المغرب : ماذا بعد التطبيع الرسمي؟


أحمد أحمد حرب
2020 / 6 / 18 - 01:34     

ملحوظة: هذا المقال نشر صبيحة هذا اليوم على النشرة الإلكترونية لمجلة "كنعان".
................

قبل الزيارة الشهيرة التي كان قد أقدم عليها العميل أنور السادات إلى القدس، كان المغرب مسرحا لمقابلة جمعت “حسن التهامي”، العميل رقم اثنان في الدولة المصرية واليد اليمنى للسادات، ووزير خارجية الكيان الصهيوني آنذاك “موشي ديان”، وبطبيعة الحال فترتيبات المقابلة تمت تحت إشراف الملك الحسن الثاني وأذاعته قنوات العدو الصهيوني في حينه.

ليس هذا هو الموقف العدائي العلني الوحيد للحسن الثاني تجاه القضية الفلسطينية، فردا على الضجة التي خلفتها “الزيارة الساداتية” في أوساط الجماهير الشعبية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط صرح قائلا أن التعاون بين “العبقرية” اليهودية والأموال العربية سيخلق جنة في المنطقة، فاستحق عن جدارة لقب أول حاكم “عربي” مهد لكامب ديفيد، وأول حاكم “عربي” يدعو للتطبيع مع مشردي الشعب الفلسطيني.

ومن المعلوم أن هذه الحقائق التاريخية لم تخفى على قادة الثورة الفلسطينية الأوائل (خطابات جورج حبش نموذجا) ولا على أجيالها الجديدة، لأن ذاكرة الشعب الفلسطيني قوية ما يكفي لتذكر طعنات الغدر التي تلقاها من الحلفاء المفترضين تاريخا وأرضا وثقافة، مثلما يتذكر باعتزاز انتصاراته البطولية، وعليه، لا غاية من “سرد” مجريات الانبطاح التام لرئيس لجنة القدس الحالي ومستجدات التطبيع المغربي الرسمي المستتر خلف “المساعدات” الغذائية والطبية المزعومة للشعب الفلسطيني، على غرار “المساعدات” الإماراتية الأخيرة التي رُفضت مبدئيا، بل نرى أنه من الأجدر محاولة الإجابة عن سؤال ماذا بعد التطبيع الرسمي ؟

ها هنا نقف على حقيقة تفقأ العقل، فالعدو الصهيوني يدرك أن اعتراف النظام المغربي بشرعيته، بله اعتراف جل حكومات العالم، لا يعطيه أحقية فعلية للتواجد في أراضي ليست له، ولا يشكل الاعتراف/التواطؤ في جميع الأحوال سوى عاملا مساعدا من ضمن عوامل حاسمة أهمها موقف الشعوب من القضية الفلسطينية، الرقم الأصعب في معادلة توصل جميع العملاء إلى النتيجة صفر دائما، ولحسن “الحظ” أن هذه الشعوب لا زالت ترفض الاحتلال الصهيوني رغم القصف الأيديولوجي الرجعي الذي تتعرض له للقضية الفلسطينية ورموزها التاريخية، فعلاقاتها النضالية التاريخية مع الشعب الفلسطيني تدفعها إلى أن تبدع ذاتيا أدوات مقاومتها لأشكال محددة من التطبيع، ونقول ” محددة ” لغياب رؤية حزبية ثورية تنفذ إلى أعماق مفهوم التطبيع وتكشف أشكاله الأكثر تعقيدا ودهاء.

وفي سياق القضاء على نقطة الضعف المزمنة تلك يأتي القرار الأخير المتعلق باستئناف الخطوط الجوية المباشرة بين الكيان الصهيوني والمغرب، القرار الذي سيرفع من منسوب الصهاينة الوافدين كـ “مغاربة” من أصل يهودي إلى الأراضي المغربية، فزيادة على المهام المخابراتية التي ينفذها هؤلاء بتنسيق مع جمعيات تختبئ وراء الدفاع عن الأمازيغية، يستقبل المغرب كل سنة وفودا كبيرة من “الصهاينة السياح” الذين أوكلت إليهم مهمة اختراق المجتمع المغربي تحت ذريعة العودة للأصول المغربية، مئات من الصهاينة من مختلف الأعمار والأجناس يتحدثون العربية واللهجات المغربية الدارجة، يزورون أضرحة “الأجداد”، يلبسون الملابس المغربية التقليدية، يقيمون طقوسهم الخرافية ويتجولون ويتفاعلون مع كل فرد يلتقونه في الشارع، وبعضهم الآخر يعود إلى المغرب مطالبا باستعادة منزله وأرضه…إلخ، ولسخرية هذا الواقع يجد الكاتب نفسه مضطرا للقول بأنه حين وُجد الصيد بوفرة غاب الصيادون المهرة عن الوجود عملا بالمثل الشعبي المغربي القائل: “نهار كثر الحجل سالا القرطاس”.

وعلى العموم، إن عملية التكييف الناعم هذه، التي يتعرض لها المغاربة اليوم من طرف الكيان الصهيوني بإيعاز من النظام المغربي العميل، تتطلب إعادة النظر في الأسس الفكرية القائمة عليها حركات مناهضة التطبيع في المغرب التي لا تجابه التطبيع إلا إذا كان مرئيا على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي، وهذا جزء بسيط من مصيبتها، أما الوزر الأكبر من المسؤولية فهو ملقى على عاتق القوى الثورية الشيوعية المطالبة بالانخراط فعليا في مسيرة الانتصار للثورة الفلسطينية وتجذير الوعي بها في صفوف المغاربة، فضلا على كشف وتعرية كل مظاهر وأشكال التطبيع مع العدو الصهيوني.