الطبقة الوسطى في سورية - الواقع والدور -2/3

معقل زهور عدي
2006 / 6 / 22 - 09:48     

الطبقة الوسطى في سورية – الواقع والدور 2/3

باسقاط الوعي السياسي لايمكن الحديث عن طبقة اجتماعية ، حتى النضالات المطلبية اليومية ليست كافية لتكون الطبقة ، الوعي السياسي هو الذي ينتقل بتشكيلة اجتماعية الى مرتبة طبقة اجتماعية لتتحول من طبقة بذاتها الى طبقة لذاتها ، حين تكف الطبقة عن البحث عن مصيرها في ميدان السياسة ، يتحدد مصيرها خارج ارادتها .

خلال المرحلة الممتدة من الاستقلال السياسي لسورية وحتى الأمس القريب لعبت الطبقة الوسطى في سورية دورا رئيسيا في السياسة ، ولكنها فعلت ذلك عبر مثقفيها وسياسييها وليس عبر متحدات اجتماعية – سياسية تمثلها بصورة واعية ومباشرة ، لقد افتقرت في الواقع لوعيها بذاتها ، وكانت تنظر لتلك الذات في معظم الأحوال كحالة مؤقتة وانتقالية ، وليس ككيان يستحق ان يكرس للمستقبل .

لقد كانت الطبقة الوسطى مستعدة دائما لتقديم هويتها كضحية في المعارك الاجتماعية والسياسية ذات العناوين المتعددة ، من أجل ذلك كان سحقها سهلا دائما ، وكان انبعاثها صعبا وبطيئا .

لقد حان الوقت لتخوض الطبقة الوسطى معاركها لخسابها الخاص ، ولتكرس وعي ذاتها كطبقة اجتماعية غير طارئة أو مؤقتة ، وان تبحث عن أدواتها وتعبيراتها المطلبية كما السياسية .

وهم الصعود والثراء والتحول باتجاه طبقة رجال الأعمال كان دائما حجر عثرة في طريق وعي الطبقة الوسطى ،هذا الوهم ينكشف اليوم ويتشكل مكانه شعور عميق بضرورة التضامن والكفاح لوقف الانحدار نحو الفقر .

بخلاف الطبقة الوسطى الأوربية ذات التاريخ الذي يبتدىء مع عصر النهضة ، والتي تشققت بسرعة وتم استقطاب معظمها لصالح البورجوازية بعد مرحلة التصنيع ، تتمتع الطبقة الوسطى في سورية بتاريخ متصل وقديم ( تاريخ المدن السورية ) ، وهي تعتبر بحق الطبقة الحاملة للميراث الثقافي والروحي للمجتمع ، وبينما يركز البعض نظرهم على الطبقات الحاكمة التي تعاقبت على سورية ، بحيث يبدو تاريخ سورية منذ العصور الوسطى ( تكون الممالك الأيوبية ثم المملوكية وصولا للمرحلة العثمانية فالاستعمار الفرنسي) تاريخ الطبقات والأسر الحاكمة وتفرعاتها ، فان البحث الاجتماعي لابد ان يعيد التركيز على الطبقة الوسطى ( الحرفيون ، التجار ، رجال الدين ) التي كانت دائما ( اضافة لعمال المدن والأرياف ) القوة الخفية التي تصنع التاريخ .

في مرحلة مواجهة الاستعمار الفرنسي ظهرت الطبقة الوسطى لتحمل راية الكفاح من أجل الحرية والاستقلال . لعب المثقفون أمثال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر دور حملة رسالة الوعي الوطني الجديد وكانوا مستعدين لدفع الثمن ، كانت الطبقة الوسطى هي محرك المشاعر الوطنية وحاضنتها واستمرت كذلك حتى الاستقلال ، فيما بعد تشققت الطبقة الوسطى وانحاز قسم منها للفلاحين حين بدأ الصراع الاجتماعي يتصاعد ، ومنذ العام 1963 حل حزب البعث مكان كل التعبيرات السياسية للطبقة الوسطى ، وحلت منظماته النقابية و( الشعبية ) محل تعبيراتها الاجتماعية ، لكن الوضع الاقتصادي للطبقة الوسطى شهد صعودا مستمرا لغاية الثمانينات .

في سورية حيث الاقتصاد مازال بعيدا عن التمركز حول الصناعة ، تعتبر الطبقة الوسطى أوسع الطبقات وأكثرها أهمية ، ليس بسبب مركزها في الانتاج ، ولكن بسبب كونها الحاضنة التقليدية للثقافة والوعي السياسي ، وبسبب مكانتها ضمن المجتمع وقوة تأثيرها .

ينبع التهديد للطبقة الوسطى من افتقارها لامكانية الدفاع عن مصالحها في وجه مخاطر ثلاثة :

أولا : خطر هيمنة رأس المال المتمفصل مع السلطة السياسية على الاقتصاد الوطني .
ثانيا : خطر العولمة .
ثالثا : خطر انسحاب الدولة من دورها المركزي في الاقتصاد والرعاية الاجتماعية .
تطرح المخاطر السابقة ليس فقط احتمالات تدهور الوضع المعيشي للطبقة الوسطى ، ولكن أيضا احتمالات تدهور وضعها الثقافي وكل مكتسباتها الاجتماعية .

في الاسباب العميقة لاستقرار الوضع السياسي في سورية هذه الفترة الطويلة ( لن نتكلم هنا عن آليات الاستبداد المعروفة جيدا ) شعور الطبقة الوسطى بأن مصالحها الاقتصادية مؤمنة ولو في الحدود الدنيا ، وأن النخب الحاكمة تنتمي لتلك الطبقة بطريقة أو بأخرى ، لكن الوضع اليوم قد اختلف ، حيث لم تعد الطبقة الوسطى ترى في النخب الحاكمة ممثلا لها ، بل نخبا غريبة عنها ، لاتعير مصالحها أي اهتمام .

هذا الوضع المستجد والذي ما انفك يتكثف خلال العشرة أعوام الماضية بدأ يعطي أثره في استعادة الطبقة الوسطى لوعيها المغيب ، وعيها لذاتها ، لمصالحها ، ولدورها الاجتماعي والوطني ، وفي تبلور هذا الوعي وانتشاره يكمن احتمال استعادة الحس النضالي لتلك الطبقة الرائدة .