إرهاب الشرطة الأميركية سلط الأضواء على إرهاب الاحتلال الإسرائيلي


سعيد مضيه
2020 / 6 / 20 - 13:39     

نصب ترمب نفسه حاميا لشعوب العالم باستثناء الشعب الأميركي! ركب الشطط وفرض قانون قيصر ، بموجبه يتوجب على حكومات العالم وهيئاته الاقتصادية أن تقاطع اقتصاديا حكومة "الطغيان". اتخذ ترمب قراره والمظاهرات في بلاده تدين نظامه بالإجرام المنظم وبالعنصرية، وتفضحه نظاما بوليسيا. وترمب ذاته متورط في فضيحة تجارة الجنس بالقاصرات بالتعاون مع إيبستاين؛ ولولا ان المعارضة السياسية داخل الولايات المتحدة ذر الرماد في العيون لجلبه الديمقراطيون الى محاكمة جادة تدينه. لكن النظام السياسي بالولايات المتحدة نظام الحزب الواحد، إذ لا فرق بين حزب الجمهوريين وحزب الديمقراطيين فكلاهما وضع نفسه في خدمة الاحتكارات. الدولة في الولايات المتحدة تمارس الجور ضد الفقراء والسود والطبقة العاملة داخل حدودها، فبأي قانون أو تفويض تتصدر مهمة الدفاع عن حقوق المظلومين؟ الا تعدم شرطة الولايات المتحدة السود، منذ عقود، بلا محاكمة، وبمعدل ثلاثة كل يوم؟ ترمب وجد تركة من الدولة البوليسية، لم يفككها أو يخفف وطأتها ؛ بل استغلها لفرض فاشية عنصرية جامحة.
هل في ذلك تظاهر بالهيمنة الزائفة، للإيهام بأن أميركا لم تتراجع سطوتها ؟ ام هي الفاشية تتغول وتزداد شراسة وإرهابا؟ أم هو جنون العظمة، الذي وصفه تشومسكي ، المفكر الأميركي، يزين لترمب ومن حوله التمظهر بصولة توسع دائرة التأييد لإعادة انتخابه ؟ ام ان لليمين الفاشي، وهو يسعر عدوانيته في الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا والهند والبرازيل والمجر، مقاصد وغايات لم نتبينها بعد؟
لعل في عنوان كتاب دان كوفاليك "لا حروب جديدة كيف يخرق الغرب القانون الدولي من خلال الاتكاء على ‘الإنسانية’ للتدخل من اجل خدمة مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية " ، ما يوضح الحقيقة خلف قانون قيصر الأميركي. في عرض قدمه دان كوفاليك ، لكتاب فيجاي براشاد، "نجمة حمراء فوق العالم الثالث"، يقول:"قرر قادتنا اللجوء الى القوة المسلحة للسيطرة على العالم ، ويجري نهب مبلغ تريليون دولار من الأموال العامة لتحقيق هذا الغرض. والنتائج المترتبة هي تجويع نظامنا التعليمي وشبكة الأمان الاجتماعي والبني التحتية الحيوية لبلدنا. وهذا بدوره يؤدي الى حرمان جماهير واسعة وإحباطها ، يؤدي الى الاضطرابات. وتماما مثلما يتعامل حكامنا مع العالم سوف يتعاملون معنا ، ليس بإيجاد حلول للعلل الاجتماعية المحدقة بالمجتمع الأميركي .حقا غدت القوة العسكرية الأداة الوحيدة في ترسانة حكومتنا ، وهو ما أوضحته بجلاء قرارات البيت الأبيض بإنفاق 60 ألف دولار كل ساعة طيران عسكري لشغيلة الطب بدلا من تزويد الشغيلة بالمعدات الواقية يحتاجونها بإلحاح. وكما يجري دوما لدى حكومتنا الأموال والموارد لأدوات العنف ، ولا أموال للحاجات الإنسانية. وهذا يقتلنا ، تماما مثلما تقتل حكوماتنا مئات آلاف الملونين – كل الشعوب الملونة تقريبا بلا تمييز – في البلدان الأجنبية" يخلص كوفاليك من العرض الى الاستنتاج، "فالكفاح ضد توحش الشرطة والعنصرية يجب أن يرتبط بالكفاح من اجل تقليص الإنفاق على الجيش وبكفاح أوسع من أجل نزع التسلح داخل مجامعنا وقي ثقافتنا".
أما الخبير الاقتصادي التقدمي بوب أوري، فيتوقع ازدياد الاضطرابات في أميركا: "في أميركا تشير خلفية ظروف المصائب الاقتصادية الى أن التوترات السياسية سوف تواصل تصاعدها ، حيث البطالة والعوز الاقتصادي تلقي بأثقالها على الاستقرار الاجتماعي". وأضاف ان "العنف في الولايات المتحدة نهج سياسي. يجري اعتقال الفقراء والعمال البيض وحجزهم بنفس وتيرة اعتقال الشغيلة والعمال السود"
فتحَت جرائم الشرطة الأميركية الأعين على معلميهم الإسرائيليين. "كما اشار عدد من المعلقين، فإن أسلوب قتل فلويد- الركبة تضغط على الرقبة- تم استيرادها من قوات الاحتلال الإسرائيلية ، التي استخدمتها ضد الفلسطينيين فى الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والتي تقوم حاليا بتدريب وحدات الشرطة الأميركية ، بما في ذلك قوة الشرطة في مينيابوليس على استخدام تلك الأساليب؛ تستخدم الشرطة أساليب العسكر وتستخدم أسلحتها كذلك"، كما كتب دان كوفاليك، الذي يدرّس حقوق الإنسان الدولية بمدرسة القانون بجامعة بيتسبيرغ . يؤكد كوفاليك ما ذهب اليه مايلس هوينيغ في مقالته [9حزيران 2020] أن "ما تعرض له أجدادي واسرتهم في غيتوهاتهم لا يختلف عما يجري في إسرائيل ونقاط التفتيش التي تقيمها." اجرى مقارنة بين وضعية السود الأميركيين ومعطيات الواقع الفلسطيني في ظل الاحتلال: "نادرا ما يحظى الفلسطينيون في الأراضي المحتلة بمرتبة مواطني الدرجة الثانية. ومدن السود في أميركا تحتلها الشرطة وغالبا ما يتعرض سكانها لمعاملة متوحشة جسديا وذهنيا وحقوقيا من قبل الشرطة؛ لكن كل فلسطيني تحت رحمة البوليس الإسرائيلي وجيش الدفاع والمستوطنين. الشرطة في الولايات المتحدة تنجو من المساءلة عن جرائمها بحق السود بينما تتم جرائم ممثلة في فلسطين كرياضة. يعتقل الأسود على أي تهمة فيحجز ويتهم ويحاكم وعادة ما تصدر بحقه عقوبة. اما بالنسبة للفلسطيني فلا يعتقل وحسب بل يهدم بيته لأن جرائم الفلسطينيين تنظر في محاكم عسكرية إسرائيلية. اليسار واليمين في إسرائيل يودون تلويث معارضة أفعالهم، خاصة الاحتلال غير الشرعي، بلوثة اللاسامية".

أصل البلاء من إدارة ريتشارد نيكسون، يؤكد اوري ؛ فهو الذي شرع في أواخر عقد الستينات من القرن الماضي إجراءات سجن المعارضين السياسيين متكئا في ذلك على تهمة الاتجار بالمخدرات. ومعروف لدى أوسع الأوساط عبر عقود خلت ان المخابرات المركزية هي المشرف على سوق المخدرات من زراعته حتى استهلاكه.يقول اوري، " السياسيون الانتهازيون سمحوا للرأسماليين تدمير الضواحي والبلدات والمدن من خلال اعتماد سياسات اقتصادية، ومن ثم ادعوا الحاجة الى إجراءات استثنائية مثل عسكرة الشرطة كي تتعامل مع العواقب الاجتماعية. نقل أوري عن دان براون، كتب عام 2016 في هاربرز "خلق نيكسون ‘الحرب’ على ‘المخدرات’ كي يمنح الدولة وشرطتها حق اعتقال وسجن اليسار ذي الثقافة المضادة والسود. وكانت هذه بمثابة العصا والجزرة لحمل الناس على الإذعان لنظام الليبرالية الجديدة. في هذا السياق تم التخلي عن قوانين وتنظيمات كانت تعيق نشاط الشركات الكبرى ".
بعد تسعينات القرن الفائت حوّل كلينتون الحزب الديمقراطي من حزب ‘الطبقة العاملة’[شكليا] الى حزب الوول ستريت[البنوك] ووادي السيليكون[الصناعات الإليكترونية] والبنوك وشركات كريديت كارد والتجمع الصناعي العسكري. حررت إدارة بيل كلينتون الرأسمال بتوظيف "الجريمة" الموجهة طبقيا لزيادة ضغوطات دولة العنف ضد الفقراء وأفراد الطبقة العاملة. وعن طريق منح الحصانة للشرطة فقد حول كلينتون جريمة العنف مشروعا تشرف عليه الدولة. خفف الإنفاق الاجتماعي على الأحياء الفقيرة، واختار بدلا عنها تجريم الفقراء. فتح الرئيس كلينتون ، الديمقراطي ، البا ب واسعا لعسكرة الشرطة في تسعينات القرن الفائت، بإقرار قانون تفويض الدفاع الوطني ، وبرنامج 1033، بموجبة جرى تزويد الشرطة بأسلحة إضافية. وكما أوضح ميشيل شانك في مقال نشره بمجلة "نيويورك تايمز ريفيو اوف بوكس"، بعنوان "كيف تحول البوليس الى قوات شبه ميليشياوية" فإن "تطبيق القانون المحلي 1033 قد شرعن استخدام معدات حربية تستخدم عادة في مناطق الحروب: كل شيء من ناقلات الجند المصفحة والدبابات ، المزودة برشاشات تدور 360 درجة، الى قاذفات القنابل وطائرات بدون طيار وأسلحة هجومية وغيرها. تم تحويل اسلحة بملايين الدولارات الى دوائر الشرطة المدنية". اوضح شانك أيضا أن البرنامج " يطلب من هيئات تطبيق القانون أن تستخدم المعدات خلال عام من الحصول عليها ". بكلمات يطلب فعلا من الشرطة توجيه البنادق من طراز تقني رفيع الى شعبها.
يجمع المراقبون على أن عسكرة الشرطة الأميركية ولجوءها الى العنف المميت ضد من يشتبه به او حتى بدون شبهة هي ظاهرة جديدة مستوردة من لإسرائيل. في مقابلة أجريت مع المناضلة ضد العنصرية ، أنجيلا ديفيز، وبثتها فضائية (آر تي) أشارت الى تماثل عنف الدولة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة ، وبناء عليه فالتضامن والنضال المشترك ضد العدو المشترك قائم منذ زمن بين الفلسطينيين والسود في الولايات المتحدة. قالت ان "الغاز المستعمل ضد المتظاهرين في أميركا تستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين؛ وتقوم الشرطة الإسرائيلية بتدريب الشرطة الأميركية ، بمن فيهم شرطة مينيابوليس؛ ولست متاكدة إن كانت العناصر التي قتلت فلويد تلقوا التدريب على أيدي شرطة إسرائيل". أضافت ديفيس القول ان حركة المقاطعة ليست عنفية ،غيرأن إسرائيل تتهمها باللاسامية ؛ يوجد رابطة بين ‘حرب’ الولايات المتحدة على ‘الإرهاب" وإعجاب النخب الأميركية ب ‘ المثال الإسرائيلي’ في التعامل مع غزة المحاصرة وفي الضفة الغربية المحتلة".

عسكرة الشرطة يمكن النظر اليها كنتيجة جانبية لاعتماد الولايات المتحدة المفرط على القوة العسكرية والحروب لحل مشاكلها، مع استثناء جميع البدائل الأخرى.
لدى استعراض كتاب فيجاي براشاد ، نجمة حمراء فوق العالم الثالث" يقول كوفاليك، " فُرِض على الفقراء والعمال ان يدفعوا مقابل حجزهم داخل السجون. فما أن يجرم الفرد ويدخل السجن حتى يسجل في قائمة أصحاب السوابق، آخر من يجد العمل بأجور متدنية، وأول من يسرح. وحرمت هذه الفئة من حق المشاركة في الانتخابات. إدارة كلينتون مسئولة عن تحطيم حيوات الملايين من السود والملونين من خلال تشييد الدولة البوليسية القائمة على العنف. عًرِف الحزب الديمقراطي منذ زمن بانه "مقبرة الحركات الاجتماعية". برز جو بايدن ، مرشح الديمقراطيين للانتخابات، في مجال وضع القوانين الجرمية وقانون باتريوت وكرس نشاطه في الكونغرس في تمكين الشرطة وإعفائهم من مسئولية جرائر العنف. بعد كلينتون يتحمل جو بايدن أعظم المسئولية عن تصرفات الشرطة التي أدت الى اغتيال جورج فلويد. الفروق بين الكلام والفعل بات استراتيجية سياسية. وهذا ما ميز سياسات الديمقراطيين.
قبل أسابيع قليلة كان الديمقراطيون ، هم المحرضون على العنف البوليسي ويعتبرون مكتب التحقيقات الجنائية هم منقذو الحرية والديمقراطية . مكتب التحقيقات يقبع خلف اغتيال كل من فريد هامبتون من الفهود السود ومالكولم إكس ومارتين لوثر كينغ .عمل مكتب التحقيقات الجنائية مع كل من نيكسون وكلينتون وكل الإدارات اللاحقة في تخريب وتفسيخ ومن ثم تدمير المعارضة المنظمة للدولة البوليسية.

مكتب التحقيقات هو الذي أجهض حركة لنحتل وول ستريت ، ونسق مع البنوك الكبري كي تمضي إدارة أوباما في تعويض البنوك؛ وبالمقابل قدم بنك مورغان هبة لشرطة نيويورك وهي تكافح حركات المعارضة.
تلك الأقلية الضئيلة ذات الملكية الضخمة تشتري حماية البوليس والأمن، وتضغط بالركبة على رقاب عمال العالم بطلب من كبريات البنوك كي تبقي الى الأبد الأجور في حدها الأدنى بحيث لا تكفي لسد تكاليف الحياة. أو أن التعديل الثالث عشر للدستور الذي يسمح بعبودية نزلاء السجون وبيع إنتاجهم بالمفرق، خط جانبي صامت لإثراء كبريات الشركات الأكثر تبجحا. في أميركا أعلى نسبة سجناء في العالم، تبلغ خمسة أضعاف بريطانيا ،اعلى نسي السجناء في دول اوروبا ؛ والتعديل الثالث عشر لم ينه عبودية مليون سجين من السود والملونين يقبعون خلف القضبان.
. كما اوضح فيجاي براشاد في كتابه "نجمة حمراء فوق العالم الثالث" فإن الفاشية المحلية ببلدان الغرب تعكس ممارسات الغرب الكولنيالية السابقة. يرجع براشاد الى ما كتبه إيمي سيزار، الشيوعي من جزر المارتينيك، فيوضح، بات مألوفا في المستعمرات السابقة تعريف الفاشية داخل اوروبا من خلال النازية – البسطار العسكري وغرف الغاز- الفاشية احد أشكال السياسة البرجوازية حين تهدد الديمقراطية نظام الراسمالية؛ كانت الكولنيالية، من جهة أخرى، سلطة عارية تجد تبريرها في العنصرية لكي تستولي على ثروات الشعوب. كما يعلمنا براشاد وسيزار فإن التكتيكات الفاشية المستخدمة من قبل حكوماتنا في الغرب في دول الجنوب سوف تجلب حتما إلينا هنا في عقر دورنا لتستخدم ضدنا. في حالة الولايات المتحدة من المؤكد ان هذه التكتيكات قد ادخلت، ونحن الآن نرى ذلك بوضوح في المعارك التي تجريها الشرطة بالشوارع، مدعومة أحيانا بالقوات المسلحة، وبنفس أسلوب القوات المسلحة عندما كانت قوات احتلال في البلدان المستعمَرة.
وحقا ما خلص اليه أوسكار زامبرانو في مقالته المنشورة في 18 الجاري، إذ يقول "نحن بحاجة لأن نتذكر على الدوام أن الكفاح ضد عنف الشرطة يمضي بجانب الكفاح ضد الحروب الأميركية في الخارج ؛ فالركبة التي ضغطت على رقاب عمال العالم باتت المطلب الشامل لكبريات البنوك كي يديموا للأبد الأجور بحدها الأدني الذي لا يقيم الأود . الحرب الدائرة أكبر من الحرب ضد الشرطة.ولذا فالناس إن أرادوا محاسبة الشرطة عليهم ان يحاسبوا أولا اولئك الذين لمصلحتهم يجري بطش الشرطة .

.في العام 2010 صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما ان ما يربط إسرائيل بالولايات المتحدة لا يمكن كسره
وهو بالفعل كذلك طالما ان إسرائيل تتلقى الدعم المالي والعسكري والأسرار الاستخبارية، وباتت المصدّر الرئيس للولايات المتحدة للأفكار وتقنيات الأمن وتكتيكات "الحرب على الإرهاب". وضمن تلك الخبرات تم إدخال " الكرسي الفلسطيني" درة تاج العنف الممنهج للعسكرية الأميركية في حربها اللاأخلاقية ضد العراق وأفغانستان وفي كل مكان بالعالم. وقد انتشر الزواج السياسي والعسكري والأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسرعة في العراق ليشمل الحرب الكونية "ضد الإرهاب " التي تخوضها الولايات المتحدة، حيث صناعة الأسلحة في إسرائيل تزود الولايات المتحدة بكل ما تحتاجه. منتجاتها تتراوح ما بين أمن المطارات وبناء أبراج المراقبة وتشييد الجدران والحواجز حتى أجهزة التجسس والمراقبة. وقد تغلغل دليل عمل الجيش الإسرائيلي، حيث لا احترام لمبادئ السلوك الدولية، في معظم الدوائر الشرطية بالولايات المتحدة، حتى المظهر الشكلي لضباط الشرطة الأميركيين يتغير كي يماثل مظهر القوات المقاتلة.