أزمة كوفيد-19 خطر على حياة ملايين الأشخاص، وتسريع للتحول الجيوسياسي وإيقاد لشعلة الاضطرابات الاجتماعية. 8 يونيو 2020، بقلم، المكتب التنفيذي للأممية الرابعة. ترجمة عن الفرنسية، فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة.


المناضل-ة
2020 / 6 / 17 - 17:42     

باتت جائحة كوفيد-19 سببا لموت 400.000 شخص في العالم (401.000 يوم 8 يونيو/حزيران)، مع أكثر من 6.8 مليون حالة مسجلة رسميا في 216 بلدا. وفي النصف الثاني من شهر مارس/آذار، قبل الشروع في رفع إجراء الحجر الصحي في آسيا، كان أكثر من 3 مليار شخص محصورين في بيوتهم.
يستحيل، في هذا الطور، الجزم بإمكان موجة ثانية من الجائحة، ولا إن كان الفيروس سيشهد طفرة.
الأمر أكبر من مشكل صحة
إنها لحظة تكثف سيرورات طويلة الأمد كانت تتطور بنحو مستقل نسبيا، وتتضافر اليوم بكيفية تفجرية: الأزمة البيئية، وحدود النيوليبرالية وتفاوتاتها، وكذا الصراع الجيوسياسي من أجل الغلبة بين الامبريالية القديمة والصين. إن السيرورات التي تغير بعمق العالم المتشكل في 1945 تظهر وتتفاعل. ولا شك أنه مفرق طرق في التاريخ، ولحظة رهانات كبيرة لكل الفاعلين السياسيين.
إننا في صلب تضافر أزمات، مفعم بالأخطار، أزمة حضارة رأسمالية، هي الأخطر منذ الحروب العالمية للقرن العشرين. إنها ما نعثه غرامشي بالأزمة العضوية: بدأت تصدعات تظهر في بناء السلطة البرجوازية ذاته، وبدأ طموحها إلى الكونية يتفتت، واتضح أن مزاعم لإثبات الهيمنة ليست سوى ما هي فعلا: طريقة للحفاظ على الاستقرار الرأسمالي. ويتدهور التوافق الاجتماعي ولم تعد المتطلبات الرأسمالية معتبرة إسهاما في الرفاه العام. ويجري تقاطب سياسي، وتنفتح مساحة سياسية قد يشغلها مناهضو الرأسمالية الاشتراكيون البيئيون، أو اليمين المتطرف، فيما بدأت تظهر "الأعراض المرضية".
جلي عندما نقترح سياسة صحية قائمة على التضامن أن هذه المطالب تتجاوز الإطار الذي حددته الرأسمالية. إن صحتنا متوقفة على الظروف التي نعيش فيها، على إمكان استنشاق هواء صاف، وشرب ماء غير ملوث، والتزود بأغذية جيدة، وعلى بيئة في مددنا متيحة للعيش، الخ. الأمر، باختصار، متوقف على العيش في ظروف سليمة والتوفر على دخل كاف لضمان حياة جيدة. الصحة كل بدني واجتماعي وثقافي وبيئي يوجد في أساس حياة ثرية إنسانيا وسليمة. ظروف الحياة التي خلقتها الرأسمالية لا تتيح حياة جيدة، لا على صعيد اجتماعي ولا صعيد ثقافي وبيئي، ما يجعل سياسة صحية قائمة على التضامن تتجاوز الحدود التي وضعتها الرأسمالية.
الأزمة البيئية
تدمير الغابات، والنظام الاستخراجي، والإنتاجوية الرأسمالية، وتخريب الأنظمة البيئية، وزيادة عزل الحيوانات واستهلاك اللحم، عوامل سهلت تخطي الفيروسات للحواجز بين الأنواع. إن ثلاث أرباع الأمراض التي ظهرت منذ العام 1960 هي أمراض منتقلة من الحيوان إلى الإنسان. المقصود بوجه خاص ايبولا والسيدا وسارس وميرس وكوفيد-19. لقد أدت عولمة المبادلات إلى انتشار سريع للفيروس على صعيد عالمي. وأدى نمو الحواضر الضخمة وأحياء الصفيح المرتبطة بها إلى تسريع انتقال العدوى بين البشر. هكذا يمثل كوفيد-19 عاقبة لتداخل نتائج العولمة.
يتوقع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ GIEC ارتفاع درجات الحرارة المتوسطة عالميا حتى 6 درجات مئوية في أفق العام 2100، ما يستتبع ارتفاعات للحرارة أهم بكثير في معظم المناطق القارية وفي محيط القطب الشمالي، وارتفاعا هاما لمستوى البحر وارتفاعا شاملا لوتيرة الأحداث القصوى وحدتها مثل موجات الحر والحرائق الهائلة والجفاف والفيضانات والزوابع والأعاصير المدمرة. هذا ما سيرفع عدد الأشخاص الذين سيغادرون 19% من مساحة الأرض، ومنها المناطق الساحلية والمدارية، إلى 3.5 مليار. وسيكون لهذه الكارثة المناخية، وكذا لنقاط ترجح بيئية، لاسيما فقد التنوع الحيوي واجتثاث الغابات ونقص ماء الشرب، عواقب أشد رعبا من نتائج كوفيد-19. وبهذا النحو تعطينا الجائحة لمحة عما يمكن أن يصير إليه عالم تنهال عليه هكذا كوارث.
جرى استعمال لحظة الجائحة، في بعض مناطق العالم، من قبل الصناعة الزراعية للتقدم بمشروع رأسمالي لتدمير الطبيعة. ويمثل البرازيل مثالا في هذا الصدد: في مارس/آذار تزايد اجتثات غابة الأمازون بنسبة 29.9% قياسا بنفس الحقبة من السنة السابقة. وتقدم تدمير الغابة هذا هو أيضا تقدم في إبادة الشعوب، لاسيما الشعوب الأهلية، التي كانت من الأشد تضررا بكوفيد-19. إن مشاركة منظماتنا الاجتماعية البيئية في الدفاع العالمي عن غابة الأمازون وصحة الشعوب الأهلية خلال حقبة الجائحة أمر أساسي!
التأثير الجيوسياسي والجيواقتصادي على الوضع العالمي
الصراع من أجل التفوق قائم وشرس، في إطار تقاطب ثنائي بنته الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
منذ نصف قرن تطورت الصين في إطار شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت إدارة أوباما قد حاولت الرد على نمو الصين المتوعد بالسعي إلى نسفه بواسطة اتفاق الشراكة العابر للمحيط الموقع في العام 2015. لكن حكومتها ألغت الاتفاق في يناير العام 2017 في إطار إعادة الاصطفاف الاستراتيجي التي دفع بها مشروع ترامب، الأمر الذي أتاح للصين الشروع في تقديم نفسها بطلا للتبادل الحر والعولمة الاقتصادية بوجه نزعة واشنطن الحمائية القومية.
كان لفك هذا التحالف مضاعفات في كل دوائر المجتمع العالمي. وخرجت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقل قوة من هذا الطور. وسيكون الاتحاد الأوروبي، المتضرر من مغادرة بريطانيا له الأشد تضررا. يمثل العجز عن حشد رد صحي أوروبي موحد على الأزمة ضربة للاتحاد الأوروبي، إذ لم تتصرف الدول الأعضاء باتفاق لما اندلعت الأزمة في أوروبا، بل تصرفت كل دولة على حدة، بإغلاق الحدود، وتعليق حرية التنقل وبقطع غير منسق لصلات النقل. ولم تحصل ايطاليا طيلة أسابيع على أي مساعدة، لا من البلدان المجاورة، مثل فرنسا وألمانيا (التي أوقفت أيضا تصدير اللوازم والتجهيزات الطبية)، ولا على صعيد الاتحاد الأوروبي. وكان ما قامت به الصين في مجال التزويد بالتجهيزات أكثر. وأرسلت كوبا، رغم الحصار الإجرامي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ألوية طبية إلى أكثر من 20 بلدا.
أما البلدان المستدينة، مثل إسبانيا واليونان وإيطاليا، فقد جرى توجيهها نحو الآلية الأوروبية للتثبيت المالي في إطار دعم خاص بأزمة الجائحة بمقدار 240 مليار يورو. وتتطلب هذه الآلية تدابير تقشف وإلغاء خدمات عامة مقابل القروض.
مع 40 مليون طلب تسجيل في البطالة في مستهل شهر يونيو/حزيران، يتراجع الاقتصاد الأمريكي بنسبة 5.8% (حسب صندوق النقد الدولي) في متم العام. في سياق الأزمة الاجتماعية (وموجة انتفاضات مناهضة للعنصرية جارية حاليا)، قرر البلد انتخابات في نوفمبر ستطبع مجرى الوضع السياسي الداخلي والخارجي. وسيستعمل ترامب كل الوسائل (حتى الغش) كي يُعاد انتخابه، لكنه سيواجه صعوبة في بلوغ ذلك. فقد تضررت هيبته لدى نصف السكان. ويأتي التفجر الراهن لتعبئات جماهيرية وجذرية في الولايات المتحدة الأمريكية في سياق التفاوت الاجتماعي والعرقي التاريخي، والاستياء السياسي وتجربة النضالات التي راكمتها الأجيال الجديدة. إنها أيضا ثمرة تدبير حكومة ترامب الكارثي للجائحة الذي سبب وقعا غير متناسب على جماعات السود.
يتعرض السكان في أفقر البلدان في الآن ذاته لخسائر صحية وآثار اقتصادية. يلاحظ في البرازيل والبيرو والشيلي والمكسيك ارتفاع حاد لعدد المصابين. ويتوقع الخبراء في البرازيل تفجرا لكوفيد -19 في شهر يونيو تفاقمه سياسات بولسونارو الإجرامية. يشهد هذا البلد تركيبا تفجريا لأزمة صحية تتفاقم مع انحسار اقتصادي وأزمة مؤسسية خطيرة. بات بولسونارو في عزلة أشد ويلجأ إلى قاعدته الجذرية ذات الأيديولوجية الفاشية، المدعومة من قطاعات مصالح شرطة الدولة والجيش والميلشيات، لإسكات الكونغرس والمحكمة العليا كي يحكم بكيفية دكتاتورية صريحة.
وفي أفريقيا والشرق الأوسط أنظمة صحية أكثر قصورا، أضرت بها أوضاع الحرب، وحتى إن كان عدد المرضى قليلا فإن مخاطر هذه الجائحة تنضاف إلى القائم من أخطار: مثلا، قتلت الملاريا في أفريقيا 380 ألف شخص في العام 2018، وقتل السل 607 ألف وسوء التغذية ما بين 2 و 3 مليون شخص. وستواجه الشعوب بشكل جدي تقشفا أشد وتعميقا للتخلف والتبعية الغذائية والاستدانة واستيلاء الشركات متعدد الاستيطان والرأسمال المحلي الكبير على الاقتصاد والموارد. وهذه الأسباب ذاتها هي التي فجرت السيرورات الثورية في المنطقة العربية وستمدها بحيوية جديدة نحو دورة جديدة بعد كوفيدـ19.
إن الشك التام في إمكان انتعاش اقتصادي في شكل حرف V يجنح إلى جعل المجموعات الرأسمالية وحكوماتها أشد عدوانية. وطالما لم تُهزم الرأسمالية، سيظل كل أمل في "عالم ما بعد كورونا" مغاير وأفضل مجرد يوتوبيا؛ وسيكون العالم أشد تفاوتا. وسيغدو النضال من أجل بديل مناهض للرأسمالية أكثر إلحاحية.
أزمة النموذج النيوليبرالي
تمتد جذور هذه الأزمة في العولمة، وتتعاظم بعد هذه الجائحة كل الأزمات السابقة. وفضلا عن ذلك كشف كوفيد-19 هشاشة نظام إنتاج رأسمالي معولم، محدد بعمق بالسعي الأقصى إلى القيمة التجارية (عبر سلاسل القيمة وتكييف إنتاج البلدان المسيطر عليها لمصالح المجموعات الرأسمالية الكبيرة) وإلى معدل ربح مستقل إلى حد بعيد عن النمو الاقتصادي.
بيد أن الأهداف الرأسمالية ستكون في الأشهر المقبلة استئناف السير في أقرب وقت كأن شيئا لم يكن.
سبق أن واجهت العولمة وسياسات التقشف حدودها في السنوات الأخيرة: فمنذ الأزمة المالية لعام 2008، ضخت البنوك المركزية الكبرى، منها الخزينة الفدرالية الأمريكية والبنك المركزي الأوروبي وبنك انجلترا مبالغ مالية هائلة في البنوك الخاصة للحفاظ على تعويم مجمل النظام الاقتصادي. وفي الآن ذاته ارتفعت، مع نسب فائدة فعلية صفر أو سلبية، استدانة البلدان والمنشآت الرأسمالية بسرعة فائقة بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ولم تستعمل البنوك والمنشآت الرأسمالية الكبيرة بالقطاعات الأخرى الوسائل المالية التي وزعتها بغزارة البنوك المركزية لأجل استثمارات منتجة، بل استعملتها لتملك أصول مالية. وولد ذلك فقاعة مضاربية في سوق البورصة وفي سوق السندات (أي ديون السندات) وفي بعض الأماكن في القطاع العقاري. ووجدت كل المنشآت الكبيرة نفسها مستدينة في بداية هذه الأزمة.
أزمة اجتماعية عميقة
أخل كوفيد-ـ19 بالاقتصاد وبالنقل وبالطلب إخلالا شديدا.
حتى في المناطق الأقل تضررا بالجائحة - مثل أفريقيا (5127 وفاة يوم 7 يونيو/حزيران، منها أكثر من 3800 في بلدان الجزائر والكاميرون ومصر والمغرب ونيجيريا وجنوب أفريقيا والسودان) – ونتجت عن الأزمات في الصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عواقب عميقة على صعيد اقتصادي واجتماعي: يتوقع برنامج التغذية العالمي تضاعفا في العام 2020 لعدد الأشخاص المعنيين بانعدام الأمن الغذائي الحاد، بخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط (بلغ 135 مليون في 2019 بسبب الحروب وتغير المناخ).
ومن نتائج هذه الأزمة عودة شبح الجوع في القطاعات الأفقر من الطبقة العاملة ببلدان عديدة، وبخاصة المقصيين من عالم الشغل أو المدمجين فيه بكيفية هشة، بلا حقوق في العمل- وهم غالبا السكان ضحايا الميز العرقي أو المقصيين بسبب وضعهم العرقي أو الاجتماعي. هذا ما يضفي طابعا أساسيا على مبادرات الحركات الاجتماعية الرامية إلى تنظيم التضامن الطبقي لمحاربة الجوع، ولها عواقب مباشرة على مقدرة التنظيم السياسي في الأحياء الفقيرة. وقد كان لحركات جماعات السود والمهاجرين (لاسيما في البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا) التي كانت في قلب تلك المبادرات دور أساسي في تنظيم المقاومة الشعبية للجائحة.
إن إنتاج الغذاء ممركز بقوة اليوم، حيث تسيطر حفنة منشآت كبيرة على كل القطاع. وقسم كبير مما يُنتج مضر بالصحة البشرية، ويسهم كثيرا الأكل المباع جاهزا، الرخيص والمشبع، في السمنة والأمراض التي تصيب أفقر الناس.
العواقب على التشغيل وظروف حياة الطبقات العاملة والشعبية
إن الطبقات الشعبية، ومنها الفلاحين الفقراء، هي الضحية الرئيسية لكوفيد-19، بشكل مباشر بعدد الوفيات وآخر غير مباشر بالتسريحات وفقد فرص العمل أو النشاط وخفض الأجور.
تبرز أولى الدراسات، المنجزة في الولايات المتحدة والبرازيل وفرنسا، مثلا، أن الطبقات الشعبية هي الضحية الرئيسية لوفيات كوفيد-19. فمن بين 3.3 مليار من سكان نشيطين تضرر 80 بالمائة بإغلاق كلي أو جزئي لأماكن العمل، حسب تقديرات منظمة العمل الدولية. وفي الولايات المتحدة، جرى تدمير 20 مليون فرصة عمل في أبريل/نيسان، بعد 30 مليون شخص جديد في سجلات البطالة في شهر مارس/آذار. وفي بريطانيا كان ثمة 950 ألف شخص جديد في سجلات البطالة بين 16 و31 مارس/آذار أي عشرة أضعاف المعتاد. وانفجرت في أوروبا حصة البطالة الجزئية. وطبّقتْها في ألمانيا زهاء نصف مليون منشأة في مارس/آذار، أي عشرون مرة أكثر في مدة شهر مما كان بعد الأزمة المالية لعام 2008.
وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا (وحتى 90% في الهند) يعمل قسم هام من اليد العاملة في الاقتصاد غير المهيكل. وفقد "عمال سوق العمل السوداء" دخلهم مع أزمة كوفيد-19، ويفتقرون لأي حماية اجتماعية، أو تعويض بطالة، ولا يستفيدون إلا قليلا من خدمات الصحة. ونسبة عامة من هؤلاء العمال، بالعديد من البلدان، مهاجرون- هجرة داخلية من القرى إلى المدن (الهند، قسم كبير من أفريقيا) أو صوب دول أخرى (في دول الخليج، قدوما من آسيا، والولايات المتحدة قدوما من أمريكا الجنوبية والوسطى، الخ). وهؤلاء العمال بالغو التأثر بشكل مزدوج: ليسوا أول ضحايا الأزمة الاقتصادية وحسب، بل يجعلهم العنصريون أكباش فداء أيضا. تتوقع منظمة العمل الدولية أن يفقد 1.6 مليار شخص في العالم - أي ثلاثة أرباع شغيلة القطاع غير المهيكل- وسائل عيشهم في الربع الثاني من السنة. وتقدر أن 6.7% من ساعات العمل في العالم قد تضيع في الربع الثاني من السنة أي معادل 195 مليون وقت عمل بدوام كامل (بأسبوع عمل من 48 ساعة)، منها 125 مليون في آسيا، و24 مليون في أمريكا، و20 مليون في أوروبا. وحسب دراسة للاتحاد الأفريقي ضاعت 20 مليون فرصة عمل في أفريقيا مع زيادة في المديونية.
كوفيد-19 يفاقم حدة أوجه التمييز
بوجه عام، كانت قطاعات الطبقة العاملة الأكثر هشاشة هي الأشد تضررا، مباشرة او مداورة، من الفيروس. إنها في نيويورك سود البرونكس، وفي مجمل الولايات المتحدة الأمريكية الأمريكيون الهنديون والسود؛ وفي ضاحية باريس السكان ضحايا العنصرية في سين سان دونيه؛ وفي البرازيل سود أحياء الصفيح. وفي الهند الكثير ممن يعيشون في الشوارع أو أحياء الصفيح مسلمون، طردوا بسرعة من قبل المالكين والدولة لما فرض مودي حجرا صحيا قاسيا وسريعا- ما أدى إلى حركة سكان واسعة. وفي الفلبين يقدر عدد العمال المهاجرين المضطرين للعودة بسبب فقد فرص العمل بسبب الجائحة بزهاء 700 ألف. بعضهم يعمل في قطاع البناء لكن الأغلبية تشتغل في الفنادق، وحتى في بواخر الاستجمام. كل هؤلاء السكان كانوا ضحايا عوامل مرضية أشد، وظروف تغذية وسكن أكثر هشاشة وضرورة التنقل لمواصلة العمل.
• ارتفع عدد حالات تعنيف النساء وقتلهن بنسب من 30 إلى 100% في كامل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأمريكا اللاتينية والهند والصين والشرق الأوسط.
• يعاني السكان ذوو أصل أفريقي في الولايات المتحدة الأمريكية والكاريبي وأمريكا الجنوبية (البرازيل بوجه خاص) بحدة أشد بالنظر إلى وضع فقر الأغلبية، مع الجائحة والبطالة وفقد الدخل في القطاع غير المهيكل وعنف الدولة.
• يعاني كل السكان المُرحّلين أو اللاجئين – السوريين والفلسطينيين والويغور والروهينغا في مخيمات بنغلاديش بدرجة أشد من هذا الوضع.
• يوجد في الخليج اليوم ملايين العمال المهاجرين من جنوب آسيا في وضع هشاشة بالغة، بلا عمل ولا وسائل عيش.
• تلاميذ وطلاب الأوساط المحرومة هم من عانى أكثر من إغلاق المؤسسات ومن التعليم عن بعد دون ضمان ولوج إلى الحواسيب وإنترنت للجميع. وصغار الأطفال هم الأكثر من عانى من نقص الدعم في محيطهم الأسري.
الجائحة تسهل النيل من الحريات الديمقراطية
اعتمدت بلدان عديدة أشكال تقييد للحقوق الديمقراطية في إطار الحجر الصحي في حالة طوارئ. وسُنت بالعديد من البلدان قوانين استثنائية وجرى اعتقال معارضين. ففي الفلبين مثلا، استعمل دوتيرت كوفيد-19 لتشديد سياسة قمعية للتحكم في السكان. وكذلك في هونغ كونغ حيث اعتمدت حكومة بكين تقييدا جديدا للحقوق الديمقراطية. وفي أمريكا اللاتينية، تلك حال البرازيل وكولومبيا والشيلي والإكوادور وبوليفيا مثلا. وببلدان عديدة تمثل تدابير الحجر الصحي والمراقبة المطبقة أساليب جديدة للرقابة البوليسية. وجلي أن الهدف هو تأبيد هذه التدابير. لا سيما أن كوفيد-19 حل ببلدان عديدة بعد تعبئات اجتماعية ضد عواقب السياسات الرأسمالية. تلك كانت، مثلا، حالة هونغ كونغ والجزائر والشيلي وفرنسا. وبسبب مفاقمتها أوضاع الظلم الاجتماعي هذه، تخشى الطبقات السائدة بحق انبعاث تعبئات اجتماعية. وتستعد لها بالسعي لتعزيز ترساناتها القمعية. بيد أنه انطلقت رغم كوفيد-19 المظاهرات في هونغ كونغ ضد القوانين المعادية للديمقراطية التي سنتها حكومة بكين، وفي البرازيل تنتظم حركة عريضة للمطالبة بإقالة بولسونارو. ويمكن توقع تعبئات اجتماعية وسياسية عديدة في الأشهر المقبلة.
إن التفجر الراهن للتعبئات الكثيفة بالولايات المتحدة الأمريكية، ردا على اغتيال جورج فلويد من طرف شرطة مينيابوليس (ذات التاريخ العنصري العريق والفظيع بوجه خاص) يندرج في سياق حركة "حياة السود مهمة" Black Lives Matter وسياق التأثير غير المتناسب لسياسات ترامب الصحية على السود.
يجب على الحركات الاجتماعية وعلى مناهضي الرأسمالية أن يتنظموا ضد عنف السياسات العدوانية
فيما تظل المخاطر الصحية قوية الحضور، ويظل الهدف الوحيد للطبقة السائدة إعادة تشكيل أرباحها، تتضاعف التهديدات المحدقة بالجماهير. لم يتزايد إغلاق المنشآت والتسريحات وتجميد الأجور أو إنقاصها وحسب، بل تم فضلا عن ذلك النيل كثيرا من قوانين حماية العمل (حيث توجد) بتدابير استعجالية، وثمة إرادة جلية لمواصلة السير في هذا الاتجاه. في الهند، مثلا، دفعت حكومة مودي الولايات في هذا الاتجاه، وفي أوتار براديش وماديا براديش، جرى تعليق حقوق النقابات، وكذا أنظمة حفظ الصحة والسلامة في العمل في الأنشطة الجديدة، فيما تم تسهيل التسريحات.
وببلدان عديدة، مثل ألمانيا، والدولة الإسبانية والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، خلال فترة الحجر الصحي، نظمت جماعات يمين متطرف مظاهرات ضد الحجر الصحي، ومظاهرات عنصرية وكارهة للأجانب، مازجة نظريات المؤامرة بالنزعة القومية او تفوق البيض. وفي الهند، كان المسلمون (200 مليون) ضحية لحملات جماعات عنصرية تتهمهم بالمسؤولية عن الجائحة. بهذا النحو يتطفل اليمين المتطرف على الأزمة الاجتماعية والسياسية المنتشرة ببلدان عديدة، خلال الحجر الصحي وبعده.
لكن، بالعديد من البلدان، رغم الحجر الصحي، كانت الحركات الاجتماعية والنقابات والجماعات الشعبية نشيطة، استمرارا للعديد من التحركات والتعبئات التي نظمتها من قبل النقابات والمنظمات السياسية والحركات الاجتماعية، مثل التعبئات ضد ضروب العنف الجنسي أو العنصري، ومن أجل الحق في السكن، ونضالات الأجراء وكذا مستخدمي الصحة في فرنسا، والحركات المناهضة للاستبداد ومن أجل الديمقراطية في الشيلي ولبنان والجزائر وهونغ كونغ ومثل التعبئات المناخية في الأشهر السابقة. وببعض البلدان، أدى ذلك إلى تطور حركة اجتماعية جديدة – التعاون- أثارت مسائل هامة حول النضال "داخل الدولة وضدها" في الوضع الراهن (وربما في الأمد البعيد) وحول خلق منظمات جماعية حيث لم يكن لها من قبل حجمها الحالي. لا يمكن لأزمة كوفيد-19، وما كشفته في المجتمع الذي نعيش فيه، إلا أن تعزز عزم تلك التعبئات والحركات على مواصلة تحركها وعلى تحقيق النصر.
خلال فترة الحجر الصحي، جرت مبادرات تنظيم ذاتي عمالية في مناطق مقاومة، في القرى والمدن. ثمة أمثلة عن مبادرات السكان والقطاعات المنظمة هاته- مثل الفلاحين والشعوب الأهلية والعاطلين والسكان وجماعات هوامش المدن الكبرى وشبكات التضامن النسائي... تصنع تلك المبادرات بدائل بالغة الأهمية، مثل الصناعة الجماعية للأقنعة المنسوجة لفائدة السكان من أجل تأمين الوقاية من العدوى، ومنح بديل للأغذية وإنتاجها، والدفاع عن نظام الصحة العمومية والمطالبة باستفادة الجميع منه، والتنديد بتصعيد العنف ضد النساء وعمل العناية المنهك الذي يقمن به في البيت، ضمن مسائل أخرى.
تمثلت إحدى عواقب الأزمة في الكيفية التي كشفت بها لفئات أوسع من السكان أنماط العمل التي تخلق قيمة استعمالية- عمل أساسي- وتلك الأنماط الأخرى التي لا توجد سوى لخلق أرباح. بوجه أعم، وخصوصا عبر تحركات تبرز القيمة التي توليها لها الطبقات الشعبية، اتضح الطابع الحيوي لعمل إعادة الإنتاج الاجتماعية في مجال الصحة والرعاية، سواء بلا مقابل داخل الأسرة او بمقابل ضعيف في القطاعين العام والخاص. وفي بلدان عديدة امتدت التشجيعات التي تم التعبير بها لمستخدمي/ات قطاع الصحة لتشمل كل العاملين في القطاعات الأساسية، لاسيما خدمات البريد والنقل وتوزيع الأغذية والبيع بالتقسيط. وقد تم التأكيد على النسبة الكبيرة التي تمثلها النساء والعمال السود والمهاجرون في هذه القطاعات.
وفي الآن ذاته، جاء التقليص الهام جدا للرحلات الجوية، وبدرجة أقل، للأسفار عبر الطرق بمزايا غير منتظرة: تقليص التلوث الجوي في آلاف المدن المختنقة "عادة" بسحب الدخان. وبزوال التلوث الصوتي الذي أتاح للعديد من الناس سماع زقزقة العصافير لأول مرة منذ عقود.
بدأت نقاشات في حركات اجتماعية عديدة وفي بعض أقسام الحركة النقابية، واضعة "الحالة الطبيعية" على بساط البحث (تحت شعار إعادة البناء على نحو أفضل): الفقر وسط تفاخر بالثروات، ومعدومو المأوى، وظروف العمل الخطيرة، وتعنيف النساء، والميز ضد السود والمهاجرين والتلويث والمسارات الطويلة لنقل الأغذية، وأوجه أخرى للكارثة البيئية.
شهدت فترة الحجر وما بعدها تحركات وإضرابات عمالية مطالبة بالسلامة الصحية، وبإغلاق مواقع الإنتاج غير الضرورية، وضمان حقوق العمل وأداء الأجور. منها مثلا، بالعديد من البلدان نضالات شغيلة أمازون أو مستخدمي المطاعم والنقل واللوجستيك.
من ثم، تتمثل المهام الأساسية للحركات الاجتماعية في الشهور المقبلة في تنظيم الطبقات الشعبية من أجل الدفاع عن صحتها وحقوقها بوجه موجة هجمات اجتماعية ستطال في الآن ذاته التشغيل والحقوق الاجتماعية والحريات الديمقراطية، ومن أجل إعادة خلق علاقة دائمة بين البشر والبيئة.
تلزم بوجه الجائحة خطة استعجالية في مجالات الصحة والسكن والتشغيل والأجور والتعليم واستقبال المهاجرين والبيئة:
• يجب، بكل مكان، وبخاصة في المناطق المتضررة بالجائحة، ضمان الوسائل الكافية لتوفير كثيف لأدوات الفحص، ومضاعفة أسرة الانعاش الطبي وأجهزة التنفس وكذا تعميم اقنعة الحماية والاختبارات البيولوجية المناسبة على كافة السكان.
• استئناف الأنشطة الاقتصادية فقط عندما تكون صحة العمال محمية: توفير وسائل الوقاية (أقنعة، مواد تعقيم، نظارات، قفازات) لجميع المستخدمين وممارسة فورية لحق الانسحاب عند انتفاء شروط السلامة.
• التكفل 100% من قبل المنشآت و/أو الدولة بأجور العمال والعاملات الذين أوقفوا أنشطتهم – بما فيهم المهاجرين وضحايا الهشاشة والخدم والمستقلين والموسميين- دون إلزام بالعطلة أو وجوب استرجاع الساعات الضائعة. وإلزام الدول بدفع الأجور التي رفض المشغلون أداءها خلال الأزمة. ويجب على الحكومة فيما بعد أن تستعيد كلفة هذا التدخل بتغريم المنشآت التي لم تدفع أجورا.
• منح الدولة دخلا أدنى مضمونا كافيا للعيش اللائق لعمال القطاع غير المهيكل، وللعاطلين بلا دخل وللطلاب وكل المحتاجين.
• منع كل تسريح وكل إغلاق منشأة من قبل المجموعات الرأسمالية، وإرجاع الأجراء المسرحين منذ بداية الجائحة.
• فتح المدارس في ظروف آمنة للتلاميذ والمدرسين. وعدم معاقبة الطلاب نتيجة إلغاء الدروس.
• رفض أي إجراء تسلطي واستثنائي يعلق الحقوق الاجتماعية، لاسيما حق الإضراب، وبخاصة الابقاء على هذه الاجراءات بعد رفض الحجر الصحي.
• وقف كل عمليات طرد المستأجرين من السكن، وتعليق أداء الإيجارات، والسلفات الشخصية و فاتورات الماء والطاقة، وتمكين الذين يعيشون في هشاشة او بلا سكن من مساكن لائقة، ومصادرة المساكن الفارغة.
• منح إعانة اجتماعية مناسبة للأشخاص المعاقين، وللمسنين ولكل من وجدوا في عزلة إبان الحجر الصحي.
• وضع تدابير وقائية عاجلة فورية لصالح النساء والأطفال ضحايا العنف، مع قرارات سريعة لإبعاد الأزواج العنيفين، أو تزويد الضحايا بمسكن بديل، وضمان الافادة في الوقت المناسب من موانع الحمل ووقفه إراديا بصفتهما عمليات طبية أساسية.
• تحويل المراكز المغلقة للاجئين إلى مراكز استقبال مفتوحة مزودة بتجهيزات صحية. وتسوية فورية لوضعية جميع من لا أوراق ثبوتية لديهم واللاجئين بقصد تمكين الجميع من أنظمة حماية اجتماعية وإنهاء كل عمليات الطرد. والإغلاق الفوري لمراكز اعتقال المهاجرين، المكتظة، لاسيما مركز موريا في ليسبوس وتلك المتاخمة للحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
النضال ضد التنظيم الرأسمالي للمجتمع، ووضع مصالح الطبقات الشعبية والحاجات الاجتماعية في المقدمة بجملة قرارات عاجلة:
كل المجالات الأساسية لنظام الصحة، حتى التأمينات الصحية، وكذا صناعة الأدوية والبيوتكنولوجيا وكل البحث والتطوير الطبي والدوائي يجب ألا تكون قطاعا خاصا؛ بل تحت رقابة عمومية. يجب إلغاء براءات اختراع الأدوية والمعارف والمنتجات الطبية. ويجب أن يكون البحث الطبي منظما على صعيد دولي وفق روح تضامنية، ومكرسا بوجه الحصر لخدمة البشرية. ويجب وضع المعرفة والتكنولوجيا في متناول كل بلد مجانا.
يجب أن يترافق هذا مع تطوير بنية تحتية صحية اجتماعية مجانية، على صعيد محلي، على كثب من الحاجات، وعلى صعيد وطني. يجب رفع مستوى الاعتبار الاجتماعي لمناصب العمل الأساسية في إعادة الإنتاج الاجتماعية، التي تشغل معظمها وحتى كلها النساء، كما يجب تحسين دخل العاملين فيها.
جلي أنه يجب، في إطار إعادة الهيكلة هذه لنظام الصحة، وضع كل مستشفيات القطاع الخاص تحت رقابة عمومية، وتحويلها إلى ملكية اجتماعية. إن نظاما موحدا للعلاجات الصحية والعلاجات السريرية أساسي مطلقا.
يجب أن يُعاد دمج خدمات التنظيف، وغيرها من الخدمات الضرورية لاشتغال المستشفيات وكل مؤسسات العلاج، في الخدمة العمومية. ويجب دفع أجور لائقة لمستخدمي هذه الخدمات وتأمين سلامتهم في أماكن العمل.
يجب، للتمكن من مواجهة هذا كله، وقف كل إنتاج أسلحة، وتحويل مصانعها نحو أنشطة إنتاج مفيدة اجتماعيا، واستثمار الأموال المحررة بهذا النحو في تطوير نظام الصحة.
تمويل التكاليف الناتجة عن توسع نظام الصحة بواسطة ضرائب خاصة على المداخيل العليا والريوع والممتلكات. يجب عمل كل شيء كي يحمل تكاليف الأزمة من حققوا أرباح هائلة وكدسوا ثروات على حساب سائر السكان في العقود الأخيرة.
يجب ألا تكون ظروف العمل سببا لمرض الناس، ويجب أن تكون ملائمة لتطورهم ولصحتهم. وهذا ملح بوجه خاص للعمال غير المؤهلين في صناعة اللحوم والزراعة والعناية بالمسنين وخدمات تسليم البضائع. يجب ضمان السلامة في العمل واتخاذ تدابير ملائمة لحفظ الصحة. وخفض مدة العمل وتحسين التدابير في مجال الاستراحة.
استئصال السكن الهش وغير الصحي، مع وضع خطط تعمير حضري لبناء مساكن عمومية جيدة.
تعزيز نظام التعليم العمومي وتوسيعه، ورفض خصخصته بتطوير مقاولات تقترح التعلم بالانترنت.
نقل المنصات الرئيسية للتواصل الاجتماعي (فايسبوك، واتساب، أمازون، وزووم)، التي تستفيد بكثافة من الحجر الصحي وتجمع معطيات ستدر أرباحا خيالية مستقبلا، إلى الملكية الاجتماعية. يجب نزع ملكيتها (دون تعويض، فقد درت الكثير وبإفراط) وتشغيلها كخدمة عمومية شفافة وبدون هدف ربحي.
تحويل خدمات الجنازات إلى وكالة عمومية. يجب عدم الترخيص لمنشآت خاصة بجني أرباح من الموت والسعي الى التلاعب بحزن الناس لرفع مداخيلها إلى الأقصى.
زراعة مستدامة وعدالة غذائية عالمية، بإعادة تنظيم دورات الإنتاج والتوزيع حسب الحاجات الاجتماعية. تقليص عمليات نقل الأغذية واستهلاك اللحوم. ووقف عمليات اجتثاث الغابات وبوجه خاص تلك الناتجة عن الزراعة الصناعية.
مصادرة البنوك الخاصة بدون تعويض لمالكي الأسهم الرئيسيين، وتحويل النظام المالي إلى ملكية اجتماعية تحت رقابة المواطن؛ وتعليق كل المصاريف البنكية على الحسابات الخاصة، ومنح الطبقات الشعبية قروضا بصفر فائدة للاستجابة لحاجاتها الفورية؛ وتجميد ديون الأسر البنكية والقروض الصغيرة والايجارات؛ وضمان الماء والكهرباء والغاز وانترنت للجميع.
يجب أن يتيح الوقف الفوري لأداء الديون العمومية تعبئة الأموال التي تحتاجها البلدان لتلبية الحاجات الشعبية في أثناء الجائحة. ويجب أن يلازم وقف أداء الدين افتحاص بمشاركة المواطنين بقصد تحديد الديون غير المشروعة وإلغائها.
فتح الحدود من أجل قبول آمن للمهاجرين، مع منحهم وضعية قانونية واستفادتهم من خدمات الصحة والمساعدة الاجتماعية.
لا يمكن أن يتم النضال ضد الميز في استفادة السكان الأهليين والمهاجرين والسود والنساء ومختلف الهويات الجنسية والمعاقين من الخدمات العامة إلا بواسطة برامج فعل إيجابي يروم محاربة قرون من الميز المؤسسي وباستشارة ومشاركة دائمين لتلك الجماعات في اتخاذ قرار حقيقي من أجل خلق خدمات تستجيب فعلا لحاجة كل واحد، ذكورا وإناثا.
إن عالما مغايرا ضروري وعاجل !
بالنظر إلى تهديد أسس حياة البشر، يتطلب التضافر الراهن للأزمات سياسة مناهضة للرأسمالية مع أفق اشتراكي بيئي. يبرز هذا التضافر إلحاحية مجتمع قائم على تلبية الحاجات الاجتماعية، منظم من قبل الطبقات الشعبية ومن أجلها، مع ملكية عامة للبنوك ووسائل الإنتاج الرئيسية. تبرز هذه الأزمة الحاحية كبح أسباب تغير المناخ ووقف نهب البيئة الذي يدمر "بيتنا المشترك"، ويقلص التنوع الاحيائي، ويمهد طريق الأوبئة المعاصرة مثل الأمراض التنفسية الخطيرة ذات الطبيعة الفيروسية.
في عقود النيوليبرالية الأولى، اتحدت قطاعات اجتماعية لتقول إن عالما مغايرا ممكن، واليوم يجب أن نتحد لنقول إن عالما مغايرا ضروري وملح! إننا بحاجة إلى تحرك أممي مشترك للسير نحو عالم حيث قيمة الحياة أولى من الربح، وحيث تكف الطبيعة عن كونها بضاعة. تبرز الأزمة الراهنة بجلاء أن قسما هاما من الإنتاج الرأسمالي محض نهب وغير ضروري ومجرد تبذير.
في مطلع سنوات 2000، جمعت الحركة من أجل عدالة عالمية ملايين الأشخاص، متحدرين من حركات اجتماعية ونقابات، مع مشاركة منظمات اليسار الجذري. اليوم يجب أن نبني هكذا تجمعات باقتراح مطالب للنضال ضد الرأسمالية وتغير المناخ وضروب الميز. وقد بدأت تظهر بمختلف البلدان على صعيد عالمي مبادرات ترمي إلى هكذا هدف. ستكرس منظمات الأممية الرابعة ومناضلوها ومناضلاتها جهودهم لإنجاح هذه المبادرات. من الملح أن تقوم المنظمات والتيارات الاجتماعية، المناهضة للرأسمالية والثورية بالتنسيق والنقاش ووضع تحركات مشتركة على صعيد إقليمي وعالمي.
سيكون مستحيلا العودة إلى الوضع المسمى طبيعيا لما قبل أزمة كوفيد-19. كان ذلك وضعا طبيعيا رأسماليا خطرا على مستقبل البشرية والكوكب. من الملح الانتقال إلى مجتمع جديد قائم على تلبية الحاجات الاجتماعية، منظم من قبل الطبقات الشعبية ومن أجلها، مع ملكية عامة للبنوك ولوسائل الإنتاج الرئيسية. هذا ما يجعل منظور تغيير اجتماعي بيئي جذري أمرا ضروريا.