاقة السداد .
عادة ما تلجأ الدول الى الاقتراض سواء داخليا او خارجيا عندما تعجز عن توفير الايرادات ولكن هذه الديون تشكل ازمة عندما تفشل الحكومة في خدمة ديونها المقومة بالعملات الاجنبية لعدم قدرتها على تدبير العملات اللازمة لسداد الالتزامات المستحقة عليها بموجب هذه الديون. وفي حالة عدم السداد فان ذلك سيؤدي الى فقدان المستثمرين في الاسواق الدولية الثقة بها وتجنبهم التعامل معها وسيتم سحب الاستثمارات من الدولة المدينة.
ان بلوغ الديون العراقية نسبة تزيد على مجموع الناتج المحلي الاجمالي يعد مشكلة خطيرة تهدد الاقتصاد العراقي في ظل سعي البلدان الصناعية المتقدمة لإغراق البلاد بالقروض لتوريط البلد بمديونية ثقيلة وايقاعه في فخ المديونية التي تعتبر منفذا للتسلل الى البلاد والتدخل في شؤونها, كما يفعل صندوق النقد والبنك الدوليين اليوم بفرض اجندتهما على العراق.
ان ارتفاع الدين ومعدلات الفائدة له تأثير كبير على الاقتصاد على المدى الطويل, اذ قد تواجه الحكومة صعوبة في التسديد بسبب انخفاض الموارد المالية المرتبطة اساسا بمبيعات النفط الخام ذات الاسعار المنخفضة حيث ان الحكومة تركز على سداد ديونها وليس على الاستثمار في مشاريع اقتصادية تخدم مصلحة الدولة والمجتمع.
ان التوسع في الديون الخارجية ثم العجز عن السداد سيدفع بالعراق الى اعادة الجدولة من الدول الدائنة وبالتالي الوقوع تحت شروط صندوق النقد الدولي والتي ستسفر عن تفكيك البنية الانتاجية للعراق وتحويل البلاد الى دولة مستوردة لكل شيء ومعتمدة تماما على الخارج. لذلك يجب الا نقع في تلك المصيدة والتعامل مع الاقتراض الخارجي بميزان حساس آخذين بالاعتبار قدرتنا على السداد بما يتطلب ذلك من طول اجل القروض وانخفاض التكلفة وتوجيه التمويل الى المشروعات التي تدعم قدرتنا على النمو وتوليد عائد يكفل سداد المديونية. لذلك ينبغي ان يكون الاقتراض آخر الحلول والعمل على تفعيل القطاعات الانتاجية الاخرى . اضافة الى ذلك فلدى العراق ثروات كبيرة غير مسيطر عليها وينبغي معالجتها وهي اموال ضائعة بسبب الفساد مثل مزاد العملة الذي يشوبه الفساد حيث يمكن توفير 4 مليار دولار منه شهريا , اضافة الى رواتب رفحاء التي ينبغي الغاؤها وتقدر بـ 38,400 مليار دولار شهريا اضافة الى هدر الأموال من قبل الشركات النفطية وسومو التي تقدر بـ 40 مليار دينار الى جانب المبالغ الخاصة بعقارات الدولة التي ينبغي استرجاعها ومحاسبة الفاسدين الى جانب عقود وزارة الكهرباء المشكوك فيها والتي تسبب هدرا ماليا كبيرا يقدر بمليارات الدولارات كذلك الأموال المهدورة من قبل وزارة الاتصالات ووزارة النقل وغيرها من الوزارات .
وفيما يتعلق بالفقرة الثانية من الحديث المتعلقة بوجود مصادر مالية غير مستنفذة كالمنافذ الحدودية التي هي الآن خارج السيطرة الحكومية بسبب تفشي الفساد المالي والاداري فيها حيث تشير التقارير الى انه في نيسان 2015 قدرت الواردات من السلع الداخلة بـ ( 16,8 ) مليار دينار , وهذا المبلغ الكبير يمكن ان يدعم الموارد المالية النفطية والموارد المالية الأخرى وما اكثرها .
يمتلك العراق العديد من المنافذ الحدودية موزعة جغرافيا بين الحدود الشمالية والجنوبية والوسطى والغربية مع الدول الستة المحيطة بالعراق ( تركيا , ايران , السعودية , الكويت . الأردن وسوريا). ومن هذه المنافذ 4 بحرية و6 مطارات و15 منفذا بريا اضافة الى منافذ اقليم كردستان الستة الى جانب منافذ اخرى صغيرة. وتعود ادارة المنافذ البرية الى مديرية المنافذ الحدودية في وزارة الداخلية , اما المنافذ الجوية والبحرية فتديرها وزارة النقل وبقية المنافذ تديرها حكومة اقليم كردستان . وتتميز المنافذ الحدودية بالفوضى فيما يتعلق بالعمل بالتعرفة الجمركية حيث ترفض بعض المنافذ العمل بها وان قانون التعرفة الجمركية غير مطبق في اقليم كردستان .مما يسبب هدرا ماليا كبيرا وخسارة للعراق. وفي المنافذ يجري التلاعب بالبضائع المستوردة وتغييرها من اجل تقليل الاستقطاع الضريبي اضافة الى الابتزاز ودفع الرشاوي لتسهيل مرور البضائع ومن لا يدفع تتأخر معاملته وتكون عرضة لأشعة الشمس والحرارة صيفا وللأمطار شتاء ولفترة طويلة مما يصيبها الضرر وتلحق الخسائر المالية بالتاجر مما يضطر الى دفع الرشاوي من اجل تسهيل اموره وتمرير بضاعته. كما تسيطر الاحزاب المتنفذة وميليشياتها المسلحة على المنافذ الحدودية وتتدخل بشأنها كما ان لكل منها تخصصا بعمل معين فبعضها مختص بتهريب النفط الخام والقسم الآخر بالمخدرات وبعضها بالبضائع الفاسدة والمنتهية الصلاحية وقسم آخر يفرض الأتاوات على تجار المواد الغذائية والخضروات والبعض الآخر على السيارات وهكذا في ظل غياب الدور الحكومي الفاعل . وبهذا الصدد تشير اللجنة المالية البرلمانية الى ان ايرادات المنافذ الحدودية بإمكانها ان تسد العجز في الموازنة لو احسنت ادارتها بشكل صحيح بعيدا عن الفساد وتدخلات الأحزاب المتنفذة وميليشياتها . وتشير تقارير الهيئة العامة للجمارك التابعة الى وزارة المالية الى ان اجمالي الايرادات لشهر شباط 2017 ارتفعت الى ( 101 ) مليار دولار و 838 مليون دينار ,عدا المنافذ البحرية واقليم كردستان . وان الموارد المالية الكبيرة التي تحققها المنافذ الحدودية تكون اكثر من موازنات بعض الدول العربية فعلى سبيل المثال بلغت موازنة اليمن لعام 2019 ( 4 مليار دولار ) , وهي اكثر من موازنة الصومال لعام 2019 البالغة ( 340 مليون دولار ) واكثر من ميزانيتها لعام 2020 البالغة ( 459,5) مليون دولار. بينما بلغت ميزانية تونس لعام 2019 ( 13,6 مليار دولار ), في حين بلغت ميزانية لبنان لعام 2019 ( 13 مليار دولار ). فلو احسنت ادارة هذه المنافذ وسيطرت الحكومة عليها وكافحت الفساد فيها وابعدت الأحزاب المتنفذة وميليشياتها عنها فإن العراق وشعبه سيكونان بخير وسوف لن يكون هناك عجزا في الموازنة لأن موارد المنافذ الحدودية كافية لسدها فمثلا بلغت نسبة العجز في موازنة العراق لعام 2019 ( 23 مليار دولار ) وموارد المنافذ الحدودية كافية لسدها . اذن موازناتنا خاطئة ليس فيها عجز حقيقي والعراق لا يعاني من نقص الأموال ولكنه يعاني من كثرة الفاسدين وسراق المال العام وضعف الحكومات المتعاقبة. وحسب اللجنة المالية في البرلمان العراقي فإن حجم خسائر العراق جراء الفساد في السنوات الاثنتي عشرة الماضية بلغ نحو ( 450 مليار دولار ), وتشير تقارير اخرى الى ان العراق يخسر ( 15 ألف دولار ) في الدقيقة الواحدة بسبب الفساد في المنافذ الحدودية.
اذن لا بد من قيام الحكومة الجديدة بإصلاحات مالية وادارية والقضاء على الفساد الذي اجتاح المنافذ الحدودية وفرض السيطرة الحكومية عليها وعدم السماح للأحزاب والميليشيات بالتواجد في هذه المناطق والتدخل في شؤون المنافذ الحدودية , وبذلك ستتوفر لدينا الأموال الطائلة ولا نحتاج الى القروض .
اما الفقرة الثالثة من الحديث فيما يتعلق بالضرائب التي اكد الرفيق رائد فهمي على استحصالها , فللضرائب اهمية خاصة في اقتصاديات الدول المختلفة وخاصة المتقدمة منها لما لها من اهمية في تمويل خزينة الدولة , غير ان العائدات الضريبية في العراق تميزت بقلتها بسبب اعتماد الاقتصاد العراقي على ايرادات النفط اضافة الى عدم تطوير الكادر الاداري الضريبي وعدم تطوير التشريعات الضريبية او تعديلها لتواكب التطور في العالم الى جانب تفشي الفساد في الاجهزة الضريبية والتي تقضم جزءا كبيرا من العائدات الضريبية , على الرغم من ان العراق يعتبر من اوائل دول المنطقة التي شرعت قانون ضريبي عام 1927 والذي طرأت عليه العديد من التغييرات والتطورات بتغيير الأنظمة الحاكمة وتغير نظرتها الاقتصادية والسياسية. يحتاج الاقتصاد العراقي الى تنويع مصادر الدخل القومي وعدم الاعتماد الكلي على ايرادات النفط الخام التي تتميز اليوم بالتذبذب , لذلك تعتبر الضرائب العادلة مصدرا مهما لخزينة الدولة على ان تقوم على قاعدة العدالة وان تكون تصاعدية تزيد بزيادة الدخل وتقل بقلته . ولابد من تطوير التشريعات الضريبية لتواكب التطورات في العالم وتعديل بعض فقرات الدستور العراقي الخاصة بالضرائب والرسوم والايرادات الاتحادية كاختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية واعادة العمل بقانون التعريفة الجمركية لما له من اهمية في ايراد مبالغ كبيرة للخزانة العامة مع توحيد القانون الضريبي ليشمل المركز واقليم كردستان تجنبا للازدواج الضريبي , والاهم ضرورة القضاء على الفساد المالي والاداري المتفشي بالدوائر الضريبية والمنافذ الحدودية مع تأهيل الكادر الاداري الضريبي.
اما الفقرة الاخرى التي تناولها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي فكانت عن فتح ملف عقارات الدولة التي يتلاعب المتنفذون بها بعيدا عن المصلحة العامة وبحسب النزاهة فهناك تزوير خطير وتلاعب على مستويات كبيرة في عقارات الدولة وأملاك المواطنين ، مما يستدعي القيام بجرد لأملاك الدولة ومتابعة مصيرها ومحاسبة من زور الوثائق وتلاعب بأملاك الدولة.
مع مراجعة مسألة البيع والشراء لهذه العقارات فيما اذا جرى وفقا لأسعار السوق ام ضمن عملية فساد .فمن مهمات الحكومة الجديدة هو حسم موضوع عقارات الدولة واسترجاع المنهوب منها والمستولى عليها والمباع بعمليات تزوير . وحسب النائبة ماجدة التميمي فإنه تم تزوير سندات ملكية 174 ألف عقار عائد للدولة مع بيع اراضي الدولة وممتلكاتها بأثمان بخسة الى متنفذين .
وعن استعادة الأموال المنهوبة والموجودة في الخارج فإن المتورطين في عمليات الفساد يقومون بتهريبها إلى الخارج وإيداعها بحسابات بنكية محصنة أو تداولها في سوق الأعمال ضمن أنشطة غسيل الأموال. الا انه لا تتوفر في العراق إحصاءات أو تقديرات دقيقة لحجم الأموال المهربة بالرغم من وجود هيئة للنزاهة كان من المفترض ان تكون اولى واجباتها ضبط حجم الأموال المنهوبة ومعرفة الملاذات التي نُقلت إليها. وأن تقوم بالتحريات لمعرفة المال العام المُهرب الى الخارج بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية لإعادة الأموال ومحاكمة المتورطين في العراق .
وتشير تقديرات الخبراء على سبيل المثال الى ان رأس النظام المقبور وأسرته قد استولوا على 40 مليار دولار من أموال العراق خلال سنوات حكمه ، لكن لم يتم استرجاعها . فمن الضروري ملاحقة الفاسدين اينما كانوا واسترجاع الأموال المنهوبة منهم والتي تقدر بالمليارات وتقديم المتورطين جميعا مهما كانت مناصبهم الى العدالة.